موضوع فيلم «أناس مضحكون» بسيط تماما، وربما تناولته السينما والمسلسلات
أكثر من مرة، ولكن المدهش في هذا الفيلم، نسيج سيناريو مشغول بدقة وحب
وفهم، ورؤية مخرج اهتم بكل التفاصيل الصغيرة، حتى بدت كل لقطة وكأنها وجهة
نظر في الحياة والعلاقات الإنسانية والفن والأخلاق.
يعرض هذا الفيلم حاليا في صالات السينما المحلية في أسبوعه الأول، بعد أن
حقق المرتبة الخامسة في شباك التذاكر الأميركي، متراجعا أربع مراتب عن
الأسبوع الماضي لتصل إيراداته لهذا الأسبوع 8,7 ملايين دولار، وإجمالي
إيرادات لمدة أسبوعين، وهي فترة عرضه إلى 4,40 مليون دولار، وهو من تأليف
وإخراج جود أباتو وبطولة أدام ساندلر وسيث روجين وليزلي مان واريك بانا
واوبري بلازا والان وازيرمان ورود مان وواين فيديرمان.تتناول قصة الفيلم
عالم «الكوميديان المضحك»، ذلك الشخص الذي يقف على مسرح ويلقي نكت ومواقف
مضحكة ليرسم الابتسامة على وجوه الجمهور، رغم ما يعانيه أو يتعرض له من مآس
أو كوارث، وتركز أحداث هذا العمل على شخص «كوميديان» محترف و محبوب يدعى
جورج سايمونز، يعيش معظم حياته على المسرح وإلقاء النكت، لكنه يكتشف فيما
بعد إنه مريض بمرضٍ مزمن.
وإنه لم يبق له ليعيش إلا سنة واحدة أو أقل، يتعرف على شخص كوميديان آخر
يدعى (آيرا) لكنه ليس محترفا أو مشهورا مثله، يقوم (جورج) باستئجار (آيرا)
كمساعد له وليعلمه بعض التقنيات المهمة لمهنة الكوميديان، من كتابه للأفكار
وطريقة إلقائها ليخرج الضحك من قلوب مشاهديه.مخرج هذا الفيلم جود أباتو
تميز بتقديم عدد من الأعمال الكوميدية التي حققت نجاحات كبيرة، ومنها «المصروع»
و«العذراء الأربعينية»، وفي عمله الجديد «أناس مضحكون» يحافظ هذا المخرج ذو
الإنتاج الغزير على جعل ما يقدمه مشوقا وجذابا وناضجا، ومع أن العمل كوميدي
حتى النهاية استطاع أباتو أن يطرح موضوعه بقدر عال من الجدية التي يربط
فيها كلمات مثل الطلاق والموت بنكات ذات صلة بحياة الناس اليومية.
منذ بداية الفيلم نحن أمام علاقة غير متكافئة بين جورج ومساعده الكوميديان
آيرا، إنها علاقة مضحكة بين قوي وضعيف وبين من يتمتع بشهرة واسعة ومن ليس
له نصيب بالشهرة أبدا، ومع ذلك يظل آيرا محكوما بشهوة الشهرة والبحث عنها،
وكل طموحه أن ينال شيئا مما لدى جورج من النجاح في العمل الفني، إلا أن حظه
يبقى محصورا بما يحظى به من التعاطف والشفقة فقط.
وحتى في المجال العاطفي يجد الطريق مسدودا أمامه كما في طموحه الفني، ففي
الوقت الذي يعتقد أنه ضمن المرأة التي يمكن أن تكون صديقته، تفاجئه بالقول
(لدي صديق) وهي تتوجه نحو صديق له ليخرجا معا.
وتستمر الخيبات لتمتد إلى الجانب المالي الذي يفترض أن يكون فيه حظه أطيب،
ففي حين يكتب هو النكات التي يلقيها جورج في إحدى المناسبات، التي تنظمها
مؤسسة مايسبيس، يكسب هو ألف دولار فقط، بينما يتلقى سيده، الذي تمتلئ أعمدة
الصحف بأخبار نجاحه، 299 ألف دولار.
الجانب الجاد في هذا العمل الكوميدي يكمن في تقديم سريالية أوساط المشاهير
في تنافسها وسباقها بكل ما فيها من المرارة الحقيقية، وبشكل واضح يبدو
أباتو حريصا من خلال هذا الفيلم على الدخول إلى مناطق شائكة أكثر، حين يدفع
بجورج إلى جولة تحمل له قدرا أكبر من الأسف والندم، وهو يحاول إصلاح الخلل
مع عائلته التي كان على خلاف معها.
والتي تؤكد له أخته أن ابنها لا ينتظر منه شرائط فيديو ليتفرج عليه، هو
يريد أن يتعامل معه مباشرة ويشعر به ويتفاعل معه، أو حين يحاول إقامة
العلاقات الغرامية مع النساء فيجد نفسه مع حبيبته القديمة لورا ـ وتقوم
بدورها الممثلة الموهوبة ليزلي مان (وهي زوجة المخرج أباتو).
ـ حيث تجعل الدموع تحل محل الضحكات لتصل الكوميديا إلى نهايتها حين تأخذه
أنانيته إلى تحطيم عائلتها الصغيرة المكونة من زوج وطفلتين، ليدرك أخيرا
مدى بشاعة ما تركته الشهرة داخله من حب للذات على حساب الآخرين، وبالتالي
لا يمكن تقبله كشخص أناني وكعاشق يستحق الشفقة لا أكثر، وهذا ما لا يتقبله
المشاهد أيضا عندما يراه يبكي وحده أو يسرّ ببعض الأخبار الطبية على نجاته
من المرض الخبيث.
لعل النقطة الأكثر إقناعا في الفيلم هي تناول أخطار الشهرة مع التشديد على
ما تحمله من المتعة، وجزء من السبب في ذلك أن كاتب السيناريو يقدم لمحات من
السيرة الشخصية لأبطاله، كما يساهم في ذلك قلة ظهور شبح الموت في حياة جورج
لأن المرض فجأة ينتهي بعد أن سبب مزيدا من الأوجاع، أو لأن المخرج جود
أباتو أصبح يشعر بالضجر من متاعب الحياة، أو أن مناعته صارت قوية في وجهها،
وكأنه يقول للمشاهد: خذ الحياة كما هي يا صاحبي، فهي جميلة دائما، رغم
الواقع المليء بالإحباط.
البيان الإماراتية في
19/08/2009 |