هذه دورة ليو كاراكس. ككل شخصية استثنائية، لم ينل الإبن المخرّب
للسينما الفرنسية الاجماع. لكننا نعتبره الوجه الأحبّ لهذه الطبعة التي
انتهت مساء أمس. فيلمه "هولي موترز" الذي يعيده الى كانّ بعد 13 عاماً من
الاعتكاف المقصود، ثورة بصرية، فكرية وفنية. دائماً مع شريكه المخلص قبالة
الكاميرا: دوني لافان. تسع شخصيات يتقمصها السيد أوسكار هذا. لافان يمضي
وقته يلبس قميص هذا وينزع بنطلون ذاك. ليموزين بيضاء تقوده من مكان في
العاصمة الى آخر بهدف الذهاب الى ما يسمّيه مواعيد. يسأل السائقة سيلين:
"ألن نذهب الى الغابة هذا الاسبوع؟". "لا، سيدي، ليس هذا الاسبوع". يمضيان
في طريقهما الى عتمة الليل. انهما على عجلة دائماً. ثم يفتح أوسكار باب
السيارة البيضاء ويترجل: ها انه صار مستعداً لخطف عارضة (ايفا منديس) اسمها
ككل أم (اختصار لكايت موس) من مقبرة الأب لاشيز، أو ليرقص رقصة مع فتاة
افتراضية أمام شاشة خضراء. إياكم أن تسألوا عن الرابط بين الحوادث. لسينما
كاراكس منطقٌ خاص معطِّل للمنطق. مشهد الافتتاحية وحده كفيل ترتيب الأجواء:
رجل نائم في غرفة ينهض فجأة، ليجد باباً في غرفته يفضي الى صالة سينما
مليئة بالأشباح. هذا الرجل يضطلع كاراكس بدوره. نعم، مَن أكثر منه يعرف
مخاطبة أشباح الماضي والحاضر؟
"هولي موترز"، فيلم يحفل بالاحالات على أفلام كثيرة، منها أفلام
لكاراكس نفسه، التي شهدت دائماً مخاضات صعبة: جسر الـ"بون نوف" بادٍ في
مطلع الفيلم، وموسيو خراء
(Monsieur merde)
يعود ليطل مجدداً، وهناك الكثير والكثير مما يشي
بأننا أمام فيلم وفي داخله، أو حتى في شرايينه. انه تحية خالصة الى لسينما.
سائقة السيارة سيلين (اديت سكوب) هي الأخرى هنا لأسباب سينيفيلية: فهي بطلة
"عينان بلا وجه" لجورج فرانجو، وهذا هو الفيلم الذي يقول عنه كاراكس بأنه
ألقى بظلاله على "هولي موترز". هناك ايضاً الحوارات، القليلة والغريبة في
الحين نفسه. تسأل سيلين بطلنا: "هل أنت مريض؟". يرّد عليها: "اعتقد ان
البرد اصابني عندما قتلتُ مدير المصرف قبل لحظات". هذا فيلم يداعب الغرابة،
في الاتجاه المعاكس للشعر، ولد نتيجة عدم قدرة كاراكس على تحقيق مشاريع كان
يطمح اليها. انه هدية المهرجان، هدية تنتشلنا من انعدام الخيال الذي يعاني
منه معظم السينمائيين، وتنتشلنا من واقع مزرٍ يسعى الى عقلنة الفنّ وتحويله
بزنساً لأرباب الاقتصاد.
يأخذنا "هولي موترز" الى الحدود الأبعد للممكن. في الجريمة يحاول الا
يكون عادياً بل أن يكون مبدعاً، ساعياً الى ايجاد طرق مختلفة للقتل. انه
"جمال المبادرة"، كما أعلن كاراكس. عندما يسأله ناقد عتيق مَن غير دوني
لافان كان استطاع تجسيد "موسيو خراء"، يأتيه جواب عبثي: تشارلي شابلن، بيتر
لوريه، ميشال سيمون... باختصار، الابن الروحي لجان كوكتو يحصر الجميل
والوحش في جسد واحد، راسماً بورتريهاً شخصياً لنفسه وفنه من خلال الاحتفاء
بالغرابة والتهميش الاجتماعي.
