كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

سينما الويسترن خلال نيف وقرن من البدايات والتألق والأفول والعودة

الصورة الأبلغ لأميركا المقسومة بين الخير والشر والواقع والأسطورة

ريما المسمار

قد يبدو الحديث عن سينما الويسترن قديماً او غير مبرر في مطلع العام 2008. ولكن لاستعادتها اليوم أكثر من سبب. الاول احتفالها بمرور مئة وعشرة اعوام على بداية تشكلها وظهور ملامحها الاولى تحديداً في العام 1898 بفيلم توماس اديسون CRIPPLE CREEK BARROOM. الا ان هناك اجماعاً على اعتبار فيلم ادوين س. بورتر "سرقة القطار الكبرى" THE GREAT TRAIN ROBBERY شريط الويسترن الاول في تاريخ السينما وبرونكو بيلي اندرسن اول بطل كاوبوي على الشاشة عام 1903. مئة وخمس سنوات اذاً منذ "سرقة القطار الكبرى" بل ان المناسبة تتعدى سنة الانتاج الى ظهور الفيلم حيث عُرض في شهر كانون الثاني تحديداً قبل مئة وخمسة أعوام. اما السبب الثاني فهو ان العام 2007 أعاد إحياء الويسترن كما حدث دائماً خلال العقود الثلاثة الماضية حيث أُنجز عدد من الافلام من ذلك النوع التي مازال تأثيرها مستمراً حيث ان بعضها يتصدر لائحة ترشيحات الكرة الذهب كما يُتوقع ان يتصدر لائحة ترشيحات الاوسكار مثل شريط الاخوين كوين No Country for Old Men.

الويسترن

"الويسترن" او "الغربيَّة"، بحسب الترجمة العربية، تسمية تُطلق على الروايات التي تصور الحياة في الاقاليم الغربية الاميركية. و"الغربي" هو الفيلم السينمائي او التلفزيوني الذي يقدم هذه الصورة على الشاشة. اصطُلح على تسمية هذه الافلام "الويسترن" او "افلام الغرب القديم". يمكن اعتبار "الويسترن" النوع الاول والاساسي في صناعة الفيلم الاميركي، وهو يقوم على مديح يشوبه حنين الى الايام الخوالي لاميركا الشاسعة الشرسة. وهو ايضاً اكثر الانواع السينمائية استمرارية وتشعباً وتأصلاً بالتاريخ الاميركي بما هو مزيج من الواقع والخيال. تمحور الويسترن حول "الغرب الاميركي" او "الغرب القديم" وهو ما يُعرف بالمناطق الواقعة غربي نهر الميسيسيبي شمالي اميركا. وتناولت افلام الويسترن احداثاً جرت بمعظمها في القسم الاخير من القرن التاسع عشر (1865­1900) في مناطق الغرب ذات الطبيعة الريفية والاراضي الشاسعة الممتدة. ولكن ثمة تعريف اشمل للغرب الاميركي هو مزيج الواقع والاسطورة للمنطقة الاميركية الممتدة غربي نهري الميسيسيبي وميزوري ابان القرن التاسع عشر وكل ما اتصل بها في الماضي والحاضر. انه ليس مكاناً او زماناً محدداً بل حالة ذهنية عامة.

