حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الثاني والستون

مولد شاعر سينمائى كبير من اليونان

بقلم   سمير فريد 

شهدت مسابقة الأفلام الطويلة عرض تحفة أخرى بعد الفيلم الإيطالى «قيصر يجب أن يموت» إخراج الأخوين تافيانى، وهو الفيلم الألمانى «ميتورا» إخراج سبيروس ستاتوبولوس، الذى يعلن عن مولد شاعر سينمائى كبير.

ولد ستاتوبولوس فى اليونان عام ١٩٧٧، وهاجرت أسرته إلى كولومبيا وهو لم يزل فى صباه، وهناك أخرج أول أفلامه الطويلة «بى فى سى-١» الذى عرض فى نصف شهر المخرجين فى مهرجان كان عام ٢٠٠٧، وكان فيلماً كولومبياً وتجربة فنية شائقة حيث صوره فى لقطة واحدة طولها ٨٥ دقيقة مستخدماً إمكانية ذلك بكاميرا الديجيتال.

«ميتورا» الفيلم الطويل الثانى للمخرج، ولكنه يختلف اختلافاً تاماً عن فيلمه الأول، فهو هنا يعود إلى أصوله اليونانية، أو بالأحرى يثبت أنها تجرى مع العروق فى دمه، ويقدم فيلماً ألمانياً من حيث هوية الإنتاج، ويونانياً خالصاً من حيث الهوية الثقافية، كما يختلف الفيلم من الناحية الفنية، فهو فيلم كلاسيكى بالمعنى الدرامى الدقيق للمصطلح، أى يقوم على الوحدات الأرسطية الثلاث «نسبة إلى منظر الفن الأول أرسطو فى القرن الخامس قبل الميلاد»، وهى وحدات المكان والزمان والموضوع، ويحافظ على نحو متكامل على الكلاسيكية فى الرسم والعمارة من حيث مراعاة التناسق والاتزان ومصادر الضوء الطبيعية.

بين السماء والأرض

مكان الفيلم موقع فريد من نوعه فى العالم فى وسط اليونان حيث تم فى القرن الرابع عشر الميلادى بناء دير للرجال وآخر للنساء على قمتى جبلين متقابلين يفصل بينهما جبل ثالث أصغر، ولم يكن من الغريب أن يتم اختيار الديرين فى قائمة التراث الإنسانى العالمى لهيئة اليونسكو، وعنوان الفيلم هو اسم المنطقة التى يقع فيها هذا الأثر التاريخى، أو ربما تكون قد سميت بعد بنائه، فالكلمة «ميتورا» فى اليونانية تعنى المعلق، وتشير إلى أن الديرين من الأبنية المعلقة بين السماء والأرض.

وزمان الفيلم اليوم، ويبدو هذا من خلال ارتداء أحد الفلاحين فى القرية أسفل الجبال «البنطلون الجينز»، ولكنه يمكن أيضاً أن يكون أى زمان، بما فى ذلك زمان آدم وحواء، أما الموضوع، الذى يرتبط بالمكان المعلق وبالزمن المطلق ارتباطاً عضوياً وثيقاً، فهو الصراع الإنسانى الأزلى بين الجسد والروح، بين الماديات وما فوق الماديات، وبين الغرائز والكوابح الدينية لهذه الغرائز، أى أنه موضوع كلاسيكى بدوره عن الصراع بين العاطفة والواجب.

ويعبر الفنان الذى أخرج الفيلم وصوره وكتبه مع أسيماكيس ألفا باجيداس عن موضوعه من خلال علاقة حب تنشأ بين الراهب تيودور «ثيو ألكسندر» والراهبة يورانيا «تاميلا كوليفا»، والصراع العنيف الذى ينشأ داخل كل منهما، الذى ينتهى بأن يتركا الرهبنة ويعودا إلى الحياة. وربما يقول البعض: وما الجديد فى معالجة الموضوع؟! نقول الجديد فى كل الفن ليس الأفكار و«الرسائل»، وإنما وجهة النظر وأسلوب التعبير عنها.

