كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

في أفلامهم «حين ميسرة».. «هي فوضي».. «الجزيرة»

يوسف شاهين وشريف عرفة وخالد يوسف يستنسخون أفلام مخرج الروائع حسن الإمام

وفية خيري

·     رغم أن أفلامه أقل ميلودرامية من أفلام هذه الأيام لم يجد حسن الإمام من يدافع عنه لأنه لم يحط نفسه بقداسة فنية تمنع الاقتراب منه ومن أعماله

·     «حين ميسرة» اقتباس من عشرات الميلودرامات السينمائية المصرية القديمة عن الفتاة التي تتعرض للمآسي ويخدعها حبيبها فتعمل في كباريه

·     عرض خالد يوسف صورا غير مسبوقة من القبح والسوقية والابتذال ليتماشي مع جمهور سينما هذه الأيام من الحرفيين والأثرياء الجدد.

·         مشهد اغتصاب بطلة «هي فوضي» لا يمت للفن بصلة ويثير الغثيان من قبحة وفجاجته

·     رغم أن «الجزيرة» مأخوذ عن قصة حقيقية إلا أنه لم يخل من الميلودراما أيضا فكيف تحتفظ هند صبري بابن أحمد السقا وزينة رغم ما بين العائلات من ثأر.

كان الفنان الكبير حسن الإمام رحمه الله يتحفنا من الحين للآخر بأفلام تتجمع فيها المآسي والكوارث في صورة مبالغ فيها فتثير مشاعر المشاهدين، وتستدر دموعهم.وكان النقاد يدرجون هذه الأفلام تحت مسمي أفلام الميلودراما ومعناها أن الأحداث والمآسي مبالغ فيها.ولم تكن تلك الأفلام علي الرغم من النجاح الجماهيري الذي تلاقيه تنال تقديرا من النقاد ولهذا السبب لم تدرج هذه الأفلام تحت مسمي الفن ذي القيمة الفنية العالية مثل أفلام صلاح أبو سيف أو بركات أو توفيق صالح أو كمال الشيخ، ويبدو أن الفنان حسن الإمام لم يكن علي صلة وثيقة بكبار النقاد والصحفيين فلم يثيروا للدفاع عما يقدمه لنا من فن سينمائي كما أن حسن الإمام لم يحط نفسه بهالة من القداسة الفنية كما يفعل بعض فنانينا الجدد والذين أصبحوا كبارا بفضل الشللية الصحفية والنقدية ولم يعد أحد يستطيع أن ينتقد أفلامهم، برغم كل ما فيها من مبالغات ولا معقولية وكأن ما يقدمونه لنا من فن هو من المقدسات التي لا يصح أن نلمسها من بعيد أو قريب.ثلاثة أفلام تعرض في وقت واحد تتميز بهذا اللون من الميلودراما وهي «حين ميسرة»، و«هي فوضي»، و«الجزيرة» ودعوني استعرض معكم بعضا من ملامح هذه الميلودراما الفاقعة.بانوراما للعشوائياتففي فيلم «حين ميسرة» يقدم لنا المخرج بانوراما لأحد الأحياء العشوائية بالقاهرة بكل ما فيها من فقر وتخلف وامتهان لكرامة الإنسان، حيث نتابع قصة فتاة فقيرة «مثلت دورها الفنانة القديرة سمية الخشاب التي أحمل لها في نفسي كل تقدير وإعجاب» هذه الفتاة نشأت في حي عشوائي وأحبت شابا فقيرا مثلها ووعدها بالزواج مرددا أن ذلك سوف يتم «حين ميسرة». الفتاة تحمل سفاحا من هذا الشاب ـ ولما كان الشاب عاجز عن الزواج منها لضيق ذات اليد فهي تهرب من الحي العشوائي خوفا من الفضيحة وتسافر إلي إحدي مدن الأقاليم لتضع طفلها هناك ثم خوفا من الفضيحة أيضا تتركه في الأوتوبيس المسافر من القاهرة إلي بنها، فيأخذه أحد سماسرة بيع الأطفال ويبيعه لزوجة عاقر.. ويعيش الطفل مع هذه الأسرة التي يعتقد أنها أسرته... إلخ.