الأربعاء القادم يفتتح مهرجان «كان» دورته رقم 65، وسوف تحضر السينما
العربية هذه الدورة بقدر لا بأس به من الأفلام داخل المسابقة الرسمية وفي
قسم «نظرة ما» وفي مسابقة الأفلام القصيرة.. إلا أن المشاركة العربية
إجمالا لا تتوافق مع تاريخ السينما العربية ولا مع تلك الحفاوة السنوية
التي يمنحها أغلب المهرجانات العربية لمهرجان «كان»، حيث إن مسؤولي
مهرجانات القاهرة والدوحة وقرطاج وأبوظبي ودبي وغيرها تحرص على إقامة مؤتمر
صحافي تعلن من خلاله عن فعاليتها القادمة.. كما أن الإعلام العربي يشارك
بكثافة في التغطية الإعلامية، وفضائيات كثيرة تحيله إلى برنامج «توك شو»
وتستضيف الفنانين العرب والأجانب وهم على السجادة الحمراء.
تبدو علاقة السينما العربية بالمهرجان طوال تاريخه حيث بدأ عام 1946
أشبه بالحب من طرف واحد، وهو أقسى وأشقى أنواع الحب.. حيث يسهر الحبيب يعد
النجوم ويكابد اللوعة والسهاد بينما المحبوب لا يشعر به وربما أيضا مشغول
بحبيب آخر.
هذا هو بالضبط حال السينما العربية مع مهرجان «كان» السينمائي..
محاولات لا تنقطع تطلب ود ووصال المهرجان بينما المهرجان لا حس ولا خبر..
هذه الدورة لنا حضور ملحوظ نسبيا بفيلم المخرج المصري يسري نصر الله «بعد
الموقعة»، الذي يعرض داخل المسابقة الرسمية، كما أن المخرج المغربي نبيل
عيوش يعرض فيلمه «أحصنة الله»، والمخرج الفلسطيني إيليا سليمان يعود إلى
المهرجان بفيلم «7 أيام في هافانا»، وفي مسابقة الأفلام القصيرة تشارك
سوريا بفيلم «في انتظار الصندوق»، والجزائر بفيلم «هذا الدرب أمامي».
كانت آخر مشاركة عربية لنا في العام الماضي بفيلم المخرجة اللبنانية
نادين لبكي «هلأ لوين» داخل مسابقة «نظرة ما»، وفي «كان» 2010 كان لنا داخل
المسابقة الرسمية الفيلم الجزائري «خارج عن القانون» للجزائري رشيد بو
شارب. ولقد أثار هذا الفيلم وقتها غضب اليمين الفرنسي حيث تم حصار المهرجان
من قبل المتظاهرين الذين رفضوا مشاركة الفيلم في المهرجان؛ حيث إنه يتعرض
لمذبحة فرنسية في الخمسينات من القرن الماضي تعرض لها الشعب الجزائري وهو
يناضل من أجل الاستقلال.
