هل يمكن أحداً ان يحصي عدد المهرجانات التي تقام في ربوع لبنان هذه الأيام؟
وهل
يمكن أحداً ان ينكر ان كل هذه المهرجانات تقام وعين أصحابها
على السياح؟ انطلاقاً
من هنا، هل يمكن أحداً ان يستغرب ألا يكون هناك أي مهرجان سينمائي وسط هذا
الصخب
كله؟
لسنوات قليلة خلت، كانت المعادلة معكوسة: مهرجانات سينمائية لا تعد وتحصى،
تقابل
مهرجانات فنية وسياحية نادرة. فهل يمكن القول إن هذا الواقع قد
يعطي فرصة كبيرة
لأول «مهرجان» سينمائي يطل برأسه في هذا الموسم مع وعود بتظاهرات مقبلة؟
الجواب: أبداً بالتأكيد. فنوعية حضور مهرجانات السياحة لا علاقة لها بنوعية
المدعوين لحضور مهرجانات السينما. وبخاصة «مهرجان الفيلم
اللبناني» (تقيمه مؤسسة
«نما
في بيروت» بالتعاون مع بنك عودة) الذي افتتح أعماله أمس ويستمر لخمسة أيام.
فهو قبل اي شيء آخر موجه الى السينمائيين
اللبنانيين الشبان. بالتالي، فإن جمهوره
يكاد لا يبتعد عن حلقة ضيقة من هواة الفن السابع. كما ان
غالبية أفلامه لا تجد موطئ
قدم في الصالات السينمائية، كونها تتوزع بين الأفلام القصيرة والوثائقية
والتجريبية
والتحريك والفيديو كليب. يضاف الى هذا ان توقيته في الأيام الاولى من شهر
رمضان لن
يلعب حتماً لمصلحته. أي لجهة استقطابه جمهوراً من خارج الحلقة
السينمائية. من دون
ان ننسى ان عدداً من الشرائط المعروضة خلال هذه الدورة ليس حديث الانتاج.
فمثلاً
يعود انتاج الفيلم اللبناني الروائي الطويل اليتيم المعروض في المهرجان
(«على الأرض
السماء») الى العام 2007. وليست هذه المرة الاولى التي يُعرض فيها، إذ عُرض
في
الدورة ما قبل الماضية من مهرجان دبي السينمائي الدولي...
وإذا أضفنا الى هذا كله إخفاق المهرجان في استقطاب الافلام الروائية
الطويلة
تصبح الحاجة ملحّة لطرح علامات استفهام حول طموح هذا المهرجان
بعد ثماني سنوات على
انطلاقه.
نافذة للسينما اللبنانية
منذ البداية، أي منذ بدأت فكرة مهرجان «نما في بيروت» تتبلور في رأس
المؤسسين
الأربع (بيار صراف، وديع صفي الدين، نديم تابت ودانيال عربيد)
عام 2001، كان الهاجس
إيجاد نافذة سينمائية تعرض أفلاماً لبنانية لا تتاح لها فرصة الوصول الى
الجمهور.
بالتالي التعريف بسينمائيين شبان يخطون
خطواتهم الاولى في هذا المجال من خلال أعمال
تُنجز في شكل فردي غالباً.
باختصار، ميز المهرجان نفسه عن بقية المهرجانات السينمائية اللبنانية
بصبغته
المحلية. وبات سنوياً (باستثناء عام 2006 حين منعته حرب تموز/
يوليو من ان يعقد
دورته) منصة لتجارب شبان لبنانيين يحلمون بيوم يحققون فيه عملهم الروائي
الطويل
الاول. ومنذ البداية صرح القائمون على المهرجان ان «عينهم ليست، كما بقية
المهرجانات التي تقام في بيروت، على السينما العربية او
العالمية»، انما «هدفهم
تشجيع السينما اللبنانية».
وسرعان ما راحت تتبلور هذه الفكرة، ولكن في اتجاه واحد. ففي مقابل استقطاب
التجارب السينمائية اللبنانية الشابة، تجلى إخفاق المهرجان في
استقطاب الأفلام
اللبنانية الكبيرة، باستثناء أفلام أهل البيت (مثلاً فيلمي «معارك حب» و
«الرجل
الضائع» لإحدى مؤسسات المهرجان دانيال عربيد في دورتين مختلفتين).