التمثيل والتشكيل

فى بناء سينمائى محكم فى ٨٠ دقيقة مثلت بناء العمل الموسيقى يبدأ الفيلم بلقطة لثلاث أيقونات من أيقونات دير «ميتورا» المزدوج مع دقات مميزة على الخشب هى طريقة الدير فى إعلان ما يريد الإعلان عنه، ثم نرى رسماً تشكيلياً «تحريك» للدير، ثم الدير فى الواقع، والراهب والراهبة يلتقيان فى الوادى أسفل الدير، ثم يفترقان: هى تصعد إلى دير النساء فى شبكة من الحبال البيضاء، وهو يصعد إلى دير الرجال على سلم طويل، ثم نفس المنظر بالرسوم «التحريك»، وكل ذلك قبل كتابة عنوان الفيلم.

وهذا المدخل - الافتتاحية يقدم للمتفرج مفتاح تلقى الفيلم، فهو عن عالمين أو عالم يفصل بين الرجال والنساء، وكلاهما معلق بين السماء والأرض، أو بين الدير والوادى، والأسلوب يجمع بين اللقطات التمثيلية واللقطات التشكيلية «التحريك»، وعندى أن هذا الفيلم من أهم الأعمال التى جمعت بين هذين الجنسين من أجناس السينما فى كل تاريخها، فالافتتاحية تبدو للوهلة الأولى أن ما نراه مجسداً بالتمثيل يتجرد ويتكرر فى التشكيل، ولكن هذا كما ذكرنا المفتاح للتلقى.

المشاهد التشكيلية بعد ذلك تعبر عن الكوابيس والعذاب الداخلى للراهب والراهبة حيث يتجسد الشيطان لها، وحيث يرى الراهب نفسه يأكل «التفاحة» مثل آدم، ويرى نفسه يدق المسامير فى أيدى المسيح ودمه يملأ الأرض، وعندما تحسم الراهبة الصراع داخلها، نراها فى مشهد تشكيلى تمد شعرها عبر النافذة إلى نافذة حبيبها فى الجانب الآخر، ونراه يسير عليه حتى يصل إليها، وكلها أفكار يستحيل التعبير عنها سوى بالتشكيل «التحريك»، ويتم المونتاج الذى قام به جورج كراج بعبقرية فائقة من دون أدنى قدر من الشعور بالافتعال، كما أن التشكيل ذاته يرتبط بأيقونات ورسوم الدير، وقام به مخرج التحريك البارع فرانك جوفارى.

شعر بلغة السينما

كل لقطة من لقطات الفيلم لوحة تشكيلية كلاسيكية، سواء فى التعبير عن جمال الطبيعة الخارق، أو عن علاقة الحب التى يتبادل فيها الرجل والمرأة الحوار عبر انعكاسات الضوء فى المرايا. وعناصر الأسلوب موظفة لخدمة المعنى، فالشاشة العريضة «سينماسكوب» ضرورية، والألوان أقرب إلى الأبيض والأسود فى التعبير عن الحالة السكونية داخل الدير وفى حياة الرهبان، وأزياؤهم سوداء للرجال والنساء معاً، ويبدو التضاد بينها وبين حياة الفلاحين أسفل الوادى فى مشهد وحيد فى منتصف الفيلم يتم تصويره بالألوان الواقعية.

وتتأكد الحالة السكونية بعدم وجود أى حركة للكاميرا فى كل لقطات الفيلم ماعدا مشهد الفلاحين الوحيد الذى تتحرك فيه الكاميرا «المحمولة على اليد» على نحو صاخب، وبعدم وجود موسيقى، والاكتفاء بدقات الدير وقليل من الكورال الكنسى من الواقع، وبعزف أحد الفلاحين كبار السن الناى باستمتاع شديد.