في كتابه "الارض العذراء: الغرب الاميركي كرمز واسطورة" VIRGIN LAND: THE AMERICAN WEST AS SYMBOL AND MYTH الصادر عام 1950، يعتبر هنري ناش سميث ان الاسطورة تتجلى بقوتها العظمى في السينما. لعل واحداً من الاسباب التي اسهمت في تحول "الغرب القديم" اسطورة هو ان السينما غذتها من خلال مجموعة عناصر. ولكن السبب الاول هو ان بدايات افلام الويسترن تقاطعت مع نهايات الغرب الاميركي. بمعنى آخر، توفرت عناصر الاسطورة منذ البداية حيث اصبحت السينما شاهدة في شكل ما على ذاكرة تتهاوى ومسؤولة عن تسجيلها وحفظها. بهذا المعنى، تبرز سينما الويسترن كنوع سينمائي فريد شهده القرن العشرون لاقترابه الزمني والجغرافي من التاريخ الذي يتحدث عنه. يعزز هذا الاحساس ان بدايات سينما الويسترن قامت على عنصر هام هو تمويه الحد الفاصل بين التاريخ والاسطورة من خلال استعانتها برعاة بقر حقيقيين لادوار تمثيلية، وخارجين على القانون كمخرجين ومناظر طبيعية كديكورات للافلام. كان ذلك في السنوات الاولى من عمر سينما الويسترن، قبل دخول الصوت الى السينما. من دون ان تقصد، تحولت السينما الصامتة الوسيط الانسب لافلام الويسترن لانه بغياب الصوت، كانت الغلبة للحركة التي تشكل الاساس في هذا النوع. ولكن يجمع مؤرخون ونقاد سينمائيون على ان توقيت ظهور هذه الافلام، اي العقد الاخير من القرن التاسع عشر، اسهم في شكل اساسي في تشكيل الاسطورة. فالجمهور الاميركي في تلك المرحلة كان في معظمه من المهاجرين الجدد المفتقدين التاريخ الذي يربطهم بارضهم الجديدة. عن هذا، كتب الشاعر الاميركي فاتشل ليندساي العام 1915 محللاً علاقة المتفرج بافلام الويسترن:

"هو يشاهد اناساً غرباء (على الشاشة) فيبدأ بملاحظة كيف يشبهونه؛ يرى شجاعة وطموحاً وصراعاً فيبدأ بفهم نفسه. يأتيه الاحساس بأنه شقيق (اولئك على الشاشة) في سلالة تقودها احلام كبرى."

البدايات

قبل افلام الويسترن، وُجدت رواية الويسترن اذا جاز التعبير التي سُميت "دايم" DIME اي "روايات العشر السنتات" في اشارة الى قيمتها الادبية المعدومة ومع احتفاظها بعنصر الاثارة. في بداياتها، كانت افلام الويسترن امتداداً لهذه الروايات التي كانت في معظمها تصويراً رومنطيقياً لشخصيات واقعية مثل وايت ايرب ووايلد بيل هيكوك وبافالو بيل كودي وآخرين. اللافت ان اولئك شاركوا في صناعة النوع من قريب او من بعيد حتى ان جون فورد كان يستعين بايرب مستشاراً في افلامه. برغم ان محاولات من طراز "عروض الغرب المتوحشة" و"رقصات الشبح الهندي" ظهرت في اواخر القرن التاسع عشر، الا ان "سرقة القطار الكبرى" الذي اطلق العام 1903 اعتُبر الويسترن الاول الذي فتح الباب امام نوع سينمائي قُدِّر له ان يعيش دائماً. السبب الرئيسي وراء ذلك هو تقديم شريط بورتر الاسلوب السردي للمرة الاولى في تاريخ السينما مما اكسبه لاحقاً لقب "ابو الفيلم القصصي". خلال عشر دقائق هي مدة الفيلم وأربعة عشر مشهداً، قدم الفيلم العناصر الاساسية لسينما الويسترن: المناطق الغربية كمسرح للاحداث، الطيبين، الاشرار، السرقة، المطاردة... في المشهد الاخير من الفيلم، قدم بورتر اللقطة القريبة (CLOSE-UP) للمرة الاولى لرجل (جورج بارنز) يحمل سلاحاً ويصوبه باتجاه الكاميرا، اي الجمهور، ويطلق النار. حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً ودخل بعض مشاهده فولكلور الويسترن كالرجل الذي يرقص بينما يُطلق الرصاص بين رجليه. لا بد هنا من الاشارة الى ان التطور في الجانب التكنولوجي الذي شهدته صناعة السينما بين 1902 و1903 تحديداً هو الذي سمح بظهور السرد في السينما. قبل هذا العام، لم يتجاوز طول الفيلم الخام الخمسين قدماً في حين ان المخرج كان يحتاج الى الف قدمٍ ليتمكن من تقديم خمس عشرة دقيقة من السرد. بالفعل، فإن العام 1902 شهد هذا التطور. شريط بورتر كان حجر اساس في السينما من نواحٍ عدة: استخدام بطاقات لتقديم اسماء العاملين في الفيلم، اللقطة المتحركة افقياً (PAN-SHOT)، المونتاج. حتى ان احد ممثليه ­جيلبرت اندرسن­ اتخذ لنفسه في ما بعد اسم برونكو بيلي اندرسن واصبح بطل الويسترن الاول جامعاً معادلة الطيب­الشرير في آنٍ معاً. تكرست افلام الويسترن وتدافع المنتجون لتبنيها فكان توماس اينس المنتج الاول الذي يحتضن النوع والمسؤول عن اكتشاف وتشجيع المنتج والمخرج ويليام س. هارت من خلال افلام من نوع "مفاصل جهنم" HELL'S HINGES (1917) و"العربة الضيقة" THE NARROW TRAIL (1917). مع الانتقال الى كاليفورنيا وبداية تشكل هوليوود، استفاد الويسترن وحقق دفعة الى الامام. لم يكن ذلك بمستغرب إذ ان النجاح كان مقدراً له. فهو يستعين بالاماكن الطبيعية، يقوم على حبكة بسيطة وحركة، يقدم شخصيات حقيقية وتاريخاً حديثاً. غير ان مساهمات د. دبليو غريفيث بافلام مثل "آخر قطرة ماء" (1911) ولاحقاً "مولد امة" (1915) الذي تسبب بوضعه في خانة العنصرية الى افلام سيسيل ب دو ميل لاسيما THE SQUAW MAN (1914) ولاحقاً جايمس كروز بـ THE COVERED WAGON (1923) وجون فورد بـ THE IRON HORSE (1924)، هذه الافلام هي التي عززت الويسترن وجعلته قبلة المخرجين وجواز دخولهم الى السينما. من المفيد القول ان THE COVERED WAGON كان الفيلم الاغلى كلفة في فترة السينما الصامتة، بلغت موازنته 800 الف دولار ولكنه حقق اربعة ملايين على شباك التذاكر.

