كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

لماذا لا نتعلم من أفلام كوستز أن إدانة الأخطاء التاريخية نوع من حب الوطن؟

د.محمد علي مخلص

لأن تاريخنا بأحداث تحتاج لإعادة القراءةلماذا لا نتعلم من أفلام كوستز أن إدانة الأخطاء التاريخية نوع من حب الوطن؟! في فيلمه «الرقص مع الذئاب» أكد أنه إذا كان من الممكن قيام صداقة بين إنسان وذئب، فلماذا لم يمكن التعايش بين المهاجرين الأوروبيين إلي أمريكا وسكانها الأصليين من الهنود الحمر؟! أشار فيلم «..» إلي إهمال الكثير من الحقائق والأدلة في عملية اغتيال كينيدي لصالح الذين لم تعجبهم سياساته الرافضة للتدخل في فيتنام واستمرار سباق التسلح مع الاتحاد السوفيتي وهم لوبي شركات صناعة السلاحد. محمد علي مخلصيختلف البعض حول دور الفن بصفة عامة والفن السابع السينما بصفه خاصة، هل هو للتسلية والمتعة أو ما يعرف بالفن للفن أم أنه أداة لايصال فكرة أو معني أو قيمة. وسواء صح هذا الرأي أو ذاك فإن السينما ومنذ نشأتها والي الآن تلعب دورا تثقيفيا كبيرا جنبا الي جنب مع الكتاب المقروء ومع الأخ الأكبر أبي الفنون أو المسرح . بل وتتميز السينما عنهما بعدم محدوديتها من حيث المكان وقدرتها علي سرعة الانتقال بين الأزمنة مقارنة بالمسرح ، وعدم الحاجه للخيال مقارنة بالكتاب . وكانت السينما ولا تزال قناة لاظهار موقف وابداء رأي بداية من تشارلي تشابلن وموقفه المضاد للنازية ودكتاتوريتها أو موقفه المؤيد لحقوق العامل والذي أدي فيما بعد لإدانته مكارثيا واجباره علي مغادرة الولايات المتحده الأمريكيه. وهنا أحب أن أتوقف أمام ثلاثة أفلام قدمها الممثل كيفين كوستنر يمثل كل منها تشريحا دقيقا للسياسة الأمريكية قديما وحديثا ويحمل كل منها جانبا انسانيا مهما. الفيلم الأول والذي أنتج عام 1990 هو فيلم يرقص مع الذئاب وهي الترجمة الصحيحة له وليس الرقص مع الذئاب كما جرت العادة عند ترجمته، فالفيلم باللغه الانجليزية وكلمة هنا تأتي كتصريف للفعل أو يرقص في الزمن المضارع وهو ما يتفق مع سياق الفيلم حيث أطلق الهنود الحمر هذا الاسم علي البطل عندما وجدوه يرقص مع الذئب كعادتهم في اطلاق الأسماء. والفيلم أخرجه كيفين كوستنر بالاضافة الي قيامه بدور الضابط جون دنبار الذي شارك في الحرب الأهلية الأمريكية وتم ارساله الي موقع منفرد في الحدود الغربية مجاورا لاحدي قبائل الهنود الحمر . وفي وحدته نشأت صداقة نادرة بينه وبين ذئب لازمه طوال الفيلم . ثم نشأت صداقة بينه وبين القبيلة الهندية تطورت الي حياة مشتركة بلغت ذروتها في قيادته لهم في موسم صيد الجاموس الوحشي في واحد من أروع مشاهد السينما الأمريكية اخراجا. وفي نهاية الفيلم يتردد البطل كثيرا قبل ترك أصدقائه الجدد والعودة الي صفوف الجيش. والفيلم هنا يتناول قضية الصراع مع الهنود الحمر من منظور نقدي للغرب فإذا كان من الممكن قيام صداقة بين انسان وذئب وصداقة بين البطل والقبيلة الهندية، فهل كان من الصعب التعايش بين المهاجرين الأوروبيين الي الأرض الجديده وسكان الأرض الأصليين ؟ والفيلم هنا يحمل تساؤلا اجابته ادانة لمرحلة تاريخية معينة.من قتل كينيديأما الفيلم الثاني فهو وهي الأحرف الأولي لاسم الرئيس الأمريكي الأشهر جون فيتزجيرالد كينيدي ، وفي هذا الفيلم الذي أخرجه أوليفر ستون عام 1991 يقوم كيفين كوستنربدور جيم جاريسون المحامي العام لنيو اورلينز ابان اغتيال كينيديوهو شخصية حقيقية والذي أعاد فتح ملفات التحقيق في اغتيال كينيدي بعدها بثلاث سنوات وتشكك في مصداقية لجنة وارين التي تولت التحقيق ، وقد بني شكوكه علي استحالة أن يكون لي هارفي أوزوالد قد نفذ عملية الاغتيال بمفرده حيث أنه لا يمكن لأوزوالد أن يطلق عدد الرصاصات