كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

هموم السينما الصينية الشابة...

القيم السلبية وتأثيرات ماو وغياب العدالة الاجتماعية

أيمن يوسف

لا يستطيع أحد أن يشكك في أن السينما الصينية تتبوأ اليوم مكانة متميزة على مستوى العروض والمهرجانات الدولية وجوائزها، لم يشهدها تاريخها من قبل. والمدهش في الأمر أن هذا التميز لم يأت نتيجة قوة أعمال قدامى المخرجين فحسب إنما هو، في الغالب، نتيجة أعمال شباب هذه السينما بل حتى أعمالهم الأولى في معظم الأحيان والأمثلة عديدة ومرصودة لدى المهرجانات الدولية عبر السنوات القليلة الفائتة. ان أول ما نلاحظه في أعمال هؤلاء الشباب، التنوع الملموس في الأشكال الفنية وكذلك الأساليب التي تتسم في عمومها بالبساطة والرقي، ولكن هناك أيضاً ذلك التنوع الكبير والثري في المواضيع والرؤى والأفكار المطروحة سواء كانت أفكاراً عامة كبيرة أم أفكاراً صغيرة خاصة، أما اللافت للاهتمام حقاً فهو المعالجات المتعددة للموضوع الواحد والفكرة ذاتها، ولم لا والصين أمة كبرى ذات تاريخ سحيق وشعب تعداده بالبلايين ما يسمح بالتنوع والاختلاف؟

في إطار أفلام 2007 المميزة قدمت المخرجة وانغ فن في أول أفلامها الروائية الطويلة «الحقيبة» كوميديا سوداء عن المجتمع الصيني الحديث ممثلاً هنا في الجشع وعلاقة زوجية فاترة وحقيبة طافية فوق النهر تحوي أجزاء مجمدة لإحدى الجثث. فيما عرضت بين لينكوان في أول أفلامها أيضاً «الحديقة»، للمجتمع الصيني الحديث نفسه، لكن في حال صدامه مع القيم القديمة الراسخة من خلال فكرة الفجوة بين الأجيال وشكل اجتماعي واقعي.

قسوة الفقر

ذلك في الوقت الذي قدم شانغ يودنغ في أول أفلامه «نباحات منتصف الظهيرة» تنويعة أخرى للمجتمع الصيني الحديث من خلال صورة شاعرية في شكل تجريبي يلعب في ذلك الخيط الرفيع الفاصل في حياتنا بين الحقيقة والحلم ومن طريق ثلاث شخصيات متباينة من أوجه عدة، تمثل شرائح اجتماعية حديثة مختلفة، يمكن للمتفرج ألا يرى أي رابط يجمع بينها فيما يمكن لآخر أن يرى العكس تماماً.

في المقابل، ومن خلال صورة لحياة واقعية تماماً، لكنها تلك الواقعية التي تكاد تصل إلى حد العبث، يدين هيو زي في أول أعماله «البستان» غياب العدالة الاجتماعية في المجتمع الصيني اليوم، حيث يدفع الفقر والحاجة صديقين منذ الطفولة إلى قتل سيدتين كانا على علاقة بهما من أجل تدبير نفقات جراحة زرع كلية لأم إحداهما بعد أن طرقا كل الأبواب الشرعية والخيرية من دون جدوى، فما كان منهما إلا أن سرقا من الأولى كليتيها، وعرضا إحداها للبيع، ومن الأخرى سيارتها الفارهة. على رغم إدانة المخرج للفقر وغياب العدالة في مجتمعه فإنه أدان كذلك القاتلين من دون رحمة، وصاغ موضوعه في قالب نفسي مليء بالإثارة لكنها هنا الإثارة التي تؤكد أهمية الموضوع غير المجانية أو الرخيصة. فالإحساس بالرعب في هذا الفيلم لم يكن من المرئي بل من اللامرئي، لم يكن من طريق الأشياء التي شاهدناها إنما تلك التي لم نشاهدها أو لم نشاهدها بوضوح، كما ضاعف شريط الصوت من ذلك الإحساس بالرعب إذ جاء خالياً من أي نوع من الموسيقى.

