شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

عشرات الأفلام أكدت دور الإعلام في كشف الحقيقة

السينما الأمريكية تقتحم عالم السياسة من أبواب الصحافة

محمد رضا

 

 

 

 

 

“المذيع: أسطورة رون بورغاندي” الذي خرج للعروض قبل أشهر ليست بعيدة، هو واحد من أفلام عدّة عرضت في العام الماضي، وبعضها الآخر في ثنايا هذا العام، تتعامل والوسط الإعلامي، متلفزاً او مكتوباً. لكن ذلك الفيلم الذي قام بإخراجه أدام ماكاي حول مذيع تلفزيوني (يؤديه ويل فارل) صعد القمة وهبط عنها سريعاً، لم يكن سوى حالة عادية إذا ما قورن بأفلام عملاقة، سابقة، تعاملت وموضوع الصحافة والحقول الإعلامية عموماً. بل هو بالتأكيد لن يحتل مكانة تمكنه من حظوة المقارنة بينه وبين أفلام أكثر جدية في تعاملها وهذا الموضوع العريض.

والسبب ليس فنياً فقط، بل سياسي. كانت هناك فترة كانت هوليوود خلالها تقتحم السياسة متحدّثة عنها بأكثر من لغة ومن وجهات نظر مختلفة. كانت هناك مرحلة من حياة السينما الأمريكية اعترضت فيه على الحياة السياسية بأسرها من خلال البحث في شخصيات صحافية او في ملفّات قضايا حادة وإن كثيرا ما كانت خيالية. من “المنظر الموازي” الى “سلفادور” ومن “نتوورك” الى “سنة الحياة بخطر” مروراً بعشرات الأفلام المهمة، تتراصف الأفلام التي عنت ما تقول حين أكّدت على دور الإعلام في كشف الحقيقة، او حين تحدّثت عن أوضاع سياسية يكشفها محرر او صحافي او مصوّر فوتوغرافي. طبعاً كل هذه الأفلام لم تغيّر وضعاً سائداً (وإلا لكانت الحياة أفضل اليوم مما كانت عليه حينها) لكنها بالتأكيد زادت إطلاع وثقافة العشرين في المائة من الناس الذين يرفضون أن يكونوا تابعين. يريدون أن يسيروا ضد التيار، او على الأقل السير بمفردهم.

مكاسب شخصية

لعل أفضل فيلم تناول الإعلام في التاريخ هو “المواطن كين” لأورسون ويلز (1941). إنه فيلم بالأبيض والأسود حول صحافي (جوزف كوتون) يبحث في موت سُلطان صحافة ومعنى كلمة “روزبد” التي تفوّه بها حين موته. لا أحد يعلم معناها لا من بين شخصيات الفيلم ولا -لاحقاً- من بين المشاهدين، لكن رحلة البحث تكشف الكثير عن أمريكا السُلطة المتوخّاة والقوّة التي تنمو مع اضطراد النجاحات المادية. ومعنى ما يطلق عليه تعبير “إمبراطور الصحافة” سياسياً. كم منه مفيد للمجتع وكم هو مفيد للجشع الخاص. كل ذلك بأسلوب فني رائع جعل الفيلم الاختيار الأول لمعظم النقاد العالميين حين طُلب منهم تسمية أفضل عشرة أفلام شاهدوها في تاريخ السينما.

شيء قريب من ذلك نراه في فيلم “رائحة النجاح الحلوة” (لألكسندر ماكندريك- 1957) حول ذلك الصحافي (بيرت لانكاستر) الذي يتعامى عن الحقيقة سعياً وراء الكسب الشخصي. وأفضل منه فيلم خرج قبله بست سنوات هو “فارس في الحفرة” لبيلي وايلدر.

إنه فيلم آخر بالأبيض والأسود وتقع أحداثه في بلدة صحراوية كل من فيها منسي الى أن تقع حادثة معيّنة: رجل سقط في حفرة ولا سبيل لاستخراجه في الساعات القريبة. كيرك دوجلاس هو المحرر الذي يكاد يُطرد من عمله كونه لا يجد خبراً يستحق الكتابة. هذا الخبر اللا-حدثي يستوقفه. يشتم منه رائحة الشهرة. يثير الخبر ويحوّل مأساة الرجل الى قضية. يعمل الصحافي لمصلحته وليس لمصلحة الرجل الذي يحتاج الى إنقاذ والمكان بأسره يتحوّل الى سوق شراء وطلب بعدما تحوّل المكان الى مزار. أما الصحافي فقد رفع سعره وضمن مستقبله... هذا الى أن يستيقظ على سوء فعلته التي تمّت على حساب روح إنسان.