يسري نصر الله هو عنوان رئيسي للمشاركة هذا العام، حيث يعرض فيلمه في
المسابقة الرسمية.. لم يكن فيلمه «بعد الموقعة» هو أول مشاركة له
بالمهرجان، حيث إنه اشترك في القسم الرسمي ولكن خارج المسابقة بفيلم «باب
الشمس» 2005.. ورغم أن يسري مصري وأن عددا كبيرا من الفنيين في الفيلم
مصريون فإن الفيلم لا يحمل الجنسية المصرية، لأن الفيلم يحصل على جنسيته من
خلال جهة الإنتاج، والفيلم شارك في إنتاجه أكثر من دولة مثل سوريا والمغرب
وفرنسا ولبنان ولم تشارك مصر سوى بتوزيعه الداخلي بمصر.. ويسري شارك عام
1988 بأول أفلامه «سرقات صيفية» في قسم «أسبوعي المخرجين».. كان لنا حضور
من خلال يوسف شاهين أيضا في الدورة التي أقيمت عام 2004 وتحمل رقم 57 من
خلال فيلم «إسكندرية نيويورك»، حيث عرض في ختام قسم «نظرة ما»، وهو أحد
الأقسام الهامة في مهرجان «كان».. وفي عام 1999 افتتح هذا القسم فعالياته
أيضا بفيلم يوسف شاهين «الآخر».. يوسف شاهين هو صاحب أكبر رصيد، ليس فقط
على مستوى السينما المصرية أو العربية ولكن العالم كله في عدد المشاركات،
حيث بدأت رحلته مع المهرجان بفيلم «ابن النيل» عام 1952، ثم «صراع في
الوادي» 1954، ثم «الأرض» 1970، وكل هذه الأفلام داخل المسابقة الرسمية، ثم
شارك بـ«العصفور» عام 1974 في قسم «أسبوعي المخرجين»، ثم يغيب عشر سنوات
ليعود عام 1985 بفيلم «وداعا بونابرت» ليعرض في المسابقة الرسمية، ثم عام
1990 «إسكندرية كمان وكمان» في «أسبوعي المخرجين»، وفي العام التالي 1991
يشارك أيضا في قسم «أسبوعي المخرجين» بفيلم «القاهرة منورة بأهلها»، ويتم
اتهام يوسف شاهين بعد أن عرض هذا الفيلم بإهانة مصر وكشف عوراتها أمام
الأجانب، ويتصدى يوسف شاهين لتلك الحملة التي أراد صانعوها أن يسقطوا عنه
الجنسية المصرية.. وهكذا كان ليوسف شاهين حضوره في «كان» حتى لو قابل البعض
هذا الحضور بالغضب.. والحقيقة أن الراحل يوسف شاهين يعتبر أحد كبار النجوم
في «كان»، وتجد صورة له ليس فقط في مقر المهرجان ولكن حتى في شركة الطيران
الفرنسية في «كان».. ورغم ذلك فقد كانت لنا مشاركات منذ نهاية الأربعينات
وحتى منتصف الثمانينات بأفلام ليست من إخراج يوسف شاهين، أتذكر منها «دنيا»
لمحمد كريم في أولى دورات المهرجان 1946، وأيضا «شباب امرأة» لصلاح أبو سيف
1953.. وحرصت تحية كاريوكا على أن ترتدي الجلباب الذي شكّل طابعا مميزا
لشخصية «شفاعات» التي أدتها في فيلم «شباب امرأة». ولم تكن هذه هي المشاركة
الوحيدة للمخرج صلاح أبو سيف، حيث إنه اشترك أيضا بفيلميه «مغامرات عنتر
وعبلة» ثم «الوحش».
المخرج أحمد بدرخان شارك بفيلم «ليلة غرام» بطولة مريم فخر الدين
والمخرج كمال الشيخ.. وكانت له ثلاث مشاركات: «حياة وموت» 1955، ثم «الليلة
الأخيرة» عام 1964، ثم اشترك بفيلم قصير اسمه «لغة الأيدي»، وهو من المرات
القليلة التي أخرج فيها الشيخ أفلاما قصيرة.
في الثمانينات شارك عاطف الطيب عام 1985 بفيلم «الحب فوق هضبة الهرم»
في قسم «أسبوعي المخرجين»، وحرص يوسف شاهين الذي كان يعرض له في نفس الوقت
وفي المسابقة الرسمية فيلمه «وداعا بونابرت» على أن يحضر ليلة عرض فيلم
عاطف الطيب الذي كان أحد تلاميذ شاهين.. وفي عام 1987 عرض المخرج محمد خان
وأيضا في قسم «أسبوعي المخرجين» فيلمه «عودة مواطن».
