برزت في السنوات الأخيرة العديد من التجارب الدرامية التليفزيونية التي لعب
الإعلام والفضائيات دورا كبيرا في انتشارها، ودائما ما كانت هذه الأعمال
محل جدل وحوار بين النقاد والمهتمين حول الجوانب الفنية في العمل أو موضوع
العمل..
في الدراما التاريخية منذ أن بدأ التعامل معها دراميا نجد الجدل ينصب حول
مصداقية النص أو دقة التناول للتاريخ، أو كيفية تناول الشخصيات من حيث
الشكل واللغة وغيرها، ولم يكن غريبا أن يكثر هذا الجدل خلال الفترة الأخيرة
مع ظهور أعمال جنحت إلى مخالفة الأحداث التاريخية، أو تناولت جوانب من
الشخصيات التاريخية دون أن يأتي التاريخ بها، بهدف تحقيق الإثارة والتشويق
للعمل حتى لو كان ذلك على حساب المصداقية؟ وهنا يبدو التساؤل منطقيا: هل
يمكن الاعتماد على مثل هذه الأعمال كوثيقة تاريخية من حيث دقة الأحداث من
عدمه، وما مدى مقاربة الإكسسوارات المستعملة في المسلسلات، واللغة
المستخدمة، والتي وصل الأمر ببعض المخرجين إلى تحريفها عن عصرها كي تتماشى
مع روح العصر ويتقبلها المشاهد؟.
البعض من النقاد أكد أن تزايد الخلاف أو الجدل حول الأعمال التاريخية خلال
الأعوام القليلة الماضية فرضته عوامل عديدة، منها أن بعض المؤرخين أو
الباحثين يكتبون الأحداث من وجهة نظرهم، يزيد على ذلك أن كثيرًا من كتب
التاريخ، التي تعد مرجعًا لهذه الأعمال هي الأخرى مليئة بالتباينات
والتناقضات في المواقف أو التواريخ أو التداعيات حول أي حدث تاريخي. هذه
التباينات والتناقضات، والكلام للنقاد، لم تكن وقفا على التاريخ القديم،
ولكن امتدت إلى التاريخ الحديث الذي لا يزال بعض من شهوده على قيد الحياة،
مثل تاريخ الحكم الملكي في مصر، أو الأحداث التي أعقبت ثورة يوليو 1952،
فالملاحظ في الأعمال التاريخية التي تناولت هذه الحقب الزمنية، أن كل كاتب
حاول أن يصور الأحداث من وجهة نظره، يبرز ما يريد ويخفي ما يريد؛ فيما
استباح البعض الآخر من كُتَّاب الدراما لنفسه ما يريد دون الالتزام
بمرجعيات تاريخية معاصرة أو مؤرخين ملتزمين.
* حبكة درامية
على الرغم من محاولة صُناع الدراما التليفزيونية التاريخية تقديم تبريرات
تتعلق بأسماء كُتَّاب كبار، أو بعض المراجع كمصدر لاستقاء معلوماتهم؛ إلا
أن عددا من النقاد والمؤرخين رأوا أن أغلب هذه الأعمال لم تتطرق إلى وقائع
تاريخية حقيقية وموثقة بقدر ما اهتمت بالحبكة الدرامية، ووقائع مثيرة من
الخيال لإنتاج عمل جاذب للجمهور دون الالتزام بشروط الأعمال التاريخية
والالتزام بحقوق ذاكرة الشعوب.
ومن هذا المنطلق لم يكن غريبا أن تثير أعمال درامية تاريخية - أنتجت حديثا
ردود فعل سالبة، خاصة من العلماء والمؤرخين والمفكرين الذين رأوا أنها
بعيدة كل البعد عن حقائق تاريخية تتعلق بشخصيات تناولها كتابها بمزاجهم
الخاص، مثل مسلسل "خالد بن الوليد" و"أبناء الرشيد"؛ حتى مسلسلات السير
الذاتية لشخصيات مازال شهود فترتهم أحياءً وجدت نقدا لاذعا من النقاد
والمؤرخين، واعتبروها تزويرا للحقائق، وكان على رأس هذه الأعمال "الملك
فاروق"، ومن بعده مسلسل "العندليب" الذي تناول سيرة حياة الفنان عبدالحليم
حافظ، ثم مسلسل "السندريلا" الذي قدمته الفنانة منى زكي عن حياة سعاد حسني،
وينضم لهم مسلسل "أسمهان" الذي عرض في رمضان الفائت.
