شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

باول نيومان:

بورتريه رجل ثمانيني

نجم والي

 

 

 

 

 

من الأرجح أن الكثيرين لا يعرفون أن باول نيومان، هو في الأصل، رجل متخصص في الاقتصاد السياسي، قبل أن يصبح ممثلاً سينمائياً. على الرغم من أنه لم يستفد في حياته الوظيفية من شهادة الدبلوم التي حازها في هذا المجال. لكن من الناحية الأخرى، ربما يعود جزء من نجاح شركته العملاقة لصناعة السوسا، هو اعتماده على دراسته في إدارة المشاريع الاقتصادية، وكذلك نجاحه في أن يتحول الى ممثل مشهور في العالم. وإذا عرفنا، أن باول نيومان، لم يتمتع في بداياته بموهبة عالية في التمثيل، فإن احترامنا يزداد له لهذا السبب بالذات، تقديراً للجهود التي كان يبذلها في التحضير لأداء أدواره. على الرغم من أن نيومان ذاته يقول، "كان هناك الكثير من الحظ"، بما يتعلق بالنجاح.

انه سر نيومان أيضاً، أن يجعل المشاهد يشعر بالعناء الكبير الذي كان يكابره من أجل أداء أدواره بإتقان، والذي صنع منه نجماً كبيراً. حتى السنوات الأخيرة، وخلال كل أفلامه التي رأيناه فيها، ظل نيومان محافظاً على الومضات الدافئة التي يبعثها ظهوره على الشاشة. وفي كل أفلامه، فرض علينا نيومان الإعجاب به. فنحن نوده، لأنه ببساطة جنتلمان. في حياته اليومية أيضاً، ولم يشذ عن ذلك ـ كما يُروى عنه ـ إلا مرة واحدة. فذات ليلة، أثناء مأدبة عشاء في بيت المخرج ألفرد هيتشكوك ـ الذي كان يصور معه عام 1966 فيلم "الستارة الممزقة" ـ لم يكتف برفض شرب النبيذ الذي اختاره هيتشكوك لضيوفه بعناية، إنما راح يسخر من "الشراب الرقيق" الذي كان على المائدة، ثم لينهض ويذهب بنفسه الى براد المضيف، ويخرج منه علبة من البيرة، ويكرعها مباشرة. على الرغم من ذلك، فباستثناء هذه الحادثة، لم تكن هناك فضائح في حياته يمكن الحديث عنها. ويبقى أكثر ما يلفت النظر فيه، هو أنه، ومنذ أربعين عاماً، متزوج من المرأة ذاتها، الممثلة جوانة وودوارد. نيومان لم يلعب لعبة هوليوود التي أجادها زملاؤه الآخرون، لعبة الفضائح واستبدال الأزواج والزوجات والإدمان على الكحول والمخدرات.... وغيرها من الفضائح التي عُرفت عن مشاهير هوليوود.

وحتى عندما يكون شريراً، ـ وكان غالباً ما يلعب دور الشرير في أفلامه، آخرها قبل ثلاث سنوات، في "طريق الهلاك" للمخرج سام منديس، الذي لعب فيه دور زعيم للمافيا ـ، نعرف أنه مجرد ممثل يمثل هذا الدور، يصعب علينا نسيان طيبته، فكاهته، أريحيته، لطافته الإنسانية، وذلك ما يجعل أدواره الشريرة شاحبة بعض الشيء، ليس لأنه لا يجيد أداء دوره، إنما نحن الذين لا نريد أن نرى فيه غير ذلك، على الرغم من الطاقة التي يبذلها، بإقناعنا أنه ليس بهذه الطيبة التي نظن.

في الحقيقة تحول باول نيومان الى نجم سينمائي، ليس لأنه طيب وحسب، إنما لأنه شخص خطير و"مغرٍ"، أو لأنه كان يبدو دائماً أمامنا رجلاً مزاجياً، يشبه كثيراً زميله مارلون براندو، الذي تعلم معه نظرية "الطريقة" في فن التمثيل على يد لي شتراسبيرغ وإيليا كازان في أستوديو الممثل في نيويورك، لكنه تبنى ـ وذلك ما يميزه عن مارلون براندو ـ "الطريقة"، ليس لأنها الطريقة المثلى بالتمثيل، إنما لأنها الطريقة الأكثر عملية بالنسبة إليه، بصفتها تعليمات عملية، تجعله يحضر نفسه على أساسها، لأداء أدواره دون أي نقص، وليس بصفتها حجة للنظر في الأنا ذاتها. في بداية عام 1954 وظّفته "وارنر براذرز"، لأنه كان وسيماً جداً، ليلعب دور عبد يوناني في فيلم "الكأس الفضية". كان الفيلم بحسب رأي نيومان لاحقاً، أسوأ فيلم أُنتج في سنوات الخمسينات. وكما قال لاحقاً، لقد كلف نفسه الكثير من العناء، لكي يمنح الفيلم طابعاً كلاسيكياً، على الرغم من أن الفيلم ـ حسب قوله ـ لم يستحق كل هذا العناء. قبل عشر سنوات صرح باول نيومان في عيد ميلاده السبعين، بأنه يعاني صعوبة من تسليط الأضواء عليه ومن النجاح الذي صاحبه طوال حياته، بسبب مظهره الفانتازي: عيناه الزرقاوان، وبروفايله، الذي كما يبدو فيه الكثير من ملامح رجل قادم من العصور القديمة. اليوم لم تعد هذه الصفات أمراً مفروغاً منه في عالم السينما، ولا يفهم أي شخص، عن أي شيء يدور الحديث هنا، إذا قيلت جمل مثل هذه الجمل، التي تُقال في وصف باول نيومان.