ومن الواضح أن المشاركات تكاد تقتصر على يوسف شاهين باستثناءات قليلة،
فهو الوحيد الذي يعرف بالضبط شفرة المهرجان، وليس معنى ذلك أن السينما
المصرية لم تحاول أن تجد لنفسها مكانا خارج يوسف شاهين، حاولنا ورفضت
أفلامنا تباعا!! وجود دول مثل المغرب وتونس والجزائر ولبنان وفلسطين له
ثقله الأكبر، وأكبر جائزة حصل عليها مخرج عربي كانت من نصيب محمد الأخضر
حامينا الجزائري، الذي أخذ «الكاميرا الذهبية» عام 1967، وهي جائزة للعمل
الأول عن فيلمه «ريح الأوراس»، ثم في عام 1975 حصل على أكبر جائزة يرصدها
المهرجان وهي «السعفة الذهبية» عن فيلمه «وقائع سنوات الجمر»، وسبق للمخرج
اللبناني الراحل مارون بغدادي أن حصل فيلمه «خارج الحياة» على جائزة لجنة
التحكيم الخاصة عام 1991، وهي نفس الجائزة التي حصل عليها المخرج الفلسطيني
إيليا سليمان عام 2003 عن فيلمه «يد إلهية»، كما أن الجزائري رشيد بو شارب
حصل في 2005 على جائزة لأبطال الفيلم الرجال عن فيلمه «الوطنيون»! فلسطين
لها أيضا مكانة في المهرجان قبل إيليا سليمان من خلال ميشال حليفي بفيلمه
«نشيد الحجر» عام 1990 ورشيد المشهراوي بفيلمه الروائي الأول «حتى إشعار
آخر» عام 1994، ثم بعد عامين شارك بفيلمه «حيفا».. تونس لها رصيد ضخم من
المشاركات مع المخرجين نوري بو زيد بأفلامه الثلاثة «ريح السد» و«صفائح من
ذهب» و«بيزنس»، والمخرجة «مفيدة التلاتيلي» عام 1994 التي شاركت بفيلمها
الأول «صمت القصور» الذي لعبت بطولته هند صبري وكانت لا تزال طفلة. وسبق
لفريد بو غدير أن شارك بفيلمه «الحلفاويين».. أما سوريا فلم يكن مهرجان
«كان» يحمل لها أي جاذبية إلا قبل سبع سنوات عندما اشترك المخرج السوري
أسامة محمد بفيلمه «صندوق الدنيا»، والغريب أنه يُعرض لها في مسابقة الفيلم
القصير هذا العام أيضا فيلم يحمل اسم «الصندوق»! بين العالم العربي و«كان»
حب من طرف واحد وشفرة يعرفها جيدا يوسف شاهين، ولم يسمح سوى لتلميذه يسري
نصر الله بفك رموز هذه الشفرة، وربما تلميذه هو الذي فكها دون الرجوع
لأستاذه.. فهل يستطيع يسري أن يقتنص هذه الدورة جائزة مثل أستاذه؟
الشرق الأوسط في
11/05/2012
قضايا عربية شائكة تتوزع على تظاهرات مهرجان «كان»
إبراهيم العريس
لا يخلو الأمر من مفارقة لافتة: في العام الذي تبدو فيه السينمات
العربية، بشكل عام، ضئيلة الانتاج، وتقف على مفترق طرق من ناحية
مــواضيـــعها وتــوجـهاتـــها العامة والعثور على تمويل لانتاجاتها
الجديدة، ها هي دورة مهرجان «كان» لهذا العام تبدو من أكثر دورات السنوات
الأخيرة احتفاء بهذه السينمات العربية وعرضاً لبعض جديدها، ولا سيما عرضاً
لبعض آخر ما حققه عدد من أبرز مخرجي هذه السينمات، بل لافتٌ بشكل خاص أن
التظاهرة الأكثر أهمية من بين تظاهرات المهرجان، أي «المسابقة الرسمية»
التي تعطي جوائزها في نهاية المهرجان لجنة تحكيم يترأسها المخرج الايطالي
ناني موريتي (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة)، تعود لتستقبل بين المتسابقين
