المهرجانات السينمائية ليست مجرد أفلام وندوات، ولكن تاريخ المهرجانات
تستطيع أن تقرأ بين ثناياه كيف أن الصراع السياسي كان الدافع وراء انطلاقه. "موسوليني" الطاغية
الإيطالي هو الذي منح إشارة البدء لمرجان البندقية "فينسيا" قبل
بداية الحرب العالمية الثانية ممثلاً لقوى المحور، ليصبح هو أول وأقدم
مهرجان سينمائي عالمي، وجاء رد دول الحلفاء من خلال فرنسا ليفتتح مهرجان "كان"، وهكذا
لا يمكن أن ننسى هذا التاريخ ورغم ذلك فليست فقط السياسة هي التي تحرك
المهرجانات ولكن أيضاً أحياناً تلعب التفاصيل الإنسانية والغيرة النسائية
دورها.
شيء من هذا أو بلغة الدراما تنويعة على نفس "التيمة" للغيرة
النسائية من الممكن أن تجده في هذا البيان الذي وقعته عدداً من الكاتبات
والمخرجات في فرنسا ونشرته جريدة "اليموند" قبل
أيام قليلة من افتتاح المهرجان الأربعاء الماضي في دورته التي تحمل رقم 65 يتهمن
فيه إدارة المهرجان بإعلان الحرب ضد النساء حيث غاب عن المسابقة الرسمية
بالمهرجان تواجد لأي فيلم عليه توقيع امرأة.. الغريب في الأمر أن يصبح على
إدارة المهرجان أن ترد في بيان ومؤتمر صحفي على هذا الاتهام؟!
جاء الغضب النسائي الذي لم يكن له أي مبرر حقيقي ولكنه نوع من
الحساسية المفرطة بينما هناك بالفعل قدر من التحفظ والغضب الإيراني الذي
يري أن مهرجان "كان" يقود
حملة سينمائية ضد النظام ويتبنى الأفلام التى يقدمها عدداً من المخرجين
المحسوبين على التيار المعارض مثل "عباس
كيروستامى" بل
وأيضاً الذين أدينوا بالسجن وصدرت بحقهم أحكام مبدئية مثل "جعفر
بناهي"و"محمد
رسولوف" وبعدم
ممارسة المهنة في أول سابقة من نوعها في العالم!!
"كيروستامي" عرض
له في العام قبل الماضي في مهرجان "كان" فيلمه
الرومانسي "نسخة
مصدقة" وفي
هذه الدورة يعرض فيلمه "مثل
من وقع في الحب" داخل
المسابقة الرسمية والفيلمان من الناحية الشرعية لا يمكن اعتبارهما
إيرانيان؛ لأن الإنتاج غير إيراني الأول مشترك بين فرنسا وإيطاليا والثانى
بين فرنسا واليابان ولم يكن للفيلم الأول أي علاقة بإيران والثاني الذي
يعرض هذا الأسبوع يشير الملخص المنشور في كتالوج المهرجان أننا بصدد فيلم
رومانسي، إلا أن الحقيقة هي أن النظام في إيران لا يرحب بـ "كيروستامي" ولهذا
لا تسند إليه الشركات السينمائية أي أعمال بينما هو مطلوب كمخرج عالمي
تتهافت عليه الشركات الأجنبية.. "كيروستامي" يحرص
على ألا يقع تحت طائلة القانون فلا يفعل ما يمكن أن يسأل عليه جنائياً مثل "بناهي"و"رسولوف" تطاردهما
السلطات ولا يستطيعان مغادرة إيران، بينما مثلاً المخرج الكبير "محسن
مخلباف" صارت
إقامته الدائمة في باريس.