الويسترن الناطق

شهدت اواخر العشرينات انتاج اول فيلم ويسترن ناطق، او ما اصطُلح على اعتباره اول فيلم ناطق انتجه استديو كبير هو فوكس. انه "في اريزونا القديمة" (1928) لراوول والش الذي جلب جائزة الاوسكار الاولى للويسترن ذهبت الى بطله وارنر باكستر في دور "سيسكو كيد" وافقد المخرج احدى عينيه. العام التالي شهد ويسترن آخر ناطق هو "الفيرجيني" THE VIRGINIAN (1929) لفيكتور فليمينغ الذي قدم غاري كوبر. في العام نفسه، قدم والش THE BIG TRAIL مع جون واين في دور البطولة ولكن الفيلم لم يحقق نجاحاً يُذكر. في العام 1931، خرج CIMARRON لمخرجه ويزلي ريغلز مصوراً باسلوب ملحمي التدفق السكاني الذي شهدته اوكلاهما وبانتاج ضخم تطلب مئات الكومبارس. حاز الفيلم اوسكار افضل عمل وبقي الويسترن الاوحد الفائز بالاوسكار حتى التسعينات من القرن الماضي التي شهدت فوز فيلمين ويسترن معاصرين بالجائزة، "الرقص مع الذئاب" DANCES WITH WOLVES (1990) لكيفن كوسنر وUNFORGIVEN (1992) لكلينت ايستوود. كان من الطبيعي ان يشهد الويسترن تراجعاً في عقد الثلاثينات في فترة الكساد الاقتصادي وصعود الفاشية في اوروبا التي حولت الاهتمام الى موضوعات اكثر آنية وجدية. تراجعت الانتاجات الضخمة مما افسح المجال امام افلام الدرجة الثانية B-MOVIES والتي بدورها شكلت مسرح تجارب لممثلين مبتدئين آنذاك مثل جون واين. لم يخلُ هذا العقد من الافلام الجيدة ومن افراز النجوم. والاس بيري كان واحداً من النجوم الذين ظهروا في تلك الآونة بفيلم VIVA VILLA (1934) وباربرا ستانويك بفيلم جورج ستيفنز ANNIE OAKLEY (1935) وراندولف سكوت في الاقتباس الاول لجايمس فانيمور كوبر THE LAST OF THE MOHICANS (1936). كذلك قدم دو ميل افلاماً عدة اشهرها THE PLAINSMAN (1936) مع غاري كوبر وUNION PACIFIC (1939).