مخرجاً من مصر، بعد أن غابت مصر عن هذه التظاهرة منذ العام 1997، حين شارك
الراحل يوسف شاهين بفيلمه «المصير»، ونال لمجمل أعماله جائزة الخمسينية، ما
أعطى سينماه والسينمات العربية عموماً زخماً كبيراً. المخرج المشارك هذه
المرة هو يسري نصرالله، الذي نعرف انه -أصلاً- تخرج من «مدرسة يوسف شاهين»،
وسبق له ان شارك مرات لا بأس بها في مهرجان «كان» بأفلام سابقة له. هذه
المرة يسعى نصرالله الى الحصول على واحدة من الجوائز الكبرى (ولم ليس
السعفة الذهبية؟) مكرراً مأثرة سينمائية سبقه اليها من مبدعي السينما
العربية أربعةٌ فقط، هم الجزائري محمد الأخضر حامينا (العربي الوحيد الفائز
بالسعفة الذهبية–عام 1975 عن «وقائع سنوات الجمر»)، ويوسف شاهين بالسعفة
التكريمية التي أشرنا اليها عن مجمل عمله، ومارون بغدادي (الفائز عام 1992
بجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن «خارج الحياة»)، وأخيراً ايليا سليمان عن
«يد إلهية». أما الفيلم الذي يشارك نصرالله به، فهو «بعد الموقعة» المستوحى
مباشرة من أحداث ثورة يناير، وبالتحديد في إطلالة روائية على ما يسمى
«موقعة الجمل»، من خلال مشارك في الموقعة التي هاجم خلالها «بلطجية» نظام
الرئيس السابق حسني مبارك جموع المتظاهرين على ظهور الجمال والخيول في
ميدان التحرير. وعن مشاركته هذه يقول نصرالله إنه بما أن مصر «تمر اليوم
بمرحلة صعبة تعاني فيها ازدراء للثقافة والسينما في ظل قيود دينية
وعسكرية... فإن من شأن اختيار هذا الفيلم الذي تم إخراجه بكل حرية، بعيداً
من تلك القيود جميعها وعرضه على الصعيد الدولي، ان يحفّز الفنانين
والسينمائيين...».
عودة التائب الى عذابه
مرزاق علواش، المخرج الجزائري الذي بات مخضرماً بعض الشيء الآن، سيكون
في «كان» ثاني السينمائيين العرب المشاركين بجديدهم، ولكن في تظاهرة «نصف
شهر المخرجين» ذات السمعة الثقافية الكبيرة والتي تعتبر عادة ميداناً
لسينما المؤلف، والمدخل الى التظاهرات والسمعات الأكثر جماهيرية. علواش
الذي تعرفه «كان» عبر العديد من أفلام له سابقة عرضت في تظاهرات المهرجان
المختلفة على مدى يقرب من ثلث قرن (مثل «عمر قتلته» و «داعاً
ابن العم»)، يطرح هو الآخر، كما يفعل زميله نصرالله، واحدة من المشاكل
الشائكة، ولكن، في المجتمع الجزائري المعاصر، عبر فيلمه «التائب» الذي
انتهى تواً من انجازه والذي يتحدث فيه عن مجموعة من الارهابيين تنشر الموت
والدمار في مناطق نائية من الجزائر، ليلتقط من بين المجموعة شاباً مناضلاً
هو رشيد، الذي يقرر ذات لحظة ان الوقت قد حان له، كي يبدل جذرياً من نمط
حياته ويبتعد عن الإرهاب عائداً الى الحياة المدنية في قريته مستفيداً من
قانون عفو خاص أصدرته السلطات. وبالفعل، يعود الشاب «تائباً»، ومن هنا
عنوان الفيلم، ولكن ليجد في طريقه كل العقبات الاجتماعية والإدارية
والقانونية التي لا يمكنها أن تمحو، لا اجتماعياً ولا في داخله، الجرائم
التي اقترفها. منذ الآن يسمي علواش فيلمه «فيلم غضب»، ويريد منه أن يكون
صرخة في وجه الأفكار المسبقة وضروب سوء الفهم وسوء النوايا.