في الدورة الماضية للمهرجان عرض فيلمي "وداعاً" لمحمد
رسولوف و"هذا
ليس فيلماً" لجعفر
بناهي والمخرجان ممنوع عليهما ليس فقط مغادرة البلاد بل هما ممنوعان من
ممارسة المهنة ويطاردهما شبح السجن وسبق للنجمة الفرنسية "جولييت
بينوش"بطلة
فيلم "نسخة
مصدقة" وهي
تقف على خشبة المسرح في قاعة "لوميير" لتستلم
جائزتها أحسن ممثلة قبل عامين أن أعلنت تضامنها مع المخرجين في إيران.. كما
أن "بناهي" تم
اختياره وقتها في عضوية لجنة التحكيم في المهرجان وهم يعلمون أن السلطات
الإيرانية لن تسمح له بمغادرة البلاد، إلا أن الهدف كان فضح التعسف
الإيراني ضد المبدعين!!
هل نعتبر أن هذه المواقف ضد النظام الإيرانى أم أنها بالدرجة الأولى
تنحاز إلى الدفاع عن الحرية ولهذا تدافع عن المبدع بغض النظر عن البلد التي
ينتمي إليها.. أنا أميل أكثر إلى هذا التحليل لأن المهرجان لا يمكن أن
ينعزل عما يجري على الصعيد السياسي في العالم والدليل مثلاً في العام
الماضي تلك الاحتفالية الضخمة التي نالتها ثورات الربيع العربي من خلال عرض
الفيلمين المصريين "18 يوم" و"صرخة
نملة" على
هامش المهرجان ولكن بحفاوة خاصة، وهو ما حظيت به أيضاً الثورة التونسية
عندما عرض الفيلم التسجيلي التونسي الطويل "لا
خوف بعد اليوم" كما
عرض المهرجان في هذه الدورة الفيلم المصري "بعد
الموقعة"ليسرى
نصر الله والفيلم يتناول موقعة "الجمل" التي
لعبت دوراً أساسياً في تغيير الدفة ناحية الثورة وأسقطت نظام مبارك ولكن
بالطبع فإن الاختيار فني بالدرجة الأولى.
مهرجان "فينسيا" عرض
قبل ثلاثة أعوام "الأيام
الخضراء" لـ "هانا
مخلباف" ابنة
المخرج "محسن
مخلباف" وهو
معارض قوي للنظام الإيرانى وابنته تواصل المعارضة للنظام بل عائلة "مخلباف" كلها
تمارس السينما وتعارض كبت الحريات الذى تمارسه السلطات الإيرانية ضد
المبدعين.. كما أن المخرجة الإيرانية "شيرين
نشأت" عرضت
فيلمها "نساء
بلا رجال" وحصلت
على جائزة"الأسد
الفضي" للجنة
التحكيم الخاصة كأحسن إخراج وواكب
ذلك أن عرض الفيلم الإيراني "لا
أحد يعرف شيئاً عن القطط الفارسية" أيضاً
في "كان" وهو
ينتقد النظام عندما يتصدى لحرية الفنانون!!
لا أعتبر ما نشاهده في المهرجانات حرباً موجهة ضد إيران، ولكنه أسلوب
فني في التعبير عن المؤازرة لمبدعين يمارس ضدهم القمع، ولهذا فإن إيران ترد
على تلك القذائف السينمائية الناعمة بأفلام أخرى لعدد من المخرجين لا
يزالون تحت مظلة النظام.
السياسة تلعب دوراً في الاختيارات الفنية للمهرجانات هذه بالتأكيد
حقيقة ولكن إذا لم يدعم العمل الفني رؤية إبداعية فلن تنقذه السياسة!!
ويبقى في الجعبة هذا الغضب النسائي الذي شهده المهرجان قبل أن تبدأ
الفعاليات، وهو أشبه بالضربات الصديقة لأنها جاءت هذه المرة من داخل فرنسا
وتحديداً من عدد من المخرجات والكاتبات احتجاجاً على عدم عرض أفلام للنساء
في المسابقة الرسمية، ومثل هذه المطالبات تبدو وكأنها تعيد المرأة للخلف
دُر في دنيا الإبداع، وكأن لجان الاختيار تضع معايير خاصة للاختيار ونسبة
محددة للنساء وأخرى مثلاً لسينما أمريكا اللاتينية وثالثة للعالم الثالث،
وهكذا لو فتحنا هذا الباب القائم على الاختيار النوعي لن نستطيع إغلاقه.