وفى «ماستر سين» يتناول تيودور الغداء مع يورانيا على العشب فى استعادة خلاقة للوحة رينوار الشهيرة «الغداء على العشب»، وينتهى المشهد بتبادل أول قبلة بينهما، وفى الفيلم مشهدان من مشاهد الممارسة الجنسية، الأول تمارس فيه يورانيا الجنس مع نفسها فى فراشها، والثانى تمارس فيه الجنس مع تيودور فى أحد كهوف الجبل والنور يقتحم الكهف من الخارج، ولكن المشهدين أبعد ما يكونان عن الإثارة، وهذا هو الفن الحقيقى الذى يعبر بجمال ونقاء عن كل شىء.

samirmfarid@hotmail.com

المصري اليوم في

15/02/2012

 

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي الدولي- 5

برلين: محمد رُضا 

لقطة أولى: كيف تقيم مهرجانا ناجحا

مضت تلك الأيام التي كان فيها المهرجان الناجح هو المهرجان الذي يعرض أفلاما تبغي عكس ما يدور العالم حوله. أو ذلك الذي يجمع على شاشته أفضل المعالجات الفنية الممكنة. مضت تلك الفترات التي كان من الكافي والوافي أن يقوم الناقد بمشاهدة أفلام المهرجان والكتابة عليها وحدها، أو أن يقوم السينمائيون بمعاينة أفلام بعضهم البعض ودخولهم في مناقشات ملهمة حول الأسلوب والمعالجات الفنية والميزانسين الذي استخدم هنا أو لم يستخدم هناك… كل ذلك لم يعد يرد وحده بل محيطه الشامل بات بنفس الأهمية.

والمحيط الشامل هو السوق واللقاءات التي تعقد في المهرجان وبسببه.

في برلين سوق زاخر تتمنى، لو كنت سينمائيا عربيا، أن تحضره ولو لم يكن لديك أي شأن آخر يربطك بالمهرجان. على طاولات المقاهي، وهي كثيرة، يترامى الناس يبحثون مشاريعهم. الكل يبحث عن تمويل، وكل تمويل يبحث عن مشاريع. وبين هذه الطاولات هناك أخرى يشغلها ممثلو مهرجانات يحاولون الاستفادة من الأجواء العامة التي يعيشون فيها لإنجاح مهرجاناتهم. يبحثون عمن يفيد إعلاميا أو عمن تراه يشترك في لجنة تحكيم، أو عن الفيلم الأمثل لجلبه.

برلين خلية عمل دائم كما «كان» الفرنسي و«تورونتو» الكندي و«سندانس» الأميركي. السوق يغير وجهات كثيرة ويمنح هويات مختلفة. وإذا ما كان مهرجان فينيسيا لا يزال بلا سوق، فإن ذلك كاد يتغير في العام الماضي لولا إيقاف العمل على حفر منشآت بعدما اصطدم كل ذلك بعراقيل بناء وتمويل.

بالتالي، فإن المهرجان الذي يريد أن يكون ناجحا على مستوى إقليمي أو عالمي عليه أن يمنح المنتج أو الموزع أو الفنان عموما التبرير الذي من أجله عليه أن يشترك. والأمور هي أبعد من مجرد «عزيمة» أو «دعوة» لحضور المهرجان. تستطيع أن تدعو هذا العام عشرين سينمائيا وفي العام المقبل عشرين سينمائيا آخرين، لكن ماذا بعد ذلك؟ ما هي الفائدة؟

هذا التبرير إن لم يكن سوقا نشطة فعلى الأقل توفير مبدأ اللقاءات الجانبية وتأمين عناصرها: كثرة المدعوين الممثلين للأسواق العالمية وللمشترين والموزعين وأصحاب المشاريع. إن قسما كبيرا من هذا بات مؤمّنا في مهرجاني دبي وأبوظبي، لكنه ليس مكتملا. المسألة تحتاج بدورها إلى تبرير أهم: سوق عربية تقبل على شراء الأفلام وتشكل حجما متميزا من الإقبال على الإنتاجات غير الأميركية. بعدم وجود هذا السوق فإن المهرجان العربي سيبقى أعلى مستوى من الواقع. طموح لا بد أن يستمر لكن بذخيرة مختلفة.