“فارس في الحفرة” ليس الفيلم الذي يتحدّث بإعجاب عن دور الصحافة، لكنه يلقي نظرة مهمّة على عالم جائر وجشع تغيب عنه القضية وجوهر العلاقة الإنسانية سريعاً. وهو موضوع لأفلام أخرى جيدة أيضا منها “المطلّع” (مايكل مان- 1999) وفيه يواجه آل باتشينو موقفا أخلاقياً: هو منتج إخباري إما أن يكشف مصدره ليضمن مزيداً من النجاح، او يخسر النجاح من أجل المبدأ.

رسالة مزروعة

والتلفزيون كان دوماً في الصورة. مشاكل “نشرة الأخبار” (أخرجه جيمس ل. بروكس- 1987) ليست محورية ولو إنه يتحدث عن بشر تأكل بعضها البعض من أجل النجاح. أفضل منه بكثير “استعراض ترومان” (بيتر واير- 1998) حول جيم كاري موضوعاً تحت المراقبة في عالم مصطنع يعيش فيه من دون أن يدري حقيقته. المتهم هو الاستعراضات الحية وبرامج “الواقع” التي تسعى للنجاح بصرف النظر عن الضحايا.

قبل هذين الفيلمين بأكثر من عشرين سنة خرج فيلم خطير عن موضوع التلفزيون ولو من وجهة ثالثة. “نتوورك” (سيدني لوميت-1976) دار حول مقدّم أحد البرامج (بيتر فينش) الذي يفقد -تدريجياً- اتزانه فيخرج على المشاهدين داعياً إياهم الى إغلاق التلفزيون والبحث عن الحقيقة خارجه لأنه تلفزيون مزيّف وتأثيره سلبي. هذه هي الرسالة الناصعة في هذا الفيلم، الرسالة غير الناصعة هي الهجوم على العرب باعتبارهم “يشترون أميكيا” و”يهددون اقتصادها” و”ينوون شراء المحطة” لبث إعلامهم. صحيح إن كل ذلك خيالي، لكن المراد منه لم يكن خياليا بالمرة.

وليس خيالياً أيضاً الرسالة المزروعة في “توك راديو” (أخرجه أوليفر ستون سنة 1988) حيث يتحوّل مقتل مذيع يهودي الى محاولة للقول على أن اليمينيين يصطادون اليهود قبل سواهم.

رسالة سلبية أخرى نراها في فيلم “سنة العيش بخطر” (بيتر وير أيضا سنة 1982) حيث يهاجم الفيلم الزعيم الأندونيسي سيكارتو ويصف حكمه (في منتصف الستينات) بالإرهاب علماً بأنها كانت الفترة السياسية المتجلية التي حوت على عدد من زعماء عدم الانحياز منهم الزعيم جمال عبد الناصر وجواهرلال نهرو وتيتو والرئيس الاندونيسي. إذ لا تتوقع من الفيلم أن يكترث لذلك الجانب المضيء من حياة سوكارنو الا أن النظر الى السلبيات وحدها يتحوّل الى رسالة هدّامة من دون ريب.

متاهات السياسة الخارجية

الصحافة ككاشفة مؤامرات وصفقات ومساوئ السياسيين موجودة في عدد لا بأس به من أفلام الأمس، لكن ليس منها ما هو أفضل من “برالاكس فيو” (او “المنظر المتوازي”). أخرجه الراحل آلان ج. باكولا في العام 1974 وفيه قدّم وورن بيتي في دور صحافي يكتشف أن مجموعة من الشهود يموتون في ظروف غامضة. من جراء بحثه يتوصل الى اكتشاف مؤامرة تُحاك لقتل سياسي مرشح للرئاسة. حياة الصحافي تصبح مهددة، لكن عوض التشويق البوليسي يبقى الفيلم تشويقاً نفسياً وسياسياً طوال الخط. آلان ج. باكولا أخرج أيضا، بعد عامين فقط “كل رجال الرئيس” حول فضيحة ووترغيت ومع روبرت ردفورد وداستين هوفمان مراعياً، وبنجاح، عدم التحوّل بدوره الى فيلم سريع الحركة فارغ المضمون.

