حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان دبي السينمائي الدولي الثامن ـ 2011

"حبيبي راسك خربان" لسوزان يوسف:

عن التزمت والشعر والحبّ في مدينة محتلة مرتين

هوفيك حبشيان

"حبيبي راسك خربان" هو الفيلم الطويل الأول لسوزان يوسف، التي أفادت من صندوق دعم "انجاز" لاتمام باكورتها. فور الانتهاء من المونتاج، وجدت فيلمها في مهرجان البندقية السينمائي، اذ اختاره القائمون عليه لعرضه في قسم "أيام البندقية". من هناك، حطّت في مهرجان دبي السينمائي الثامن، حيث نالت الجائزة الكبرى من يد بيتر وير. ماذا في هذا الشريط الذي ينتصر للحرية الفردية في أرض محتلة احتلالاً كاملاً؟

سوزان يوسف، هذه المرأة ذات الوجه الضحوك دائماً، لم نكن نعرف عنها الكثير، وكان دخولها ثاني اهم مهرجان دولي بمنزلة مفاجأة. ثم عندما تكلمنا معها، أدركنا انها خليط من ثقافات متعددة. فهي ولدت في أرض أميركية (بروكلين ـــ نيويورك)، بعدما هاجر اليها والدها الزحلاوي الأصل وأمها الحمصية. لكن كوزموبوليتيتها لا تنتهي عند هذا الحدّ. تمسكوا جيداً: فهي تنوي الآن إنجاز فيلم في اليابان، علماً انها تقيم في هولندا ومتزوجة من صيني.

أخبرتني في لقاء معها، انها، عندما بلغت الثانية والعشرين، قررت الانتقال الى بيروت، فسكنت فيها لسنتين متتاليتين وعملت مدرّسة وايضاً صحافية لدى "دايلي ستار". وجودها في بلاد الأرز بين 1999 و2001 غيّر حياتها. نتكلم عن حقبة، كانت اسرائيل لا تزال تحتل فيها جنوب لبنان. انطلاق الانتفاضة الثانية حملها الى موضوع فلسطين، بالرغم من انها لم تكن لها أي علاقة بها. ثم تورطت في الهمّ السينمائي، وانجزت فيلماً قصيراً، وهذا ما جعل جامعة تكساس تقبل بها، فالتحقت بها ونالت فيها شهادة ماجيستير.

باشرت يوسف التصوير في غزة عام 2005، ثم عادت الى أميركا، وعندما أرادت العودة مجدداً الى فلسطين المحتلة، رفضت اسرائيل منحها التصريح. على مدى اربع سنوات، فعلت ما في وسعها كي تستطيع الدخول مجدداً، ثم دخلت. لم يكن في حوزتها الا سيناريو أوليّ. الكلّ حذّرها من انه لا يُمكن العمل في غزة، لكنها أصرّت على المحاولة. فتلقت مساعدات كثيرة من ناس كثيرين ولم تواجه أي مشكلة في هذا المجال. طوال سنوات الانتظار، عملت على تنقيح السيناريو بمساعدة دكتور من جباليا، كان نال منحة دراسية ليلتحق بجامعة في بير زيت، ومن هناك الرحيل الى هولندا لمتابعة دراسات عليا. تعرفت إليه حين ذهبت الى هولندا عام 2005 وساعدها على الانتهاء من كتابة السكريبت.

كلّف الفيلم "أكثر من سعر سيارة هوندا وأقلّ من سعر أوستن مارتن"، وفق ما تقوله يوسف. تجمعت الأموال من هنا وهناك. مؤسسة أميركية قدّمت لها نحو 20 ألف دولار. مؤسسة الأميرة غريس دفعت مبلغاً مشابها ومبالغ صغيرة جاءتها ايضاً كهبة، ثم دخل صندوق الدعم "انجاز" التابع لمهرجان دبي على الخط وأنقذ الوضع.

الواقع الفلسطيني، من الاحتلال وانعدام الحريات الى الأصولية الدينية لحركة "حماس"، كان ملهمها الأساسي في "حبيبي...". الأهم انها تطرقت فيه الى تجربتها الشخصية، فتكوّن فيلم (78 دقيقة)، متماسك بصرياً وعلى قدر من الجرأة خطاباً. فيه تشير المخرجة الى الأشياء باسمائها، ببساطة ساذجة أحياناً، معتقدة ان البوح يحلّ المشكلة. تصوّر يوسف غزة سجناً قبيحاً لا منفذ منه سوى من جانب البحر.