■■■
"على الورق، كان المهرجان أكثر إغراء"، ردّد البعض في الأيام
الأخيرة التي سبقت الختام. آخرون استنتجوا ان "هناك تراجعاً قياساً الى
العام الفائت". نصف رضى أم نصف خيبة؟ الأمر يتوقف على ما كنا نتوقعه من هذه
الدورة الخامسة والستين للموعد السينمائي الشهير، الذي يعيد الكثير من
الأسماء المعروفة الى الواجهة. كثر، كانوا باشروا لعبة الترجيحات، كما جرت
العادة عشية اسناد "السعفة". في هذا المجال، تقدمت بعض الأفلام على غيرها.
هنا، ينبغي التذكير بأن ذوق ناني موريتي كان صعباً تداركه، كونه صاحب رأي،
كثيراً ما يكون راديكالياً. في الأخير، هذا "إبن" بازوليني. يكفي أن نعود
الى فيلم "دفتر يوميات" (1993)، كي نكتشف ما موقفه المعلن من بعض الأفلام
التي تكثر من استعمال صيغة الجمع. مهما يكن مستوى الدورة، فهي في معظم
الأحوال انعكاسٌ للعالم وما يحصل فيه. والفنّ جزء من هذا العالم. في
النهاية، يمكن القول انه، من اصل 22 فيلماً في المسابقة الرسمية، هناك، وفق
تقويمنا، 11 فيلماً بين التحفة والممتاز والجيد. هذا يشكل نصف المسابقة.
اما النصف الآخر منها، فبين العادي والسيئ والسيئ جداً (مراجعة الاطار
المخصص لأفلامنا المفضلة).
من الأفلام التي تساءلنا عن مسوّغات وجودها في هذا المكان: "بعد
الظلمات النور" لكارلوس ريغاداس، الذي كان سبق أن أدهشنا بأفلام من مثل
"يابان" (2002)، "معركة في السماء" (2005) و"نور صامت" (2007). في جديده،
يبدو ان هذا المكسيكي أذعن لمنطق معانقة العالم بأصابعه والتفكير في مصيره،
وهذا مرض يضرب كثراً من المخرجين. فيلمه هذا "مشبوهٌ" وغامض (الغموض هنا
تهمة)، ينزل بنا الى عوالم مبهمة تماماً، على الرغم من الافتتاحية البديعة
التي ترينا فتاة صغيرة تائهة وسط مجموعة أبقار وأحصنة. ثم، يقع مخرجنا
العزيز في اختبارات شكلية تتجسد أولاً في هلوساته التقنية ومقترحاته
المتطرفة التي تصل الى الذروة مع قراره "تغبيش" أطراف الكادر، وجعل الحيز
الواضح للصورة يقتصر على دائرة في وسط الشاشة، عبر استعماله عدسة خاصة تجذب
النظر الى بقعة محددة. هذا الشيء يبلغ حده الجمالي، في أقل من نصف ساعة،
بعدها يتحول المخرج الى مجرد موظف لفكرته. كلمة نور في العنوان، هي الجامع
المشترك مع فيلمه السابق. الجوّ مختلف، هنا السرد يقطع قليلاً مع ماضي
المخرج القادر على الأفضل والأسوأ في الحين نفسه. من القليل الذي نفهمه، ان
الأشياء ليست على ما يرام بين زوجين مقيمين مع ولديهما في الريف المكسيكي.
ما من شكّ يعبر مخيلة ريغاداس حول إمكان أن يكون مخطئاً، ولا يهمه ان يخلق
انسجاماً بين المتتاليات البصرية التي يضعها أمامنا طوال ساعتين، مغلفاً
فيلمه على أسرار كثيرة، وألغاز أكثر.