نوعية أخرى من الحياة الصعبة والشحيحة في الصين يعرضها بالين زوو في أول أفلامه «السترة الحمراء» وهي حياة الأقليات وتحديداً هنا أقليته «مياو» القريبة من جبال الصين الشمالية. انه يعرض لها من طريق علاقة رائعة درامياً بين جدة وحفيدتها الطفلة ويقوم بالدورين ممثلتان غير محترفتين مثلتا دوريهما في الحياة، تلك الحياة التي تضطر أفراد الأسرة الى العمل خارج المنزل طيلة اليوم من أجل لقمة العيش فلا تبقى إلا الجدة الحنون وحفيدتها التي تعجب بسترة حمراء تباع في سوق القرية عندما ذهبت إليه مع جدتها وتمنت بشدة أن تكون هديتها في مناسبة العام الصيني الجديد. الجدة لا تملك المال الكافي لشراء السترة لكنها في الوقت ذاته شعرت بالضعف أمام حزن حفيدتها وبكائها فما كان منها إلا أن رهنت قرطاً عزيزاً عليها كان هدية من زوجها حرصت على ألا تفرط فيه طوال سنين. لقد رسم المخرج شخصيته هذه بتعاطف كبير وصل بسهولة إلى وجدان المشاهد خصوصاً مع الأداء الفطري للممثلتين غير المحترفتين كما أظهر على خلفية الأحداث ملامح من فنون مياو وفولكلورها البسيط وثقافتها الخاصة التي ينتمي هو إليها.

وعي شبابي

الثورة الثقافية أو حتى ما قبلها من محاولات لإنشاء الحزب الشيوعي ثم تأسيس الصين الشيوعية، موضوعات يمكن المرء ان يتصور أنها ستصب فقط في بؤرة اهتمام كبار المخرجين الذين عاصروها أو كانت قريبة منهم زمنياً، خصوصاً أنها شكلت فترات تاريخية حرجة وفاصلة، لكن هذا التصور سيبدو غير صحيح أمام حرص المخرجين الشباب على تناول هذه القضايا وتحليل جذورها السياسية والتاريخية وإعادة اكتشاف ملابسات هذه المراحل والتوجهات ومناقشة تأثيراتها حتى في أعمالهم الأولى. وليس هذا في عام 2007 فحسب إنما خلال أعوام سابقة. من أعمال 2007 في هذا السياق «كل شخص سابع» الذي أكد على إسهامات طبقة الفلاحين وفضلهم في قيام الصين الشيوعية عام 1949 وثورة ماوتسي تونغ، وعلى الثمن الباهظ الذي دفعوه من أجل الثورة في فترة من أحلك فترات الصين التاريخية هي زمن المجاعة الكبرى في نهاية الخمسينات.

فيما عرض كي - جين ينغ السنغافوري الأصل، في أولى تجاربه الإخراجية، وهو عبارة عن شريط درامي وثائقي في عنوان «أقدام غير مربوطة» لـ «المسيرة الكبرى» تلك الواقعة التاريخية الشهيرة التي سار خلالها بقيادة ماو عشرون ألف جندي مسافة تزيد عن اثني عشر ألف كيلو متر عبر إحدى عشرة محافظة مدة أربع سنوات من 1934 حتى 1937 بعد هزيمة الجيش الأحمر على يد جماعات الكومنتانغ، ومات منهم كثر وشاركت فيها نحو ألفي امرأة كن معرضات، ليتم بيعهن كزوجات صغيرات أو تشغيلهن كعبيد للجنس. حاور هذا الفيلم الجريء والقوي ستة من جنود الجيش الأحمر الباقين على قيد الحياة وجميعهم في التسعينات من العمر فتحدثوا بصراحة مؤلمة عن الأوقات العصيبة التي عاشوها بعد أسرهم على أيدي الـ «كومنتانغ» بدءاً من الجوع والتعذيب وإهدار الكرامة إلى فصلهم من الحزب الشيوعي.

