في هذا العلو
عليك أن تصادق شمس النهار فلم تعد هناك سحب تحميك منها فقد علوت عليها ..
أما
ليلا.. فحاذر أن يعتريك مس من جنون الشعراء مغريا إياك بمد يديك لتقطف بها
نجوم وكواكب الثريا المعلقة فوق رأسك.
وعندما تهبط من عليائك.. وتعود لواقعك
وللأرض التي أتيت منها وإليها تعود تجد نفسك محاصرا بكواكب ونجوم أرضية هم
ضيوف
مهرجان »الباهية«
الذين يزيدونها بهاء وتألقا وفدوا من مختلف بلداننا العربية
لتصبح لغة الضاد هي سيدة لغات العالم.
< < <
وفي الدورة الثالثة
لمهرجان وهران السينمائي الدولي للفيلم العربي والذي تنافس فيها أحد عشر
فيلما
طويلا..
وخمسة عشر فيلما قصيرا...
حيث كان هناك تردد كبير من انضمام الفيلم
الجزائري »مصطفي بن بولعيد«
إلي قائمة أفلام المسابقة باعتباره من أكبر انجازات
السينما الجزائرية لحياة واحد من أهم قادة الاستقلال والمنظم الحقيقي
للثورة..
وللأسف الشديد فإن بعض الأقلام قارنت ما بينه وما بين
»دكان شحاتة« قائلين إنه
لا يصح إن تعرض هذه الأفلام بتساو في المسابقة..
ونسي هؤلاء أن كلمة
»مهرجان«
تعني لم شمل الإبداع باختلاف تنوعه.
والحقيقة ودون أي مجاملة أنه
سيظل الفن المصري والفنانون المصريون لهم بريق خاص وحضور قوي يرحب به
الجميع..
في التكريم كانت »يسرا« وفي لجنة التحكيم الفنانة »نبيلة
عبيد«
وفي الطائرة الخاصة التي أقلت الوفود
العربية من بيروت..
دمشق..
القاهرة حرص رئيس المهرجان
»حمراوي حبيب شوقي«
علي أن يكون في استقبالنا علي
باب الطائرة..
ليشعر كل فنان وصحفي وإعلامي أنه ضيف شخصي
عزيز علي رئيس المهرجان
والذي يعد واحدا من أهم مثقفي المنطقة العربية..
وقليلين ممن
يملكون لغة »الضاد«
حتي أن الاستماع إلي كلماته وخطبه المرتجلة
يجعلنا نشعر بالزهو لجمال
لغتنا العربية.
< < <
جوائز المهرجان »الاهقار« مأخوذة من
خبايا التاريخ من الصخور القديمة المستوحاة من الكهوف في الصحراء الشاسعة
التي
يسكنها »الطوارق«
أو الرجال الزرق، كما
يطلق عليها..
وقد حصل الفيلم
المصري »خلطة فوزية« علي جائزة الاهقار الذهبية..
كما حصلت الفنانة
»الهام
شاهين« علي جائرة أحسن ممثلة عن دورها في هذا الفيلم.
وإذا كانت الجوائز
تسعد أي فنان مهما علا شأنه فإنه لا يجب أن ننسي أن هناك شيئا اسمه المنافسة وأن
من لا يفوز لا
يعني أنه ليس الأفضل فكل عمل إبداعي محترم هو في حد ذاته جائزة
يقدمها صاحبها لجمهوره.
ومن أجمل الأفلام التي عرضت خارج المنافسة وحازت
إعجابا وتقديرا من كل من شاهدوه وهو يعد من أهم الأفلام التي عرضت بالمهرجان
الفيلم التونسي »ثلاثون« لمخرجه التونسي القدير »فاضل الجزيري«
الذي
احتفل مؤخرا بعيد ميلاده الحادي والستين..
وفاضل الجزيري هو في الأصل مسرحي كبير
فإليه يعود الفضل في تونس في تأسيس مسرح الجنوب 1972،
وفاضل الجزيري مهموم
بالتراث الشعبي ويهتم بالصوفية وعلاقته قوية بالموسيقي والتاريخ.. فرغم قلة
أعماله السينمائية والتي وصلت لأربعة أفلام إلا أنها كلها تأريخا للحياة
التونسية
وحفاظا علي الهوية للإرث الشعبي والصوفي.