فيلم آخر، أقل اثارة للازعاج، وضعنا في حيرة: "حصة الملائكة" لكن
لوتش. ماذا يفعل هذا الفيلم الى جانب أعمال كبرى كـ"حبّ" لميشاييل هانيكه
و"هولي موترز" لليو كاراكس و"خلف التلال" لكريستيان مونجيو؟ وحده المدير
الفني تييري فريمو وأعضاء لجنة الاختيارات، قادرون على الاجابة عن هذا
السؤال الذي يُضاف اليه سؤال ثانٍ: لماذا على كل فيلم لكنّ لوتش أن يُعرض
في كانّ؟ ثمة مبالغة في هذا الشأن، خصوصاً ان لوتش بات يقدم اعمالاً باهتة
في السنوات الأخيرة. هذا البهتان أصاب أفلامه الثلاثة الأخيرة: "البحث عن
اريك"، "طريق ايرلندية"، والآن هذا الشريط الذي تجري حوادثه في غلاسكو،
ويضعنا برفقة شاب متزوج، على قدر من الحماقة والسذاجة، دائماً ما يُحال على
المحكمة بتهم صغيرة، لكن هذه المرة يُحكم عليه بتنفيذ اعمال ذات منفعة
اجتماعية. هو وثلاثة من المشاغبين سيعملون تحت ادارة هنري، وسيكتشفون فنّ
تذوق... الويسكي. يتابع لوتش هاجسه الاجتماعي عبر تصوير واقعيّ وحوارات
يتخللها "هيومر" على الطريقة البريطانية، امتداداً لسجلّ سينمائي يتضمن
محطات مهمة في هذا المجال. لكن مع تحول مراهقي "سويت سيكستين" (2002)، الى
شبان مشاغبين، باتت النظرة أقل لؤماً والنهايات مكللة بالبهجة. عن دوافعه،
يقول لوتش: "في نهاية العام الماضي، وصل عدد الشبان الانكليز العاطلين عن
العمل الى مليون. كنا نريد التحدث عن هذا الجيل من الشباب، وانعدام أي
مستقبل للكثيرين منهم". طبعاً، لا غبار على نية لوتش في نقل وقائع يومية
تُظهر قلة الاهتمام لدى السلطات في المملكة تجاه الشباب. انه فيلم مسيّس،
كما كل شيء لدى مخرج "الرياح التي تهز الشعير". لكن، خلافاً لبعض افلامه
الجيدة كـ"اسمي جو" أو "انه عالم حر"، يغطس النصّ (كتابة بول لافرتي) في
تفاصيل الحبكة الدرامية، وهذا يمنع لوتش من تحقيق ذاته السينمائية، فتخلص
النتيجة الى شريط تلفزيوني انتزع منا بعض الضحك المتضامن.
■■■
من ضمن خمسة أفلام أميركية، "بايبربوي" هو أكثرها سوءاً، وايضاً من
أضعف أفلام هذه المسابقة. لي دانيالز (1959) سبق أن أنجز "بريشس" الذي رفعه
بعضهم الى مصاف التحف مستعينين بميل الى المغالاة. لكن مَن كان أكثر حذراً
حيال "موهبة" هذا المخرج، يرى نتيجة حذره مجسدة هنا أمامه، ولا مكان ليخبئ
رأسه من الاحراج. مرة أخرى، لا نفهم جيداً سبب اقحامه في كانّ (في رأيي، لا
يستحق أن يكون لا داخل المسابقة ولا خارجها)، ولا مسوّغ سوى انه من بطولة
حفنة من النجوم الأميركيين: ماتيو ماك كونوغي، جون كيوزاك، ونيكول كيدمان
في دور يجعلها غير معروفة الشكل. الفيلم مفتعل من اوله الى آخره. لا تصدّق
للحظة ان ماك كونوغي مراسل، وان كيوزاك معتقل شرير، وان كيدمان "باربي"
شقراء يثيرها شخص كهذا (كيوزاك)، يناديها بالساقطة ويعجبها ذلك. من الواضح
ان أميركا أواخر الستينات، اميركا العنصرية والمحافظة، لم تلهم دانيالز
الذي بقي تحت سطوة الرواية البوليسية المملة في درجتها الثالثة أو الرابعة.