باول نيومان، بعد حياة سينمائية، امتدت الى 35 عاماً، ظل فيها نجماً سينمائياً لا يُنازع، مثل خلالها في كل أنواع الأفلام السينمائية، في أفلام الويسترن، وأفلام الجريمة، في الميلودراما، وفي الكوميديا، بالإضافة الى توليه الإخراج بنفسه أكثر من مرة، وبشكل مقبول، ترتسم على وجهه ومنذ زمن طويل كل الملامح التي يمكن أن تحتويها الإيقونة، وذلك ليس فقط لأنه يضع على رأسه قبعة الطباخ، يبتسم أمام الزبائن على رفوف السوبر ماركت. (Newman`s Own)، البضاعة المعلبة من دون إضافات كيمياوية، التي تحمل اسمه، لأن الشركة التي تنتجها تعود إليه، وذلك ما يعرفه الجميع، إنما ظل إيقونة بسبب الأدوار التي ظلت عالقة في الأذهان حتى يومنا هذا. من ينسى باول نيومان في أفلامه الكثيرة: فيلم "قطة على سطح من الصفيح الساخن"، مع اليزابث تايلور عام 1956، الذي حصل بسببه على أول جائزة أوسكار، "حوت المدينة الكبيرة" عام 1961، الذي مثّل فيه تحت إدارة المخرج روبرت روسين دور لاعب البيليارد المحترف "أدي ويلسون"، والذي أعيد تمثيله لاحقاً، بعد 25 عاماً بإخراج "مارتن سكورسيزي" تحت عنوان "لون النقود"، وبتمثيل باول نيومان من جديد؛ "رجل سُمي هومبرة" عام 1967 أو الفلم الناجح مع روبرت ريدفورد "العصبة" عام 1973.

لا يتعلق الأمر بقيمة الأفلام لوحدها، إنما يتعلق أكثر بتمثيل باول نيومان فيها. ذلك ما جعل هذه الأفلام تمتع بهذا الثبات، من الممكن أن نشاهدها من جديد، دون أن يعني ذلك، أنها ستفقد المتعة التي تبعثها فينا كمشاهدين. لكن باول نيومان يملك، مكانه الثابت في تاريخ السينما، ليس في أيقونات سينما هوليوود النصف الثاني من القرن الماضي وحسب، إنما كان أكثر ممثلي هوليوود، الذين يربطون بين مرحلة العصر الذهبي لتلك السينما التي أصبحت مثل نوستالجيا بعيدة بالنسبة إلينا، وبين مرحلة العصر الإحتفائي، عصر الشهرة والنجوم والفضائح، الذي وإن بدأ فيه لاحقاً، كان سينجح فيه بلا أدنى شك، وما كان سيشكل ذلك مشكلة بالنسبة إليه، لأنه سبق له أن لعب دور الأبطال القذرين، المتمرّدين واللامنتمين. فقط في حياته الخاصة كان باول نيومان النموذج المعاكس. ربما يسرّب لنا بهدوء في أفلام مثل: "الصيف الحار الطويل"، أو "هود"، (الفلمان للمخرج مارتن ريت)، الشعور البسيط، بأنه ليس متوحشاً تماماً، كما يريد المرء أن يعتقده عند النظر إليه للوهلة الأولى. على الرغم من ذلك، لم تخفت قوة الإغراء التي يملكها، وذلك له علاقة بطريقته بالتمثيل، إذ نراه: قبل أن يقوم بأي فعل، يرمي نظرات طويلة، قبل أن يتحرك، وكأنه يشعّ بالكسل، الذي ليس له علاقة بالبطء، إنما يمكن القول له علاقة بتفوقه الإبداعي.

في هذه الأيام يحتفل باول نيومان بعيد ميلاده الثمانين. خلال هذه السنوات، تُضاف للأفلام التي مثلها، العديد من الجوائز والأعمال الخيرية، وأعياد الميلاد. قائمة نيومان تحوي على 45 فيلماً و3 جوائز أوسكار، من بينها جائزة أوسكار لقيامه بالأعمال الخيرية، وعلى شرفه بالحصول على تسلسل رقم 19 على القائمة السوداء التي وضعها الرئيس الأميركي السابق ريشارد نيكسون، أربعة أدوار على مسارح برودواي، وفوز لأربع مرات في سباق السيارات للهواة، وجائزة في سباق سيارات "دايتونا"، وجائزة المرتبة الثانية في مسابقة الركض في "لي مانز"، وتبرع لأعمال خيرية أكثر من 100 مليون دولار. وهذا المبلغ دفعه من دخل شركة السوسا. في الحقيقة لا يعجبه، أن تُستخدم السالسا ذاتها في أفلامه.

ربما لا يهمه كل هذا النجاح ولم يجعله يتحول الى نجم مغرور. فعندما أفتتح عام 2002 مع زوجته، الممثلة جوانة وودوارد في برودواي مسرح (Our Town) (خاص بلعب مسرحيات الكونتري)، أصر على أن يضعوا اسمه على قائمة الممثلين المشاركين معه في يوم الإفتتاح، حسب التسلسل الأبجدي. ليس ذلك فقط، إنما دخل المسرح وظهره للجمهور، يلبس قبعة، لكي لا يتعرف عليه أحد، ويصفق له، قبل الانتهاء من تمثيل دوره. المتوحش، الذي لم يكنه باول نيومان ذات يوم، قرر الإعتزال، وترك الخشبة للشخص المؤدب الى الأبد.

المستقبل اللبنانية في 20 مارس 2005