كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

العـودة الأفغانيـة إلـى أفـلام الشركـات الكبـرى

أميـر وتشـارلـي وصيـد الطـائـرات فـي سمـاوات مختلفــة

زياد الخزاعي

صراطان شخصيان متناقضان ربطا بين مصائر الطبيب الأفغاني الشاب أمير بطل فيلم «عداء الطائرة الورقية» والسياسي الأميركي تشارلي ويلسن الذي أفلم المخرج مايك نيكولز، صاحب «الخريج» (1969) و«كاتش 22» (1970) و«سيلكوود» (1983) و«ذئب» (1994)، بطولاته مع المجاهدين الأفغان في جديده «حرب تشارلي ويلسن». كلا العملين يحظى بهبة نقدية تتساير مع موسم الجوائز الأميركية، فيما يزايد الجميع (على الرغم من اضراب نقابة الكتّاب في بفرلي هيلز) على العودة الأفغانية في أفلام الشركات الكبرى. غرض دعائي مسيّس، ربما! لكن المؤكّد أن اللعبة الإنتاجية احتاجت الى رصّ الجبهة المنسية منذ احتلال العراق. فهذا الأخير استحوذ من دون وجه حقّ، بحسب عرف أهل اليمين الهوليوودي، على خيرات ممن داوروا اعتراضاتهم (أو مآخذهم) على «الفاجعة العراقية»، كما أشارت إليها عناوين مثل «معركة من أجل حديثة» للبريطاني نك برومفيلد و«في وادي الله» لبول هيغس و«روقب» لبرايان دي بالما و«ظل الشجعان» لإروين وينكلر و«الحالة» لفيلب هاس و«رحيل غريس» لجيمس ج ستراوس، من بين أفلام أُخرى (لا بأس من ذكر خطط مقبلة للنجم توم كروز، الذي يؤدّي دوراً رئيساً في «سقوط المحارب الملك»، عن فضيحة قائد عسكري أميركي في العراق، بحسب تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز». ومثله بروس ويليس، الذي يُنتج عملاً عن بطولات فرقة مشاة تدعى «ريدوس فور»، أبلت بأهالي الموصل! فيما يُنتج ريدلي سكوت «العالم المخفي»، عن اختطاف صحافية في محافظة عراقية، بينما تقتبس زميلته كمبيرلي برايس، التي عُرفت بفيلمها «الصبيان لا يبكون»، قصّة مجنّد يرفض العودة الى بغداد في جديدها «ستوب ـ لوس»). هؤلاء، على قلّتهم، شكلّوا لوبياً غير معلن حرّض ضد التنميط الرسمي للحرب على الإرهاب واتساع أمدائها لتبرير احتلالات لا يرتضيها العرف الإنساني، ناهيك بالتوازن السياسي والاستراتيجي الذي أضاع كفتيه منذ هجمات أيلول.