وبسؤال الفنان حسن يوسف الذي قام ببطولة العديد من الأعمال التاريخية مثل
"الإمام المراغي" و"إمام الدعاة" حول مدى المصداقية التي تتمتع بها الأعمال
التاريخية، وهل يمكن الاعتماد عليها كوثيقة تاريخية أم لا، أكد أن
المسلسلات التاريخية لا تخلو من الأخطاء سواء في طريقة الكلام أو الملابس
أو الديكور ويختلف حجم الأخطاء من مسلسل لآخر، مرجعا ذلك إلى أنه في كثير
من الأحيان لا تهتم الجهات المنتجة للعمل ولا فريق الإخراج بالمصادر
الموثقة التي تحدد الفترة الزمنية التي يقوم عليها العمل، وهذا يرجع في
أغلب الأحيان إلى حرصهم على اللحاق بالموسم إذا كان شهر رمضان أو أي مناسبة
محددة.
وأشار أن هناك الكثير من الأعمال التاريخية اعتمد القائمون عليها على رؤية
كاتب معين لم يستند إلى قراءات مختلفة وعديدة، ودون مقارنتها مع مرجعيات
أخرى للوصول إلى شكل مقبول للعمل أو للشخصية، والتأكد من الوقائع والأحداث
التي يقوم عليها البناء الدرامي للعمل.
وفيما يتعلق بالأعمال التي قدمها قال يوسف: أحرص جيدا في المسلسلات
التاريخية على قراءة تاريخ الشخصية، وتأصيل النص استنادا إلى مراجع تاريخية
مهمة.
الكاتب وحيد حامد رأى أن الاعتماد على ما ينتج دراميا كوثائق تاريخية أمر
صعب، ولكن يمكن أن تكون بعض الأعمال قد تضمنت وقائع حقيقية؛ ولذلك بالضرورة
حتى نعتمد الأعمال الدرامية التاريخية كوثائق تاريخية مهمة ومعتمدة لا بد
من إخضاع ما يكتب من نصوص درامية تاريخية لمراجعة دقيقة وطويلة من مؤرخين
مهتمين بالشخصية التاريخية المعنية، أو الحدث التاريخي الذي بصدد تناوله،
وأن تكون مجموعة المؤرخين والباحثين هذه مرجعية أساسية تقوم بالتصحيح أو
رفض العمل كلية إذا كان مخالفا للحقائق باعتباره يؤثر سلبا في الجيل
الحالي، وأجيال قادمة كثيرة قد يعتمدون العمل كوثيقة يستندون إليها كمرجعية
في مستقبلهم، مشيدا في هذا الصدد بمسلسل "قاسم أمين".
موضحا أنه كان أكثر الأعمال مصداقية، وأحداثه بالكامل لم تخالف أو تتناقض
مع الوقائع التاريخية المسجلة. من ناحية أخرى أكد حامد أن تشويه التاريخ
بفعل اللغة أو العقيدة أمر خطير؛ لأن التاريخ يجب أن يكتب كما هو دون حذف
أو إضافة حتى لا يأتي مشوها..
مشيرا في هذا الصدد إلى ضرورة رصد المشاهدين من الذين يمتلكون وثائق
تاريخية موثقة لهذه الأعمال، وإذا رأوا أن العمل مشوها ومخالفا للحقائق
التاريخية فعليهم فضح هذا الخلل، حتى لو اضطروا إلى تقديم بلاغات رسمية
ليخضع الأمر للتحقيق حفاظا على التاريخ وحماية لذاكرة الأمة.
الكاتب محفوظ عبد الرحمن، عبر عن رأيه بقوله إن هناك أعمالاً درامية
تاريخية، لا داعٍ لذكرها، قدمت على الشاشة خلال السنوات الأخيرة وفيها
الكثير من الأخطاء سواء في الشخصيات والأحداث وحتى الإكسسوارات المتناسبة
مع العمل..
مرجعا السبب في ذلك إلى عدم الالتزام من جانب القائمين على هذه الأعمال
بالمصادر الموثقة.. فضلاً عن محاولة البعض تهميش قضايا ووقائع مهمة وتضخيم
أحداث صغيرة في محاولة للإثارة وتحقيق حبكة درامية على حساب مصداقية
الوقائع التاريخية.
ولفت عبد الرحمن إلى أنه من الممكن للمؤلف أن يضيف شخصيات غير موجودة في
العمل لإبراز معنى وتأكيد وجهة نظره شرط أن يكون ذلك مبنيا على دراسة
يقدمها الكاتب، لكنه من الصعب تغيير أحداث ووقائع تاريخية ثابتة، فهذه تعد
خيانة صريحة، وتزييفا للتاريخ.
