من المعتاد ان تشهد اقامة مهرجان سينمائي او اكثر في العديد من
العواصم والمدن الأوربية وقد درجت هذه المهرجانات على ان تمتلك
هويتها وخصوصيتها من اقامتها مسابقات للأنواع الفيلمية الثلاثة :
القصير والطويل والوثائقي ، وهو ماتعارفت عليه العديد من تلك
المهرجانات وصار قاسما مشتركا لها ، لكن مهرجان الايكو سينما يبدو
انه قد اوجد لنفسه طريقا آ خر فعلاوة على تنظيمه المسابقات الثلاثة
الا انه اتخذ من بيئة الأنسان موضوعا وثيمة اساسية ، انها البيئة
المحيطة بكل تنوعاتها ومؤثراتها : البيئة الثقافية ، البيئة
الأقتصادية ، البيئة كمفهوم علمي خالص وهكذا شجع نزعة الأكتشاف لكل
ما يحيط بحياة الأنسان دافعا باتجاه تقديم ذلك عبر لغة السينما .
ومن هنا وجدنا ان المهرجان قد اوجد تصنيفا آخر موازيا لتقويم
الأفلام عبر مسابقاته وذلك من خلال تقسيم المسابقة الى ثلاثة اقسام
هي : مسابقة الفيلم الطويل بصرف النظر عن نوعه ومسابقة ثانية
للفيلم القصير ومتوسط الطول ومسابقة ثالثة للفيلم الوثائقي والصحفي
والعلمي وهي بالتأكيد تسميات غير شائعة كثيرا في المهرجانات وربما
كانت هي احدى ملامح تميز هذا المهرجان اضافة الى معطيات اخرى .
والمهرجان بشكل عام يعد واحدا من المهرجانات المستقلة التي لاتعتمد
على تمويل ثابت بل على جهود متواصلة طيلة العام من قبل ادارته تسبق
كل دورة من دوراته.
فيلم الأفتتاح في مسابقة الفيلم الطويل : كولومبيا
حمل هذا الفيلم عنوان بي في سي رقم واحد وبتوقيع المخرج
الكلولومبي من اصل يوناني هو ( سبيروس ستاثولوبولس) والفيلم ببساطة
يحمل قصة طريفة عن واقعة حقيقية عن اسرة تتعرض الى هجوم من قبل
افراد عصابة في احدى القرى الكولومبية حيث يعرض الفيلم مسيرة
العصابة في سيارة قديمة في داخل مزارع تلك القرية فلما يصلون الى
الهدف الذي يريدونه يهجمون على المنزل المقصود ويكممون افوه
افرادها : الزوج ، بنتين صغيرتين وولد ، واما الزوجة فيقومون بوضع
متفجرات بطريقة مبتكرة تطوق عننقها ويجري التحكم بها عن بعد
بالريموت كونترول .
وبعد ان يعجز افراد العصابة في الحصول على المال الذي يريدونه فورا
يتركون الأسرة ويمنحونهم مهلة وجيزة وفي حال عدم دفع المال سيجري
تفجير المرأة .
تلجأ الأسرة الى الشرطة ويقدم الفيلم عرضا كوميديا للكيفية التي
تعالج فيه الشرطة ذلك المأزق فخبير المتفجرات يؤدي دورا بالغ
الطرافة لأنقاذ المرأة فهو يستخدم سكين المطبخ لمحاولة قطع
الأنابيب والتوصيلات التي تحوي المتفجرات ويحتاج في ذلك الى تسخين
السكين لقطع الأنابيب الصلبة فيأتي بشمعة يشعلها بين حين وآخر
لتسخين السكين بينما تصارع الزوجة خطر التفجير والموت بين لحظة
واخرى ، وتمضي تلك الدراما الفاجعة مستغرقة اغلب وقت الفيلم حتى
تنتهي بوقوع التفجير والمشهد المحزن لبكاء الطفلة الصغيرة لفقد
امها .
500 ميل الى بابل العودة الى صورة العراق في الأعلام الغربي
هذا الفيلم يعود بنا الى الصورة النمطية للعراق والعراقيين في
الأعلام الغربي وخاصة عبر الأفلام الوثائقية والأخبارية . من هنا
يجيؤنا المخرج الأمركي من اصول اسبانية (ديفيد مارتينيز
) بهذا الفيلم ، وقد حضر بنفسه لتقديم فيلمه في المهرجان .
بالطبع ان الفيلم ليس حديثا بل يعود الى بداية احتلال العراق بفترة
وجيزة ويغطي اواخر العام 2003 وحتى نهاية 2004، وخلال ذلك يعرض
الفيلم للحياة اليويمة للعراقيين وردود افعالهم ازاء مايعشونه تحت
الأحتلال من مكابدات ومصاعب ومنها ازمات الكهرباء والوقود وانعدام
الأمن .
وخلال ذلك يتنقل المخرج بين اوساط وتيارات واحزاب وتجمعات ومظاهرات
واعتصامات لشرائح اجتماعيةعراقية مختلفة ، ويحاول ان يرصد التحولات
الأجتماعية اليومية المواكبة للأحتلال فضلا عن ملاحقة الحوادث
الأمنية من تفجيرات وحوادث امنية وغيرها ، في وسط ايقاع متسارع
للحياة ومكابدات الناس في حياتهم اليومية وخلال ذلك يقوم بأجراء
لقاءات مع اناس عاديين واطفال من طلاب المدارس وغيرهم ، ومن الملفت
انه سعى في فيلمه الى عرض وجهات نظر مختلفة متباينة تجاه العديد من
القضايا ولم يكتف بوجهة نظر واحدة وحيدة بل منح مساحة واسعة لغرض
ان يكون المشاهد رؤية واضحة عن المجتمع العراقي وتركيبته وتوجهاته.
ولعل من الملفت ايضا في الفيلم هو تنقله بين العديد من المدن
العراقية لعرض وجهات النظر المتباينة تجاه ماجرى ويجري ، وبسبب
المصاعب الأمنية التي تعيق حركة الأعلاميين والصحافيين في العراق ،
نجد ان المخرج يجد نفسه مضطرا للتوقف عند حدود ملامسة ماهو بارز
على السطح من الحياة اليومية مما هو ممكن رصده ومتابعته ، رغم انه
يتوخى قدرا من الموضوعية وذلك في تقديم وجهات النظر المتعددة ومن
ذلك النظرة للأحتلال والنظرة للنظام السابق وغيرها الا انني ناقشت
المخرج في المؤتمر الصحفي وسألته : لماذا عنوان الفيلم 500 ميل الى
بابل ؟ فقال هي المسافة بين عمان وبابل ..وهي اجابة غير دقيقة ..ثم
سألته كيف استطاع الدخول الى منطقة قتال عنيف في معركة الفلوجة سنة
2004 فأعترف انه لجأ الى الأستعانة بمصور محلي او اكثر لهذا الغرض
.هي صورة نمطية اخرى لاتختلف كثيرا عما حملته وسائل الأعلام
الغربية في مشاهدتها لعالم ينظرون اليه فولكلوريا ويتابعون تلك
المصائب والتراجيديا متصلة الفصول بكثير من اللاجدوى والعبثية
واللامبالاة بصرف النظر عن حجم الجعجعة والضجيج الأعلامي.
سينماتك
في 5 مارس 2008