جديد حداد

 
 
 
 
 

شادي عبدالسلام..

صاحب المومياء

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

كانت الرغبة بالإخراج تسيطر على شادي عبدالسلام منذ بدأ بالعمل في السينما، لكنها تبلورت فيما بعد لدرجة إنه اكتشف تضييعه للوقت بالعمل في الديكور، خصوصاً بأن تصميماته للديكور لم تكن تنفذ كما كان يريد. لذلك شعر بأن الوقت قد حان ليقول رأيه للعالم من خلال السينما، وبدون أي وسيط.

بدأ شادي بكتابة فيلمه (المومياء)، يدفعه إحساس قوي بالرغبة في تقديم ما هو جديد وجاد، دون النظر إلى إمكانية تنفيذه من عدمها. واستغرق في كتابة السيناريو عاماً ونصف العام، تاركاً ورائه كل شيء لا يتعلق بالمومياء. كان صادقاً مع نفسه منذ البداية، حيث كان يعيش أزمة مالية قاسية، بالرغم من العروض الكثيرة التي كانت تعرض عليه لتصميم وتنفيذ الديكور، والتي كانت ذات أجور مغرية، إلا أنه وجد نفسه غير قادر على عمل أي شيء غير المومياء، وشعر بأنه سيكذب عليهم وعلى نفسه لو قبل بالعمل فيها.

بعد انتهائه من كتابة المومياء، بدأ شادي بالبحث عن طريقة لتنفيذه، وقتها كان يعمل مع روسيلليني، فعرض عليه السيناريو، وبعد أن قرأه روسيلليني لم يصدق بأن هذا السيناريو يبحث عمن ينفذه. فأخذه فوراً إلى وزير الثقافة المصري، وكان ذلك بمثابة تزكية واعتراف صادق من مخرج عالمي كبير، بأهمية الفيلم وأهمية تنفيذه، لذلك دخل السيناريو ضمن مشاريع مؤسسة السينما.

لقد كانت مرحلة تنفيذ فيلم (المومياء) تجربة صعبة، مع مخرج صعب يحمل فكراً وأسلوباً مختلفين. وتكمن تلك الصعوبة في أنه استخدم الكاميرا التي تفكر، فالكاميرا عند شادي لا تنقل الملامح فقط، وإنما تربط عناصر التمثيل والأداء الصوتي بكادرات فكرية تُوظَف داخل بناء الفيلم بشكل كامل. دراسته للعمارة منحته القدرة على البناء، بناء الفيلم بكامله، فهو يقتصد ويستفيد من كل العناصر المكونة للمشهد، وأن يكون لكل عنصر شخصية مميزة، ووظيفة تتمشى مع بقية المشاهد، وذلك حتى يصبح العمل في النهاية قطعة من المعمار الحيّ، له روحه الخاصة، ويتدفق بالحياة.

كل لقطة، كما يقول شادي، محددة ومرقمة في السيناريو، وباستطاعته ـ أيضاً ـ أن يحدد عدد لقطات الفيلم منذ البداية وقبل التصوير، لأنه لا يؤمن بالارتجال أثناء التصوير في الفيلم الروائي (...أذهب لوحدي إلى أماكن التصوير، وأصورها بالفوتوغرافيا، حتى يصبح كل شيء واضح تماماً في ذهني...). كذلك، فهو يحدد على السيناريو الوقت الذي يتم فيه التصوير بالنسبة للمواقع الطبيعية، إنه لا يحدد رقم العدسة للمصور، وإنما يخبره بما يريد ويترك له تحديد الرقم المناسب للعدسة. فشادي فنان يؤمن بالتخصص كلٍ في مجاله. فقد استعان بالكاتب علاء الديب لصياغة كل حوار المومياء، فالصياغة الأدبية للحوار عنده ـ كما يقول ـ غير مكتملة وضعيفة. ولكي تظهر الصورة كما يريدها أو كما يتصورها، يلتقي شادي مع مدير التصوير عبدالعزيز فهمي في جلسات طويلة، يناقشه ويشرح له ويعيد عليه حكاية الموضوع كما يشعر به، فالمسألة بالنسبة لشادي ليست مجرد حكاية الفيلم أو ما يقوله، إنما المهم إحساس المصور بالأشياء.. فعن استخدامه للألوان، يتحدث شادي عبدالسلام، فيقول: (...أهمية اللون أن يظهر عندما أحتاج إليه، وأنا لا أحتاج إليه أكثر من مرتين أو ثلاث في الفيلم...). صحيح بأن شادي قد صور المومياء بالألوان الطبيعية، إلا أنه كان حريصاً على إعطاء اللون دلالته الدرامية، وإلا فلا داعي لإظهاره. فمثلاً في أحد المشاهد، يستخدم فيه الأبيض والأسود فقط للمشهد بكامله، فيما عدا لقطة واحدة يظهر فيها لون محدد، فالمشهد يظهر جنازة الأب، وكل القبيلة ترتدي الزي الأسود في مقابل اللون الفاتح للجبل.. يقول شادي: (...النقطة السيكولوجية عندي في هذا المشهد هي ارتباط الشاب بأبيه الذي لم نره، وبالتالي لم نتعرف على مشاعر الابن نحوه، وليس هناك حوار يدل على هذه المشاعر، فالمشهد كله صامت، إنما هناك اللحظة التي تصور وجه الابن ورأسه ينحني حزناً على قبر أبيه، فنرى الأرض من وجهة نظره مغطاة باللون البنفسجي، وهو لون الورد المفروش على القبر، وعن طريق هذا اللون وحده، أردت أن أعبر عن العاطفة التي تربط بين الابن وأبيه...). هكذا تصور، ليس إلا دليلاً على إن شادي عبدالسلام يتمتع بحس سينمائي ذو شاعرية شفافة وعميقة في نفس الوقت، ولا يفكر بهذه الطريقة، في تنفيذ مشهد واحد، إلا مخرج متمكن من تقنياته الفنية وأدواته السينمائية.

 

أخبار الخليج في

29.03.2015

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)