وشدد عبدالرحمن من واقع تجربته مع فيلم "ناصر 56" للفنان أحمد زكي، أن
تقديم التاريخ يحتاج إلى التزام واستناد إلى المتخصصين في مجال كتابة
التاريخ؛ مطالبا في الوقت ذاته بعدم الالتفات إلى المتعصبين الذين يريدون
أن يكتب التاريخ من وجهة نظر معينة تغيب عنها حقائق لتمرير فكر يؤمنون به،
أو لإخفاء وقائع شاركوا فيها.
واستمراراً لحالة الأخطاء التي ترتكب باسم الدارما في حق التاريخ نالت
الدكتورة لميس جابر الهجوم الأكبر عن مسلسلها "الملك فاروق" واتهمت بتزييف
التاريخ والترويج للملكية، أكدت أن الحقائق التاريخية لا يمكن أن تخضع أبدا
لوجهات نظر مختلفة، لكن تحليلها هو الذي يخضع للاختلاف والمشكلة دائما في
نقل الوقائع التاريخية بأمانة.
وقالت لميس إن كتابة التاريخ تحتاج إلى صبر وبحث ودقة ـ ليس اعتمادا على
الشخصيات التي تصنع الأحداث وحدها، ولكن من خلال شهود العصر في كتابة
التاريخ الحديث، أو من خلال الروايات أو الكتب الموثقة التي تتناول التاريخ
القديم، وهذا ما يدعوني لمناداة المؤرخين والكتاب عموما بعدم الاعتماد على
مصادر محدودة، ولكن العمل على تكثيف البحث عن مصادر كثيرة للوصول إلى رؤية
تعبر عن الأحداث الحقيقية أو على الأقل تكون الأقرب لها.
المخرج إسماعيل عبد الحافظ يؤكد بداية أهمية الدراما التاريخية، مشيرا إلى
أنها تلعب دورا مهما في ربط الأجيال الجديدة بتاريخهم، لكنه شدد على
الأهمية القصوى لالتزام الحياد والموضوعية في تناول هذه الأعمال، فلا نظهر
من يتناولهم العمل كما الآلهة المنزهين عن الخطإ، كما لا نتحامل عليهم أكثر
من اللازم وفقًا لأهواء أو أغراض شخصية.. مشيدا في هذا الصدد بمسلسل "ناصر"
الذي لم يتخذ أي موقف متحيز من أي حدث أو شخص، والأحداث تدلل على إنصاف كل
الأطراف بما لها وما عليها وفق مصادر مؤكدة وموثقة.
يرصد الكاتب المصري الكبير أسامة أنور عكاشة كثيرا من الأخطاء في أغلب
المسلسلات التاريخية خاصة مسلسل "العندليب" و"السندريلا"، وقال إنهما لا
يمتان إلى أدب السيرة الذاتية بصلة. وقال عكاشة: في مجال الأعمال التاريخية
رأيت أعمالاً جيدة من حيث الإخراج والأداء الدرامي، ولكن هناك أخطاء
تاريخية تفرض علينا إعادة قراءة التاريخ من جديد، وأضاف: كل الأعمال
التاريخية دينية أو سير ذاتية تتسم بالأخطاء التاريخية في المواقف
والشخصيات والإكسسوارات؛ لكن أكثر ما يؤسف له أن الأخطاء الجسيمة نجدها في
التاريخ المعاصر رغم وجود شهود على هذا العصر، ورغم امتلاء الأسواق بكتب
ووثائق حقيقية عن فترات مهمة في العصر الحديث.
وأشار عكاشة إلى أن مثل هذه الأعمال بشكلها الراهن ومن حيث ابتعادها عن
الحقائق الموثقة بمثابة تشويه للتاريخ، وبالتالي لا يمكن أن نتعامل مع هذه
الدراما التاريخية كوثائق تاريخية أو مرجعيات تاريخية للأجيال الراهنة
والقادمة.
وفي رأي الباحث أشرف العربي فإنه لتدارك الأخطاء في الأعمال الدرامية
التاريخية لا بد أن تقوم بمثل هذه الأعمال جهات قادرة على الإنفاق عليها
بسخاء لأن الكثير من الأعمال مليئة بالأخطاء، وذلك يرجع إلى أن القائمين
بإنتاجها يبخلون بالصرف عليها، ومن أهم ما يحتاج إلى الصرف البحث عن مصادر
موثقة من خلال كتب أو مؤرخين مهما كلف الأمر من أموال أو السفر إلى مناطق
الأحداث التاريخية نفسها.