ألم تر هذه القصة عشرات المرات من قبل في أفلام مصرية ميلودرامية بعضها أخرجها حسن الإمام والبعض الآخر أخرجه مخرجون آخرون ويستمر مخرج فيلم «حين ميسرة» في الاقتباس من أفلام الميلودرامة القديمة فالفتاة تتعرض لسلسلة من النوائب والمآسي مما يدفعها في النهاية للعمل راقصة في كباريه، مرة أخري أتساءل ألم نر هذه القصة في عشرات الأفلام قبل ذلك؟ الشيء الجديد الذي أتي به المخرج هو أن هذه الفتاة الفقيرة نشأت في حي عشوائي وليس مجرد حي شعبي فقير مثل أفلام الميلودراما زمان، وهي فرصة ذهبية بالنسبة لمخرج «حين ميسرة» لكي يعرض لنا بالكاميرا صورا من القبح والسوقية والابتذال لم تره السينما المصرية من قبل في عهدها الطويل ربما لأن العشوائيات لم تكن قد ظهرت بعد، الجديد أيضا أن المخرج عرض لنا صورا من الشذوذ الجنسي لم نره علي الشاشة من قبل واقتحام السياسة في الفيلم دون مبرر مثل الحديث عن تنظيم القاعدة، الذي لا دخل له علي الإطلاق بأحداث الفيلم.وغير ذلك الكثير مثل الصراع بين الحكومة والإرهابيين الذين تغلغلوا في هذا الحي العشوائي مما يستدعي تدخل البوليس وقوات الأمن المركزي.هذا الصرع ينتهي في الفيلم بهزيمة قوات الأمن المركزي علي يد الإرهابيين وهي نبوءة أرجو ألا تتحقق.الشرطي الفاسدالفيلم الثاني هو فيلم «هي فوضي» الذي يقدم لنا رجل شرطة فاسدا تجتمع فيه كل الصفات السيئة من بلطجة إلي رشوة إلي دعارة، هذا الشرطي الفاسد يطارد فتاة نقية بريئة من جيرانه بالحي.. والفتاة لا تعير هذا الشرطي الفاسد أي اهتمام فهي غارقة في حب وكيل النيابة الشاب الشريف الذي يعمل بمركز الشرطة بالحي، والصراع في الفيلم يدور بين هذا الشرطي الفاسد ووكيل النيابة الشريف ـ أي بين الفساد والحكومة وهذه خاصية تبرز لنا من خلال أكثر من فيلم ـ وينجح الشرطي الفاسد في الاعتداء علي فتاة الحي في مشهد اغتصاب غاية في القبح والفجاجة مما يثير الغثيان ولا يمت إلي الفن بصلة.. فالشرطي الفاسد ينتمي إلي تلك الشرذمة من البشر الذين يمكن أن نطلق عليهم مسمي نفايات المجتمع فهو يحلم بفتاة الحي «قامت بدورها الفنانة منة شلبي بوجهها المعبر البريء» ويحلم بها ليلا ونهارا ويتصورها في أوضاع شتي ويلهث وراءها مع أن أمامه عشرات من النساء الساقطات من يمكنهن إشباع شهوانيته ونهمه الجنسي بينما الفتاة التي يطاردها ليل نهار لا تتمتع بتلك الصفات التي يمكن أن تثير شهوانيته ـ كنت أفهم أن يتعلق بها لأنها نموذج نظيف شريف لم يجده في النساء الأخريات ولكن المخرج لم يشر إلي ذلك من قريب أو بعيد ولم ينظر إليها من هذه الزاوية بل نظر إليها كمجرد جسد فالشرطي «يفبرك» صورة لها تحمل وجهها ولكنه يركب عليه جسد غانية.