كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

د. وليد سيف يكتب عن: أولي بطولات طلعت زكريا المطلقة

« طباخ الريس» وجبة دسمة من النقد السياسي علي عكس ما قد يتوقع البعض

·         لم ينافق الفيلم الرئيس مكتفيا بنقد حاشيته الذين يكذبون عليه

·         الفيلم طرح بذكاء وخفة دم الفساد والبلطجة والاستهتار بالفقراء وعجز قطاعات عريضة عند الحصول علي أبسط الحقوق

·         رغم قوة موضوع الفيلم جاءت صورته السينمائية ضعيفة وفقيرة وأظهرت النهاية تخبط وارتباك المخرج  

بداية ورغما عن أي تحفظات حول فيلم طباخ الريس فإنه عمل يحسب لمؤلفه يوسف معاطي ويكشف عن تمكنه التام من النقد السياسي الساخر وتوظيف الإسكتش فورم أو المشاهد المنفصلة المتصلة التي يشكل كل منها لوحة متكاملة تعبر عن جانب من أوجاع الناس وإن كانت تتحد مع بعضها في إطار متكامل لصورة وطن يسحق أبناءه الفقراء وقليلي الحيلة ومعدومي النفوذ..تتألق مهارة المؤلف في صنع المواقف و تنويع الأجواء في الحارة ومدرسة الزوجة وأمام عربة الوجبات السريعة وداخل قاعة الطعام والمطبخ بقصر الرئاسة .أجاد معاطي رسم شخصياته ومنح معظمها العناية الكافية في عمل يعتمد علي البطولة المطلقة لطلعت زكريا كأول اختبار حقيقي له في شباك التذاكر اجتازه بنجاح في ظل ظروف عرض سيئه أحجم فيها معظم الناس عن الخروج لبرودة الطقس و سخونة مباريات بطولة أفريقيا. يحقق كمال مجدي ديكورا ملائما وصورة صادقة لمأوي جماعي صغير يسكنه الطباخ مع مجموعة من أهل زوجته - أمها وخالها وزوجته وأولادهم الكثر- جمعهم سقف واحد بسبب الظرف الاقتصادي ومشكلات الإسكان ..في هذه الأجواء ينجح يوسف معاطي في كسر الصورة المأساوية بلمسات كوميدية دون أن يفقد الموضوع تأثيره.ومنها ينطلق إلي خطابه النقدي سريعا فأمام عربة طعام طلعت زكريا تتوقف سيارة مفتش البلدية لتهديد مساعده سامح حسين ولكنه ما إن يسلمهم الطاجن حتي يتراجعوا عن تهديدهم و ينصرفوا في سلام..وهكذا تتوالي الطواجن كما تتوالي مظاهر الفساد المتفشي في مختلف القطاعات .. تجعل هذه المشاهد التمهيدية الانتقال لقصر الرئاسة حتميا والرئيس يعبر لمساعديه عن رغبته في الخروج للناس بنفسه بدون رسميات ليتعرف علي همومهم . ولكن هل ستسمح الحاشية وكبار رجال الدولة بهذا اللقاء؟ يجتمع مجلس الوزراء لمناقشة الأمر والوصول لحل .وتتوالي المقترحات الكوميدية لمنع الناس من الخروج في اليوم الموعود وبعد دراسة مستفيضة يقرر المجلس الزعم بأنه سيحدث خسوف كلي للشمس سيصيب من يخرج بالعمي..وفي خلال هذا اليوم تقع المصادفة الدرامية المقبولة حين يلتقي الرئيس بالطباخ الذي سيحظي طعامه بقبوله وتدخل كلماته الصادقة قلبه فيختاره طباخه وعينه الصادقة التي يعرف بها مشاكل الناس إلي أن يتمكن رجال الحاشية من الخلاص منه .