ملامح عامة

اكتملت في هذه المرحلة الملامح العامة المشتركة لافلام الويسترن وابرزها:

* في المكان: البراري الشاسعة الجرداء هي مسرح الاحداث.

* في الموضوع: محاولة الابطال الاستيلاء على البراري واخضاع الطبيعة باسم المدنية او مصادرة اراضي السكان الاصليين المتاخمة للحدود.

* في الامكنة: تظهر في معظم افلام الويسترن بيوت المزارع، السجن، الحصن المهجور، شارع البلدة الصغير الرئيسي، شجرة الاعدام، المقامرون، المومسات...

* في الحبكة: هناك دائماً في معظم افلام الويسترن حبكة كلاسيكية تقوم على صراع الاضداد مثل: الطيب ضد الشرير، الفضيلة ضد الرذيلة، القبعة البيضاء ضد القبعة السوداء، الوافدور الجدد ضد السكان الاصليين، الانسانية في مواجهة الطبيعة، المدنية ضد التوحشية وغيرها.

* في الاحداث: غالباً ما تتضمن القتل، المجازر، سرقة المصارف...

* في الشخصيات: البطل في الويسترن هو رجل قانون او شرطي او مزارع او راعي بقر او عسكري او مبارز محترف ومن صفاته الشجاعة والقوة والقسوة والتمسك بالمبادىء والمهارة في القتال والتفرد بطريقة اللبس والاكل والمشي والكلام . وهو يجد نقيضه في البطل الشرير.

على امتداد تاريخها، اثارت افلام الويسترن نقاشاً حاداً بسبب الصورة السلبية التي قدمتها عن الهنود او ما يُعرف بالسكان الاصليين. يقول احد النقاد: "ببساطة، احتاج الويسترن تهديداً ما ليشرّع وجوده." يبدو انه وجد هذا التهديد في الهندي الذي قُدم غالباً في صورة المتوحش المتعطش الى الدماء. كان من اثر ذلك ان تم التغاضي عن المجازر التي ارتُكِبت في حق الهنود بتحولهم من خلال الويسترن رمزاً للشر يجب القضاء عليه. تبقى هذه الناحية مقلقة من دون اجابة بالنسبة الى هواة الويسترن سيما ان احد ابرز صناعه، جون فورد، غير بريء من التهمة. تغيرت النظرة قليلاً الى الهنود في فترة الستينات الاكثر ليبرالية حيث تحولت العنصرية مادة نقاش لعدد من الافلام وحيث بدأت اسطورة الغرب تتفكك والشخصيات المنمطة تتغير. ولكن الفيلم الذي ضرب عرض الحائط بكل ما سبقه من حيث صورة الهنود كان شريط كيفن كوسنر DANCES WITH THE WOLVES (1990) الذي اختار الهندي لدور البطل الطيب. وتجدر الاشارة الى انه في المرحلة الاولى للويسترن، لعب ممثلون بيض ادوار الهنود بينما كان الاخيرون يظهرون ككومبارس في الافلام. ولكن حتى قبل ذلك، برزت محاولات قليلة خارج النمط منها فيلم سام فولر RUN OF THE ARROW (1957) مع رود ستايغر في دور جندي سابق، يلتجىء الى قبيلة هندية ويقع في حب احدى نسائها. حتى جون فورد حاول في آخر فيلم له CHEYENNE AUTUMN (1964) ان يقدم نظرة متسامحة عن الهنود. واذا كان الهنود هم الاشرار الذين يتوجب على بطل الويسترن منازلتهم، فإن المرأة هي في معظم افلام الويسترن الدافع بما تمثله من تجسيد لمبادىء الحب والتسامح. بعض الافلام قدم المرأة كخلاص للبطل كما في "مفاصل الجحيم" (1916). ولكن السمة الغالبة للمرأة في الويسترن هي ربة المنزل، وان كانت بعض الافلام خرجت عن هذه الصورة بتقديمها المرأة شرطية مثلاً كما في daring days او وزيرة كما في gallopihng gallagher او مقاتلة تخضع الاشرار كما في arizona cat claw. نادراً ما لعب الرجل والمرأة دورين متساويين في الويسترن. فالاخير هو في تعريفه الشامل تعبير عن علاقة الرجل بكل ما يحيط به من ارض وطبيعة وحيوانات ورجال ونساء بطبيعة الحال.