وبعد أن يغتصب الشرطي الفتاة وتعلم أمها بذلك «قامت بدور الأم الفنانة هالة فاخر باقتدار فقدمت لنا مثالا للأم المصرية بكل صفاتها الطيبة» فتقود الأم مظاهرة من أهل الحي ويقتحمون مركز الشرطة بالحي الذي يعمل به هذا الشرطي الفاسد ويكسرون باب المركز لمطاردته ويتواطأ معه نفر من رجال الشرطة الآخرين ويتسترون عليه لأسباب لا نعلمها ولم يوضحها لنا الفيلم إلا إذا كان يريد أن يقول لنا إن جميع رجال الشرطة فاسدون وهذا غير صحيح.عندما درسنا فن الدراما بكلية الآداب وفي المعاهد المتخصصة قالوا لنا إننا إذا أردنا استخدام الخيال فلابد أن يكون هذا الخيال قريبا من الواقع ـ أو محتمل الحدوث فأي واقع هذا الذي نري فيه أم الفتاة تقود مظاهرة لاقتحام مركز الشرطة بالحي وكسر بابه؟ هل هذا الخيال قريب من الواقع أو محتمل الحدوث ورجال الشرطة يطوقون الحي كله وينشرون رجالهم في كل شبر فيه؟ سؤال أطرحه علي السادة الذين شاهدوا هذا الفيلم لكي يجيبوا عليه ـ أنا أري أن هذا مجرد أمنية أو حلم لدي أهل الحي.قصة حقيقيةالفيلم الثالث في سلسلة أفلام الميلودراما الحديثة هو فيلم «الجزيرة» المأخوذ عن قصة حقيقية وقعت بإحدي مدن الصعيد النائية منذ عدة سنوات والتي تعيش بعيدا عن هيمنة البوليس حيث تتضخم شخصية رجل من أهل الجزيرة بالصعيد يسيطر علي مقدرات البلدة ويصبح هو الحاكم الحقيقي لها يساعده في ذلك تحالف بعض رجال البوليس معه ـ ليس لأنهم فاسدون مثلما رأينا في فيلم «هي فوضي»، ولكن لأنهم يستخدمونه للإرشاد عن الإرهابيين ـ ويضطر البوليس إزاء تضخم شخصية هذا البلطجي الذي يسيطر علي البلدة ويعمل بتجارة الأفيون، والحشيش، علي مرأي من البوليس وبمباركته إلي استخدام البولدوزارات للإيقاع به تحت وابل من طلقات الرصاص المكثف إلي أن يتم الإيقاع بهذا المجرم الذي كان يتصور نفسه فوق القانون وأقوي من الحكومة حتي إنه كان يصيح دائما «أنا الحكومة» وهي عبارة تتردد مرة أخري في فيلم «هي فوضي» علي لسان الشرطي الفاسد ولها مدلوها وخطورتها.الصراع في الأفلام الثلاثة هو صراع بين البلطجية من أفراد الشعب البوليس وكأنهما ينتميان إلي دولتين متحاربتين.لعل فيلم «الجزيرة» لأنه مأخوذ عن قصة حقيقية أكثرها معقولية إلا أنه لم يخل من ميلودراما ـ فنحن نري بنات الصعيد وهي الفنانة هند صبري والفنانة «زينة» يخرجن إلي شوارع البلدة سافرات الوجه كذلك ينتقل الحبيبان «هندي صبري» و«أحمد السقا» في أنحاء الجزيرة ويتبادلان عبارات الغرام في حرية كاملة وسط هذا الجو المتجهم ـ هل هذا هو الصعيد وبناته كما نعرفه؟!جزئية ميلودرامية أخري في فيلم الجزيرة هي حكاية احتضان هند صبري لابن أحمد السقا وزينة ـ والقيام علي تربيته دون أن يسألها أهل القرية من يكون هذا الطفل ولماذا أخذت علي عاتقها مسئولية تربيته بعد وفاة أمه رغم ما بين العائلتين من عداوة وصراع.ومع ذلك ففيلم «الجزيرة» بفضل الإخراج الرائع للمخرج المثقف الموهوب شريف عرفة هو فيلم جيد جدا ـ رغم كمية الرصاص الكثيف التي ينطلق طوال الفيلم، كذلك التواطؤ الفج بين المجرم وبعض رجال الشرطة وكان يمكن أن يعرض لنا المخرج ذلك في إشارات عابرة لا تمس كرامة رجال الشرطة.