صيد الطائرات

من هنا، يُفهم اجتماع خمسة من كبار منتجي هوليوود (ويليم هوربيرغ صاحب «الجبل الذهبي» و«السيد ريبلي الموهوب»، ووالتر باركس منتج «المصارع» و«اقبض عليّ إن استطعت»، وريبيكا يلدهام صاحبة «مذكرات درّاجة نارية»، و أ. بينيت والش منتج «اقتل بل»، وأخيراً لوري ماكدونالد وله «سويني توود» والسلسلة المرعبة «الحلقة»)، ليتعاضدوا من أجل أفلمة رواية الأفغاني خالد حسيني، ويكلّفوا سويسرياً هو مارك فورستر صاحب «حلقة رقص الشيطان» و«البحث عن نفرلاند» لإخراج حكاية بحث الشاب المهاجر أمير (أداء الممثل المصري المقيم في لندن خالد عبد الله) عن صراط أخلاقي يكفّ فيه عن ألم خيانته لصديق عمره حسن نجل خادم المنزل الثري. في المقابل، صرف توم هانكس من جيبه الخاص، ليعيد تصوير حكاية السياسي الطموح تشارلي ويلسن، الذي اشتهر بمضارباته العلنية في الإيقاع بالنساء ومضاجعتهنّ بجلسات «أورجي» جنسية ذهبت مضرب أمثال زملائه الحسودين الذين أطلقوا علية كُنية «تشارلي الأوقات السعيدة»، وعلى نسائه الكُثر لقب «ملائكات تشارلي» (تورية للمسلسل التلفزيوني الأثير)، لينتخب من سيرته ما يُعنى بارتزاقه من حرب الأفغان ضد الاحتلال السوفياتي. ما يجمع أمير بتشارلي، شغفهما المشترك بالطائرات: الأول بالورقية منها، التي تزنّر سماء كابول في عزّها الأمني «قبل» قدوم الحمر، والثاني بالـ«ميغ» الضاربة التي محقت بالمقاومة الأفغانية الفقيرة العدّة «قبل» انغماس السيد ويلسن بجهادية من نوع فريد في اقناع أعضاء «كونغرس» بتمكينهم العون العسكري وإلحاق الهزيمة بالامبراطورية الشيوعية من دون خسارة روح أميركية واحدة. هذان «القبلان» هما الحيزان التاريخيان للمحنة الأفغانية، بحسب البطلين المُسرَدة حياتاهما بتوليفات انتقائية. ذلك أن ابن الذوات أمير (الذي يحمل الكثير من ملامح الكاتب حسيني) تتحقّق انتصاراته في معاركه الجوية التي تعتمد على صيد خيوط طائرات الآخرين وإسقاطها فوق أحياء العاصمة التي يصفها حسيني بالزهراء لكثرة ورودها وخضرتها آنذاك (صُوّر الفيلم في الصين!) ليتكفّل خادمه وصديق طفولته حسن بالعدو عبر الأزقّة لالتقاط الغنيمة وسط هرج الجميع وهو يصرخ «لأجلك سأفعلها ألف مرّة». فأمير هو وريث آخر سلالة للطبقة المتوسطة الأفغانية التي تنال منها الحرب وتشظيها المنافي. أما تشارلي ابن الطبقة نفسها، فيجد فرصته التاريخية في قصور ما تبقى من «أشراف» العائلات النفطية في هيوستن، الممثّلة بـ«ابنة الذوات» جوان هيرينغ (جوليا روبرتس)، المشهورة بعدائها الأعمى للروس وشيوعيتهم من باب طهراني مسيحي! والتي تُدلَّع باسم «سكارليت أوهارا»، البطلة الفولاذية في رواية «ذهب مع الريح».

هذه الجنية المسلّحة بعزم سياسي لا يضاهيه مقابل في واشنطن، تنتخب خليلها الضليع بالمخابرات «كي يُوسم بعد سنوات بالخالد الحداثي الذي أطاح امبراطورية الأشرار وهدّ جدار عارها في برلين». من خمسة ملايين دولار مخجلة وعد بها «كونغرس» دعائياً لبعض الأقطاب الأفغانية المتضرّرة من الاجتياح، يمثّلهم جلال الدين حقاني، يفلح تشارلي المؤمن بالعزم اليسوعي في الاستشهاد لرفع الرقم الى 750 مليون دولار خصّص أغلبه بصيد الطائرات الروسية بواسطة صواريخ «ستينغر» التي علّق واحدا منها في مكتبه الرسمي متفاخراً «إنها هدية من المجاهدين الذين أسقطوا بها طائرات الروس» .لم يكن الأمر جهداً فردياً، فهناك عميل الـ«سي آي أيه» غاس أفريكوتوس (فيليب سايمور هوفمان)، الذي يرتّب الصفقة التي سُمّيت «هند» بين مصر والسعودية وإسرائيل كحلفاء اجتمعوا على مخافة شرّ موسكو، بعد أن أقنعه في لقائهم الأول (وهو مشهد فريد في صنعته واتقانه) داخل مكتب تشارلي: «أن ما يجمعنا هو اصطياد فروج النساء وتصفية الشيوعيين»، ما يُشكّل ارتباط عينتين سياسيتين لا تؤخذ مخاطر قراراتها بجدية حقيقية.