أحياناً أشعر أن أسوأ من يدافع عن حقوق المرأة هي المرأة، وذلك عندما
يحاول بعضهن أن يجعل القضية هي المرأة ولهذا ينظرن للأمور من خلال عين
نسائية لا ترى سوى نفسها فقط، فتتغزل فيها أو تضع لها إطارتا وتقيم سورا
عاليا مكتوباً عليه هذه المنطقة مخصصة للرجال.. مثلاً تعبير أدب نسائي
والذي أنجب بعد ذلك سينما نسائية أراه يقلل من شأن المرأة في عالم الإبداع
القائم على الرحابة الفكرية التي تشمل العالم كله.. الكاتب أو المبدع بوجه
عام ينبغي أن يصبح توجهه إنساني بالدرجة الأولى يتجاوز حدوده الجغرافية
والبيئية والعرقية والدينية ليصل إلى العمق وهو الإنسان!!
الإبداع الفني الذي يستمد طاقته من عقل الإنسان الذي يحوي مخزون
تجاربه وثقافته وتأمله بطبعه لا يفرق في تقييمه بين رجل وامرأة ولكن
المباريات الرياضية التي تعتمد على القوة العضلية بالدرجة الأولى وليست
الذهنية وإن كانت بالطبع لا تخلو من ذهن يفكر، ولكني أتحدث عن الجزء الأكبر
منها في مثل هذه الأمور، فإن من يلعب الدور الأكبر هو العضلات فكان ينبغي
أن تصبح لدينا كرة قدم وسلة وسباحة ورفع أثقال وملاكمة وغيرها فقط للنساء.
الغريب في الأمر أن السينما -التي
بدأت في العالم ذكورية على يد الأخوين "لوميير" في
فرنسا- في
مصر -والتى
تعتبر رائدة في العالم العربى في هذا المجال- عرفت
الفن السينمائى من خلال رائدات نساء مثل "عزيزة
أمير"،
"فاطمة
رشدي"، "بهيجة
حافظ"،
"أمينة
محمد" وغيرهن.
المرأة في مجال السينما حظيت بجوائز في كبرى المهرجانات مثل "كان" عندما
أخذت السعفة الذهبية في التسعينيات المخرجة"جين
كاميرون" عن
فيلمها "البيانو" وأيضاً
في مسابقة مثل الأوسكار ولم يخل الأمر من بعض المعوقات ولكن حصول المرأة
على جوائز لم يكن في اعتبارها امرأة وعدم حصولها أو استبعاد فيلمها أيضاً
ليس لكونها امرأة المخرجة "كاثرين
بيجيلو" بفيلم"خزانة
الآلام" تفوقت
على طليقها "جيمس
كاميرون" بفيلمه "أفاتار" في
مسابقة الأوسكار 2010 لأنها
كانت الأكثر إبداعاً طبقاً لرؤية أكاديمية الفنون والعلوم الأمريكية التي
تقيم هذه المسابقة وكان الأوسكار من نصيبها.
مواقف سياسية وغضب نسائي كل ذلك ممزوجاً بالأفلام تجده داخل
هذه الدورة.. ونتواصل الأسبوع القادم!!
tarekelshinnawi@yahoo.com
الـ
MBC
في
20/05/2012
"يا
خيل الله" يدين الجماعات الإرهابية بالمغرب
يرصد يوميات 4 شباب انتحاريين تتحول أجسادهم لديناميت متفجر
كان - سعد المسعودي
أثنى نقاد ونجوم مهرجان "كان" السينمائي، المقام حالياً في مدينة كان
بجنوب فرنسا على فيلم "خيل الله"، للمخرج المغربي نبيل عيوش، وذلك لجماليته
وإدانته للجماعات الإرهابية التي تستغل حالات الفقر والتهميش في المناطق
الفقيرة في المغرب.