"المدرب": محطة

مع نهاية العقد الثالث من القرن العشرين، عاد الويسترن الى الصدارة وكانت الفاتحة بفيلم جون فورد العلامة "المدرب" STAGECOACH العام 1939 الذي، الى جانب فيلم هنري كينغ JESSE JAMES، اعاد احياء الويسترن واصبح في ما بعد من كلاسيكيات سينما الويسترن. اعتُبر الفيلم عاملاً مؤثراً في سينما الويسترن على اصعدة عدة وكان الاول الناطق لمخرجه مع جون واين في الدور الاساسي. مع هذا الفيلم، عاد الويسترن الى الدرجة الاولى. يُذكر الفيلم باعتماده نفساً ملحمياً وتركيزه على الشخصيات والمزاج العام واستخدامه حوارات ذكية بين الابطال وتقديم ديكورات متجددة واكشن متقن في واحد من ابرز مناطق الغرب الاميركي "مونيومنت فالي". جعل الفيلم من واين نجماً على الرغم من انه استغرق عقداً آخر ليصل الى النجومية المطلقة. في العام نفسه، انجز فورد YOUNG MR. LINCOLN مع هنري فوندا وفي العام التالي DRUMS ALONG THE MOHAWK مع فوندا ايضاً وكلوديت كولبرت. الى واين، برز نجم ايرول فلين من خلال ثلاثة افلام لمايكل مورتيس: DODGE CITY (1939)، VIRGINIA CITY (1940) وSANTA FE TRAIL (1940) الذي ظهر فيه رونالد ريغن بدور الجنرال كاستر. شاركته البطولة النسائية في هذه الافلام اوليفيا دي هافيلاند. حتى الاربعينات، عكست افلام الويسترن البراءة النسبية لتلك المرحلة وتعززت فيها الشخصيات المنمطة وجانب الاسطورة. غير ان الاربعينات دفعت بالويسترن الى تخوم اكثر جدية. للمرة الاولى منذ بروز النوع، دخل الجنس عاملاً رئيسياً كما في فيلمي OUTLAW وDUEL IN THE SUN. اخرج الاول هاورد هيوز واشتهر الفيلم بتقديمه صوراً قريبة لصدر جاين راسل نصف العاري. اعتُبر الفيلم وقتذاك جريئاً وتأجل عرضه سنتين حتى العام 1943 ولكن بعد عشرة ايام سحبه المخرج ووضعه على الرف حتى العام 1946 حيث عُرض بعد حذف بعض المشاهد. اما الثاني فقد اخرجه كينغ فيدور العام 1946 وتناول قصة حب ثلاثية ابطالها جينيفر جونز وجوزيف كوتن وغريغوري بيك. الى الجنس، وجدت عناصر الـ FILM-NOIR طريقها الى الويسترن في اواخر الاربعينات والخمسينات. ابرز مثالين هما PURSUED (1947) لراوول والش مع روبرت ميتشوم في دور شاب يبحث عن قتلة والده وBLOOD ON THE MOON (1948) لروبرت وايز. خلال الخمسينات، برزت سلسلة افلام "ويسترن نوار" اخرجها انتوني مان ولعب بطولتها جايمس ستيوارت واتخذت منحىً نفسياً تحليلياً لم يعهده النوع من قبل. ركز مان في هذه الافلام الثمانية على موضوعات الانتقام والوحدة والعذاب والضياع التي تجتمع في شخصية المنتقم. من هذه الافلام WINCHESTER '73 (1950)، BEND OF THE RIVER وTHE NAKED SPUR (1952)، THE FAR COUNTRY وTHE MAN FROM LARAMIE (1955). بقي جون فورد في مساحته الرومنسية مع افلام من نوع MY DARLING CLEMENTINE (1946).