فيلم اليوم

* زهور الحرب.. بلا رائحة

* لم أستطع استبعاد صورة المخرج البريطاني مايك لي، رئيس لجنة التحكيم في مهرجان برلين السينمائي هذا العام، وهو يهز رأسه آسفا مشهدا وراء مشهد. إنه شيء يشير بسوء حظ المخرج الصيني زانغ ييمو، إذ يشارك في مسابقة هذا المهرجان تحت عباءة مايك لي وخصوصا إذا ما كان الصيني يتوقع من البريطاني أن يمنحه جائزة.

المفارقة مثيرة لأن مايك لي مجبول على السينما التي تخاطب مشاهديها بوعي وواقعية، من ناحية وبأقل التكاليف من ناحية أخرى. أما زانغ ييمو فهو مستعد لأن ينتقل مما كان يجب أن يكون دراما واقعية إلى أقصى الخيال ثم يعود من دون أن يشعر بأنه تغرب على الإطلاق.

بعد أن نشأ وزميله تشن كايغي في أحضان السينما المنتقدة للنظام الصيني في الثمانينات، وتعرضا إلى المنع حينا وإلى التهديد بالسجن حينا آخر، قرر ييمو ترك السلاح والمضي في سينما بلا متاعب. دخل سينما الفانتازيا القتالية: سيوف وخناجر وسهام وطيران في الفضاء وحروب قرون ما قبل السلطات الشيوعية و… من دون إسقاطات.

«زهور الحرب» هو فيلم درامي مأخوذ عن كتاب مأخوذ بدوره عن حكايات يقال إنها حقيقية، وربما كانت. نحن في مدينة نانكينغ سنة 1937 التي غزتها القوات اليابانية واحتلتها. هناك أميركي مغامر (كرستيان بايل) يعيش هناك ويدعي أنه قسيس وكل همه السطو على مال الكنيسة التي تقع الحرب حولها. لا يجد المال لكنه يجد الشراب وفوق ذلك يجد نفسه في وسط وضع لم يكن يحسبه: الدير فيه ثلاث عشرة فتاة من الطالبات المحافظات وبعد قليل هناك اثنتا عشرة فتاة من نساء الليل اللواتي يهربن من جحيم المعارك ويدخلن الدير للاحتماء به. طبعا لا يريد الوصول إلى الفتيات المتدينات لكنه لا يمانع الاختلاط مع بعض نساء المتعة. هذا لا يقع، لأن الأميركي يفيق على وقع الجنود اليابانيين وهم يقتحمون الدير. نساء الليل يحسن الاختباء تحت الأرض ونساء الدير يركضن في كل اتجاه محاولات الهرب من الجنود الذين عزموا على النيل منهن. هنا يصرخ الرجل: «أنتم أناس شرفاء فتصرفوا كشرفاء»، لكن ذلك الصوت الشجاع يمضي مثل طلقة في الهواء. الذي ينقذ الموقف (بعد هرج ومرج شديدين) هو ذلك المحارب الصيني المختفي في المبني المهدم الكامن في المقابل. رصاصاته تصيب مقتلا جنديا، فيتنادى الجنود ويتركون الدير ويهرعون إلى الشارع باحثين عن «العدو». لكنه بالمرصاد ويطلق رصاصاته على أهدافها الصحيحة. أشلاء الجنود اليابانيين تتطاير في الجو، كل قليل. فقد رتب الأمر على ذلك. عرف أين يضع المتفجرات وكيف يصيبها ليفجرها. وحتى حين يحاصر ويقتل كان خطط ليربط نفسه بعبوات كبيرة تأتي على من بقي من تلك الفرقة. تتساءل وأنت ترى ذلك إذا كان كل المطلوب لدحر الاحتلال الياباني آنذاك نصف دزينة من أمثاله.