لا يمثّل تشارلي الحنكة السياسية. إنه نموذج المداهنة الناقصة التي تضع الفرصة كديدن أخلاقي للفوز بالمآثر. من هنا، يُفهم قوله الشهير: «ليس للولايات المتحدة ضلعٌ في قرار الأفغان الذهاب للحرب. لكني على يقين أن التاريخ سيلعننا إن تركناهم يقاتلون بالحجارة». يتفاخر لاحقاً، بحسب كتاب جورج كاريل الذي يحمل العنوان نفسه للفيلم، بعدد الناخبين الذين أقنعهم بإعادة تزكيته إحدى عشرة مرّة بسرد حكاية كلبه الذي أطعمه جاره انتقاماً زجاجاً مطحوناً، أن الصراط المنقوص لتشارلي يعلنه ديكتاتور باكستان آنذاك الجنرال ضياء الحق (أداء الهندي أم بوري) في مزايدة سياسية وقحة: «تشارلي أنجز المهمة». إنها اللافتة التي نراها معلّقة على خلفية الاحتفال الرسمي بمنجز السياسي الذي اشتهر بادمانه الويسكي الذي لا تغيب كأسه عن يديه وشفتيه، والتي أدّت به الى الخضوع لعملية زرع قلب شاب عمره 35 عاماً، ما زال مستفيداً حتى اليوم من قوة نبضاته للتمتع بحياة باذخة مع زوجة شابة اشتهرت برقص البالية (يُسقط فيلم نيكولز كل ما هو معني بأسامة بن لادن وحقبة طالبان والأصولية الآسيوية، فيما يشدّد على مآسي الأفغان في معسكرات بيشاور).

مطاردة

في المقابل، يمثّل أمير في يفاعته قيم طبقته المتحصّنة بثرائها وولائها وعزلتها الاجتماعية، من دون أن تتخلّى عن طائفيتها. فهو السُّني ذو المحتد القبلي البشتوني الذي لا يُمسّ، يرافقه حسن الشيعي المنتمي الى الهزارة المتدنية القيمة. هذا التصنيف أساسي في فهم البحث اللاحق لأمير عن صراطه المستقيم الذي يرغمه على العودة الى كابول من منفاه في سان فرانسيسكو بحثاً عن غفران إثميه المزدوجين حين ترك (بجبن وخسة) حسنالخاضع للاغتصاب الجماعي لعصابة المراهق عاصف (يلتقيه ثانية وقد تحوّل الى قائد طالباني يشرف على اعدام النساء بعد رجمهن، ويرغم سحراب بن حسن على الرقص كالفتيات)، اما إثمه الآخر، فهو عندما أخفى ساعته الثمينة تحت وسادة حسن مفبركاً حكاية سرقة تؤدي الى «هجرة» الخادمين الأمينين علي وابنه الى الأبد.

نرى طائرات السوفيات تتهاوى وتشارلي يرقص مرتدياً الزي الأفغاني (صوّرت المشاهد الأفغانية في المدينة المغربية ورزازات) مردّداً مع الحشود نداء «الله أكبر»، قبل أن نسمع كلمة تكريمه «لدينا أبطال عديدون لكن لويلسن حظوة أخرى. لولاه، لكان التاريخ ناقصاً وحزيناً ومختلفاً». ومثلها، نرى الطائرات الورقية لأمير تتصارع تحت سماء أخرى غريبة، ويفلح وهو يصرخ في وجه سحراب الذي نقله معه الى منفاه الأميركي: «لأجلك سأفعلها ألف مرّة»، باقتناص خيط طائرة غريم مهاجر. ولئن يفشل تشارلي ويلسن، بعد اندحار الروس وانسحابهم، في اقناع أعضاء «كونغرس» في مدّه بمبالغ جديدة لبناء مدارس ومستشفيات في القرى المدمّرة، يلومه أحدهم قائلاً: «ما لنا وباكستان»، فيردّ بكلمة أخيرة: «إنها أفغانستان»، ليُثبت لنفسه أن صراطه سيبقى غير مستقيم كونه جزءا من حسابات ساسة مهادنين لهم نفوذهم الكاسح، ومثله سذاجة وجهالة معلومات لا مثيل لها، يكون على الكاتب حسيني أن يختم نصه الذي وصلت مبيعاته الى 8 ملايين نسخة بكلمة فريدة هي «عدوت»، تورية الى أن أمير ما زال في أول خطوات صراطه الطويل الذي لن يغفر له انتقامه المتأخّر من المغتصب عاصف، والحنو الناقص تجاه الصبي المنكفئ على عار المهانات التي أوصلته الى البلد الغريب رغماً عن إرادته.

(لندن)

السفير اللبنانية في 17 يناير 2008