بين 1948 و1956، قُدِّمت افلام ويسترن مميزة ناضجة: RED RIVER (1948) لهاورد هوكس مع واين؛ THE GUNFIGHTER (1950) مع غريغوري بيك؛ HIGH NOON (1952) لفريد زينمان مع كوبر الذي تناول في الخلفية قصة نشاط الجمعية الاميركية ضد الاشتراكية؛ SHANE (1953) لجورج ستيفنز مع آلان لاد؛ ثلاثية جون فورد الفروسية FORT APACHE، SHE WORE A YELLOW RIBBON وRIO GRANDE. اختتم جون فورد هذه الحقبة الذهبية بفيلمه THE SEARCHERS (1956) الذي يعتبره بعضهم اعظم فيلم ويسترن مع واين في دور ايثان ادواردز الباحث عن ابنة اخيه التي خطفها الهنود. تجدر الاشارة الى ان واين بهذا الفيلم اعاد الويسترن الى سابق عهده إذ نُقل عنه انه كره ليبرالية HIGH NOON ولكنه مع ذلك قدم الاوسكار الى غاري كوبر.

الافول

واجه الويسترن تحديات جديدة في مطلع الستينات. بدأ نجومه الكبار من امثال واين وكوبر وستيوارت يشيخون وسرق التلفزيون الذي اجتذب افلام الدرجة الثانية وانتج سلسلات ويسترن عدداً كبيراً من جمهور الافلام. غير ان فيلماً واحداً استطاع ان يقلب المعادلة. انه THE MAGNIFICENT SEVEN لجون ستورجز المأخوذ عن THE SEVEN SAMURAI (1954) للياباني اكيرا كوروساوا. جمع الفيلم يول برينر في دور البطولة الى ستيف ماكوين، جايمس كوبورن، تشارلز برونسون، روبرت فون، هورست بولتشولز وبراد دكستر وحقق نجاحاً كبيراً في اوروبا مبرهناً ان بإمكان الويسترن ان يتوجه الى جمهور عالمي. في هذا الوقت، كان سام بيكينباه ينعى الغرب الاميركي اولاً في RIDE THE HIGH COUNTRY (1962) مع جويل ماكريا وراندولف سكوت الذي اعتُبر مشهده الاخير اعلاناً صريحاً لموت الغرب حيث يقول ماكريا: "كل ما اريده ان ادخل بيتي بريئاً." وثانياً وبشكل صريح في فيلمه الآخر THE WILD BUNCH (1969). بمشاهد المعارك المبطأة وبدمويته وعنفه، مهد الفيلم لافلام الجرائم المدينية ومعارك السلاح في الازقة التي ظهرت في السبعينات. حتى ان بعضهم اعتبر فيلم بيكينباه رمزاً لحرب فييتنام. في هذه الاثناء، توجهت الانظار الى ويسترن الايطالي سيرجيو ليوني التي اطلق عليها "سباغيتي ويسترن" مع كلينت ايستوود التي انجزت منتصف الستينات ولكنها لم تُعرض في اميركا حتى العام 1967. ادخل ليوني بعض التعديلات على الويسترن اولها الاسلوب الاوروبي الاعنف والاقسى في تصويره الحياة في الغرب، ثم الموسيقى من اينيو موريكوني وبالطبع النجم التلفزيوني كلينت ايستوود في هيئة البطل المغامر الساخر والمقاتل الذي يمضغ السيكار. على الرغم من ان هذه الافلام نزعت الهالة الاسطورية عن الويسترن، الا انها اعادت احياء النوع حتى اواخر الستينات. من هذه الافلام: A FISTFUL OF DOLLARS (1964)، FOR A FEW DOLLARS MORE (1965)، THE GOOD, THE BAD AND THE UGLY (1966). الا ان ابرز افلام ليوني هو بحكم كثيرين ONCE UPON A TIME IN THE WEST (1969) مع هنري فوندا في دور البطل الشرير الذي لم يكن قد جسده من قبل. في العام نفسه، قدمت هوليوود BUTTCH CASSIDY AND THE SUNDANCE KID بمزيج من المديح للغرب والواقعية. الا ان الدور الحقيقي