هناك فرق بين المغامرة والمقامرة..
فى الأولى يغامر الفنان بتقديم فكر
غير تقليدى أو معالجة جريئة تخالف ما اعتاده المجتمع،
أو يقول الحقيقة فيما
نراه كل يوم يدمر حياتنا.. ونسكت عنه، المغامرة تجمع فى ردائها جسارة
اختراق الأطر المألوفة والمكررة فيما نراه من أفلام مصرية منذ سنوات،
أما المقامرة فهى أن
يضع أحدهم أمواله، أو
يقنع
غيره بذلك، من أجل
هدف صغير قد يكون انتقاله من خانة إلى أخرى فى تيتر الفيلم، مثل أن
يصبح
المنتج مخرجاً أو الممثل بطلاً أو المغنى كاتبا وممثلا براحته!
فى هذا الموسم يبدو الفارق بين أفلام المغامرة وأفلام المقامرة كبيرا..
جزء منها حمل لنا أفكاراً
ورؤى وبناء قويا وعناصر فنية متألقة، تراهن معا على
إدهاشنا وصدمنا ودفعنا دفعاً
لتأمل حالنا وإعادة النظر فى حياتنا، أما الجزء
الأكبر منها، المقامر،
فهو يضع كل اهتمامه فى إصابة هدف واحد، يخصه،
وما
عداه لا يهمه .
الفردية
تسود
من الفوضى أيضاً أن
عدداً كبيراً من الأفلام تم تقديمها من خلال منتج فرد صنع شركته بنفسه، فى
الوقت الذى أنتج أفراد أفلامهم الأولى مثل الفنانة إلهام شاهين والفنان
محمد رياض،
ومخرج الأفلام القصيرة شريف مندور..
أما بقية الأفلام فقد تولت ثلاث
شركات كبرى إنتاج فيلمين لا
غير لكل شركة،
وهى شركات جودنيوز وأوسكار والسبكى،
ومثلها شركة جديدة هى سينما توجراف أنتجت فيلمين من إخراج إسماعيل مراد أحدهما
كان مناصفة مع القطاع الاقتصادى،
وبينما جاء المنتج كامل أبو على وحده
على رأس القائمة بأربعة أفلام قدمها من خلال شركتين له، فيلمين يتبعان
الباتروس واثنين يتبعان مصر للسينما، وفى حقيقة هذا العدد تبدو مؤشرات
واضحة على حالة الخوف والقلق التى تسود مناخ الإنتاج السينمائى فى مصر
الآن،
وخاصة الشركات الكبرى التى من المفترض أن تقود الصناعة إلى تقديم أعمال
فنية قوية
تدخل فى إطار المغامرات الفنية المطلوبة بشدة للحفاظ على مكان
ومكانة صناعة قديمة
لديها إمكانيات النمو والازدهار وجمهور متزايد، ولكن الأمر اللافت هنا أن
المغامرة لم تأتِ من مكان واحد..
ولكن تعددت أماكنها، وما بين
منتجة لأول مرة مثل إلهام شاهين والتى أنتجت »خلطة فوزية«
لتقدم من خلاله صورة
مختلفة لحياة النساء الفقيرات من خلال الكاتبة هناء عطية
فى أول أعمالها
للسينما، وأيضاً المنتج لأول مرة بعد عدة أفلام قصيرة ناجحة
وهو شريف
مندور المخرج الذى أنتج لمخرج آخر من جيله هو إبراهيم بطوط فيلمه الطويل
الأول
عين شمس الذى كتبه بنفسه مع تامر عزت ليأتى فيلماً
مختلفاً، له طعم الهواية
ومذاق الفيلم القصير وأبطاله ينتمون فى ملامحهم للناس العاديين..
بلا رتوش.
الناس اللى تحت
باستثناء هذين الفيلمين فإن المغامرات الأخرى جاءت من شركات مثل فيلم بوبوس
لشركة كبيرة يطرح من خلال رؤية مؤلفه يوسف معاطى باترون
لعلاقة الحكومة
برجال الأعمال فى مصر وتأثيرها على الناس »اللى تحت«،
كما يطرح صورة
للسياسات المذبذبة والمتغيرة حين تفسد حياة الباحثين عن وظيفة وبيت ولقمة
من الشباب
فى تراجيديكوميديا ممتعة، أما المغامرة التالية فهى ترقب وتحلل نتائج
سياسات الفيلم السابق على عموم الناس،
وأقصد بها فيلم الفرح
للمؤلف أحمد
عبدالله الذى يطرح صورة لمعنى التكيف والتحايل فى مصر الآن
بديلاً عن التكافل
والعطاء القديم، وكيف تفرغ الأشياء من مسمياتها لتخدم أغراضاً
أخرى، ومنها
إلى ثلاثية المنتج الأكبر هذا العام
دكان شحاتة
واحكى يا شهرزاد و١٠٠٠
مبروك وثلاثتها مغامرات فنية مختلفة الأساليب منها من
يحاول أن يتخطى
بناءه الدرامى ليقدم رأيه السياسى فى المشاهد الأخيرة وهو »دكان
شحاتة«، فيلم
المؤلف ناصر عبدالرحمن،
ومنها من يطرح الاتفاق الضمنى الذكورى
لاستحلال المرأة وقهرها بكل الأشكال والألوان مثلما قدم الكاتب وحيد حامد فى
احكى يا شهرزاد والفيلم الأخير الذى يطرح صورة للبطل المهزوم مقدماً،
ليس
لأنه حلم بموته فى ليلة عرسه، ولكن لاكتشافه أنانيته المفرطة، وخوائه الذى
احتاج للتغلب عليه أن
يبذل جهداً كبيراً ليكون إنساناً..