ليس نفاقاقد يتصور البعض أن طباخ الريس فيلم منافق لشخص الرئيس يكتفي بصب غضبه علي حاشيته الذين يكذبون عليه. ولكن عليك ألا تتوقف كثيرا أمام حيلة الفيلم الدرامية أو نقطة انطلاقه من زاوية الرئيس الذي لا يعلم فتلك بالفعل ليست هي المشكلة..إنه في الحقيقه فيلم يطرح بذكاء وخفة دم آلام هذا الشعب ومشكلاته وعجز قطاعات عريضة منه عن الحصول علي أبسط حقوقها أو الوصول بصوتها إلي أي مسئول حقيقي يدرك قيمة المسئولية أو معناها أيا كان حجمه أو منصبه ..فمجرد مصافحة وزير التعليم باهتمام للطباخ أمام ناظر المدرسة كفيل بأن يعيد إليه كرامته المهدرة وأن يردع الناظر عن التحرش بزوجته بل وأن يرقيها ويتحول إلي خادم مطيع لها ولأسرتها ..إنه فيلم يكشف عن حالات متفشية من الفساد والبلطجة والاستهتار بالفقراء والظلم الذي يعاني منه الملايين الذين سيتخطون في النهاية حدود الواقع البائس وحجم المعاناه التي أفنوا عمرهم فيها ليتطلعوا نحو مستقبل أفضل لأبنائهم قبل أن تصيبهم الشيخوخة مثلهم إن لم تكن قد أصابتهم بالفعل . الجميل في الأمر أن النص لا تحيد بوصلته أبدا عن موضوعه ولاتستدرجه الكوميديا نحو مناطق الهزل الرخيص .ولكن علي الرغم من إعجابي الشديد بمهارة سيناريو هذا الفيلم فإنه مع الأسف هناك هوة شاسعة تفصل بين قوة موضوع الفيلم من جانب وضعف صورته السينمائية من جانب آخر. يتبدي هذا الضعف في مظاهر عديدة منها فقر مشاهد الرئيس علي الرغم من توافر السيارات الفارهة الفاخرة والكومبارس والمجاميع ولكن المخرج المعروف سعيد حامد كان يقع في الخطأ الذي تجاوزته السينما منذ فجرها ووجدت له الحلول السهلة فحدود الكادر من المفترض ألا تتسع لتكشف عن آخر كومبارس أو سيارة في الموكب فخيال الصورة يجب أن يكون أكثر ثراء من واقعها المحدود.في سينما اليوم أصبح بالإمكان أيضا توظيف الجرافيك لتحويل عشرات الكومبارس إلي آلاف ولكن يبدو أن سعيد حامد لم يطلع علي سينما الأمس ولا اليوم وربما يكتفي بمشاهدة الفيديو كليب التي يبرع في تقديم ما يشبهها في مشاهد الفوتو مونتاج مستعينا بموسيقي عصام كاريكا التي خلطت بحدة بين الرصانة والهزل..يتجاهل حامد أيضا توظيف اللقطات التفصيلية القصيرة الإنسرتات التي تبرز المعني وتثري الصورة والإيقاع ولكنه يستخدم الشكل التقليدي الصارم في التقطيع الذي يكتفي بتحديد جغرافية المكان و تقديم الحوار المكتوب وشرحه مما يحد من انطلاقة الفيلم بخياله الواسع ورؤيته الساخرة لتتوقف الصورة عند حدود تقديم المعلومة او التأكيد علي المعني دون تحقيق التأثير المطلوب .تردد وارتباكيبرز التخبط في مشاهد النهاية حالة من الارتباك والتردد لدي المخرج . فالمؤلف قد يستفيض في مشاهد النهاية خاصة في فيلم كهذا يغلب عليه طابع البانوراما ليعطي للمخرج مساحة للاختيار والحصول علي اللحظة المناسبة لإنهاء فيلمه بشكل مؤثر ولكن سعيد حامد يتعثر أيضا في هذا الاختبار ويقع في فخ المط والتطويل وتتوالي الأحداث كلما شعرنا أن الفيلم وصل إلي نهايته..