الفيلم الأميركي "ماد"، يتجاوزه أهمية وصدقاً. المخرج جف نيكولز
البالغ الرابعة والثلاثين عرف كيف يحبك قصة. فيلمه السابق "تايك شالتر"
أحدث مفاجأة العام الماضي، وها انه يدخل حلبة السباق على "السعفة". هذا آخر
فيلم في المسابقة عُرض على الصحافة. عمل سلس، يخرج على الدروب المطروقة، مع
شخصيات كاملة وبخلاصة بصرية تمنح قراءات عدة. انه لقاء بين إليس وماد.
الشاب الآتي من عائلة حيث الوالدان على شفير الانفصال، يتعرف الى مطلوب في
جريمة ارتكبها، كان دافعها الحبّ لفتاة لم تكن مخلصة له. يحصل اللقاء على
جزيرة قريبة من مكان اقامة إليس ووالديه. في ماد، يجد إليس وجه الأبّ
والأجوبة عن كلّ ما كان يختزن وجدانه. علاقة غريبة، فيها نوع من أخوة
وأبوة، ستنشأ بين الاثنين، الى أن تتبلور الأمور في اتجاه التصعيد، فيأخذ
أهل القتيل وعصابته في البحث عن ماد بغية قتله. نيكولز يعرف أين يأخذنا
وكيف يدوزن الفيلم بين لحظة مطاردة ولحظة اطلاق نار ولحظة غرام وعفة بين
مراهقين. يختار الهدوء على زحمة المواقف والوضعيات المتشعبة والمتداخلة، في
هذا الفيلم الذي يثير الاهتمام ولا يقع في السهولة قط.
"على الطريق"، الفيلم المنقول من رواية جاك كيرواك، جاء مخيباً.
هذا الكتاب الذي ظلّ عصياً على الأفلمة، لا تزال الطريق مفتوحة أمامه
لمحاولة أخرى. جرّب والتر ساليس، لكن النتيجة لم تكن مرضية. تحدّى، لكنه لم
يصل الى ربع ما تتضمنه الرواية في الفلسفة الحياتية والوجودية التي
تقترحها. يمكن تناوله كفيلم منفصل عن الرواية، لكن المشكلة تقع لدى مقارنة
ما نراه على الشاشة بما قرأناه. أين جيل الـ"بيِت" في الفيلم؟ أين
راديكالية كيرواك. هنا كل شيء جميل، برّاق، بلا غبار يكسو سطح الأشياء. لحن
الجاز ليس كافياً، المناظر الملتقطة من شبّاك سيارة لا يمكن أن تكون بديلاً
من نصّ شفهي عميق في وصفه. ممثلون يضطلعون بأدوارهم بحرفية عالية لا يعوضون
عن روح كيرواك وجنونه. يبقى ان الفيلم، على الرغم من ذلك، قادرٌ على نيل
اعجاب أولئك الذين يعتبرون أنفسهم غير معنيين بالكتاب. في النهاية، يجب
القول ان الفيلم لا يشوّه الرواية، بل يقدم نسحة "مخففة وملطفة" عنها، مع
قدر أقل من الجنس والمخدرات والفسق. نسخة كان ينبغي اجراء الكثير من
التضحيات والتنازلات للحصول عليها، ارضاءً لمتطلبات السوق الدولية وعقليتها
التحجيمية.
hauvick.habechian@annahar.com.lb
"السعفة"
للنمسوي ميشاييل هانيكه
وناني موريتي يكرمّ أصدقاء المهرجان
أمس، في ختام الدورة 65 لمهرجان كانّ السينمائي، هيمنت أجواء من
الحزن. كان الديكور الطبيعي حول القصر مجهزاً: ألحان أوبرالية، جوّ ممطر،
مظلات سود. مناسبة توزيع الجوائز اقتُرنت بمناسبة أخرى: اسدال الستارة عن
المهرجان بآخر أفلام كلود ميللر، المخرج الذي رحل في الرابع من نيسان 2012،
قبل أن يرى فيلمه "تيريز ديكيرو" على الشاشات. مقابل الحزن الملموس في
الأجواء، كان لدى البعض حزنٌ من نوع آخر عقب الافصاح عن الجوائز. حزنٌ
ترافقه خيبة، علماً ان الأهم في أي مهرجان ليس الجوائز، بل الأفلام بذاتها.