يموت ويظل حاضراً
بأفعاله وهو فيلم »١٠٠٠
مبروك« للكاتبين محمد دياب وخالد دياب..
وهما ضمن
أكبر قائمة من المؤلفين الجدد ظهرت فى عام واحد من أعوام
السينما المصرية..
فهل
يعنى هذا انقلابا فى فكر هذه السينما فى السنوات القادمة؟
كتاب
أفكار السنوات القادمة
فى قائمة صناع الأفكار والشخصيات وكتاب السيناريو ولا أقول الورق«
نجد
مؤلفين جدداً هم: هناء عطية خلطة فوزية، ومحسن يوسف أيام صعبة،
وخالد حسونة (د.سيلكون)، ونافع عبدالهادى (علقة موت)، وعباس أبوالحسن
(إبراهيم
الأبيض)، وحسام موسى (المشتبه)،
وياسين كامل (العالمى)،
وفى أفلام هذا العام فرق تأليف جديدة، أى مجموعة عمل لكتابة فيلم (حفل
زفاف)
أحمد
يسرى، وحسام حليم، وهيثم وحيد، وفى (عين شمس)
إبراهيم البطوط، وتامر عزت، وفى (السفاح) خالد الصاوى، وعطية الدردير،
ومن المخرجين الجدد فادى فاروق (أيام صعبة)،
وماجد نبيه (علقة موت)،
وإبراهيم بطوط (عين شمس)، وأحمد علاء (بدل فاقد)، ومحمد حمدى
(المشتبه)،
وأحمد الجندى (طير إنت)،
ليبقى مخرجان قدم كل منهما
فيلمين هما أحمد البدرى (د.
سيلكون،
عمر وسلمى)، وإسماعيل مراد (يوم ما
اتقابلنا - صياد اليمام).. وعودة ثلاثة مخرجين بعد غياب هم
يسرى نصرالله،
ومروان حامد، وسعد هنداوى،
وتألق فرسان المرحلة، خالد
يوسف،
ووائل
إحسان، وسامح عبدالعزيز والصاعد أحمد نادر جلال.
البطولات
الجماعية تتقدم.. والمطلقة تتراجع
لا يوجد فى سينما هذا الموسم المصرية الاختراق الكبير للممثلين والممثلاث
العرب، ولا التأليف والإخراج أيضاً،
باستثناء تيم حسن الذى ظهر لأول مرة فى
بطولة (ميكانو) ليحقق حضورا ونجاحاً لافتا،
و(أياد نصار)
فى فيلم (حفل
زفاف) فى بطولة جماعية، لكنه لفت الأنظار أكثر من المغنى
(إيوان)
اللبنانى، بين الممثلات قدمت (هيفاء وهبى)
بطولة شبه جماعية فى
(دكان
شحاتة) وكسرت الإيهام لدى المشاهد،
وهو ما لم تفعله
(جومانا مراد) فى فيلم (الفرح)
أو نيكول سابا فى (السفاح)
اللتان اجتهدتا بالفعل فى
التعبير عن روح ومظهر الشخصية الدرامية،
من الأبطال الجدد،
فى صيف ٢٠٠٩ أيضا
الممثل يوسف الشريف فى أول بطولة مطلقة فى (العالمى)
إخراج أحمد مدحت،
وعبدالله الكاتب فى (د.
سيلكون)
الذى أنتجه لنفسه، وحسن الرداد فى فيلم
(إحكى
ياشهرزاد) ليسرى نصر الله ودنيا سمير
غانم فى فيلم
(طير إنت)
إخراج أحمد الجندى، وهى الممثلة الوحيدة الجديدة التى حصلت على بطولة مطلقة
لأول
مرة فى إطار سينما تفاوتت الأدوار فيها بين بطولات مطلقة،
وهى أقل نسبة أفلام
لأنها لا تتعدى فيلمين هما (عمر وسلمى)
و(طير إنت)، ثم البطولة شبه
المطلقة، وهذه أكثر قليلا وعددها
٧
أفلام وهى (بدل فاقد)،
و(إبراهيم
الأبيض)، و(إحكى ياشهر زاد)، و(السفاح)، و(١٠٠٠ مبروك)،
و(بوبوس)
وهى أفلام تحتمل بطولات مشاركة بداخلها مثل ذلك الدور الذى
لعبه محمود عبدالعزيز فى (إبراهيم الأبيض)
وكذلك الدور الذى قدمه عمرو واكد فى
نفس الفيلم، ومنها دور أشرف عبدالباقى فى (بوبوس)، وهناك أخيراً
البطولة
الجماعية التى أصبحت نوعين، بطولة بقيادة لشخصية مثل (خلطة
فوزية) ودور إلهام
شاهين فيه، أما البطولة الجماعية التى تعنى عدم تمييز دور بعينه
وترك
الأمر للمنافسة فى الأداء مع تساوى الأدوار فقد قدمتها أفلام مثل (الفرح)،
و(حفل زفاف)، و(عين شمس)، و(يوم ما أتقابلنا)
وأعتقد أنه الاتجاه
الأكثر تعبيرا عن نوعية سينما السنوات القادمة التى تستمد
مفرداتها وقصصها عن مجتمع
مزدحم، شديد التعقيد، يمثل الشباب قوته الكبرى بكل ما لديهم من طاقات ورغبات
وطموحات.. ولذلك سوف تفضل السينما التعامل معهم، والبحث عن النجوم داخل
»الجماعة«
وليس خارجها.
مجلة روز اليوسف في
20/08/2009 |