كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

دراما مرئية

المهرجان الأول لسينما أسبانيا وأمريكا اللاتينية

فاطمة المغربية ترحل إلي أسبانيا بحثا عن الأب

بقلم: د. حسن عطية

رغم الصقيع والجو العاصف وغياب الدعاية أقيمت في نهاية الشهر الماضي فعاليات المهرجان الأول لسينما مغيبة عن صالات عروضنا، مع براعة صياغتها وعمق موضوعاته وتشابه عوالمها مع عوالم حياتنا، وهي سينما أمريكا اللاتينية، والتي حرص معهد ثيربانتس الأسباني مؤسس هذا المهرجان علي فتح أبواب عروضه في مركز الابداع والمعهد ومعرض القاهرة الدولي للكتاب ليمتد حبل التواصل مع مجموعة ضخمة ومختارة بعناية من أفضل الافلام التي أنتجت في السنوات الخمس الأخيرة بأسبانيا ودول أمريكا اللاتينية، مقدمة لجمهورنا نوعية مختلفة عما اعتاد علي رؤيته من أفلام الولايات المتحدة الأمريكية الغارق سوقنا التجاري بين أمواجها اللاطمة للوجه والمغيبة للعقل.

ثمانية وثلاثون فيلما تنوعت ما بين الروائي والتسجيلي والرسوم المتحركة، وتعددت البلدان المنتسبة إليها ما بين دول ناطقة بالأسبانية كأسبانيا والأرجنتين وبيرو وأوروجواي والمكسيك وكوبا وكولومبيا والأكوادور وجواتيمالا وتشيلي ونيكاراجوا وهندوراس وبوليفيا وفينزويلا وبلاد تنطق بالبرتغالية وتمثلها البرازيل التي تنفرد بنطقها بهذه اللغة في كل القارة الامريكية الجنوبية المعروفة باسم امريكا اللاتينية، ربما لادماج بلدان صغيرة تتحدث الفرنسية داخل هذه القارة الشاسعة، والتي يحلو للمتحدثين بالأسبانية نسبتها وحدها للغة الأسبانية فيطلقون عليها اسم (أمريكا الهسبانية)، بينما يحرص البرتغاليين أن يطلقوا عليها اسم (أمريكا الإيبرية) باعتبار أن لغاتها الأساسية هي البرتغالية والأسبانية القادمة من شبه جزيرة إيبريا.

علي الجانب الآخر شرفت برئاسة لجنة تحكيم هذا المهرجان، والتي تكونت معي من البيروانية 'سونيا كاستيو' رئيس مؤسسة (نوفا لاتينيا) بإيطاليا، والمخرج السينمائي الكبير 'علي بدرخان'، وأستاذة التمثيل والاخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية 'نبيلة حسن'، فضلا عن المخرج السوري 'باسل الخطيب' الذي تغيب عن حضور الجلسات دون اعتذار، ومنحت اللجنة ثلاثة جوائز كبري هي: جائزة أفضل مخرج للأسباني 'جونثالو تابيا' عن اخراجه لفيلمه (لينا)، ويتعرض لحياة طفلة يتيمة من مقاطعة (جاليثيا) بشمال أسبانيا، كاشفا عن علاقة اليتم الأسري والاجتماعي معا، وجائزة أفضل سيناريو للبرازيلية 'لوثيا مورات' عن فيلمها (مثل شقيقان)، والذي أخرجته أيضا وتعرضت فيه للمتغيرات السياسية والاجتماعية التي حدثت ومازالت تحدث وتهز المجتمع البرازيلي منذ خمسينيات القرن الماضي وحتي الآن، والأعباء التي تقع في الأساس علي الفئات الاجتماعية البسيطة، وذلك من خلال فتي أسود قادم من الحضيض وآخر أبيض ينتمي للطبقة الوسطي، يلتقيان في مدينة ريو دي جانيرو، ويحاول الفيلم اكتشاف ما يمكن أن يربط بينهما انسانيا، ويجعلهما يقابلان الحياة في وطنهما كشقيقين، لاتعصب، ولاتعال، فكل منهما هو ابن لهذا الوطن الذي منحهما حرية العيش فيه وبه ومن أجله.

أما جائزة أفضل فيلم فقد ذهبت إلي المكسيكي المشترك مع كوبا والمغرب وأسبانيا (علي الجانب الآخر) للمخرج 'جوستابو لوثا'، والذي يتعرض الفيلم بالسرد السينمائي الراقي لثلاث حكايات تدور حول موضوع مشترك هو الهجرة وما يترتب عليها من تفكك عائلي وتفتت للعلاقة بين المواطن ووطنه، فيغيب الانتماء وتحل الروابط التاريخية وتصبح علاقة الانسان بالمكان مجرد علاقة نفعية، ويضحي البلد الذي يعطيه المال هو الذي يعيش داخله، أما الكرامة والاعتزاز بأرض الأجداد والذكريات والموت من أجل تقدم الوطن، فقد صارت في هذا الزمن الرديء أضغاث أحلام وأحاديث من مازالوا بعد يقدمون التحية لعلم البلاد!!

نشاهد في هذا الفيلم البارع وبالمونتاج المتوازي حكاية الاطفال الثلاثة: المكسيكي 'برسيليانو' والكوبي 'أنخل' والمغربية 'فاطمة'، ينزح آباؤهم إلي الجانب الآخر، فيضعوا فيه، وتصر 'فاطمة' أن تترك قريتها الصغيرة بالمغرب لتعبر البحر ضمن العابرين تسللا للقارة الأوربية، وتظل تسأل عن والدها الذي لم تملك أية معلومات عن مكان رحيله سوي مدينة (مالجا) التي أخبرتها أمها أنه ذهب إليه. وهناك تكتشف أنها رحلت إلي أسبانيا ضمن مجموعة من الفتيات كرقيق أبيض، تشرف علي عمليات تهريبه وتحويله لعالم الدعارة شخصية ذات سطوة، لعبت دورها الممثلة الأسبانية الشهيرة 'كارمن ماورا'، والتي تتعاطف مع سنها الصغير وبراءتها، فتسهل لها طريق الوصول إلي والدها، والذي ما أن تصل إليه حتي تصر علي العودة به ومعه إلي بلدها، حيث الأم والطفل الصغير والارض التي لايفلحها غير أصحابها.

صورة البلد

إلي جانب الرقي في صياغة الصورة المرئية، والجراءة في عرض الموضوعات ومعالجتها، التي بدت واضحة في هذه المجموعة المتميزة من الافلام التي شاركت في هذا المهرجان، فأن ثلاث ملاحظات أساسية لابد من الإشارة إليها ولاتوقف عندها لما تمثله من أهمية بالنسبة لكل اعمالنا السينمائية والتليفزيونية أيضا. تتبلور الملاحظة الأولي عند هذه القدرة التي يمتلكها صناع السينما التسجيلية والروائية معا علي اقتحام كل مكان في البلاد وعرض ما فيه من فساد وتخلف دون أية حساسية أو خوف من مقولة 'تشويه صورة البلد' التي يتشدق بها كل من يحرص علي دفن رأسه في الرمال، وكل من يتصور أن الفنون المرئية مهمتها فقط الدعاية للبلد وتجميل أو تزييف صورته أمام الآخرين.

أخبار النجوم في 16 فبراير 2008