ليو (أو ليوس) كاراكس لم يرُدّ له الاعتبار. بدلاً منه اعترف ناني
موريتي ولجنته إما بمواهب غير مكتملة أو بمواهب لم تقدم أفضل ما لديها:
المكسيكي كارلوس ريغاداس نال جائزة الاخراج عن فيلم ("بعد الظلمات الضوء")،
ينعدم فيه مفهوم الاخراج السليم، وهو عبارة عن جسم مفكك أو استمناء فكري في
أفضل تقدير. شكر ريغاداس "الصحافة التي لم تتوقف عن مدحه"، وهذا غير دقيق
لأن الصحافة لم تتوقف عن "شتمه". كنّ لوتش، هو الآخر، تأبط جائزة لجنة
التحكيم عن فيلم لما كان وصل الى هنا لو حمل، على سبيل المثال، اسم جيمس ل.
بروكس. عند تسلم جائزته، وجه تحية الى كل المقاومين في العالم. أما الفضيحة
الثالثة، فتمثلت في اسناد "واقع" لماتيو غاروني "الجائزة الكبرى"، ثاني أهم
تمثال في المهرجان. يتناول الشريط حكاية بائع سمك يحلم بالظهور في برنامج
من نوع "تلفزيون الواقع". موريتي، مخرج اشكالي وصاحب عين ناقدة، وجد ضالته
في هذه العناوين، مقصياً أفلام مهمة كـ"اقتناص" لتوماس فينتربرغ و"في
الضباب" لسيرغي لوزنيتسا، و"لم تشاهدوا شيئاً بعد" لألان رينه. من خلال
لائحة الجوائز هذه، ظلّ كانّ وفياً لاصدقائه الدائمين والمخلصين، اذ ان كلٌ
من ريغاداس وغاروني ولوتش (بالاضافة الى كريستيان مونجيو، جائزة السيناريو
عن فيلمه الممتاز "خلف التلال") اصحاب جوائز في كانّ. الدائرة المغلقة
فُتحت اذاً ليتسلل اليها هؤلاء، قبل أن تُقفل مجدداً.
مادز ميكلسون اقتنص جائزة التمثيل عن دوره في "الاقتناص" لفينتربرغ.
جائزة يستحقها تماماً وإن لم يكن من الخطأ ايضاً منحها لجان لوي ترانتينيان
العائد بعد 14 عاماً من الغياب في فيلم هانيكه. في المقابل، ذهبت جائزة
أفضل ممثلة الى ممثلتي فيلم "خلف التلال": كريستينا فلوتور وكوسمينا
ستراتان.
نصل الى "السعفة الذهب". كنا نتسائل ما اذا كان من الممكن أن يفعلها
ميشاييل هانيكه من جديد ويربح الجائزة التي ربحها قبل ثلاثة أعوام مع
"الرباط الأبيض". مساء الأحد، كان الردّ قاطعاً. ينبغي القول إن الفيلم
رائعة سينمائية، من تلك التي لا تصادفنا كل يوم. منذ اللحظة الاولى برز
الفيلم بروزاً لافتاً، مختلفاً، فاقعاً. في المؤتمر الصحافي الذي تلى
الجوائز، روى الحكام لقاءهم بالفيلم بكلمات رقيقة. كان متوقعاً أن يربط
موريتي بين فيلمه "غرفة الابن" ("سعفة" عام 2001)، وهذا الفيلم الذي يمكن
تسميته "غرفة الزوجة"، وهو حكاية زوجة (ايمانويل ريفا) تحتضر، فيواكبها
زوجها (ترانتينيان) في رحلتها الأخيرة. هذا أكثر فيلم شخصي لهانيكه الذي
بلغ السبعين في آذار الماضي. سؤال الموت والحياة والحبّ التقى رعشة
سينمائية. عندما اعطي الجائزة، قال هانيكه، بعدما بدا كمسيح مبشر بلحيته
البيضاء، بأنه "هكذا قرر وزوجته التصرف في حال اصيبا يوماً بمرض مزمن"،
اشارة الى الموت الرحيم الذي يتطرق اليه فيلمه، لكن مورابة. أما اللحظة
الأجمل خلال الأمسية، فجاءت مع ترانتينيان وهو يلقي بيتاً من قصيدة لجاك
بريفير: ماذا لو حاولنا أن نكون سعداء، فقط من أجل أن نكون نموذجاً للآخرين!
