مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

وجع إنساني في مهرجان القاهرة السينمائي

سعيد أبو معلا

مع استمرار عروض الأفلام في. مهرجان القاهرة السينمائي الـ31 لليوم السابع تنوعت الأفلام المشاركة بحسب الدولة التي جاء منها الفيلم، والقضية التي عالجها وانحاز لها هذا المخرج أو ذاك.

ومع أن الإقبال الجماهيري كان عليها ضعيفا فإن ذلك لا يقلل من قيمتها الفنية العالية أو الهموم الإنسانية التي تناولتها، كما أن بعضها جاء متقاطعا مع بعض القضايا والهموم العربية الساخنة.

فمن ضمن الأفلام التي شاركت في المسابقة الدولية فيلم "دون رحمة" المجري والذي تناول وضعية الغجر الذي يعدون أقليه في بلدهم ويعانون من الاضطهاد والتمييز والتفرقة، والفيلم البريطاني "متى رأيت والدك آخر مرة؟" الذي يعد بمثابة صرخة قوية لضرورة التواصل مع الآباء في ظل الحياة البريطانية التي غيرت كثيرًا من وضعية الوالدين في العائلة.

أما من روسيا فقد حضر فيلم "رؤية كاملة" والذي يتناول عبر قصة عشق قادمة من موسكو إلى إحدى القرى الأوكرانية مأساة إنسانية بمشاعر مؤثرة عكست حجم التغيير وواقع التشظي الذي تعيشه هذه الدولة بفعل التحولات الفكرية والتغييرات السياسية، أما الفيلم الإسباني فيعلمنا كيف نتخلص مما نعتقد أنه قدرنا ويمنحنا القدرة على قول كلمة "لا" في وجه كل ما يعوق تحقيق أحلامنا ويخيفنا من مستقبلنا.

عنصرية مجرية

يحكي الفيلم المجري "دون رحمة" للمخرج "إلمر رجاليي" حكاية التفرقة العنصرية التي تتعرض لها طائفة الغجر في دولة المجر وذلك بشكل غير مباشر عبر سرد قصة شاب غجري يعمل حطابا ويدعى "دينس شوها"، حيث يتهم من قبل الشرطة بجريمة قتل مشغله "إيمري" الذي يحرمه من حقوقه ويعامله معاملة عنصرية؛ فيتهم ويدان دون أن يكون هناك دلائل تدينه سوى أنه غجري فقير لا يمتلك مقومات الدفاع عن نفسه في بلد يفرق بين سكانه وتحكمه شرطة ينخرها الفساد والقسوة والظلم.

الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية وقعت في المجر قبل 15 عاما يبدأ من مشهد لغرفة باردة في سجن كبير يتنقل بينها "شوها" وغرفة التحقيق التي تحتوي ضابطين يحاولان جاهدين إثبات الجريمة على المتهم الذي تحول من مجرد شاهد إلى مجرم يجب أن يعاقب.

المتهم وعبر مشاهد "الفلاش باك" يجعلنا نتعرف على واقعه الصعب والمؤلم الذي يتقاسمه مع والدته، وعلى الجريمة التي ارتكبت واتهم بها زورا، المشاهد ذاتها أو اللقطات الاسترجاعية كانت بمثابة عين وذاكرة "شوها" وعين خياله تجاه الحلم الذي يطمح بتحقيقه.

لكن بفعل الفساد الذي تعانيه الشرطة تكون النتيجة أن المتهم يجب أن يدان مهما كان الثمن، فيتم التحايل عليه ليعترف بجريمة لم يرتكبها أصلا أملا في الإفراج عنه وفعلا يحكم عليه بـ 8 سنوات ويفرج عنه بعد عامين ونصف باكتشاف المجرم الحقيقي عاشها حالما وكاتبا لخطابات رأفة إلى القاضية التي حكمت عليه شارحا لها ما حدث معه من خداع وتضليل وأنه بريء دون أي جدوى.