نبيل عيوش السينمائي المغربي الذي حقق لنفسه مكانة أساسية في سينما
بلاده، مخرجاً ومنتجاً، خلال العقود السابقة، لا تقل عن مكانة مرزاق علواش
في الجزائر، أو مكانة يسري نصرالله في مصر، يعود بدوره الى «كان»، وتحديداً
متبارياً، في تظاهرة «نظرة ما» التي تعتبر ثاني تظاهرات المهرجان من حيث
الأهمية. في الفرنسية يحمل الفيلم عنوان «جياد الله»، ولكنه في العربية
يحمل العنوان الذي كان، أصلاً، لرواية ماهيد بن ابين التي اقتبس منها «نجوم
سيدي مومن». ويدور الفيلم، كما الرواية، من حول شخصية ياسين، ابن الدار
البيضاء الشاب القاطن في بيوت التنك، والذي إنما يولد في البؤس ليهلك بعد
ذلك في البؤس نفسه. والحال أننا، بحسب الرواية، يمكننا أن نقول أن الفيلم
يتابع حكاية منطقة (صوّر في ضاحية هرودة على بعد 10 كلم من العاصمة
الاقتصادية للمغرب، الدار البيضاء)، وبؤس وآفاق مسدودة، تجعله يبدو سائراً
على خطى فيلم «بيوتيفول» لألكسندرو اينياريتو، الذي عرض في مسابقة «كان»
قبل عامين من بطولة خافيير بارديم. أما من ناحية أخرى فإن هذا الفيلم –أي
فيلم عيوش– سيبدو وكأنه يتكامل مع فيلم مرزاق علواش من حيث كونه يصوّر
مصيراً يقود بطله الى التعصب والعنف ليوصله الى النقطة التي سيحاول بطل
«التائب» العودة انطلاقاً منها. يقيناً أن الهمّ الذي يحمله فيلم نبيل عيوش
الجديد، سيبدو في كان صورة ما للهمّ الذي يحمله فيلم مرزاق علواش،
والفيلمان لن يقلاّ همّاً عن هم «بعد الموقعة» المصري ليسري نصرالله. في
الحالات الثلاث نحن هنا في قلب ذلك الحراك الاجتماعي المصوّر عبر أفراد
ليقول أشياء اساسية من تلك الحراكات الاجتماعية التي ربما كانت هي جزءاً
مما قاد الى ما يسمى بـ «الربيع العربي». مهما يكن، ليس هذا الاستنتاج سوى
اقتراح مبدئي في انتظار مشاهدة الأفلام الثلاثة في «كان»... مشاهدة لا بأس
من القول منذ الآن انها قادرة على أن تضع بعض أقسى الهموم العربية في مركز
القلب من هذا المهرجان الذي يمتلئ عادة بالهموم امتلاءه بالنجوم ويبدو
دائماً قادراً على التوفيق بين هذه وتلك.