هـ. ح.
أفلامنا العشرة المفضلة لدورة كانّ 65:
1 - "هولي موترز" لليو كاراكس.
2 - "حبّ" لميشاييل هانيكه.
3 - "خلف التلال" لكريستيان مونجيو.
4 - "الاقتناص" لتوماس فينتربرغ.
5 - "عن الصدأ والعظم" لجاك أوديار.
6 - "في الضباب" لسيرغي لوزنيتسا.
7 - "لم تشاهدوا شيئاً بعد" لألان رينه.
8 - "جنة: حبّ" لأولريش سيدل.
9 - "مملكة صعود القمر" لوس أندرسون.
10 - "خارجون على القانون" لجون هيلكوت.
النهار اللبنانية في
28/05/2012
السعفة لفيلم «حب» والفرنسيون لن يغفروا لناني موريتي ابدا
كان (جنوب فرنسا) – إبراهيم العريس
ربما لن يغفر الفرنسيون هذه «الفضيحة» لناني موريتي لأزمان طويلة مقبلة.
فهو – ولجنته – حتى حين قررا منح جائزة في حفلة ختام مهرجان كان السينمائي
مساء امس لشيء فرنسي ما، منحا «السعفة الذهبية» لفيلم فرنسي حققه النمساوي
ميكائيل هانيكي. صحيح ان هذا الفوز لتحفة هانيكي الجديدة كان متوقعا، وان
الفيلم فرنسي، روحا وحوارا وجوا وممثلين. لكن تناسي اللجنة لثلاثة افلام
فرنسية كبرى كان ثمة شبه يقين بأنها ستربح جوائز كبرى امر لن يروق
للفرنسيين. بل حتى في فيلم هانيكي «حب» كان متوقعا فوز ممثليه الرئيسيين
الثمانينيين جان لوي ترنتينيان وايمانويل ريفا بجائزتي التمثيل، لكن اللجنة
فضّلت ان تعطي جائزة افضل ممثل للدانمركي، النجم في بلاده، مادس مكليسين،
عن ادائه المميز في «الصيد» لمواطنه توماس فنتربرغ، كما اعطت جائزة افضل
ممثلة ، مشاركة لبطلتي فيلم الروماني كريستيان مونجو «ما وراء التلال»
كوزمينا ستراتان وكريستينا فلوتور. وربما يكون ثمة هنا عدل ما حيث ان
الصبيتين كانتا ترغبان بان تجمعهما نهاية الفيلم، ففرق الدين والموت بينهما
لتجمعهما لجنة التحكيم في جائزتها المزدوجة. الفيلم نفسه فاز بجائزة
السيناريو عن جدارة، وربما كان يستحق ما هو افضل. وحتى هنا من الواضح في
هذا التوزيع اننا ما زلنا في دائرة المعقول ولو ان ثمة خيبة من هنا واخرى
من هناك. اما الخروج عن المنطق فيبدأ إثر ذلك.