يعود "شوها" إلى قريته الصغيرة ليصاب بصدمة بعد أن يرفضه مجتمعه أمام عدم تصديقهم أنه بريء فيعاني من فقر شديد يضطره إلى الاقتراض من تاجر مرابٍ يوقع به حتى يتنازل عن بيته، وبعد أن يعجز في الحصول على حقه في التعويض بفعل خطأ المحكمة يصل إلى نقطة يأس يقرر فيها الانتحار.

الفيلم واقعي وصادق بمقدار ما أنه صادم، فقد برع المخرج في رسم شخصية البطل الفقير والضعيف الذي لا يتمتع بالثقة بالنفس والذي يقود في النهاية بعد أن يغرق بالديون أمام رفض مجتمعه الصغير والكبير له إلى الانتحار دون أن ينظر في دعوى تعويضه، كما أنه قدم فكرة المحاكمة والظلم الذي يتعرض له الإنسان الفقير دون استخدام أي موسيقى حزينة بل بالاعتماد على إضاءة زرقاء وخافتة لتصنع ذلك التوازي بين سواد الواقع وسواد السجن والحياة التي يعيشها الغجر عموما في المجتمع المجري.

الفيلم يتقاطع مع الحال عربيا في كثير من الدول، حيث يهان الفقراء ويعذبون في أقسام الشرطة ويجبرون على الإدلاء باعترافات كاذبة ليحصل الضابط في النهاية على وسام شرف ويغلق ملف القضية في ظل استقواء وتغول السلطة وأجهزة الدولة على الفقراء والضعفاء.

مطلب بريطاني

الفيلم البريطاني "متى رأيت والدك آخر مرة" للمخرج "أناند توكر" يعتمد على السيرة الذاتية للكاتب "بليك موريسين" ومذكراته التي تتأرجح بين ذكريات كاتب وشاعر محب للمعرفة وذكريات محرجة لمراهق مع أب يتمتع بشخصية قوية ومتسلطة ولها ميل للزنا مرورا برؤيته لوالده يحتضر أمام عينيه والذي لا تجمعه به علاقة حب.

فخلال فترة وجود الشاعر "بليك" برفقة والده المريض يسترجع ذكرياته بدءًا من سلوكيات والده التي كان يرفضها وأسلوبه في التعامل مع جيرانه وأصحابه و"بليك" ذاته ليظهر لنا أن فجوة كبيرة بينهما نشأت عنها خلافات تقود إلى أن يكرهه ويحقد عليه.

الفيلم بقصته الإنسانية البسيطة في ظاهرها تطرح بشكل مؤلم علاقة الأبناء بوالديهم حيث تصبح الأيام الأخيرة المعدودة للأب فرصة للابن "بليك" ليكتشف مدى حب والده له برغم خلافاتهما الكثيرة لتنكشف المشاعر الحقيقية تحديدا مشاعر الابن تجاه والده بفعل اختبارها الحقيقي، فرغم أنه يسأل في البداية والدته: لماذا تتحملين عبء مرضه؟ يتكشف بعملية استرجاع طويلة بين الواقع والماضي حقيقة حبه لوالده الذي هجره فترة طويلة ليحمل رسالة ودعوة قوية، ربما لا تخص المجتمع الغربي وحده حتما بل تخصنا كمجتمعات عربية بدأت تتهاوى فيها العلاقات العائلية.

المشهد الأخير الذي يختتم به الفيلم يبدو ذا مغزى إنساني محمل بعواطف جياشة بفعل تجمع العائلة والأقارب ليلقون رماد جثة الوالد المتوفى بعد رحلة تعب طويلة في هواء البيت الذي عاشوا فيه وكان ذات يوم مليئا بالحب والعطاء.

رؤية روسية متكاملة

الفيلم الروسي "رؤية متكاملة" للمخرج "فلري بندركوفسكي" يعرض دراما قوية وعميقة ذات مغزى إنساني مهموم ومليء بالهم الاجتماعي والسياسي وممزوج بجمال الطبيعة وقسوتها عبر تقديم قصة "ايرين" المرأة الروسية الذكية والجذابة والمستقلة والتي تكون في الثلاثينيات من عمرها، حيث تقع في غرام الشاب الوسيم "كوستيك" الذي يصغرها بعشر سنوات حيث يسافران في رحلة سياحية لقرية ساحلية لقضاء عطلة أسبوعية عاش فيها "كوستيك" سنوات طفولته.