ويعود المخرج نبيل عيوش من خلال هذا الفيلم المقتبس عن رواية "نجوم
سيدي مومن" للكاتب المغربي ماحي بينبين إلى التفجيرات الإرهابية التي هزت
مدينة الدار البيضاء ليلة 16 مايو، والتي راح ضحيتها مئات من القتلى
والجرحى, وهنا يرصد الفيلم يوميات أربعة شباب انتحاريين، يختارهم أمير
الجماعة الإسلامية ليحول أجسادهم البريئة إلى ديناميت متفجر تتحكم به قوى
الإرهاب والتطرف.
ويبين الفيلم على مدى ساعة ونصف نشاط الجماعات الإسلامية و"القاعدة"
تحديداً في مدن الصفيح الفقيرة.
ويركز على تتبع حياة أخوين ورفاقهم منذ طفولتهم حتى ساعة تفجير
أجسادهم, مفصلاً وضعهم الاجتماعي والمعيشي إذ كبروا في أجواء من البؤس
المعمم في حي صفيح "سيدي مومن" قرب الدار البيضاء، حيث يسيطر الحرمان
والعنف ما يدفع بصبية لا تتسع لهم الحياة إلى التطرف والموت.
ويركز المخرج في رؤيته على كون أولئك الصبية، الذين كان معظمهم أعضاء
في فريق كرة القدم المحلي لم يخرجوا بعد من طفولتهم.
وتعطي معرفة المخرج بذلك الحي الذي صور فيه شريطا وثائقيا مع أهالي
منفذي العمليات، مصداقية للوقائع التي عادت واستندت إلى كتاب الصحافي
والكاتب ماحي بنبين "نجوم بن مومن"، وهو اسم فريق كرة القدم الذي استقطبه
الإسلاميون للقيام بالعمليات الانتحارية.
تفجيرات الدار البيضاء لا تهمني
وحضر نبيل عيوش بصحبة اثنين من الممثلين، وهما من سكان مدينة الصفيح
تلك، واختارهما لتأدية دور الشقيقين في الفيلم وهما كذلك في الحياة.
وقال المخرج بعد عرض الفيلم الخاص بنقاد المهرجان "إنها لحظة مهمة في
حياة مخرج، أن يرى الفيلم مكتملا للمرة الأولى في هذه القاعة في مهرجان كان
وفي الوقت نفسه مع الجمهور... أردت أن أعيش مشاعر وانفعالات المشاهد
وبالفعل سافرت مع الفيلم".
وقال عيوش "تفجيرات الدار البيضاء لا تهمني بقدر ما تهمني سيرة هؤلاء
الشبان وما قادهم إلى ارتكاب فعلهم. أردت أن أعبر إلى الجانب الآخر من
المرآة، أن أحكي التاريخ الشخصي لهؤلاء".
ويعتمد عيوش في فيلمه على صيغة غاية في الواقعية صورت في مكان يشبه
تماما المكان الذي نشأ فيه منفذو تلك التفجيرات وعلى بعد خمسة كيلومترات
منه ومع ممثلين غير محترفين من سكان المكان الفقير
.
واقعية العمل
وقال عيوش"حرصت على التصوير في المكان الطبيعي للحدث، لأن ذلك يمنح
العمل واقعية لا يمكن أن نجدها في أي مكان آخر. نحن نعثر على حقيقة وواقعية
مختلفة عما يمكن أن نعثر عليه لو صورناه في الاستوديو".
وأضاف "حين نختار أن نصور ضمن شروط واقعية فإن صعوبات مختلفة نتعرض
لها لكن بيئة الحي المعدم تكسب العمل واقعية لا مثيل لها، هذا ما ذهبت
للبحث عنه هناك وهذا ما يمنحني سعادة حقيقية".
وقال "يشبه
هؤلاء كل الشباب المغرر بهم في الكثير من أنحاء العالم، في المغرب كما في
العراق كما في أوروبا، فمعاناتهم هي ذاتها تتمثل في استقالة الأهل وغياب
التربية والتعليم وافتقاد المرجعيات والمثل والعيش في حي مقفل كما السجن
وعدم التعرف على المدينة التي يتحولون إلى أعداء لها.