تأثيرات متضاربة

أما المخرج شوانغ يوين فيبدأ أحداث فيلمه الروائي الأول «أسنان الحب» في عام 1977 أي بعد عام واحد من وفاة ماو ونهاية الثورة الثقافية، ويقدم بطلته الرئيسة يونغ وحياتها بمراحلها المختلفة في تواز مع تعاقب السنوات منذ ذلك العام بمحطاتها الاجتماعية والسياسية المختلفة، فعندما كانت يونغ طالبة غير تقليدية عام 1977 بل مثيرة للمشاكل وتتحرش بأحد الطلاب دلل ذلك التاريخ على رحيل ماو ورحيل قيم ثورته المتسمة بالاحتشام والسلوكيات المحترمة ومراعاة الآخر. وعندما تنتقل الأحداث الى بداية الثمانينات حيث تكون يونغ طالبة في كلية الطب وتحمل من دون زواج من رجل أحبته ثم تقرر إجهاض نفسها، يتزامن هذا مع فترة الحكم الديكتاتوري لعصابة الأربعة، وفي ذلك الوقت تم فصل يونغ من الجامعة من دون رحمة وإبعاد حبيبها الذي حملت منه وساعدها في الإجهاض، إلى إحدى المحافظات النائية. وبعد مرور نحو عشر سنوات نشاهد يونغ تعمل في أحد الأديرة وتتعرف إلى شخص خجول ومتحفظ فيتزوجان وينجبان طفلاً على رغم عدم ارتباطهما بقصة حب كما في قصتها السابقة، وارتبط هذا الوقت بتحرير الاقتصاد في الصين الذي أفضى الى اضطرابات اجتماعية وسياسية شديدة. كان من الواضح من خلال هذا التوازي والربط الدرامي التاريخي الجيد انتصار المخرج لقيم ثورة ماو وإدانته كل الفترات الاجتماعية والسياسية التي تعاقبت بعد رحيله.

وعلى العكس من شوانغ يوين يدين المخرج لي غيغيان في ثاني افلامه «خط القطار الغربي» وهو أحد أهم أعمال السينما الصينية الشابة في 2007، سياسات ماو الاجتماعية من خلال بطله الشاب سبينغ ذي الثامنة عشرة الذي كان من ضمن الأفراد والعائلات الذين تم إبعادهم من مناطق المدن أثناء الثورة الثقافية ليستقروا في مدينة صناعية كئيبة في شمال الصين حيث تفسد محطة القطارات السريعة القريبة منها أي هدوء مرغوب. لا يستطيع سبينغ التكيف مع المكان الجديد ولا حتى مع أمه المتحكمة الشكاءة وأبيه الطبيب العسكري الذي قلما يتحدث، فيلجأ الى أحد المخازن المهجورة ويقيم فيه أياماً طويلة في عالم انعزالي خاص به.

ويحدث في أحد الأيام، وعلى العكس من ركاب القطار المعروفين المحليين يحمل القطار جويان الجميلة الوافدة من بكين البعيدة، وهي عازفة موسيقية يتصادف أنها ستعمل في المبنى المقابل لسبنيغ. جميع سكان المنطقة ينظرون إلى فتاة المدينة هذه بعين الشك وسرعان ما يكتشفون أنها ابنة أحد المناهضين البارزين للثورة الثقافية ما يضعها في مشكلة كبيرة يحاول سبينغ إخراجها منها بالدفاع عنها بقوة، لكنه لن ينجح إذ فعل هذا بمفرده فقط. ومن ثم هو في حاجة الى دعم من هم لديهم قناعاته ذاتها. أحداث الفيلم تدور عام 1978 أي بعد عامين من رحيل ماو، وذلك الوقت هو الذي ينضج فيه أبطال الفيلم سواء سناً أو تفكيراً، وها هم أخيراً يبدأون في إدراك آثار سياسات ماوتسي تونغ الاجتماعية.

في أحد تعليقاته على فيلمه يقول غيغيان إن «السنوات الاخيرة من عقد السبعينات ليست بالسنوات المناسبة للحب، لكنها السنوات التي تستطيع أن تعرف فيها حقاً رفاقك».

الحياة اللندنية في 15 فبراير 2008