سيدة الأعمال "إيرين" والمرأة القوية وصاحبة الشركة التي تدير مشروعات سياحية والتي تنجذب إلى "كوستيك" المنجذب إلى حياة العاصمة موسكو والقادم من قرية صغيرة ساحلية في أوكرانيا تقرر الذهاب لقرية "كوستيك" لترى الفتاة الجميلة "كاتيا" التي وعدها "كوستيك" وهو طفل بالزواج.

يجد "كوستيك" أن قريته كما هي، فهي لم تتغير مطلقا لنرى فيها مجموعة من الشخصيات التي رسمت عبر السيناريو بدقة أكثر مما رسم أحداث درامية معينة تقودها ليكون الفيلم مليئا بالتفاصيل الرمزية والتي تضعنا أمام واقع وأثر التحولات على المجتمع الأوكراني.

فنرى العمة العجوز أم "كاتيا" التي تعاني من عجز في إجراء أي تغيير في حياتها، وكذا شريكها "فرنجيان" وهو المغرم بـ"كاتيا" التي ما زالت تحب "كوستيك" ويكبرها بحوالي 20 عاما. ليحصل صراع الحب الحاد بين المرأتين "كاتيا" و"إيرين" على "كوستيك" الأمر الذي يقود إلى مأساة دامية بفعل "انتحار "كاتيا" لحب كوستيك لإيرين وبالتالي انتقام "فرنجيان" وقتله لإيرين بعد أن كان يريد قتل "كوستيك".

فالعودة التي قادها كوستيك أثارت الكثير من العواصف وقادت إلى حتف حبيبة طفولته وعشيقته التي يحلم معها بتحقيق حلمه المستقبلي بعد أن حاولت "إيرين" حماية حبيبها.

في عالم القرية البسيط نشاهد عبر الصور المستمدة من بيئتها الكثير مثل: الشرطي (رمز السلطة) الهزيل والذي يكون بحالة سكر دائم والذي يعجز عن أخذ حقوق الناس في دلالة رمزية تدلل على أن النظام السياسي فقد هيبته ويعاني من الضعف والفساد، كما نرى مسئول الحزب الشيوعي الذي يلقي عليهم خطبة دعائية لا يفهمها سكان القرية فيقابلونها باستهجان شديد وسخرية مرة يطرد على إثرها، أما احتفال الحزب الشيوعي الذي انضوت القرية في وقت سابق تحت لوائه فيتحول إلى معركة بين نساء القرية الغيورات من بعضهن البعض، كما نرى معتوه القرية الحالم بتحقيق حلمه بالسباحة عبر المضيق ليصل إلى موسكو محققا تواصلا حقيقيا يفيد السكان.

وبمقتل "إيرين" وبمجرد مغادرة سيارتي إسعاف وشرطة مكان الجريمة تهم العمة بحرق البيت لنكتشف أنها تسقط من دكة خشبية وتفشل في ذلك بعد أن ترش البيت بالجاز لنراها بعد نظرة تأمل تقوم وتصلح الدكة المنكسرة وفي ذلك دلالة رمزية على أهمية البناء والقيام بمسئوليتها في الحفاظ على البيت، لينتهي الفيلم بمشهد قفز معتوه القرية إلى البحر سابحا تجاه حلمه. 

"لا" إسبانية

أم الفيلم الإسباني "قمر في زجاجة" للمخرج "إدورد جروبو" فيبدو من عنوانه الرومانسي صعب التحقق، إنه يريد أن يقول لنا شيئا يخص كل إنسان على وجه الأرض، فهو وعبر  طرح السؤال في ثنايا الفيلم: هل نقدر على حبس القمر في زجاجة؟ يجعلنا نكتشف في نهايته أن هذا ممكن ولو من خلال التخيل والحلم والطريق إلى ذلك قول كلمة "لا".