إيليا سليمان في هافانا
ايليا سليمان اسم كبير رابع في حاضر السينمات العربية. ولربما يمكن
القول إن سليمان الفلسطيني هو من أكثر مبدعي السينما العرب حضوراً في دورات
«كان» دورة بعد الأخرى. وهو في أفلام سابقة له عرضت في المهرجان –وأحياناً
في المسابقة الرسمية– ونالت غير جائزة، كما ذكرنا أعلاه، اعتاد ان يحمل همّ
فلسطين الذي نجده محوراً أساسياً في أعماله «المكانيّة»، مثل «يد إلهية» و «الزمن
المتبقي» وحتى «سيبر فلسطين»، غير انه، هذه المرة، إذ يشارك في تظاهرة
«نظرة ما»، لا يبدو واضحاً أن همّ فلسطين يشكل محور عمله، أو هذا ما تبدو
عليه الصورة ظاهرياً على الأقل. كما ان سليمان، الذي اعتاد أن يكون في
سينماه متفرداً – ممثلاً ومخرجاً وكاتباً وربما منتجاً أيضاً –، ليس وحده
على ملصق الفيلم المشارك، بل هو واحد من سبعة مخرجين أتوا من شتى أنحاء
العالم السينمائي، وينتمون جميعاً الى الجيل نفسه الذي ينتمي هو اليه (ومن
بينهم من سبق له أن حقق نجاحات مدهشة في «كان» وغيره من المهرجانات
العريقة، مثل حال الفرنسيين كاسبار نوي ولوران كانتيه) فعلام اجتمع هؤلاء
المخرجون السبعة؟ على فيلم من سبعة أجزاء صوّر في العاصمة الكوبية هافانا
بين 4 آذار (مارس) و6 أيار (مايو) من العام الفائت، ليتابع اسبوعاً واحداً
من حياة هذه المدينة، بحيث أعطي كل مخرج حرية أن يصوّر يوماً واحداً من
أيام الأسبوع المعنيّ. الجزء الذي حققه سليمان يحمل عنوان «يوميات مبتدئ»
ويتناول يوم الخميس.
أما كيف تناول سليمان حكاية ذلك اليوم؟ وهل أدخل فلسطينه في يوميات
العاصمة الكوبية أم لا يزال الوقت أبكر، بالطبع، من أن يوفر لنا جواباً،
علماً بأن هذه ليست المرة الأولى التي يشارك فيها سليمان زملاء مخرجين
آخرين له في فيلم جماعي، إذ نذكر أن بداية إطلالته على جمهور ما، كانت
أوائل سنوات التسعين حين شارك بفيلم «حرب الخليج وبعدين» الذي صوّره وأنتجه
السينمائي التونسي الراحل أحمد بهاء الدين عطية. ويومها كان من بين
المشاركين اللبناني برهان علوية والتونسي نوري بوزيد. أما ايليا سليمان،
فكان في بداياته، ومع هذا بدا من خلال مشاركته في الفيلم سينمائياً مليئاً
بالوعود... الوعود التي حققها وبأكثر مما كنا نتصور خلال السنوات والأفلام
التالية.
إذا عبر هؤلاء المبدعين الأربعة يتحقق في «كان» هذا العام حضور عربي
نتوقع أن يكون لافتاً. غير أن الحضور العربي لن يقتصر على هذه الأفلام
الروائية الطويلة الأربعة، فهناك كذلك مشاركات في تظاهرات، ربما تكون أقل
أهمية، لكنها بالتأكيد ستكون فرصة تطل من خلالها المواهب العربية
السينمائية، التي لا شك ستجد احتضاناً لها في أجنحة عربية، في القرية
العالمية على هامش المهرجان، سيكون أبرزها جناح أبو ظبي وجناح قطر، ناهيك
بالجناح المغربي، الذي لسنا ندري ما إذا كان سيحضر هذه المرة بقوة وزخم كما
كان يفعل في السنين السابقة مواكباً سينما ناهضة ومزدهرة ثمة الآن من يبدي
خشيته على مصائرها! وفي عودة الى العروض لا بد أن نذكر مشاركة عربية من هنا
(محمد بورقبة المغربي مثلاً في مسابقة الأفلام القصيرة بفيلم «هذا الطريق
أمامي»، أو السوري الفلسطيني بسام شخص، في المسابقة نفسها بفيلم «فلسطين»
صندوق الانتظار للبرتقال) وأخرى من هناك (باسكال أبو جمرة، من لبنان بفيلم
«ورائي أشجار الزيتون» في اختيارات «سينفونداسيون»... ناهيك طبعاً بعروض
أخرى سوف تُكتشف خلال أيام المهرجان في تظاهرات أقل أهمية أو في سوق
الفيلم.