وفي فيلمه »ثلاثون« يروي فاضل
عشر سنوات فاصلة من تاريخ تونس ما بين سنوات 1924
إلي 1934. في ذلك الوقت
كان المجتمع شديد التحفظ أقرب إلي التخلف..
وكيف أن هذه السنوات شهدت صراعا بين
المحافظين المتزمتين وأصحاب الرؤي الحديثة خاصة المصلح التو نسي الكبير
»الطاهر
حداد« الذي يعد بمثابة »قاسم أمين« تونس في مناداته بتحرير المرأة من
التعنت والقهر..
في رحلة »الطاهر حداد«
كان معه »محمد علي الحامي«
صاحب
أول ملحمة عمل أهلية..
والشاعر الكبير
»أبو القاسم الشابي«
والرئيس السابق
الحبيب بورقيبه في شبابه وعلاقته بالباي.
وقد استعان المخرج الكبير ببعض
المشاهد الوثائقية من الأرشيف فأضفي علي العمل صدقا شديدا.
والفيلم شديد
التميز اجتمعت فيه كل العناصر الفنية خاصة التصوير »لمحمد المقراوي«
والمونتاج »للعربي بن علي«
أما السيناريو فقد شارك مع »الفاضل فيه
»عروسية
النالوتي«.
< < <
والمرأة في مجتمع »الباهية« أو »وهران«
تحتل مكانة بارزة منذ الأزل.
والمرأة الطارقية هي دوما رئيسة
للرجال.. حتي أن ملكتهم تقول عنها الأسطورة إنها كانت ذات حسن فائق وتتميز
بحكمة
ودهاء وذكاء فكان أن اعتبروها »أم الأشراف«.
والحقيقة أن كل سيدة في الجزائر
هي »أم الأشراف« لأنها في الأصل شهيدة أو زوجة شهيد أو والدة شهيد أو ابنة
شهيد..
لذلك فمكانتها عالية للغاية مهما جرت علي
الجزائر مؤخرا من سنوات طغي فيها
التطرف وحوربت فيها النساء..
والمتابع للشارع الجزائري اليوم بعد أن هدأت
الأمور
يلاحظ مدي الحرية الكبيرة التي تستمتع بها النساء كما أن نسبة الفتيات
المتعلمات
والحاصلات علي المؤهلات العليا تكاد تتفوق علي الشباب..
وفي معظم الهيئات
والمنظمات يبرز دور الفتيات المثقفات بوضوح..
لكل هذا كان استقبال الجمهور
الجزائري والعربي للفيلم الجزائري »رحلة إلي الجزائر«
لمخرجه »عبد الكريم
بهلول« شديد الحفاوة خاصة أن فيلمه الأخير
»اغتيال الشمس«
مضي عليه
أربع سنوات.. وكان عملا شديد التميز وصرخة في وجه الإرهاب وإدانته.
في رحلة
إلي الجزائر يقدم عبد الكريم بهلول أحداثا مستمدة من سيرته الذاتية هو
وعائلته..
ومدي الشجاعة التي أبدتها السيدة والدته بعد استشهاد والده..
وتحملها المسئولية
رغم صغر سنها ورعايتها لأطفال ستة لم يتعد كبيرهم العاشرة من عمره..
بعد
استشهاد الزوج ورفض المستعمرين أن يتم دفنه..
يتدخل أحد الفرنسيين المولودين في
الجزائر ويصرح بالدفن ضد رغبة الحاكم العسكري ومن ثم يشعر بتعاطف مع هؤلاء
الأطفال..
خاصة واحدا من الصغار الذي
يصاب بأزمة نفسية وهو المخرج..
وعندما
يتم الاستقلال يترك لهم المعمر الفرنسي منزله،
فتنتقل للسكن فيه مع ابنائها
لكن للأسف الشديد لكل حركة تحرير مفسدوها، ولكل ثورة فاسدوها لذلك
يلاحقها أحد
أعيان البلدة بسلبه منها وتتعرض للعديد من تهديداته..
وأمام عجز السلطات المحلية
عن حمايتها تقرر الذهاب للعاصمة للقاء الرئيس »بن بيللا«
وفعلا تذهب للقصر
الرئاسي وتقدم شكواها لكنها تفاجأ بعدم وجوده لسفره إلي وهران.. وأمام
إصرارها
علي المقابلة يلقاها قائد الأركان في ذلك الوقت »هواري بومدين«
الذي يقرر
مناصرتها ورد حقها وحق أبنائها..