لعبه ايستوود الذي بدا البديل لجون واين. بعد عمله في التلفزيون لسبع سنوات، انتقل الى اميركا حيث لعب ادوار البطولة في HANG THEM HIGH (1968) لتيد بوست وفي COOGAN'S BLUFF (1968) لدون سيغل قبل ان يصبح مخرج ويسترن بفيلم HIGH PLAINS DRIFTER (1973) الذي احيا فيه صورة البطل التي جسدها في الـ "سباغيتي ويسترن". افلام اخرى تبعت من ايستوود ابرزها THE OUTLAW JOSEY WALES (1976) وBRONCHO BILLY (1980) وPALE RIDER (1985). بعد محاولة واين الاخيرة في الويسترن من خلال THE SHOOTIST، بدا ايستوود الوحيد القادر على حمل الويسترن حتى العام 1985. بالطبع، لم يعد الويسترن على حاله حتى مع ايستوود سيما من حيث انتاجه باعداد ضئيلة. ولكن يمكن الجزم بأنه لم يذوِ ابداً. فما ان بدا انه غاب تماماً، حتى جاءت التسعينات حاملة DANCES WITH WOLVES وUNFORGIVEN وكلاهما حاز اوسكار اً لافضل فيلم. منذ ذلك الحين، غاب الويسترن من دون ان يختفي اثره من افلام كثيرة مبرهناً انه متأصل في الروح الاميركية وفي التقليد السينمائي الاميركي فكان هناك MAVERICK (1994) في اطار كوميدي وTHE WILD WILD WEST (1999) وSHANGHAI NOON (2000) مع جاكي شان في محاكاة ساخرة لجون واين. ومع مطلع الالفية الجديدة، كرر كوسنر التجربة مع Open Range ولكن آنغ لي هو الذي أعاد المصطلح الى التداول بقوة العام 2005 مع فيلمه الفائز بجوائز عدة Brokeback Mountain وكذلك تومي لي جونز بباكورة أفلامه كمخرج The Three Burials of Melqiades Estrada في العام نفسه. اما العام 2007، فقد حمل مجموعة أفلام ويسترن: Seraphim Falls لدايفيد فون آنكن، 103 To Yuma لجايمس مانغولد مع راسل كرو وكريستيان بايل، The Assassination of Jesse James by the Coward Robert Ford لأندرو دومينيك مع ليوناردو ديكابريو وكايسي أفليك وNo Country for Old Men لايثان وجويل كوين مع تومي لي جونز وخافيير بارديم. باستثناء محاولات ايستوود وكوسنر الاقرب الى الوفاء للويسترن، تعالج الافلام الاخرى الويسترن من وجهة نظر مختلفة وربما تتخذ منه حجة للحديث على العلاقات والعزلة والشخصيات المتفردة.

 

ابرز مخرجي الويسترن

جون فورد:

من اكثر المخرجين الذين التصقت اسماؤهم بالويسترن. وكان يؤكد ذلك في كل مرة يعرّف عن نفسه إذ اشتهر بالقول: "اسمي جون فورد. اصنع الويسترن." اخرج فورد بعض افضل افلام الويسترن على الاطلاق الى عدد من الدرامات الاجتماعية. من مميزاته انه امتلك نظرة شعرية وجمع بين اسطورة الغرب القديم وبين التاريخ الاميركي محتفياً بعظمة الاخير. من افلامه غير المذكورة في المقالة: "عناقيد الغضب"، "كم كان واديَّ اخضر"، "طريق التبغ"، "سيد العربة" وغيرها.

انتوني مان:

يعتبره النقاد بأنه مخرج الويسترن المغبون الذي لم ينل حقه من الاعتراف. شكل ثنائياً مع الممثل جايمس ستيوارت في سلسلة افلام ويسترن قدمت البطل في صورة مغايرة اكثر حدة وسوداوية، يسكنه هاجس من ماضيه. الا انه كان يجد الخلاص في النهاية. من اعماله: "المشادات"، "المدينة البعيدة"، "رجال في الحرب"، "رجل الغرب".