ولكننا لم نتعود علي أن نتناول الأمور بحس فني راق فنحن نقدم فنا غليظا بعيدا عن رهافة الفن الراقي. وهذا يفسر لماذا لا تنال أفلامنا الجوائز في المهرجانات السينمائية الدولية.قد يقول قائل إن الفجاجة التي تظهر في أفلامنا هي انعكاس لفجاجة الواقع الذي نعيشه وغلاظة جمهور مشاهدي السينما من حرفيين وأبناء طبقة الأثرياء الجدد ممن يملكون الإمكانيات المادية لشراء تذاكر السينما غالية الثمن أو من جمهور المشاهدين من الشباب الذين تعودوا علي رؤية الأسلوب الفج لإرضاء غرائزهم. هذا الأسلوب الذي يعرض لنا مشاهد جنسية غاية في الوقاحة والتي تدغدغ مشاعرهم وتطفيء لهيب الحرمان الجنسي لديهم بكل ما يتصف به ذلك من افتقار إلي الحياء ـ وتقليد لمخرجي الأفلام الأجنبية وبعد ذلك تلومون الشباب إذا ما ارتبكواجرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي وتنادون بتوقيع أقصي العقوبات عليهم ناسين هؤلاء الذين أثاروا فيهم هذه النزعات البهيميه بأفلامهم الفاضحة.سؤال أخير لصانعي هذه الأفلام التي تتسم بالإباحية وعرض سوءات المناطق العشوائية والمدن البعيدة عن العمران لمن توجهون هذه الأفلام؟؟ إذا كنتم تودون أن تلفتوا نظر الحكومة إليها فالحكومة تعرف مشاكل هذه المناطق جيدا ولكنها مغلولة اليد في إمكانية إصلاحها لتزايد عدد السكان بها وقلة الموارد المخصصة لها.وإن كنت لا أعفي المسئولين من تبعية التدهور الذي حدث لها لإهمالها الطويل لأهالي هذه المناطق وإذا كنتم توجهونا لأهالي هذه المناطق بقصد حثهم علي تغيير نمط حياتهم فهذا هدف بعيد المنال حيث إن هؤلاء الناس لم تمتد إليهم يد المساعدة منذ زمن بعيدا وأقلموا أنفسهم علي هذا النمط من الحياة أما إذا كان هدفكم أن تستفز هذه الأفلام أثرياء البلد فيمدون يد المساعدة لهذه المناطق فإن أثرياء هذه البلد لا تهمهم مشاكل هؤلاء الناس وإذا كانوا يقبلون علي مشاهدة هذه الأفلام ويشيدون بهما فمن باب المباهاة أو الترفيه عن النفس ومشاهدة نوع غريب من البشر ولكنهم سرعان ما ينسونها بمرور الأيام.إلي أن تقع الكارثة ويختلط الحابل بالنابل وتعم الفوضي وبالمناسبة فإن اسم فيلم «هي فوضي» بالفرنسية هو «فوضي» وهناك فرق كبير بين الاسمين.ورأيي أن تناول هذه المشاكل لا يكون عن طريق الأفلام السينمائية من هذا النوع الميلودرامي إلا إذا كان ذلك حافزا للحكومة وللمراكز البحثية لإيجاد حلول لها فهذه ليست وظيفة الفن فوظيفته أن يعلن إشارة الخطر وعلي الأجهزة المعنية أن تكمل المشوار.أما إذا ظلت هذه الأفلام تعرض علينا ليل نهار دون إيجاد الحلول فهو هبوط بالفن إلي مستوي الميلودراما واللا معقول ومحاولة التربح عن طريق المتاجرة بآلام هؤلاء الناس، وتكريس لقيم غاية في الخطورة من يأس إلي شعور بالهزيمة والإحباط والالتجاء إلي البلطجة والقوة للحصول علي الحقوق، ولن تأتي بأي نتيجة إيجابية.

جريدة القاهرة في 29 يناير 2008