التي أغتالت كينيدي بالسلاح الذي ضبط بحوذته في المدة الزمنية التي استغرقتها عملية الاغتيال . كما أن الاصابات الموجودة بجسد كينيدي لا يمكن أن تحدث فقط بعدد الرصاصات الوارده بالتحقيق وهو ما يشير الي وجود تعتيم علي حقائق أحاطت بعملية الاغتيال. وقد أوضح الفيلم أن كينيدي كان ضد التدخل في فيتنام وضد استمرار سباق التسلح وحالة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي مما تعارض مع مصالح شركات السلاح العملاقة ومن ارتبطت مصالحهم معها فتوفر الدافع لاغتياله. وفي نهاية الفيلم يقدم كوستنر مونولوجا في ساحة المحكمة موجها خطابه الي الشعب الأمريكي- وان كان في الواقع يتحدث فيه باسم الشعب الأمريكي - يرفض فيه أن يتلاعب أصحاب المصالح بمصيره أو أن يخفي أحد عنه الحقائق و يبكي في هذا المشهد بكاء حقيقيا لأن البكاء هنا لم يكن دمعا وانما بالغصة الحقيقية للبكاء التي يظهر أثرها علي الصوت. والفيلم أقرب الي الأفلام التسجيلية من حيث سيل الحقائق التي أوردها مما يجعل المشاهد يصل وحده الي النتيجه التي أرادها المؤلف دون أن يشعر المشاهد بأن هناك من يلوي عنق الحقيقه وعنقه معها للوصول الي تلك النتيجة .ضمير كينيديوالفيلم الثالث هو فيلم ثلاثة عشر يوما من انتاج عام 001 والذي يرصد لفتره غاية في الخطوره وقف فيها العالم بأسره علي شفا مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في أكتوبر196 حينما توفرت للولايات المتحدة الأمريكية معلومات صحيحة عن قيام الاتحاد السوفيتي بنشر صواريخ باليستية تحمل رؤوسا نووية في كوبا مما يضع الولايات المتحدة في خطر تدمير الجزءين الشرقي والجنوبي منها حال اطلاق تلك الصواريخ ، مما حدا بالرئيس كينيدي الي التهديد بقصف الصواريخ اذا لم يتم نزعها قبل انتهاء المهلة الممنوحة، وبدأ في تنفيذ خطة وزير الدفاع ماكنمارا بحصار كوبا بحريا لمنع وصول السفن السوفيتية اليها أثناء المهلة. والفيلم يتناول الأحداث من داخل البيت الأبيض من خلال الرئيس كينيدي والدائرة المحيطة به . ويرصد الفيلم صراع كينيدي بين اصراره علي حماية الأمن القومي للولايات المتحدة واستخدام القوه اذا بقيت الصواريخ في كوبا وبين رغبته الانسانية في أن تحل الأزمة سلميا عن طريق التفاوض حتي لا يضطر لإشعال حرب. ودور أحد رجال الرئيس الذي قام به كيفين كوستنر في الفيلم انما يجسد في واقع الأمر ضمير كينيدي ، وهو ما تجلي في المشهد الذي يوصي فيه كوستنر الطيار المتوجه لمهمة استطلاعية فوق الأراضي الكوبية بأن يحرص علي عدم تعرض طائرتة للنيران مهما كلفه الأمر حتي لا تجد الادارة الأمريكية نفسها مجبرة علي الرد العسكري وتنتهي الأزمه كما هو معلوم بسحب الاتحاد السوفيتي للصواريخ. وان كان الفيلم قد أضاف معلومه وجود صفقه سرية تمت بين الجانبين تلتزم فيها الولايات المتحدة بسحب صواريخها من تركيا بعدها بستة أشهر. ومشاهدة الفيلم في عام انتاجه 001 لا تخرج عن اطار قراءة لحدث تاريخي من الممكن استخلاص كثير من الدروس منه. ولكن مشاهدته ونحن علي مشارف 008 تضع المرء أمام اسقاط حتمي علي واقع سياسي يعيشه العالم الآن . ان التعرض لقضايا الوطن يتطلب قدرا كبيرا من حرية الفكر بحيث لا يتم تناول الحدث دائما من منظور واحد ، كما أن ادانة الأخطاء التاريخية للوطن لا تتعارض مع الوطنيه ، ومن ناحية أخري فإن تعدد الرؤي وتنوع الأفكار في تحليل التاريخ تولد أفكارا جديدة وهو ما يعرف بالعصف الذهني أو بحسب تعبير الأستاذ صلاح عيسي طقش الأدمغة وكم من الأحداث التي يذخر بها تاريخنا الحديث منه والقديم تحتاج لتناول درامي حر متنوع الطرح يحترم الحقيقة التاريخية ولكن ينظر اليها من زوايا مختلفة .دمحمد علي مخلص

جريدة القاهرة في 8 يناير 2008