كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

المخرج اللبناني روجيه عساف لـ "الخليج الثقافي":

المسرح يوثق معاناة الناس وحكاياتهم كي لا يطويها النسيان

حوار: حسام ميرو

على هامش ملتقى الشارقة الخامس للمسرح العربي كان الحوار مع الممثل والمخرج المسرحي اللبناني روجيه عساف الذي قدم في الملتقى ورقة تحت عنوان “الوثيقة - الحياة.. ورشة عرض مسرحي”، وروجيه عساف الذي خاض غمار المسرح منذ ستينات القرن الماضي وحتى اليوم يصعب تصنيفه فقط بالمسرحي فهو مثقف عضوي بكل ما تعنيه الكلمة، انخرط في النشاط التطوعي الميداني اثناء الحرب التي ألهمت مخيلته بأعمال مسرحية مستوحاة من مآسيها في محاولة للانتصار على الموت من خلال توثيق الحياة بكل ما تحمله من تناقضات خاصة في أزمنة الحرب حيث يكون الموت هو الحاضر الأبرز في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، وحول تجربته الطويلة وخلاصتها والوثيقة التي قدمها في الملتقى دار الحوار:

·         لقد ذكرت في ورقتك ان المسرح ولد من رحم الحروب، ومن المؤسف ان وطننا العربي ما زال يعيش في دوامة الحروب، كيف ترى من خلال تجربتك دور المسرحي في أزمنة الحرب؟

- في الحرب يواجه الانسان الموت في كل لحظة ليس بوصفه جزءاً قدرياً من الحياة الطبيعية للانسان الذي سينتهي حكماً الى الموت، ولكن الموت بوصفه تدميراً للمكان والأشياء والذاكرة، وهنا يكون على المسرحي ان يتعاطى مع الذاكرة بوصفها مادة المسرح وبوصفها التعبير الفني لاستمرار الحياة من خلال المسرح، وهذه هي رسالة المسرح في أزمنة الحرب، ان يكون أداة للمقاومة في وجه الحرب بكل ما تعنيه من رموز ودلالات عبثية.

·         لقد اعتمدت “الحكواتي” شكلاً مسرحياً له امتدادات وجذور في الموروث الثقافي العربي في الوقت الذي كان فيه المسرح العربي ينهل من الأشكال الكلاسيكية الغربية، ما الذي دفعك لتبني “الحكواتي” كخيار فني وتعبيري؟

- أولاً لا بد من توضيح أني لم أتعامل مع الحكواتي بشكل فولكوري وإنما أتى هذا الاختيار من صميم التجربة والواقع المعاش أثناء الحرب اللبنانية حيث كانت هناك حاجة ماسة لتوثيق معاناة الناس وحكاياتهم حتى لا يغمرها النسيان ويطويها الزمن، ومن هنا كان “الحكواتي” هو الشكل الأقرب إلى مضمون الرسالة التي أريد إيصالها للمتلقي.

·         ما هي الآليات التي اعتمدتها في صياغة النص في مسرح “الحكواتي”؟ وما هي الطريقة التي كان ينضج بها العمل وصولاً الى لحظة العرض؟

- لقد كنا نجمع الوثائق من الناس بشكل مباشر، أو من خلال ما يكتب في الصحف من حكايات حول الحرب، أو من خلال اللقاءات مع كبار السن في الأحياء والمناطق المختلفة في لبنان، ثم نأتي بها ومن خلال لقاءات الفرقة تبرز بعض الحكايات المؤثرة فنقوم بالاشتغال عليها ونقوم بتطويرها تدريجياً، وتتم عملية الكتابة أثناء التمارين، وهكذا يتطور العرض المسرحي وينضج الى أن يأخذ شكله الفني ويتحول الى عمل مسرحي جاهز للعرض.

