أختتمت في مدينة وهران الواقعة على الساحل الغربي للجزائر فعاليات الدورة
الثالثة للمهرجان الدولي للفيلم العربي التي امتدت طوال الفترة 23 - 30
تموز الماضي بحضور عدد وفير من صناع الافلام ونجوم ونجمات السينما العربية
. وشهد حفل الختام الذي وزعت فيه جوائز الدورة مفاجآت عديدة عندما وقع
اختيار لجنة تحكيم مسابقة الفيلم الروائي في المهرجان التي اضطلع برئاستها
المخرج السينمائي الفلسطيني رشيد مشهراوي - احتفى المهرجان به وعرض له احدث
افلامه المعنونة (عيد ميلاد ليلى) - على الفيلم المصري (خلطة فوزية) لمخرجه
مجدي احمد علي ومنحته جائزة المهرجان الكبرى (الاهقار) الذهبي 50 الف دولار
الامر الذي عده البعض كرد اعتببار للسينما المصرية التي ظلت لفترة بعيدة عن
الظفر بجوائز رفيعة في اكثر من مهرجان وخصوصا في منطقة المغرب العربي . بيد
ان (خلطة فوزية) الذي نال ايضا على جائزة افضل ممثلة ذهبت لبطلته ومنتجته
الهام شاهين استطاع بلوغ هذه المرتبة نظرا لاسلوبية مخرجه الفطنة في تصوير
بيئة بسيطة من خلال امرأة تقودها الظروف الصعبة الى الزواج من شخصيات
متباينة وهي دائما في اجواء من المعاناة والمشاكل والهموم اليومية تبرزها
كاميرا تنهل من مفردات الفيلم التسجيلي الوانا من الاحاسيس والمشاعر
الانسانية. واكتفى الفيلم الجزائري الملحمي (مصطفى بولعبيد) لمخرجه احمد
راشدي بجائزة افضل ممثل لحسان قشاش الذي لعب دور شخصية المجاهد الجزائري
بولعيد الذي واجه الاستعمار الفرنسي ووقع في الاسر قبل ان يستشهد قبيل
الاستقلال . وتوزعت باقي جوائز المهرجان على النحو التالي : جائزة أفضل
سيناريو للمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن فيلمه (أيام الضجر) عن
حقبة زمنية قريبة في حياة المجتمع السوري، وجائزة أفضل إخراج للمغربي نور
الدين لخماري عن فيلمه( كازا نيغرا)، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم
الفلسطيني (ملح هذا البحر) للمخرجة ان ماري جاسر، كما نوهت لجنة التحكيم
بالفيلم التونسي (شينشيتا ) للمخرج إبراهيم لطيف. في قسم مسابقة الفيلم
القصير الفائز منحت لجنة تحكيم برئاسة اللبنانية كوليت مارشيليان جائزة
أفضل فيلم قصير للمخرجة الجزائرية صابرينا دراوي عن فيلمها (قوليلي) الذي
يناقش حكاية صديقتين مختلفتين في الرؤى والافكار، وذهبت جائزة لجنة التحكيم
الخاصة للفيلم المصري ساعة عصاري للمخرج شريف البنداري المستمدة احداثه عن
قصة قصيرة للاديب ابراهيم اصلان وعلاقة متارجحة بين والد وابنه . كما حاز
الناقد والباحث السينمائي المصري المقيم في لندن أمير العمري على جائزة قلم
الأهقار الذهبي وقيمتها 5000دولار حول مقاله النقدي عن فيلم (الزمن الباقي)
لإيليا سليمان .. بين الحداثة وما بعد الحداثة.
ويعد العمري المقيم في لندن من ابرز نقاد السينما العربية وشارك في اصدار
الكثير من ادبيات التثقيف والتنشيط السينمائي في مصر قبل ان يغادر الى لندن
للعمل في هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) . وأعتبر رئيس المهرجان
الدولي للفيلم العربي السيد حمراوي حبيب شوقي ان افلام الدورة الثالثة كانت
مميزة في جميع المستويات وتعبر عن قفزة نوعية في منتوج السينما العربية
ولفت الى الحيوية والبراعة في انجازات الافلام القصيرة التي اشتملت عليها
عروض المهرجان مشيرا الى انه بصدد اختيار افلام تسجيلية في عروض مسابقة
الافلام القصيرة بدءا من العام المقبل.
وكشف رئيس المهرجان حمراوي في مؤتمر صحفي تقييمي عقب اختتام عروض الافلام
بأنه عمل على تشكيل لجنة لدراسة اعادة تحديث وتجهيز وترميم صالات السينما
في مدينة وهران وتجييرها للدورات القادمة وذلك بعد ورود شكاوي من محدودية
سعة وضعف نظام الصوت في صالة المهرجان الرئيسية .
ووعد حمراوي بان تتضمن برامج المهرجان في الدورات القادمة على بانوراما
خاصة بالسينما الأجنبية مثلما جرت عليه العادة منذ انطلاق الدورة الأولى
مبررا غيابها هذه السنة لاحتفاء المهرجان بالسينما الفلسطينية ضمن احتفالية
القدس عاصمة للثقافة العربية.