وهناك الكثير من الأفلام التي تعاملت مع السياسة الأمريكية الخارجية. كل ما سبق تحدّث عن السياسة المحلية أساساً وعن ضحاياها او عن مستغلي الوضع لمصالحهم الخاصة. لكن “حقول القتل” (رولاند جوفي- 1984) كان من تلك البارزة التي لم تتحدث فقط عن حروب بل عن أوجاعها. بطله (سام ووترستون) مصوّر صحافي يكتشف المقابر الجماعية لضحايا الخمير الحمر ولا يعرف ماذا يفعل باكتشافه الذي يريد البعض له أن لا يخرج من عقاله. في “سلفادور” (أوليفر ستون-1985) حكاية مصوّر (جيمس وودز) يجد نفسه في متاهات السياسة الأمريكية في دول الوسط من القارة اللاتينية. وقبله بعامين كان روجر سبوتسوود حقق فيلما من بطولة نك نولتي في دور المصوّر الصحافي. في “تحت النار” فضح لا غبار عليه للصمت الأمريكي حيال المآسي الدامية التي تعيشها دول أمريكا اللاتينية نتيجة الحروب الداخلية وتأييد السياسة الخارجية لأمريكا للموقف الخطأ.

لكن أجواء ألان ج. باكولا لم تغب طويلاً. أحد آخر أفلامه “كان” حيث يتقدم دانزل واشنطن لكي يساعد امرأة لديها معلومات تدين الجهات التي أخذت تغتال القضاة لكي يسهل تعيين سواهم أكثر انتماءً للتطرف اليميني. لكن الفيلم لم يحقق الضجة الصحيحة التي صاحبت فيلميه السابقين. الظروف اختلفت والباحثون عن الحقيقة أصبحوا أقل مما كانوا من قبل.

فراش واحد

الى هذه المجموعة كانت هناك أفلاماً كثيرة ذات طروحات مختلفة حول موضوع الصحافة والسلطة والسياسة إنما تحت سقف من الترفيه، او بسببه. هناك، على سبيل المثال “سوبرمان” (رتشارد دونر- 1978) حيث يعمل كريستوفر ريف، حين لا يكون طائرا في الهواء ومنقذاً للبشرية، متخفياً في ثياب مصوّر. صديقته (مارغوت كيدر) صحافية لا تعلم إنها تعمل مع سوبرمان من دون أن تدري. في الظل هناك ذلك الشرير (جين هاكمان) الذي سيستعين بفضائيين بهدف الاستيلاء على الصحف لأنها مصدر سلطة لا مثيل له.

“الصفحة الأولى” (هناك نسختان واحدة للويس مايلستون، سنة1931، وأخرى لبيلي وايلدر في الخمسينات. الفيلم كوميديا رائعة عن تدخل الصحافة بكل الوسائل الممكنة لمنع قصة حب بين صحافي استقال ليتزوّج في الوقت الذي يحتاجه فيه رئيس التحرير لتغطية نبأ هرب متهم بريء من قبضة القانون.

وفي فيلمه الأول، مخرجاً، اختار كلينت ايستوود قصة تحتوي على قدر غير يسير من موضوع تأثير الإعلام على الناس وخطر الناس عليه. إنه مذيع عادي يعمل في محطة يقدّم من خلالها أغاني وألحان الجاز. فجأة تلاحقه امرأة مجذوبة الى صوته وتصبح تهديداً على حياته.

وايستوود والصحافة على طرفي نقيض في مشهد مهم من فيلم له في سلسلة التحري هاري القذر. المشهد هو حين يحاول رؤساؤه إشراكه في بهرجة إعلامية على حساب الخطر الماثل. لكن ايستوود يدير ظهره تاركاً المحتفين بأنفسهم والصحافة المحتفية بالظواهر وحدها ينامان معاً على فراش واحد.

الخليج الإماراتية في 20 مارس 2005