فالحال ان ثمة افلاما عدة تساءل كثر عندما عرضت عمّا جاءت تفعله في اكبر
مهرجان سينمائي في العالم. لم تبد سيئة لكنها بدت خارج السياق المهرجاني
حتى وإن كان اصحابها من معتادي الفوز في «كان» . ومن هذه الأفلام ثلاثة
بالتحديد هي «حصة الملائكة» لكين لوتش و»الضوء بعد الظلام» لكارلوس
ريغاداس، ثم خاصة، الشعبي جدا «الواقع» للإيطالي ماتيو غاروني. والمدهش ان
لجنة التحكيم رأت عكس ما رآه اهل السينما «الكانيين» جميعا: رأت هذه
الأفلام بعين أخرى فأعطتها تباعا ارفع الجوائز: الجائزة الكبرى، وهي ثاني
جوائز المهرجان، لفيلم غاروني، جائزة الإخراج لكين لوتش، وجائزة السيناريو
لفيلم «الضوء بعد الظلام» الذي غادر معظم الجمهور عرضه صاخبا لاعنا... امام
عمل مجاني مدّع لامعنى له ولا سياق.
قبل المهرجان كان ناني موريتي قد ملأ الصحف بتصريحات حول ثورية اختياراته.
وخلال المهرجان ملأت الصحافة الفرنسية رؤوس الناس صخبا وتأكيدات بأن
السينما الفرنسية ستكون صاحبة حصة الأسد من طريق افلام ليو كاراكس وجاك
اوديار وبخاصة آلان رينيه. ولكن لا هذا ولا ذاك كان صحيحا. اختار المحكّمون
سينما استفزازية وربما تكون شعبية. وكانت الضحية السينما التي كانت تعتقد
ان «كان» صار منذ زمن وطنا حقيقيا لسينما المؤلف. فعمّت الخيبة حتى وإن كان
في استطاعتنا ان نرى ان كلّ الفائزين تقريبا، سواء اكانت افلامهم تستحق
الفوز او لا تستحقه، هم من الذين سبق ان فازوا مرات ومرات في دورات سابقة
للمهرجان
الحياة اللندنية في
28/05/2012
مقالة حاقدة من «كان» تُقلِّل من قيمة:
«بعد الموقعة»!!!
محمد حجازي
طوى مهرجان «كان» السينمائي الدولي عروض دورته الـ65 وأعلن جوائزه مساء
أمس، في وقت يُحسب للسينما العربية أنّها شرّفت أُمّتها وإنْ نكن أسفنا
لجانب من الزملاء المصريين الذين قالوا كلاماً مزعجاً وغير منطقي عن مشاركة
وقبول يسري نصر الله وفيلمه «بعد الموقعة» في المسابقة الرسمية التي تُعتبر
المشاركة فيها ربحاً حقيقياً.
الواقع أنّ اللهجة التي اعتمدها الزميل أحمد عاطف في واحدة من رسائلة
لصحيفة «الأهرام»، لم تكن مقبولة ونقتطع عبارات استعملها عن الفيلم كالتالي:
-
كان مصدر تعاسة الكثير من العرب الحاضرين للمهرجان.
-
تبارت الصحافة العالمية للسخرية من الفيلم ومن التعجُّب لوصوله إلى
المسابقة الرسمية.
-
ونقل عن «الغارديان» البريطانية قولها: إنّها ميلورداما عن العناوين
العريضة للثورة المصرية بدون التعمّق في أيٍّ منها، الشخصيات نماذج
كاريكاتوريا تتشدّق بالشعارات.
-
وعن «الإكسبرس» الفرنسية: إنّه عبارة عن قصص غير متّصلة ويفتقد للوحدة.
-
وعن «كورييه إنترناسيونال»: الفيلم كارثة والبناء الدرامي تم بشكل سي»ء
بدون منطق أو تجانس.
ثم سلسل بالمقابل أصول المنتج جورج مارك بنامو ووصفه بالصهيونية، وقال بأنّ
الفيلم اشترت إسرائيل حقوق عرضه، وتساءل ماذا يريد نصر الله من مصر إذاً
وما الذي يفعله بها؟!