واثار فيلم (دكان شحاتة) للمخرج المصري خالد يوسف الكثير من الجدل في اروقة
المهرجان رغم وفرة الحضور حيث اضطلع باداء ادواره كل من: هيفاء وهبي و عمرو
سعد ومحمود حميدة ويتناول قصة شحاتة ابن الجنايني الذي فتح دكان فاكهة
وأطلق عليه اسم ابنه شحاتة ويعاني طيلة احداث الفيلم من سطوة إخوته
ومعاملتهم السيئة له لغيرتهم الشديدة منه والتي تنتهي بمأساة حيث يناقش
الفيلم مشكلة تدمير القيم المصرية الأصيلة جراء تلك التحولات الصعبة
وانعكاسات ذلك على مستقبل المجتمع بيد ان قسوة الحياة تجعلهما يواجهان
الواقع على حقيقته المغايرة لقراراتهم وأحلامهم.
وبرغبة من القائمين على المهرجان في استعادة القدرة وامساك زمام المبادرة
في تقديم انتاج سينمائي عربي مشترك خص المخرج التونسي المخضرم عبد اللطيف
بن عمار المهرجان بعرض لثماني دقائق من فيلمه الروائي الجديد (شامة .. وألم
النخيل) الذي حققه من خلال الانتاج التونسي - الجزائري المشترك، وهو
المشروع الذي انطلق أساسا منذ الدورة الماضية بدعم من حمراوي حيبب شوقي
والمخرجة ناديا شرابي وجرى انجازه على ارض الواقع بعد ان ظل الانتاج
المشترك لصيقا بالضفة الشمالية للمتوسط.
وبهذا الصدد استذكر النقاد تلك الحقبة التي ساهمت فيها السينما الجزائرية
بالعديد من نتاجات السينما العربية الجديدة، والتي كان من بينها افلام
المصري يوسف شاهين وايضا فيلم (الاقدار الدامية) لخيري بشارة بالاضافة الى
الفيلم الكلاسيكي (زد) للفرنسي كوستا غافراس .
تسري أحداث فيلم (شامة .. والم النخيل) في تونس حيث يتناول قصة الفتاة
التونسية شامة التي قضى والدها في حرب بنزرت ومن خلال عمل شامة لدى أحد
المؤرخين تسعى الى اكتشاف حقيقة ما وقع في حرب بنزرت وتسببت باستشهاد ستة
آلاف تونسي بنيران الفرنسيين، تتعرف شامة على فنان جزائري مقيم بتونس رفقة
زوجته نبيلة وهي صديقتها أيام الدراسة، لتنطلق مغامرة شامة بحثا عن الحقيقة
لتتواتر الأحداث وتتداخل مستذكرة فصول مستترة من تلك الحادثة التي ظلت
خالدة في الوجدان التونسي. واتسمت هذه الدورة بحضور افلام قادمة من بلدان
عربية ما زالت تنشد صناعة الافلام حيث شارك المخرج البحريني محمد راشد
بوعلي بفيلمه القصير ( البشارة) الذي سلط الضؤ في 26 دقيقة على مفهوم
البشارة في الموروث الشعبي البحريني وتتمثل في تعليق ثوب نسائي مزركش
الالوان على اعلى المنزل كراية تشير الى فرح الاسرة بعودة عزيز بعد طول
غياب .
وروى فيلم (بنت مريم) للإماراتي سعيد سالمين الموري مع كل قطرة مطر حكاية
فتاة تغادر بعد وفاة زوجها الستيني ، لتقترب من وجوه تحمل الحزن والصمت معا
ونكتشف بان في كل قلب وبيت أو حارة فتاة ما تشبه هذه الفتاة .
وجاءت المشاركة الاردنية في فعاليات المهرجان من خلال الفيلمين: (رياح
التغيير) وهو من النوع الروائي القصير لمخرجه حازم البيطار، والفيلم
التسجيلي الطويل (انا غزة) لمخرجته اسماء بسيسو الذي عرض في احتفاء خاص على
شاشة عريضة في واحد من ميادين مدينة وهران الرئيسية على نسق العرض الصيفي،
كما ان الزميل الناقد عدنان مدانات قدم ورقة عمل ضمن وقائع الندوة النقدية
المخصصة لمناقشة موضوع (السينما العربية .. بين الرؤى الكلاسيكية والرؤى
الحديثة) التي اشرف عليها وشارك فيها كاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف
بالاتصال الاديب الجزائري عز الدين ميهوبي على برفقة العديد من النقاد
السينمائيين العرب، وجرى فيها إستعراض جملة من التحديات والاسئلة التي تعصف
بتطور السينما العربية من حيث إشكاليات التمويل الذي لا يزال مطروحا بحدة
في ظل غياب صناديق التمويل، وهو الامر الذي دفع بالكثير من المخرجين
والمنتجين باللجوء إلى التمويل الأجنبي، وجرى الاشارة ايضا الى مسألة
التدريب والتعليم والتثقيف السينمائي بالاضافة الى عوائق التوزيع والتسويق
لافلام السينما العربية الجديدة.
الرأي الأردنية في
06/08/2009 |