ويبين الفيلم كيف أن نقطة ضعف هؤلاء الشبان، تتمثل في فكرة الإخوة
والمساعدة التي يجدونها بجانب الإسلاميين السلفيين الذين يستغلون افتقادهم
لها.
ويشير إلى أنه رسم الفيلم بطريقة إنسانية، بحيث إن مصير هؤلاء الشباب
كان مرسوما سلفا في حياة لا يلوح فيها أمل ولا مفر فيها إلا إلى حلم الجنة
التي يعدهم بها السلفيون.
العربية نت في
20/05/2012
فيلم روماني يهاجم المؤسسة الدينية المسيحية
المخرج كريستيان مينغيو الفائز بالسعفة الذهبية 2007 يدخل
في الممنوع
كان - سعد المسعودي
يعود المخرج الروماني المثير للجدل "كريستيان مينغيو " إلى الواجهة،
ليفجر كعادته القضايا والتأملات في قضايا الإنسان في بلاده والعالم،
منتقداً هذه المرة "الكنيسة" والمؤسسة الدينية ونظامها الصارم، الذي يطبق
في الأديرة المسيحية في المدن والقرى الرومانية.
وفاجأ المخرج نقاد مهرجان كان بجمالية فيلمه "الحادث" منذ بدايته
المبكرة عام 2002 عندما أثبت أنه موجود، وقادم بقوة، حيث تعرض لفترة حكم
الرئيس الروماني الأسبق "أندريه تشاوشيسكو".
وأعاد نفس أسلوبه مع فيلمه الرائع "4 أشهر و3 أسابيع ويومان" الذي نال
عنه السعفة الذهبية لمهرجان كان عام 2007، فهو فيلم لا يزال يعرض في
الملتقيات والمهرجانات السينمائية، ويحدث الكثير من الجدل والحوار، لأنه
يعري الحقبة الشيوعية ويفضح ممارسات الحزب الشيوعي الروماني السابق لبلاده،
عبر حكاية فتاة تريد التخلص من حملها قبل انهيار النظام الشيوعي والشيوعية.
ويعود المخرج الروماني "كريستيان مينغيو" بفيلمه خلف التلال، ليفضح
الممارسات الفادحة التي تمارس داخل أسوار الكنائس المسيحية، عبر حكاية
تعتمد على نص روائي للكاتبة الرومانية تاتانيا نيكوليسكو.
وتذهب بالمشاهد هذه الحكاية والفيلم وهذا المخرج الكبير إلى أجواء أحد
الأديرة المسيحية في إحدى القرى الرومانية النائية. تصلها فتاة رومانية
كانت تعيش في ألمانيا وجاءت لزيارة صديقتها التي كانت تعيش معها في إحدى
دور الأيتام ونشأت بينهما علاقة يلمح لها الفيلم تلميحا على أنها علاقة
مقرونة بالعاطفة والجسد.
وترفض الفتاة التي أصبحت راهبة ودخلت الدير أن تعود إلى سابق تلك
العلاقة، لتتفجر أحاسيس تلك الفتاة القادمة من ألمانيا رغبة منها في
التعبير عن حبها لصديقتها القديمة التي عاشت الغربة وساقها الحنين لبلادها
ولمن تحب، وحينما يأتي الرفض، وتبدأ تجتاح الصديقة حالة من الألم والهذيان
والصراخ، وهو أمر يرفضه الراهب المسؤول عن الدير ومجموعة الراهبات.
ومع تزايد الحالة يتم تقييدها بسلاسل وتربط على لوح خشبي شبيه على شكل
صليب داخل إحدى غرف الدير ويتم إقفال الباب بشكل محكم.
وتتطور المواجهات، وندخل زمنا جديدا، حيث البرد يجتاح تلك الأنحاء
البعيدة في رومانيا. ويتحول ذلك الدير إلى قطعة من الثلج الأبيض، الذي يحمل
دلالات تجمد الأحاسيس وهيمنة السلطة الدينية والفكر الكنسي الذي يقف أمام
تلك العلاقات المثلية.