مؤسف ما قرأناه أنْ يحقّق مخرج خطوة متقدّمة في مهرجان دولي أول ويجد من
أبناء جلدته مَنْ ينهال عليه بالسياط وفي بلد المهرجان تهشيماً لا يعني سوى
التشفّي.
نعم، لقد حاول وضعنا في صورة كاملة السواد عنه وعن الفيلم ومنتجه وموضوعه،
وهو تحدّث عن كل شيء إلا عن الفيلم، ولم يترك أي تفصيلة إلا وتعرّض لها كي
ينال من قيمته، وعلى الطريقة المصرية «يهزّؤه».
ونحن بالمقابل لا نطلب من أي زميل أنّ يتعامل بالحسنى مع أبناء بلده إذا ما
أخطأوا، لكن أنْ لا يترك له مجالاً لأي أنفاس، فهذا تجنٍّ، فلا الموضوع
أعجبه، وشكّك في وصول الفيلم إلى كان وتساءل: مَنْ وراء وصوله وهو لا يساوي
شيئاً، ثم بحث عن أي عبارة سلبية قيلت وألصقها بمقالته، وصولاً إلى البحث
عن أصول المنتج وربط المخرج بأجواء مماثلة سواء في عهد الرئيس السابق حسني
مبارك أم في عهد الثورة؟
والسؤال دائماً لماذا؟
لم نعثر واقعاً على أي مبرّر يجعل هذا السيل من الإهانات لفيلم تحدّثنا عنه
جميعاً ووصفناه بأنّه إنجاز عربي، وتكريم متجدّد لثورة 25 يناير، حيث يكفي
أنّ المخرجين في مصر لم ينتظروا طويلاً حتى يعكسوا واقعهم الذي لفت إليهم
أنظار العالم، وجعلهم محط تقدير..
لا، ليس عادياً ما حصل ومثل هذا المناخ الذي لا يدخل في باب النقد أنْ تتم
مساءلة صاحبه، عن المعطيات التي يملكها والغاية التي يرجوها من هجومه
الظالم هذا، في وقت كان عليه أنْ يحتفل معنا بوصول الفيلم إلى أرفع منبر
سينمائي عالمي ليس للعرض فقط بل للتباري، ولا ندري ما
إذا كانت ستحصل مفاجأة أيضا ليلة الأحد في 27 الجاري وينال «بعد الموقعة»
تقديراً أو تنويهاً ما، فلا أحد يعرف شكل المفاجآت في كل مهرجان، عندها لا
ندري ما الذي سيقوله عاطف عن لجنة التحكيم ورئيسها ناني موريتني والأعضاء.
مقتطفات من صحافة العالم
إلحاقاً بموضوع الافتتاحية هذه الأجواء: «لقد نجح الفيلم في خلق حالة من
المتعة الكبيرة في قلوب مشاهديه نظراً لموضوعه المثير والحيوي والذي يتناول
عدداً من الجوانب البارزة في المجتمع المصري مثل الطبقية ونفاق البرجوازية
إلى جانب وضع المرأة في المجتمع (الغارديان البريطانية)».
«الميزة
الكبرى في الفيلم كانت في أسلوب السرد الرائع الذي اتبعه نصر الله، والذي
سهّل على الجمهور المصري الدخول إلى قلب الحدث ومتابعة ما يجري وكأنّه يعلم
جميع التفاصيل، إلا أنّه لم ينجح بترك انطباع قوي لدى الحضور بعد الانتهاء
من مشاهدته (موقع هوليودد ريبورتر الإلكتروني).
«الفيلم
جريء، ورغم كونه سياسياً إلا أنّه يحمل جانباً إنسانياً شديد الحساسية،
وشبهت «نيويورك تايمز الأميركية» أداء باسم السمرا للشخصية بأداء مارلون
براندو.
«لو
كان من بين جوائز المهرجان لقب الفيلم الأكثر نجاحاً في التعبير عن الأحداث
الجاري فسيذهب بالتأكيد إلى الفيلم المصري» (وكالة الأسوشييتد برس
الأميركية).
اللواء اللبنانية في
28/05/2012 |