أما لتتويج هذا كله، فلا بد من العودة، مرة أخرى، الى ذكر حضور
السينمائية الفلسطينية هيام عباس، ضمن أعضاء لجنة التحكيم التي ستختار، تحت
رئاسة ناني موريتي، الأفلام التي ستفوز في النهاية بالجوائز الكبرى في
المهرجان، أما بالنسبة الى لجنة تحكيم تظاهرة «نظرة ما..» التي يرأسها
الممثل البريطاني/ الأميركي تيم روث، فستكون المنتجة المصرية ماريان خوري
في عداد أعضائها، ما يبرز السينمائيات العربيات، في وقت تجري فيه ألف
محاولة ومحاولة لطمس المرأة العربية على ضوء فضائل الربيع العربي.
ناني موريتي:
شغف بالسينما ومعارك وجوائز بالجملة
على عكس ما كان يتصوّر كثر خلال انعقاد دورة العام الفائت لمهرجان
«كان» السينمائي، خرج ناني موريتي من مولد تلك الدورة بلا حمّص. بدا يومها
أن فيلم المشارك في المسابقة الرسمية «صار عندنا بابا»، لم يقنع لجنة
التحكيم بإعطائه أية جائزة تذكر. يومها لم يعلق موريتي على الأمر كثيراً،
حتى وإن كان المقربون شعروا أن ثمة شيئاً من المرارة اعتراه. فالرجل اعتاد
على الجوائز منذ بداية مشاركاته المهرجانية قبل نحو أربعين عاماً من الآن،
بل وصل ذات مرة إلى نيل سعفة كان الذهبية، وكان ذلك في عام 2001 عن رائعته
«غرفة الابن»، علماً بأن «كان» نفسه كان قبل ذلك بسبع سنوات (1994) قد منحه
جائزة الإخراج عن تحفته الأخرى «كارودياريو». طبعاً لا يتسع المجال هنا
لتعداد الجوائز التي نالها موريتي عن معظم أفلامه ليس في «كان» وحده، بل
كذلك في «البندقية» و «برلين»
و «شيكاغو».. وفي عدد كبير من المهرجانات، في وطنه الإيطالي.
لم يفز موريتي، إذاً، في «كان» الفائت، ولكن قبل أن تنتقل المرارة منه
إلى معجبيه، وهم كثر، كان التعويض قد أتاه: تم وسط تكتم شديد أول الأمر
اختياره رئيساً للجنة التحكيم لدورة هذا العام. وهكذا، ما حرم منه صاحب
«صار عندنا بابا» في العام الفائت، سيعطيه لغيره هذا العام. لمن سيعطيه؟
طبعاً لا نعرف، ولكننا نعرف أن المهمة لن تكون سهلة. وهي مهمة سيقوم بها
موريتي، كعادته، بدقة ونزاهة على الأرجح، في رفقة زملائه الأعضاء الآخرين
في لجنة التحكيم: الفلسطينية هيام عباس والمخرجة الانكليزية اندريا آرنولد
(صاحبة جائزتين من لجنة التحكيم في «كان» نفسه عامي 2006 و2009)، والممثلة
الفرنسية ايمانويل ديفوس، وزميلتها الألمانية الأصل ديان كروغر (شاهدناها
خاصة في «سفلة سيئو السمعة» لكوينتين تارانتينو، في «كان» نفسه قبل أعوام)،
والممثل البريطاني ايون ماكغريغور، إضافة إلى مصمم الأزياء الفرنسي الشهير
جان - بول غوتييه، والمخرج الأميركي ألكسندر باين (من أبرز وآخر أفلامه
«الأحفاد» مع جورج كلوني الذي كاد ينتزع أكثر من «أوسكار» هذا العام،
وأخيراً المخرج والكاتب راؤول بيك من هايتي الذي كان شارك في دورات سابقة
لـ «كان» بخاصة بفيلمين مميزين هما «رجل على الرصيف»
و «لومومبا».