من الذاكرة
اليوم لا يزال الهدف ذاته نصب أعين المعنيين. فـ «غايتنا هي إتاحة الفرصة
لبث
الأفلام اللبنانية وتمكينها من الانتشار، والاهم إبراز حيوية
القطاع السينمائي في
لبنان الذي شهدت جودته تحسناً مطرداً منذ إطلاق هذه المبادرة عام 2001»،
كما قال
مدير المهرجان بيار صراف في المؤتمر الصحافي الذي شهد إطلاق الدورة
الثامنة. وأضاف:
«هذا
الحدث هو أكثر من مجرد مهرجان، كونه يتطلع إلى أن يكون انعكاساً لواقع
الصناعة
السينمائية اللبنانية من دون أي تمييز بين أنواع هذا الفن».
أياً يكن الأمر، يتابع محبو هذا النوع من السينما على مدى الأيام الخمسة 41
فيلماً من أصل 150 رشحت لهذه الدورة، منها: «أحاديث صالونات»
لدانيال عربيد، «بالروح
بالدم» لكاتيا جرجورة، «الأربعاء» لطلال خوري، «بيروت يا بيروت يا بيروت»
لعاصي الرحباني، «ما هتفت لغيرها» لمحمد سويد، «جنوب» لنزار حسن، «درس في
التاريخ»
لهادي زكاك. كما ستشارك «مؤسسة سينما
لبنان» بعرضٍ لأفلام مستمدة من أرشيف «تلفزيون
لبنان»، انطلاقاً من «هدف المهرجان في استحضار زمن غابر وإعادة
التواصل بين هواة
السينما اللبنانية وتراثهم الوطني». فيما تغيب عن هذه الدورة ما اصطلح على
تسميته
بالأفلام المنزلية، وهي الشرائط التي صنعها هواة لا علاقة لهم بالسينما
غالباً - في
مناسبات عائلية كالأفراح وأعياد الميلاد والرحلات.
أما ضيف هذه الدورة فـ «مهرجان أوبرهاوزن الدولي للأفلام القصيرة» (ألمانيا)
الذي يقدم مجموعة من الأفلام بحضور مديره لارس غاس الذي يحلّ ضيفاً على
المهرجان
البيروتي في حوار حول دور المهرجانات السينمائية والمستقبل الذي ينتظرها.
إذ يجيب
عن الأسئلة الآتية: «عندما تصبح المهرجانات السينمائية
منتدياتٍ لا أسواقاً تجارية
كما في السابق، وعندما تتحول من مراكز تجارية إلى مراكز للاتصلات ومساحةٍ
لتبادل
الآراء،
وعندما تتخلى عن دور الوسيط لتصبح مهمتها الأساسية التسويق، ماذا يحل عندها
بقاعدة
دخل المخرجين والمنتجين؟ هل هي مسؤولية المهرجانات أن تدفع لهم لعرض
أفلامهم؟ ومن
سيقوم بالمجهود في وضعها الحالي العاجز عن تحمل مثل هذا
السيناريو؟».
الى هذا يحل مخرج أفلام الفيديو والشريك المؤسس لـ «المؤسسة العربية لصناعة
الصورة» أكرم زعتري ضيفاً على هذه الدورة التي استحدثت «جائزة
بنك عوده لأفضل فيلم»
بقيمة ألفي دولار.
وهذا كله يضفي على هذه التظاهرة التي لا تتعدى في نهاية الامر كونها
أسبوعاً
تجريبياً للسينمائيين الشبان، طابعاً يشبه الكلمات المتقاطعة
بحيث لا يعرف المرء ما
إذا كان امام تظاهرة للذاكرة أو للصورة الفوتوغرافية او لبيروت المصرفية او
لإنجازات هواة الفيديو او مجرد إدخال قسري للسينما في معمعة الصخب
اللبناني... في
هذه الأيام السياحية.
الحياة اللندنية في
21/08/2009 |