كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

وجهة نظر آخرى فى فيلم مثير للجدل

"الصراخ السينمائي" فى "حين ميسرة"

سعيد شعيب

أدهشنى العبارات التى انهى بها المخرج خالد يوسف فيلمه "حين ميسرة"، فهو يعتذر بصوته عن قراره بتخفيف الواقع الذى قدمه على الشاشة، لأن الواقع الحقيقى لا يمكن للمتفرج أن يحتمله. مصدر الدهشة أن هذا كلام يليق بفيلم تسجيلى، بمعنى عمل فنى مشغول برصد الوقع أولاً وأخيرا كما هو، ناهيك عن أن فيه نوعا من الابتزاز لمشاعر المتفرجين. فالمشكلة فى الفن ليس الكم الذى تنقله من الواقع، أو حتى الواقع كله، فهناك وسائط أخرى تفعل ذلك بمهارة أعلى منها مثلاً الصحافة التى اختار المخرج أن يبدأ فيلمه بمانشيتات مختارة منها، ولكن المشكلة دوماً هى كيف تقدم هذا فى عمل فنى سينمائى. وهذه هى المشكلة الاولى فى الفيلم الذى اثيرت حوله ضجة كبيرة، ما بين مؤيد بصراخ، ورافض بصراخ، وقلة قليلة تناولت الفيلم كعمل سينمائى. وهنا فخالد يوسف يعتبر أن دوره هو نقل الواقع واعتذر لأنه لم ينقله كله، وهذا هو التصور الذى سنجده فى الفيلم الى حد بعيد، بل ونقل خالد من الواقع بأقصى درجة من الفجاجة والغلظة والتحريض. ولا اقصد الانتقاد الذى تم توجيهه للفيلم، بأن هناك عبارات سوقية أو عرى أو شذوذ، ولكن اقصد أنه قدم كل ذلك بخشونة وغلظة، والهدف هو توصيل رسالة سياسية تحريضية فجة، هدفها هو الصراخ، وليس بناء وعى انسانى مغاير، يدفع الناس- ولو قليلاً- الى الامام. فهذا الفيلم الذى كتبه السيناريست ناصر عبد الرحمن، ليس مشغولاً حتى بالانتصار لفقراء العشوائيات، رغم زعمه أنه يقاتل ويحارب من أجلهم. فالرسالة النهائية للفيلم لا اعتقد أنها لصالحهم.. فقد اصروا على البقاء ليموتوا تحت بلدوزر الشرطة، بدون أى مبرر منطقى، فما هى البطولة فى الموت؟! البطل الثانى عمرو سعد حصل من تنظيم القاعدة على فلوس مزورة ويركب قطارا الى المجهول، وهو ما حدث مع سمية الخشاب، فبعد رحلة معاناتها الرهيبة تركب ذات القطار الى المجهول. وعلى ظهر ذات القطار يوجد اطفال الشوارع .. الكل يذهب الى مجهول .. فهل هذا انتصار؟! لا أظن، فقد اغلق صُناع الفيلم الرحمة على ابطالهم، ولا اقصد أن يقدموا حلولا، ولكن أين هذا التعاطف المزعوم مع الغلابة؟! الذين انتصروا فى هذا الفيلم، هم الشرطة التى هدمت الحى العشوائى، للعثور على الارهابيين الذين قتلت بعضا منهم. وتنظيم القاعدة الذى فر أعضاؤه ليمارسوا الارهاب فى اماكن أخرى. وحتى الضابط المفترى خرج هو الآخر حياً ومنتصرا، فأين هو الانحياز للفقراء؟ هذا على مستوى رسالة الفيلم، أما على المستوى الدرامى فقد اصر صانعو هذا الفيلم على أن يغرقونا بعشرات الحواديت المرتبكة غير المكتملة فنيا، عن كل شيء و أى شيء، مجرد تجميع بدون عمق انسانى وفنى يبقى فى الوجدان. فيمكنك أن تشاهد كل ما يخطر على بالك: جنس، اغتصاب، عرى، سحاق، ارهاب، تعذيب، فقر، عنف، غزو العراق، فساد، أموال مزيفة، هجوم ضد الحكومة وغيره وغيره. ويمكنك أن تقتطع أى جزء تشاء دون أن يتأثر باقى الفيلم، وكل ما تفعله هذه التجميعة تدعيم النزعة التجارية للفيلم. فهل يكفى أى عمل فنى أن يشير، أو للدقة يرصد كل هذه القضايا الخطيرة بجوار بعضها البعض، حتى نعتبره فيلما جاداً؟! لا أظن، فالعمل الفنى فى تقديرى، عظمته فى القدرة على التحليل الدرامى والانسانى، ولا أقصد بالطبع أن يقدم حلولاً بالمعنى السياسى أو الاقتصادى أو غيره. ولكن يقدم رؤية فنية وانسانية وهذا ما فشل فيه هذا الفيلم بجدارة. صحيح أن هناك حرفية من جانب طاقم الفيلم بقيادة المخرج، وهناك ممثلون قدموا أداءً مبهرا، منهم سمية الخشاب وعمرو عبد الجليل وعمرو سعد وهالة فاخر، ولكن يبقى أن هذا وحده لا يصنع فنا عظيما، أو حتى مؤثرا بدرجة معقولة. ناهيك عن أن المخرج والسيناريست يقدمان نظرة كلية مغلقة، كل ما يفعلونه هو محاولة اثباتها دراميا، مثل المعادلات الرياضية، فتختنق الشخصيات ويتم لى عنق الاحداث حتى يصلوا الى النتيجة التى قرروها مسبقاً . وذات الأمر ستجده فى فيلم "هى فوضي: لنفس السيناريست والمخرج، حيث يقدمان رؤية سياسية ساذجة ومغلقة، معتقدين أن الصراخ على شريط سينمائى يمكن أن يترك أثراً. الحقيقة أن هذا الصراخ السينمائى لا يثير أكثر من غبار اعلامى وضجيج هنا وهناك، يفيد صانعى الفيلم لبعض الوقت، ولكن لا أظن أنه يفيد بلدنا العزيز.

العربي المصرية في 19 فبراير 2008