وفي إحدى الليالي تبادر صديقتها إلى فك قيدها، كي تتمكن من مغادرة
الدير، وحينما يصبح الصباح.. تظهر تلك الفتاة العاشقة وعلى وجهها ابتسامة،
لأنها اكتشفت أن صديقتها لا تزال تحبها. ولكن جسدها المرهق لم يتحمل التعب
والتعذيب والصلب والبرد فتموت في ذات اللحظة.
ويتم استدعاء الإسعاف وتجد أنها أمام جريمة، لتصل بعدها الشرطة وتبدأ
في التحقيقات التي تشير إلى تورط الدير الذي تشرف عليه المؤسسة الدينية
الكنسية في عملية الاغتيال.
وهنا تبدء بداية ثانية للفيلم، إذ يتم ترحيل الراهب وعدد من الراهبات
ومن بينهن صديقة الفتاة المتوفاة من قبل البوليس إلى العاصمة للتحقيق معهم،
لينتهي الفيلم بمرور سيارة البوليس، حتى تمر سيارة أخرى مسرعة وسط بركة من
المياه لتلقي كماً من الأوحال والقاذورات على سيارة الشرطة في مشهد يعطي
دلالة عن حالة السوء والفوضى والعفن التي يعيشها الإنسان في تلك الأنحاء،
حيث سيطرة المؤسسة الدينية والخلل في المؤسسة الأمنية والإصلاحات.
العربية نت في
20/05/2012
فقر وتهميش وإرهاب في فيلم «يا خيل الله» للمغربي نبيل عيوش
فرانس 24 و مونت كارلو
سعى الفيلم المطول "يا خيل الله "للمخرج المغربي نبيل عيوش إلى قراءة
واقعية لسير منفذي اعتداءات الدار البيضاء عام 2003 من خلال تفصيل أوضاعهم
الاجتماعية والمعيشية.
ويقول عيوش: إن تفجيرات الدار البيضاء لا تهمه بقدر ما تهمه سيرة
هؤلاء الشبان وما قادهم إلى ارتكاب فعلهم.
صفق الجمهور والصحافة مطولا لفيلم المغربي نبيل عيوش "يا خيل الليل"،
العمل العربي الوحيد المشارك في تظاهرة "نظرة ما" ضمن فعاليات مهرجان كان
السينمائي الخامس والستين، الذي يعيد فيه المخرج عبر 115 دقيقة وبالاستناد
إلى قصة واقعية، رصد سيرة منفذي اعتداءات الدار البيضاء العام 2003.
ويركز الفيلم على سيرة أخوين ورفاقهما، مفصلا وضعهم الاجتماعي
والمعيشي إذ كبروا في أجواء من البؤس المعمم في حي صفيح "سيدي مومن" قرب
الدار البيضاء، حيث يسيطر الحرمان والعنف والتخلي ما يدفع بصبية لا تتسع
لهم الحياة إلى التطرف والموت.
المخرج نبيل عيوش الذي حضر بصحبة اثنين من الممثلين وهما من سكان
مدينة الصفيح تلك واختارهما لتأدية دور الشقيقين في الفيلم وهما كذلك في
الحياة، أعرب عن سعادته وتأثره بالمشاركة في تظاهرة "نظرة ما" للمرة الأولى.
وقال فور انتهاء الفيلم: "إنها لحظة مهمة في حياة أي مخرج، أن يرى
الفيلم مكتملا للمرة الأولى، في هذه القاعة في مهرجان كان وفي الوقت نفسه
مع الجمهور، أردت أن أعيش مشاعر وانفعالات المشاهد، وبالفعل سافرت مع
الفيلم، كان وقتا جميلا".
وردا على سؤال حول صيغة الفيلم، قال عيوش: "تفجيرات الدار البيضاء لا
تهمني بقدر ما تهمني سيرة هؤلاء الشبان، وما قادهم إلى ارتكاب فعلهم، أردت
أن أعبر إلى الجانب الآخر من المرآة، أن أحكي التاريخ الشخصي لهؤلاء."