وهناك قد تتوفر أمامهم كثير من الظروف للوصول إلى الحقائق، وم
عرفة الإكسسوارات والديكورات والملابس التي يفترض أن يتعاملوا معها، ويمكن
استيرادها، ومن هنا نستطيع أن نصنع أعمالاً يمكن أن نعتمدها كوثيقة تاريخية
أو مرجعية فيها إضافة للتاريخ.
ولكن ما هو شائع في أمر الإنتاج العربي للأعمال التاريخية غياب الجهات
المسؤولة عن متابعة العمل ومشاهدته على الأقل بعد اكتمال تصويره، وإذا
نظرنا للواقع تجد حتى الشخصيات التاريخية في فترات حديثة تشهد خلافات كبيرة
مع الورثة الذين دائمًا ما يرفعون دعاوى قضائية لوقف العمل فكيف التعامل مع
شخصيات أو أحداث مرت عليها قرون من الزمان.
* البعض يحاول التزييف
الناقد والمؤرخ محمود قاسم أرجع أخطاء الأعمال التاريخية عموما سواء درامية
أم سينمائية لمحاولات ربطها بمواقف سياسية بأي شكل، ولذلك نجد أي أعمال
ارتبطت بالسياسة لم تخل من الأخطاء، خاصة في المواقف الواقعية، وقال: هناك
الكثير من هذه الأعمال قد شهد جدلاً مثيرا وضع المشاهد في حيرة من يصدق
وإلى أي رأي يستند؛ خاصة أن أغلب الذين أثاروا هذا الجدل كانوا يحاولون
تزييف التاريخ حسب مصالحهم أو رؤيتهم المنحازة لأطراف محددة، ولذلك لا بد
من كتابة التاريخ بصدق وعدم مخالفة الحقائق لأي سبب إذا كان سياسيا أو
دينيا أو اجتماعيا.
وشدد قاسم على أنه لا بد من وجود لجان أو متخصصين لقراءة الموضوع ومتابعته
خلال التصوير الذي يمكن أن يغير أيضًا لأي حقيقة من حقائق التاريخ، وفي
حالة حدوث ذلك فإنه يمكننا في وقت قريب أن تكون لدينا القدرة على إنتاج
دراما تاريخية يمكن أن نعتمدها كوثيقة تاريخية موثقة.
* المخرجون لا يجتهدون
أما الناقدة ماجدة خير الله فتقول إن المسلسلات التاريخية تفتقد التوثيق،
خاصة أن مسلسلات الفترة الأخيرة استندت إلى الإعلان والتسويق؛ ولذلك فإن
الأخطاء وجدت طريقا سهلاً في أغلب الأعمال الدرامية، خاصة في الأحداث التي
يقوم عليها العمل، بل تشهد هذه الأعمال في بعض الأحيان مغالطات ومتناقضات
كثيرة يلحظها بسرعة المؤرخون والباحثون، ولكن للأسف الشديد إن المشكلة في
الجمهور الذي يصدق العمل ويعتبره قمة الحقيقة ظنا منه أن الشركات المنتجة
والقنوات لا يكذبون ويحرصون على إيجاد الحقائق كاملة في أعمالهم.
وأشارت إلى أن أغلب المخرجين والمنتجين يعتمدون في إكسسوارات المسلسل
بالتقريب مع أن التاريخ حدد شكل الأماكن وشكل اللبس ونوعه، ولكن هم لا
يجتهدون في البحث، ومقارنة الوثائق وكتب التاريخ والمراجع التي تضم أغلب
أسرار الشخصيات أو الأحداث التاريخية، كما حدث في مسلسل "أسمهان"، فعند
وصولها إلى مصر صورها المسلسل على أنها كانت رحلة سهلة وبسيطة، وذلك غير
الأخطاء الفادحة في إكسسوارات المسلسل، وهذا يؤكد أن القائمين على المسلسل
لم يستعينوا بمؤرخ فني وآخر سياسي لمراجعة الأحداث.
* أعمال تاريخية أثارت جدلاً
السندريلا، العندليب، علي مبارك، ناصر، الملك فاروق، خالد بن الوليد، عبد
الرحمن الداخل، ربيع قرطبة، عن المنصور بن أبي عامر، ملوك الطوائف، إمام
الدعاة، فارس بلا جواد. وهناك عمل مصري في الطريق بعنوان "صدق وعده".
العرب أنلاين في
22/08/2009 |