كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

ضوء ...

تراث كوميديا التهريج والنجم الواحد

عدنان مدانات

تنتشر في السينما المصرية منذ بضع سنوات موجة الأفلام الكوميدية، ويتنافس كوميديون من الجيل القديم مع كوميديين جدد على تربع عرش الكوميديا في منافسة حادة على أرباح شباك التذاكر. ويقال في معرض الدفاع عن هذه الموجة والتي يتهم النقاد السينمائيون أفلامها بأنها سطحية، أن هذه الأفلام هي ما يجذب الجمهور نحو شباك التذاكر في صالات السينما، خاصة الصالات الموسومة بأنها شعبية، أي أن الدفاع عن نجاح هذه الموجة من الأفلام الكوميدية يتسم بطابع اقتصادي وليس سينمائيا إبداعيا أو ثقافيا فنيا. تصدر هذه الموجة مجموعة ممثلين كوميديين كانوا لسنوات طويلة يؤدون أدوارا ثانوية ورفعتهم إلى مصاف النجوم مثل محمد هنيدي أو محمد سعد. وعلى رغم النجاح الجماهيري الساحق لأفلامهم يتواضع أولئك النجوم الجدد في تصريحاتهم لوسائل الإعلام عندما يعترفون بأنهم امتداد لنجوم الكوميديا المصريين الكبار وبخاصة نجوم زمن الأربعينات والخمسينيات ونجوم زمن السبعينيات ومنهم عادل إمام، ويعتبرون أنفسهم تلاميذ لهم وامتدادا لتجربتهم. من بين نجوم الكوميديا القدامى يبرز الفنان الأشهر إسماعيل ياسين كنموذج على الكوميدي الشعبي الناجح يقلده وينهل الكوميديون الجدد منه ومن أسلوبه توليفة الوسائل والأدوات الكوميدية التي تضمن نجاحهم وهي العناصر التي اكتسبت، تاريخيا، صفة تعاقدية دائمة بين السينما المصرية الكوميدية وبين جمهورها الشعبي، بحيث صارت تقليدا ثابتا لا يتأثر بعامل الزمن وما يرافقه من تطور في الخبرة السينمائية ومن تطور في معالجة السينما لقضايا الواقع، ذلك للمستوى الثقافي العام لجمهور هذا الصنف من الأفلام الكوميدية. تقوم هذه الوسائل والأدوات على شقين رئيسيين يرتبطان بالممثلين الكوميديين بشكل أساس وليس بالكوميديا كنوع فني. فإذا ما أخذنا إسماعيل ياسين، المعلم الأول، كمثال، فسنجد انه يتميز بصفتين ترتبطان بالشكل وليس بالمضمون، أولاهما تقاطيع الوجه النافرة التقاطيع (بخاص الفم الواسع الذي كان إسماعيل ياسين يتفنن في تحريكه ويسعى اللاحقون لتقليد حركاته)، وثانيهما كثرة الحكي المضحك، أي الثرثرة التي تعيد إنتاج ما يعرف في الأوساط الشعبية بالقفشة. وهاتان الصفتان (إضافة إلى الأجسام البدينة أو النحيفة جدا غير المتناسقة)، اللتان كانتا عماد نجاحه تميزان ليس فقط نجوم الكوميديا الجدد، بل أيضا تميز الكوميديين الذين يؤدون الأدوار الثانوية، أو المساندة. وفي الواقع لا يقتصر الأمر على الوجوه النافرة التقاطيع، بل يفترض في هذه الوجوه أن تتميز بالتشوه في بعض أجزائها، على اعتبار أن هذا بحد ذاته يؤدي إلى مزيد من الإضحاك.

وباستثناء الأفلام التي حملت اسم الفنان المخضرم عادل إمام، والذي صار عليه أن يخوض منافسة حادة على شباك التذاكر مع الكوميديين الجدد، والتي تطرح أفكارا أو قضايا راهنة ما بغض النظر عن مدى عمقها أو جديتها، فإن مسيرة الكوميديا في السينما المصرية على امتداد السنوات تدل على أن الكوميدي النجم هو الأساس في نجاح الفيلم وليس الفيلم نفسه، وأن الأساس هو قدرته على الإضحاك وليس المضمون الذي يقدمه. وهذا النجاح القائم على شعبية ممثل معين، بغض النظر عن مدى تفاهة أفلامه هو نجاح ظرفي يرتبط بمزاج جماهيري قد يتغير في أي وقت. ومن المؤشرات على ارتباط نجاح الكوميديا في السينما المصرية بشعبية النجم هو عدم النجاح الجماهيري لأفلام كوميدية مجددة ذات خصائص فنية متطورة ومضامين فكرية عميقة. ففي فترة الثمانينات، وهي الفترة التي شهدت نوعا من الصحوة الفنية والفكرية في السينما المصرية وبرز فيها مجموعة من المخرجين الجدد ممن كانوا يطمحون لتطوير سوية السينما المصرية فنا وفكرا، ظهرت مجموعة من الأفلام الكوميدية المختلفة شكلا ومضمونا والمعتمدة على جهد المخرج بشكل رئيسي وعلى طريقته وتميزه الأسلوبي. ولكن جهد أولئك المخرجين لم يتحول إلى تقليد راسخ ونموذج يقتدى به ولم يؤد إلى تغيير وتطوير في الذوق العام في ما يخص استقبال الفيلم الكوميدي.

ومن الواضح أن النجاح الحالي لموجة الأفلام الكوميدية الجديدة إنتاجيا والتي تعتمد على تقاليد شكلية متوارثة من السينما المصرية الكوميدية وبخاصة من عنصر التهريج، وعلى الرغم من عوائده المفيدة اقتصاديا بالنسبة لمنتجي الأفلام في مصر، يظل يؤكد على وجود أزمة إبداعية فنية وفكرية من ناحية وأزمة تربية ثقافية ترتبط بالحفاظ على مستوى الوعي والذوق الجماهيري المتدني في مجال العلاقة مع السينما كوسيلة إبداعية فنية ثقافية.

الخليج الإماراتية في 2 فبراير 2008