سام بيكينباه:

ولد الويسترن المشاغب كما لُقِّب. بدأ عمله في التلفزيون في سلسلات الويسترن قبل ان ينتقل الى السينما بفيلمه الناجح ride the high country العام 1962. كان موضع نقاش بين مخرجي جيله والنقاد بسبب افلامه التي لمّحت الى موت الغرب. وكان الى جانب سيرجيو ليوني الرجل الذي احيا الويسترن في اواخر الستينات. برغم ان افلامه الاخيرة قدمت العنف، الا انه في الصميم اعتُبر خلف جون فورد. من افلامه: "اجلب لي رأس الفريدو غارسيا"، "كلاب تائهة"، بات غارنيت وبيلي الولد".

سيرجيو ليوني:

اعاد احياء الويسترن منتصف الستينات وقدم رمزاً جديداً بعد موت القدامى او تقدمهم في السن هو كلينت ايستوود. تأثر بجون ستورجز، سيما بفيلمه "السبعة الرائعون". ألهمته موسيقى اينيو موريكون وحققت افلامه جماهيرية كبرى. هواة النوع التقليديون كانوا اقل تأثراً بافلامه الى ان قدم "حدث ذات مرة في الغرب" مع هنري فوندا، تشارلز برونسون وكلوديا كاردينالي الذي صوره في مونيومنت فالي. في تحليل كثيرين، وضعه هذا الفيلم على طريق جون فورد الذي كان على اي مخرج ويسترن ان يسلكه.

 

ابرز نجوم الويسترن

جون واين:

ممثل حاز شهرة بمقاييس خرافية وساهم في بلورة الويسترن بشكل حقيقي وفاعل. مع stagecoach، زُعلنت ولادته كنجم الا ان تكريس النجومية استغرقه عشر سنوات اخرى. بعدها، لم يكن شيء ليوقفه ابداً. حتى جون فورد صاح بعد مشاهدته "النهر الاحمر" لهاورد هوكس الذي لعب واين بطولته: "لم اكن اتصور ان ابن السافلة قادر على مثل هذا الاداء!"

غاري كوبر:

من ممثلي الويسترن الاوائل، انطلق بفيلم the virginian من اخراج فيكتور فليمينغ وجسد لثلاثة عقود متتالية شخصية البطل النزيه بمشيته البطيئة ولكنه قدم ايضاً ادواراً في افلام كوميدية. ابرز افلامه high noon الذي قدمه في شخصية اعمق.

جايمس ستيوارت:

قبل العام 1950، كان ستيوارت قد ظهر في فيلم ويسترن يتيم هو destry rides again. بعيد الحرب العالمية الثاني، قرر ان يغير صورته. وجد ضالته في افلام المخرج انتوني مان الذي منحه فرصة ان يتحول من البطل اللطيف الى هستيري عنيف. الا انه نضج تماماً مع افلام فورد في الستينات.

هنري فوندا:

استطاع ان يقدم النقيضين: البطل النزيه الطيب والشرير القاسي. برع في الاثنين وكلا الدورين بقي في ذاكرة السينما. دوره كراعي البقر في the ox-bow incident، اعاد الى الاذهان حادثة من طفولته حيث شهد بالفعل اعدام احدهم. دور القاتل في "حدث ذات مرة في الغرب" لا يقل اهمية.

كلينت ايستوود

آخر رموز الويسترن من دون شك، حمل على كاهله اعادة احياء النوع في اواخر الستينات والسبعينات واعتُبر الخلف لفورد وواين في جمعه الاخراج والتمثيل في آنٍ معاً. نال شهرته الاولى من عمله مع سيرجير ليوني، قبل ان ينتقل الى اميركا ومن ثم ينجز افلامه الخاصة. فيلمه الويسترن الاخير unforgiven يُعتِبر خاتمة الويسترن وآخر افلامه الكبيرة في القرن العشرين. حتى فيلمه قبل الاخير space cowboys لم يخلُ من تأثير الويسترن.

المستقبل اللبنانية في 4 يناير 2008