مع مثل هذه الصحبة، من المؤكد أن ناني موريتي سوف يشعر بالراحة.
فالرجل وقبل أي شيء آخر، هاوي سينما ومحبّ للجانب المتقدم منها. ولعل خير
صورة تعبر عن هذا، ليس أفلامه التي بات عددها يربو على العشرين، كمخرج،
والثلاثين كممثل، وليس عشرات الجوائز التي نالها، بل ذلك المشهد الذي
يصوّره في الفيلم القصير «يوم افتتاح عرض فيلم لقطة مكبرة»... الذي حققه و «مثله»
في عام 1996، مبرزاً فيه مشهده كمدير لصالة مسرحية/ سينمائية يحمّس المارة
للدخول ومشاهدة فيلم عباس كيارستمي، «صورة مكبرة» (1996). هنا يمكننا أن
نقول أن موريتي، قال في هذا المشهد أشياء كثيرة، من خلال تعبيره عن حب
السينما، ولكن أيضاً حب الاكتشاف والوقوف أمام ما يتصوره قضايا عادلة...
ولا ريب أن جرّ الناس لمشاهدة فيلم «مجهول» يعتبر بالنسبة إليه قضية عادلة.
لعبة السياسة والذات
غير أن موريتي يحب هنا أن يوسع البيكار كثيراً: فهذه القضايا بالنسبة
إليه ليست سينمائية فقط، بل هي سياسية واجتماعية أيضاً، وكيف لا يكون الأمر
كذلك لدى سينمائي، «جابه» في سينماه، وعبر عقود من السنين طويلة، الدعائم
القوية والسياسية الثلاث للحياة السياسية في إيطاليا: الحزب الشيوعي
واليمين البرلسكوني... والفاتيكان. ولئن كانت هذه المجابهة حاضرة في معظم
سينماه، التي بدأ يحققها منذ عام 1973، فإن في الإمكان هنا ذكر ثلاثة أفلام
على وجه الخصوص تجلت فيها: «الحماقة الحمراء» و «أحلام
ذهبية»، بالنسبة إلى معركته «الداخلية والذاتية» مع الحزب الشيوعي
الإيطالي؟ و «الكايمان» بالنسبة إلى معركته مع برلسكوني، وأخيراً «صار عندنا بابا»
بالنسبة إلى معركته مع الفاتيكان، وهو لئن كان يشعر بالزهو حين يقال له انه
حقق انتصاراً في المعركتين الأوليين (الشروخ العميقة التي أصابت جمود ذاك
الحزب الذي كان الأقوى في إيطاليا على رغم أخطائه ذات يوم، وسقوط برلسكوني
المدوّي بعد ذلك)، فإنه ينبه، إلى أن «صار عندنا بابا» لم يكن، بالنسبة
إليه فيلم معركة مع الفاتيكان، بل فيلماً هو كناية عن طرح همومه السينمائية
والذاتية، جعل من انتخاب البابا واستنكاف هذا الأخير، مجرد ذريعة لها.
مهما يكن لا بد من إشارة أخيرة في هذه العجالة، إلى أن الهم الذاتي،
ممزوجاً بالهم السينمائي، وغالباً في شكل جعل البعض يطلق على موريتي لقب
«وودي آلن إيطاليا»، حاضر بدوره في كل سينماه، ولكن خاصة، قبل الفيلم
الأخير الذي يمثل فيه دوراً رئيسياً، في الفيلمين الذاتيين جداً
والمتكاملين «كارد دياريو» (أجندتي العزيزة) و «أبريل»، اللذين بدوا في نهاية الأمر أشبه بمدونات
يومية في حياة مخرج سينمائي طريف وعميق الفكر، يكاد يكون هو نفسه ناني
موريتي.
المصرية في
11/05/2012
|