·         يرى البعض ان مسرحك هو مسرح سياسي، أين تكمن السياسة في مسرح روجيه عساف، وكيف ترى الى علاقة المسرح بالسياسة؟

- لم أقدم مسرحاً سياسياً بالمعنى المباشر للكلمة، لأن المسرحي يجب ان يترك مسافة بينه وبين السياسة، مسافة للنظر والتأمل، على الرغم من أن السياسة ملتصقة بكل شيء وتؤثر حتى على الحياة اليومية للأفراد، ومن هنا فإن علاقة المسرح بالسياسة هي علاقة عضوية كحالة وكمعطيات، يقوم المسرحي بالاشتغال عليها وإعادة صياغتها من خلال الفن.

 يعاني الوطن العربي في العقد الأخير تحديات كبيرة في زمن العولمة، وثورة التقنية والاتصالات، وازدياد حضور الثقافة الاستهلاكية من خلال الفضائيات والاعلام، كيف تنظر إلى صورة المسرح العربي اليوم؟

- المسرح بحد ذاته لا يعني شيئاً، فهو مرتبط بالمجتمع، وحتى يكون وضع المسرح في حالة صحية يجب ان يكون هناك مناخ عام يساعده على ذلك. لكننا لو نظرنا اليوم الى واقع المجتمع العربي لوجدناه يعج بالأزمات من كل الأشكال، وحالة الناس المعنوية هي انعكاس لكل تلك الأزمات، ولم يعد لدى الفرد العربي مكان للثقافة والفكر والعقل، والناس مأخوذون بالهم الاقتصادي واللهاث وراء تأمين احتياجاتهم المعيشية، وأستطيع ان أقول من تجربتي في لبنان إن هجرة الشباب أصبحت ظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة يمكن ان تجدها في أكثر من بلد عربي، ولذلك يجب إعادة النظر في دور المسرح وعلاقته بالمجتمع وخاصة الشباب.

·         اذا كان الوضع في هذا المستوى أو على هذه الدرجة من الأزمة التي تكاد أن تكون كارثية، هل نستطيع إذن القول إن مقولة المسرح الجماهيري قد سقطت من قاموس المسرح العربي؟

- العلاقة بين المسرح والجماهير بهذا المعنى لم تعد موجودة، ولكن علاقة المسرح بالجمهور ما زالت مستمرة، وقد يكون هذا الجمهور هو عدداً قليلاً من الناس، ولكنه بشكل من الأشكال هؤلاء الناس يمثلون المجتمع بأسره، وهم الشريان الذي يسمح بتداول أفكار المسرح وينقلها الى باقي فئات المجتمع، وفي المسرح اليوم ليس مهماً عدد المشاهدين، بل قدرة المسرح على ان يترك أثراً في أولئك المشاهدين، وأن يضيف الى الكنز الفكري والثقافي في الساحة الثقافية، فالمسرح مادة مكثفة ومعبرة تمتد عبر المتلقي/الجمهور الى دوائر أوسع.

·         بما أننا نتكلم عن الناس والجماهير، هل ما زال مسرح الستينات والسبعينات بما كان يحمله من أيديولوجيا صالحاً اليوم للعرض المسرحي؟

- أقول بكل صراحة إن المسرح المؤدلج ليس له أي أهمية على الاطلاق في مسيرة الحياة المسرحية لأنه مسرح فئوي ويدعي أنه يقدم الحقيقة الى الناس، بينما المسرح هو الذي يأخذ من الناس ويستكشف أسئلتهم بكل ما فيها من تناقضات ويعطي لهم فرصة السؤال أيضاً ولا يدعي أنه يقدم لهم الحقيقة ولكن يدعي أنه يقدم الصدق.