لكن الفيلم لا يتصرف كخيال جانح في طريقة توضيبه المشاهد القتالية وتنفيذها على غرار ما نشاهده من أفلام السوبر هيرو، بل إن جنوحه بعيدا عن الحقيقة يوصم كل المشاهد الأخرى. فجأة هناك وقت لإشعال مائتي شمعة لأن ذلك سيخلق جوا لمشهد الفتيات وهن يسرن في خط واحد يستعرضن ملابسهن الجديدة. فجأة هناك ضوء النهار ساطع كما لو أن الشمس مباشرة خارج البيت. كل ذلك وسواه لكي يصنع ييمو لقطة جمالية تشبه الصحون الملونة التي تباع في الدكاكين التراثية الرخيصة. والرخص اسم مناسب لشرح الكيفية التي يعامل بها المخرج اليابانيين: نعم كانوا محتلين عنيفين ونعم اغتصبوا وقتلوا ومثلوا… صحيح، لكن ما يجب أن يأخذه المخرج من كل ذلك هو الوضع المؤلم نفسه وليس الرغبة في التسلية البصرية عبره. ييمو كان عليه أن يشاهد فيلم البولندي أندريه فايدا الرائع «كاتين» حول المذبحة الروسية للضباط والعساكر اليابانيين في الحرب العالمية الثانية حين قام الجيش الستاليني (من دون سبب معلوم سوى صدور أوامر من ستالين) بتجميع حلفائهم البولنديين وتنفيذ حكم الإعدام بألوف منهم. لم يسق المخرج البولندي ذلك على سبيل الاستعراض المبهر والسينما البطولية ولا ولج العواطف المبثورة كالدموع ليبكينا على الضحايا، كما يفعل العبقري ييمو في الثلث الأخير من الفيلم، بل أمّ موضوعه بجدية وخلص منه إلى إثارة رد فعل عقلاني مدروس يعتمد قليلا على العاطفة وكثيرا على المعرفة الإنسانية.

كرستيان بايل ممثل جيد لكنه مبعثر بدوره في هذا الجهد. الشخصية المكتوبة تبدو مترجمة من تلك النمطيات التي أداها غاري كوبر وهمفري بوغارت وروبرت ميتشوم ولي مارفن من قبل: الأميركي الذي يمكن أن تشتريه في أي أزمة ولو بحجم الحرب لأنه لا يقيم وزنا للأخلاقيات والتقاليد أو المبادئ الإنسانية.. هذا بالطبع تمهيدا لتغير حاسم بموقفه ينبع عن وضع مستجد. لا الطريقة التي يؤدي بها بايل الشخصية، ولا الدور كما كتب، قادران على تعميقها قبل وبعد ذلك الانتقال من المغامر إلى الإنساني الذي يكاد يغرق الصالة دموعا وهو يحاول مساعدة الصينيات على الهرب. حتى الحوار مفبرك مع استخدام مفردات نعلم أنها لم تكن واردة كتعابير في ذلك الحين. وفي وقت لا ينفي أحد فيه أن الجيش الياباني قتل مئات الألوف (أفلام صينية سابقة ذكرت 200000 ألف ضحية، ثم أخرى قالت إن الضحايا أكثر من هذا الرقم، وهذا الفيلم يقول أنها أكثر من 300000 ضحية) لكن لأجل هؤلاء الضحايا قبل سواهم، ألم يكن الأمر يستحق فيلما جيدا وبعيدا عن استنزاف العواطف على هذا النحو؟

ميريل ستريب.. امرأة ذات وجوه

* تم يوم أمس الثلاثاء الاحتفاء بالممثلة ميريل ستريب في حفل كبير منحت فيه دبا ذهبيا خاصا عن كل أعمالها. وللمناسبة تم عرض عدد من أفلامها أحدثها هو الفيلم الجديد «امرأة حديدية» التي تؤدي فيه شخصية رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر.