يقدم الفيلم درسًا في الشجاعة ومعالجة درامية تجعل من شخصياته تقول كلمة: "لا"، ففي البداية يطرح سؤالا مركزيا نكتشف في نهاية الفيلم أن العمل كله يدور حوله، السؤال هو: "كم مرة نقول لا في اليوم.. في الأسبوع.. في السنة؟" وما بين كلمة "لا" التي تعتبر حاجة إنسانية لرفض الذل والمهانة والخوف واليأس والاستسلام وحالة الحلم بوضع القمر في زجاجة برمزية البحث عن حالة كونية مثالية التي يطمح بها أبطال الفيلم وشخصياته المختلفة والتي تتشارك بهم إنساني أو مآزق شخصية كثيرة.

الفيلم يسرد حكاية الكاتب الشاب والمغمور "ز" الذي يطلب منه أن يكتب رواية في غضون شهر لأحد الكتاب المشهورين الذين توقفت رغبته عن الكتابة ويريد أن يحقق مجدا جديدا، أما "ز"  فيتردد على مقهى "روسينول" الذي يملكه الممثل "باسكال" باحثا عن الإلهام والوحي من الشخصيات التي ترتاد المقهى، وهناك يتعرف على "إليسا" عاملة المقهى ويقع في غرامها.

في المقهى وعبر "ز" نرى عالم من الشخصيات منها: صانع الأحذية الذي يكتشف أن الأحذية التي يصنعها معلقة على الأسلاك، وتلك المرأة التي بدأت حياتها جميلة وانتهت بها عجوزا مدمنة على شرب الكحول، وهذا المؤدي الذي فقد عمله بعد أن أغلق المسرح ويعيش في الشارع، وذاك الرجل المريض الذي فشل بعمله في مصنع الأحذية وتحول إلى أسير مرضه رافضا مراجعة المستشفى لخوفه من الموت، وتلك العرافة الصينية التي تم اغتصابها من قبل مجموعة من الشبان وقررت البقاء على حملها وعملها، وذاك صاحب المقهى "باسكال" بطل السرك قديما وعاشق الفنون والذي تتغير حياته بوصول أصدقائه القدامى "أيرين" و"كيرت" العازف والمطربة سابقا في مسرح كان ثلاثتهم يؤدون به وهو قدوم يهدف إلى مواصلة الاحتجاج على هدم مسرحهم القديم.

الجميع يسعى في الفيلم إلى تغيير مصائرهم من خلال قول كلمة "لا" وتكون حادثة المسرح التاريخي الذي قررت السلطات هدمه واستبداله بتمثال لبيضة ضخمة يرفضها الجميع، فبمجرد بدء مراسم وضع البيضة مكان المسرح تندلع الثورة فيقوم المحتجون بوضع الصمغ على أيديهم ومن ثم يلتصقون بتمثال البيضة الضخمة كي يمنعوا نقلها بتاتا الأمر الذي يضطر بالشرطة إلى تكسيرها لفك المحتجين عنها.

هذا الحادث الرمزي في قول كلمة "لا" يكون محور تحول الكثير من شخصيات الفيلم فيقوم الكاتب "ز" بفك الترس الذي يقيده عن جسده فيما يخص علاقته بدار النشر التي تستغله من خلال فض العقد بينهما، وبفضله تفك "إليسا" الترس الذي يقيدها بعملها فقط داخل مقهى باسكال دون أن يكون لها اهتمام بالقضايا الأخرى المحيطة، وكذلك بقية الشخصيات التي حولت لحظات المواجهة مصائرها مستقبلا وبالتالي حاولت تحقيق حلم وضع القمر في زجاجة.

ويعتبر أهم ما يميز العمل الإسباني ذاك الحس الكوميدي الساخر وهو المستمد من التراث الإسباني عبر طرح فكري اجتماعي وسياسي لأزمات الإنسان المعاصر الذي يسعى إلى توفير لقمة الخبز حاملا الكثير من الدلالات والأبعاد العميقة التي تعلمنا أننا نمتلك حق الحلم ورفض الاستسلام.

إسلام أنلاين في 5 ديسمبر 2007