ويأتي مشهد محاولة الطباخ اقتحام قصر الرئيس ومقاومة الحارس له بصورة فقيرة كما لو كان مواجهة مع حارس علي بوابة أحد الوجهاء وليس فرد أمن علي بوابة رئيس دولة ..علاوة علي هذا هناك أشياء قد لا يراها المؤلف مهما كانت خبرته ولكن لا بد أن تدركها عين المخرج فالرئيس يخرج إلي الشارع وحده ويسير وسط الناس دون أي تنكر ومع هذا فهناك من يعرفه و من لا يعرفه وهناك من يشبه عليه كما لو كان ممثلاً نصف معروف وليس رئيس جمهورية تملأ صوره الشوارع والجرائد والمجلات وتبثها القنوات التليفزيونية ليل نهار .لم تتناسب داليا إبراهيم شكلا ولا سنا مع طلعت زكريا لنصدق أنها قرينته في مستهل حياتهما الزوجية ولكنها استطاعت ان تجعلنا نتقبل الشخصية الوحيدة التي لم يعطها يوسف معاطي العناية التي تستحقها كزوجة ومدرسة من طراز نادر فهي تقود المظاهرات وتقاوم الظلم وتتعرض للحبس دون أن ندرك ما هو الظلم الواقع عليها باستثناء تعرضها لمغازلة ورذالة ناظر مدرستها التي تصل إلي ذروتها بمحاولته تقبيلها وهو دور أداه بإبداع خاص ضياء الميرغني الذي أصبح صاحب بصمة ومذاقا كوميديا خاصا حيث صنع من الناظر نموذجا للخسة والجبن والنفاق مجسدا نمطا شائعا لمسئول فاسد يتعامل مع مرؤسيه علي أنهم من سباياه وعبيده ولا يردعه إلا الخوف من سلطة أكبر فيتحول الوحش الكاسر إلي حمل وديع ..أيضا كان حضور محمد الصاوي مؤثرا في دور الخال الذي ما أن يسمع صوت زوجته تناديه من غرفة نومهما حتي ترتعد فرائصه ويتناول الحبة المنشطة ويندفع إلي الحجرة محتشدا لأداء واجباته الزوجية مع كائن خرافي خيالي كان غيابه عن الصورة أكثر تأثيرا من حضوره.أجاد خالد زكي في دور الرئيس إلي درجة تجعلك تتساءل كيف كان سيؤدي هذا الدور عادل إمام أو محمود عبد العزيز .. استطاع بأسلوبه الهادئ الواثق وحركته الوقور الرزينة ونظراته القوية وصوته ونبراته المحدده وإلقائه الموقع ان يجعلك تصدقه كرئيس جمهورية وأن يعوض كل قصور إمكانيات الصورة المصاحبة له..وسواء كان من المتعمد أن يتجنب تقليد أو تقمص صورة الرئيس الحقيقية بتوجيهات من الرقابة إلا أنه أدي الشخصية المرسومة بأبعادها المحددة ببراعة.إن خالد زكي يؤدي بالتأكيد شخصية رئيس الجمهورية ولكنه بالتأكيد أيضا ليس حسني مبارك سواء باختلاف الشكل أو طبيعة الشخصية بمختلف مكوناتها وظروفها..وقد ينتقد البعض الفيلم لأنه يوجه رسالته مباشرة للرئيس باعتباره الوحيد الذي يملك مقادير الأمور ولكنها رؤية واقعية جدا في ظل غياب شعب فرضت عليه الظروف المؤلمة الانشغال بقضية تتضاءل أمامها كل الهموم وهي انتزاع رغيف عيش قبل أن يغلق الفرن أبوابه لتنفتح أبواب الجحيم أو أفواه الابناء .

جريدة القاهرة في 19 فبراير 2008