في لقاء «الشرق الأوسط» معها قبل أسابيع، ذكرت الممثلة حجم التحدي الذي واجهها لكي تلعب دور امرأة تختلف معها في عدة وجوه وتلتقي وإياها في وجوه أخرى. التحدي لم يكن لصعوبة أداء الشخصية، فلا صعوبات في هذا المجال- ليس عند ستريب، بل الرغبة في تشخيص مارغريت ثاتشر بحيث إن ميريل ستريب تستطيع أن تذوب فيه. وحسب معظم الذين كتبوا عن الفيلم، الذي سينطلق تجاريا في ألمانيا بعد أيام، فإن مسز ستريب نجحت في أداء شخصية مسز ثاتشر لأبعد حد. السلبيات كانت في غياب مسائل ارتأى الفيلم عدم الاقتراب منها وتغييب بعض الأحداث التي كان عدد كبير من المشاهدين يتوقعون من العمل أن يتناولها.

لكن هذا لا يضير الممثلة ذاتها التي حشد المهرجان لها ستة أفلام أخرى جميعها ذات شخصيات مختلفة. وكلمة مختلفة في محلها ليس في نطاق اختلاف الدور، بل في اختلاف تجسيده. هي الزوجة التي تخسر قضيتها أمام المحكمة وأمام دستين هوفمان في فيلم روبرت بنتون «كرامر ضد كرامر» (1979)، وهي اليهودية البولندية التي تداهمها الحرب في فيلم ألان ج. باكولا «اختيار صوفي» (1982). كل من بنتون وباكولا من المخرجين الذين فشل النقاد العرب في الإحاطة بأعمالهم كاملة وتقديرهم على النحو الذي يستحقونه. الحال تقريبا ذاته مع المخرج مايك نيكولز الذي أخرج من بطولة ميريل ستريب فيلمين «سيلكوود» (1983) المعروض في هذا الاحتفال، و«حرقة قلب» (1986) الذي لا يقل فيه إحساسها بالشخصية التي تؤديها.

أيضا من بين ما هو معروض «خارج أفريقيا» لسيدني بولاك (1985) وفيلمها الوحيد مع الممثل كلينت إيستوود «جسور ماديسون كاونتي» (1995) ثم فيلمها «شركاء البيت الريفي» الذي كان آخر ما حققه المخرج ألفريد روبرت ألتمان (2006).

إنها حفنة من الأفلام تصلح لأن تعرض دائما. كل من لا يعرف عنها، قبل «المرأة الحديدية»، شيئا، عليه أن يشاهدها. وكان يمكن إضافة أفلام أخرى بالغة الأهمية حققتها في مسيرتها التي تحتوي على 55 فيلما حتى الآن مثل «سكون الليل» (روبرت بنتون- 1982)، «امرأة الضابط الفرنسي» (كارل رايز-1979) و«صرخة في الظلام» (فرد شيبيسي- 1988) و«نهر متوحش» لكيرتس هانسن، من بين أخرى.

في حياة ميريل ستريب أيضا فيلم «جوليا» الذي أخرجه الراحل فرد زنمان الذي قادت بطولته كل من جين فوندا وفانيسا ردغريف. الأولى عبرت قبل سنوات من هذا الفيلم عن تأييدها لإسرائيل والثانية وظفت فوزها بالأوسكار لتحيي فلسطين وتنتقد إسرائيل. يا للمفارقة. ميريل ستريب سوف لن تقترب مطلقا من موضوع شائك كهذا ولو أنها عايشت ما حدث وهي بعد شابة صغيرة تحاول أن تشق طريقها وسط الفرص المحدودة حينها. عنصرها الأساسي في الأداء هو العاطفي. نعم لعبت شخصيات كوميدية، آخرها دورها في «إنها مسألة معقدة» قبل ثلاث سنوات، لكن الأدوار العاطفية بقيت أساسا. تلك التي أدتها في «اختيار صوفي» و«سيلكوود» و«السقوط في الحب» و«حرقة قلب» و«أيرونويد» و«غرفة مارفن» و«جسور ماديسون كاونتي» من بين أخرى. حتى تمثيلها لشخصية امرأة تكن شرا ولا تتحمل تبعات ما تقوم به كما حالها في «خارج أفريقيا» أمام روبرت ردفورد كان مغلفا في الواقع بذلك الجوهر العاطفي. قد تكون امرأة صلبة لكنها تبقى محبة ومثيرة للحب أيضا.

الشرق الأوسط في

15/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)