·         بما أن المسرح يحتوي في داخله على مضامين ومقولات وتالياً فإن للمسرح بعداً أخلاقياً ما، كيف ينظر روجيه عساف إلى علاقة المسرح بالأخلاق بالمعنى الفلسفي والفكري، أي بوصف المسرح جزءاً لا يتجزأ من المنظومة القيمية للمجتمع؟

- من المؤكد أن علاقة المسرح والأخلاق مثلها زمان، فالمسرح له دور كبير في مواجهة الحالة التي نعيشها، وهنا يكمن دور المسرح في فهم هذه الحالة، ودفع الناس وتحريضهم على التفكير في أحوالهم، في أسبابها ونتائجها وطريقة الخروج منها، ومن هنا فإن المسرح الذي أعمل عليه هو الذي يعمل على طرح الأسئلة كمن نحن الآن؟ وما هي ذاكرتنا؟ وإلى أين نحن سائرون؟ وغيرها من الاسئلة التحريضية، ليس بمعنى التحريض/ المشاغبة، وهنا يكمن الدور الأخلاقي للمسرح.

·         هل تجد بعد هذه الرحلة الطويلة في المسرح انه هناك مسرح عربي بالمعنى التصنيفي؟

- لا يوجد مسرح عربي، هناك أعمال مسرحية عربية لكنها لا تشكل وحدة متكاملة، لأن الفلسفة هي التي تربط المسرح، فنحن نستطيع ان نقول بوجود مسرح يوناني، لأن الفلسفة اليونانية هي التي تضفي طابع الوحدة عليه.

·         ما هو المذهب النقدي الذي تجده أكثر مواءمة لمقاربة المسرح على المستوى الفكري والجمالي في خضم وجود مدارس نقدية كثيرة وخاصة في مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة؟

- ما زلت مؤمناً بأن الفلسفة اليونانية وتحديداً من سقراط الى أرسطو بمفهوم نظرتيهما الى الحياة والانسان هي الأكثر قدرة على تقديم مقاربة نقدية للمسرح، فسقراط وأرسطو استخدما المجاز والتجريد من أجل فهم ما هو مرئي ومحسوس وواقعي، فلقد نظرت الفلسفة اليونانية الى الانسان بكونه إنساناً مطلقاً بعيداً عن أي تعيينات عرقية، واعتمدت على الحوار الذي هو مفتاح الحرية.

·         ما رأيك في الجيل الجديد من المسرحيين العرب واللبنانيين على مستوى الأعمال أو على مستوى الأداء؟

- لا شك ان هناك تطوراً كبيراً على مستوى الأداء والتقنية بالنسبة للمسرحيين الشباب، وتظهر في أعمالهم أفكار ومضامين جديدة، وهذا أمر طبيعي لأن انعكاس أزمات الحياة عليهم أكبر، ولكنهم يفتقدون الدعم والرعاية الكافية التي تمكنهم من تنفيذ أعمالهم وتقديم مخيلة جديدة الى المسرح في الوطن العربي.

·         كيف تنظر الى ملتقى الشارقة الخامس للمسرح العربي ومساهمته في تحريك الساحة المسرحية العربية؟

- لقد كان كلام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في لقائه معنا مشجعاً ودافعاً قوياً للعمل، ومعبراً عن نظرته الى الثقافة والفن كجانب من الحياة الاجتماعية وبناء مستقبل البيئة العربية، وأي لقاء يتم بين المسرحيين كما يحصل اليوم في الملتقى هو يصب حكماً في صالح تبادل الخبرات بين المسرحيين مما ينعكس إيجاباً على تحريك الساحة المسرحية العربية.

فضاء من الصور

المسرح حيز لجمع الناس حول صور وأوهام تسمح لهم بأن يروا الواقع بشكل افضل، وفيه تتوضح النزاعات بين الأفكار ويظهر سوء الفهم في التصرفات وتبرز الخلافات، وكل هذا يجعل المتلقي  يعيد قراءة الحياة. ومن هنا، فإن المسرح يمكن ان يسهم في هذا الظرف العربي والعالمي وأن يلعب دوراً في إبراز التناقضات في حالتها المأساوية بعيداً عن منطق الإلهاء.

الخليج الإماراتية في 12 يناير 2008