ويعتمد نبيل عيوش في فيلم صيغة غاية في الواقعية، صورت في مكان يشبه
تماما المكان الذي نشأ فيه منفذو تلك التفجيرات وعلى بعد خمسة كيلو ترات
منه، ومع ممثلين غير محترفين من سكان المكان المهمش.
وعدل المخرج عن التصوير في سيدي مومن بعدما زحفت المدينة إليه، وأقيمت
مبان عالية في بعض جوانبه، بينما هو كان يريد مكانا بكرا كما كان عليه الحي
من قبل.
وعن ذلك يقول المخرج: "حرصت على التصوير في المكان الطبيعي للحدث، لأن
ذلك يمنح العمل واقعية لا يمكن أن نجدها في أي مكان آخر، نحن نعثر على
حقيقة وواقعية مختلفة عما يمكن أن نعثر عليه لو صورنا في الأستديو".
وأضاف مؤكدا أهمية اختيار المكان، "حين نختار أن نصور ضمن شروط واقعية
فإن صعوبات مختلفة نتعرض لها، لكن بيئة الحي المعدم تكسب العمل واقعية لا
مثيل لها، هذا ما ذهبت للبحث عنه هناك، وهذا ما يمنحني سعادة حقيقية".
ويقترب هذا الفيلم في نهجه وأسلوبه السينمائي وطبيعة الموضوع الذي
يعالجه من فيلم المخرج السابق "على زاوة" (2000) الذي اكسبه شهرة واسعة،
وتناول فيه التهميش في قلب الدار البيضاء، من خلال معايشة بعض أطفال
الشوارع في المدينة.
وكانت بعض مشاهد على زاوة صورت في حي "سيدي مومن" الذي يعرفه المخرج
منذ تلك الفترة، وهو يقر بوجود "ارتباط عضوي بين الفيلمين"، لكنه يعتبر أن
"أولئك الصبية كان يمكن أن يصبحوا هؤلاء الشباب الذين فجروا أنفسهم، غير أن
"يا خيل الله" يتعلق بحادثة واقعية وربما هذا يسبغ عليه أهمية أكبر ويجعله
أكثر راهنية".
ويشبه هؤلاء كل الشباب المغرر بهم في الكثير من أنحاء العالم، في
المغرب كما في العراق كما في أوروبا، فمعاناتهم هي ذاتها تتمثل في استقالة
الأهل وغياب التربية والتعليم وافتقاد المرجعيات والمثل والعيش في حي مقفل
كما السجن، وعدم التعرف على المدينة التي يتحولون إلى أعداء لها.
ويبين الفيلم كيف أن نقطة الضعف الأكبر لدى هؤلاء الشبان المتروكين
ليأسهم، تتمثل في فكرة الإخوة والمساعدة التي يجدونها بجانب الإسلاميين
السلفيين الذين يستغلون افتقادهم لها ويدخلون من بابها إلى قلوبهم وعقولهم.
ويركز المخرج في رؤيته على كون أولئك الصبية الذين كان معظمهم أعضاء
في فريق كرة القدم المحلي لم يخرجوا بعد من طفولتهم، كما يبين أحد المشاهد
الذي يصور استعداداتهم قبل العملية مباشرة حين يتابعون اللعب بالكرة أو
يرشقون بعضهم بالمياه.
وتعطي معرفة المخرج بذلك الحي الذي صور فيه شريطا وثائقيا مع أهالي
منفذي العمليات، مصداقية للوقائع التي عادت واستندت إلى كتاب الصحفي
والكاتب ماحي بنبين "نجوم بن مومن" وهو اسم فريق كرة القدم الذي استقطبه
الإسلاميون للقيام بالعمليات الانتحارية.
ووضع السيناريو للفيلم جمال بلماحي بالتعاون مع المخرج انطلاقا من ذلك
الكتاب.
أما عنوانه "يا خيل الليل" فاقتبس من حديث للنبي استخدمه تنظيم
القاعدة وبن لادن مرات كثيرة للدعوة إلى "الجهاد".
الشروق المصرية في
20/05/2012 |