شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

خريف آدم

دراما الإنسان بين الفجور والتقوي

سمير فريد

 

 

 

 

 

 

محمد كامل القليوبي من السينمائيين المصريين القلائل الذين ينطبق عليهم التعبير النقدي الفرنسي "رجل السينما" علي غرار "رجل المسرح" ويمكن ترجمة التعبير "إنسان السينما" حتي لا يصبح قاصرا علي الرجال دون النساء. والمقصود. الفنان الذي يمارس جوانب عديدة ومهناً عديدة تتعلق بفنه. ويعطي نفسه بالكامل لهذا الفن.

القليوبي "من مواليد 1945" تخرج في كلية الهندسة عام 1969. ولكن حبه للسينما دفعه لدراسته في معهد الجيزة حيث تخرج 1972. ثم لاستكمال دراسته في معهد موسكو حيث حصل علي الدكتوراة في الفنون .1986

وهو منذ 1972 يمارس نقد السينما والتأريخ لها. وكتابة السيناريو وإخراج الأفلام الروائية والتسجيلية من كل الأطوال. والتدريس في معهد السينما. كما أخرج مسلسلا تليفزيونياً عام .1999

بعد 30 سنة

بعد 30 سنة من إخراج أول أفلامه الروائي القصير "حكاية ما جري في مدينة نعم" الذي تخرج به في معهد السينما وبعد عشر سنوات من إخراج أول أفلامه الروائية الطويلة "ثلاثة علي الطريق" 1992 يقدم في خامس أفلامه من هذا الجنس السينمائي وذلك الطول "خريف آدم" "2002" خلاصة تجربته من خلال القصة القصيرة "ابن موت" للأديب الكبير محمد البساطي. وسيناريو وحوار علاء عزام. وتصوير رمسيس مرزوق وديكور صلاح مرعي وموسيقي راجح داود ومونتاج الراحل عادل منير.

وباستثناء علاء عزام تلميذ القليوبي. فكل الفريق الفني وراء الكاميرا من كبار السينمائيين المصريين المبدعين. وباستثناء راجح داود. ينتمون جميعا مثل القليوبي إلي جيل الستينيات الذي قدر له أن يبلغ سن الرشد في عصر عبدالناصر بأحلامه الكبيرة وخيباته الثقيلة. وأن يدفع ثمن الهزيمة في 1967. وثمن النصر في 1973. وثمن الحرب والسلام. والاشتراكية والانفتاح.

قصص الثأر

للوهلة الأولي يبدو الفيلم قصة أخري من قصص الثأر في الصعيد. ولكنه يتجاوز ذلك إلي التعبير عن التناقضات الداخلية العميقة للإنسان. وصدق الله سبحانه وتعالي عندما قال في القرآن الكريم إنه ألهم النفس الإنسانية فجورها وتقواها. ومن ناحية أخري يربط الفيلم بين أحداثه الدرامية وبين الأحداث السياسية في مصر في السنوات العشرين من 1948 إلي 1968 من حرب فلسطين إلي ثورة يوليو وتأميم قناة السويس وحرب 1956 وحرب 1967 ومولد جيل الستينيات 1968 حيث اشترك القليوبي في مظاهرات الطلبة ذلك العام واعتقل.

صعيد مصر 1948: يقتل فارس ابن آدم "هشام عبدالحميد" وكفاية "سوسن بدر" ليلة زفافه في مسلسل ثأر بين عائلة آدم وعائلة أبوخاطر. وتتحول رقية "جيهان فاضل" عروس فارس إلي أرملة ليلة زفافها. وحسب التقاليد الموروثة منذ قابيل وهابيل لا يتقبل آدم العزاء في ابنه. وإنما ينتظر الأخذ بثأره في الجانب الآخر. ينجب عويس أبوخاطر "حسن حسني" من زوجته سكينة "سعاد نصر" ابنه صبري ويقرر آدم أن ينتظر 20 سنة حتي يكبر صبري "أحمد عزمي". ويقتله في ليلة زفافه. تماما كما حدث مع ابنه. وصبري مثل فارس الابن الوحيد لوالديه.

ميلودراميا بسيطا

مرة أخري يبدو الفيلم ميلودراميا بسيطا. ولكن المعالجة الدرامية - السينمائية تتجاوز الفكرة الميلودرامية إلي دراما إنسانية متعددة الأبعاد عندما نري عويس وسكينة يخفيان أن مولودهما ذكر. ويعانيان عندما ينكشف أمره. وعندما يتابع آدم نمو صبري. ويحميه ويرعاه من بعيد. فهو ينقذه من الغرق في النيل. ويرسل إليه الطبيب عندما يمرض.

وفي هذه العلاقة بين آدم وصبري تجتمع الاضداد علي نحو مدهش. فآدم يرعي صبري ويحميه لكي يقتله. وصبري لا يملك إزاء شعوره بهذه الرعاية والحماية إلا أن يحب آدم. وما نراه علي الشاشة علاقة مثالية بين أب وابنه. ومع ذلك ننتظر طوال الفيلم هل سيقتل الأب ابنه أم تنتصر التقوي؟!.

أحداث مفتعلة

وتبدو العلاقة بين الأحداث الدرامية والأحداث السياسية مفتعلة رغم محاولات الحد من هذا الافتعال من خلال شخصية شداد "سري النجار" الذي يفقد إحدي ساقيه في حرب فلسطين. وقصة حبه المحبطة مع رقية أرملة فارس. وكذلك شخصية حسين صديق شداد والذي يفقد ساقه بدوره في حرب 1956 وكما لا يتم جدل درامي بين الأحداث الدرامية والأحداث السياسية. لا يتم جدل سينمائي بين المشاهد الدرامية واللقطات الوثائقية عن الأحداث السياسية. ويدير القليوبي ممثلي فيلمه ببراعة. وخاصة هشام عبدالحميد الذي قدم دور عمره في أداء شخصية آدم. فالمعروف أن هذا الفنان يهوي التمثيل الصامت علي المسرح. وقد أتاح له هذا الدور التمثيل الصامت في السينما علي نحو يندر في السينما المصرية. ولكن رداءة الماكياج أفسدت العديد من المشاهد بعد أن تقدم في العمر.

توفر عناصر كثيرة

توفرت لفيلم "خريف آدم" عناصر كثيرة كان من الممكن أن تصنع فيلما من روائع السينما المصرية. بل ويتجاوز الحدود إلي فيلم عالمي يتقبله المتفرج في كل مكان. ولكن ما حال دون ذلك افتقاد الخيال الذي حققه القليوبي نفسه في "ثلاثة علي الطريق" 1992. و"البحر بيضحك ليه" 1994. والأهم تلك النهاية المفتوحة التي لا ندري فيها علي وجه اليقين هل قام آدم بقتل صبري أم لم يقتله. فهو يتردد طويلا. ولكنه يضغط علي الزناد. ونستمع إلي صوت طلقة البندقية.

النهاية المفتوحة علي الاحتمالين هنا لا تعني سوي الهروب من اتخاذ موقف. فالقتل يعني انتصار الشر. والتراجع عنه يعني انتصار الخير. وسواء اختار الفنان انتصار الشر أم الخير فهو يعبر عن موقف له مبرراته من داخل الفيلم. أما ألا يختار لا هذا ولا ذاك فلا يدري المتفرج ما هو موقفه عما عبر عنه طوال ساعتين. ويظل "خريف آدم" من التجارب السينمائية المصرية المتميزة في سينما مطلع القرن الميلادي الجديد.

الجمهورية المصرية في 23 مارس 2005