ولعل أهم ما في هذا الفيلم هو أنه قدم صورة
صالحة في كل زمان ومكان عن علاقة »المواطن والسلطة«
في كل بداية الحركات
الثورية أو الاستقلالية هذا القرب الشديد بين المواطن والسلطة تزداد الهوة
بينهما
بمرور السنين حتي يصبح الحاكم أقرب للديكتاتورية ولا أحد يستطيع الاقتراب منه
ويصبح رد المظالم شديد الصعوبة.
لقد نجح »عبد الكريم بهلول«
في نقل صورة
شديدة الصدق لبداية ثورة التحرير في الستينات وكفاح المرأة ومشاركتها علي
كل
المستويات.. ولأن القصة هي سيرة ذاتية كانت التفاصيل الصغيرة التي تختزنها
ذاكرة
المخرج تبدو واضحة في جمال الصورة والموسيقي الحميمية والألوان
التي تشعرنا بالدفء
والحنين لفترات سابقة للسينما الكلاسيكية.
وكان لحسن اختيار عبد الكريم بهلول
لأبطال أفلامه وتحريكهم أكبر الأثر في نجاح الفيلم خاصة الأطفال الصغار
الذين جاء
أداؤهم عاليا للغاية.. ولأن الفيلم تكلفته الحقيقية هي ثلث ما كان يتطلبه
الإنتاج فقد بدا ذلك واضحا في بعض اللقطات التي تحتاج
»رتوش« مثل القطار
الحديث.. جهاز التكييف.. وهي أشياء وعد المخرج بمعالجتها حيث إن هذا هو
العرض
الأول له في الجزائر وكان
يريد اللحاق بالمهرجان وبالنسبة لبطولة الفيلم فقد قام
بها كل من سامية مزيان..
صوفيا مناصر.. وحيد قاسمي. وحميد رماش.
< < <
وستظل فلسطين قضية وشعبا هي أهم ما يشغل العقل..
ويهم القلب ومن
أجلها تنكسر الروح..
وجرح الفؤاد.. لكي تظل دائما وراءهم علي خطي الصمود..
وعدم النسيان.
وكم كان جميلا أن يعرض في الميدان العام بحضور جميع
الضيوف.. ومشاركة كبيرة من أهالي وهران عرض الفيلم التسجيلي الفلسطيني »أنا
غزة« للمخرجة الأردنية ذات الأصل الفلسطيني أسماء بسيسو.
أسماء المهمومة
بقضية شعبها كانت نجمة وهران في إطار تحية خاصة للسينما الفلسطينية تماشيا
مع
احتفالية القدس عاصمة أبدية للثقافة العربية اختارها مهرجان
وهران في تحيته للشعب
الفلسطيني.
»أنا غزة« قد نكون شاهدنا أقسي منه وأمر عبر شاشات
التليفزيون لما حدث من تدمير لكن مخرجته الشابة أرادت أن توثق الصور
بشهادات
وحكايات وتجارب أصحابها.. وهي في هذا الفيلم الذي تجوب به بعد ذلك مهرجانات
عالمية تحاول توعية العالم بما حدث خاصة في ظل تأزم الوضع
السياسي بين فتح
وحماس.
والحقيقة أن الفيلم بشهادته الإنسانية الموجعة للقلب وشعورنا بالخزي
والعار لما يحدث فإن
به شهادة هامة ناقصة وإن احتفظت بها المخرجة لنفسها وهي
معاناتها في دخول »غزة«
والتي كانت بمثابة المعجزة وهي ربما ما ستحاول تقديمه
في فيلم آخر، لأنه وكما قال الشاعر الكبير محمود درويش الذي
ستبقي كلماته
وأشعاره »شعلة للحرية« أنهم مهما فعلوا بالفلسطيني:
فـ طردوه من كل
المرافق
أخذوا حبيبته الصغيرة
وقالوا أنت لاجئ
يادامي العينين
والكفين
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
ولا زرد السلاسل
وسيأتي
اليوم الذي تتحطم فيه كل القيود والسلاسل وينعم الفلسطينيون بوطن والعالم
بسلام..
فقد تعبت الأرض من عبث وبطش القلة المستعمرة الغادرة..
وقهر من لهم الحق في
الحياة .. وأظل لفلسطين حكايات أخري في القلب والسينما والحياة.
آخر ساعة المصرية في
05/08/2009 |