انطلاقاً من تنويعة جديدة لحكاية "مجنون ليلى"، تتسلل يوسف الى داخل يوميات فلسطينية فيها الكثير من الشقاء. المخرجة الشابة تصور اللحظة هذه، لحظة الانهيار، لحظة الفخّ، لحظة عودة التمرد الموقت الى العشّ الجماعي الدافئ الذي يسهر عليه "حماة الدين والأخلاق الحميدة". كذلك تعرّفنا الى قيس تائه ضعيف الشخصية، يتمتم كلمات غير مفهومة، وهو يعبر مساحة زمنية من دون ان يجد لنفسه مكاناً في حضنها. في زمن فلسطيني صعب، انه الرقم الخاسر. قبالته، في الضفة، تقف حبيبته ليلى، التي خانها حظّها فولدت انثى في بلاد تعاني شتى أنواع الاحتلال النفسي والتمييز ضدّ الضعيف. بينهما، ثمة حقيقة مؤلمة يتشارك في صنعها كلّ من اسرائيل وحركة "حماس". الاحتلال سيعرف كيف يبتلع الحبّ، وأي كتف من أكتافه تنهشه. أما الشعر فليس سوى فتافيت...

كون الفيلم تجربة شخصية عاشتها المخرجة، فهذا لا ينقذه من بعض الهنات هنا وهنالك. لكن، بالتأكيد، هذا يمنحه الثقة بذاته والعفوية والصدقية. في الآتي، تشرح يوسف كيف أتت بالفكرة ومن أين: "تعرفتُ في غزة، الى مخرج مسرحي اسمه محمد، ووقعتُ في غرامه، فبدأتُ أصوّر علاقتنا معاً. ذات يوم، أخذني محمد الى خان يونس ليريني أولاداً في الثالثة عشرة يلعبون في تمثيلية من وحي "مجنون ليلى". وكانوا يضطلعون بالدورين: ليلى وقيس. كانت هذه المرة الاولى اسمع فيها عن "مجنون ليلى". عندما عدتُ الى نيويورك بدأت أجري الأبحاث عنها".

أرادت يوسف أن تعالج طبيعة العقبات التي تحول دون أن تتكلل علاقة غرامية بين شاب وفتاة بالنجاح، في مكان مثل غزة. هذه العقبات تتخطى العائلة. الفيلم يتحدث عما حلّ بالناس جرّاء الاحتلال الذي يعيشون في ظله. "لا يعرف الآخرون حجم الاحتلال في غزة"، تقول يوسف، "ولا يعرفون ما الذي يُمكن ان يفعله بالحبّ. لو بقي كلٌّ من قيس وليلى في بير زيت ولو لم يسحب الاحتلال منهما التصريح، كان يُمكن أن يبقيا معاً".

في مقابل ذلك، تظهر المخرجة مشكلات داخلية ليست كلها مرتبطة بالاحتلال، كموضوع التزمّت الاسلامي الذي يأتي على يد عناصر "حماس"، اذ يحتلّ حيزاً كبيراً في القصة. انه المقابل الفلسطيني للاحتلال. واحدُ يحتلّ الجسد، والآخر يحتلّ العقل والروح. هذا واضح في خطابها، وهي تؤكده على النحو الآتي: "غزة سجنٌ. لا يمكنك الذهاب الى أي مكان. انها عبارة عن مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون فوق عشرة كيلومترات. أين تريدهم ان يذهبوا؟ حتى مقهى الانترنت لا يستطيعان الذهاب اليه، لأن الاختلاط بين الشباب والبنات ممنوع".

فولكر شلوندورف مشاكسٌ ينهل من ينبوع الأدب

استضاف مهرجان دبي السينمائي في دورته الأخيرة اثنين لا يلتقيان الا في نقطة الخلق الصافي. في الآتي، عودة الى الطريق التي أوصلت كلاً منهما الى النجومية والتكريس.

الأدب ينبوعٌ ينهل منه فولكر شلوندورف أفكاراً نيرة لنقلها الى الشاشة. تلك الشاشة التي أمضي معظم حياته، حيناً خلفها وحيناً قبالتها. شلوندورف، المشاكس وإن تجاوز السبعين، واحد من رموز السينما الألمانية الجديدة في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، من رعيل أطاح الجيل الذي نشأ قبل الحرب العالمية الثانية. بدأ حياته المهنية مساعد مخرج لألان رينه وجان بيار ملفيل ولوي مال. تدرب على يد هؤلاء المعلّمين، وانخرط في أجواء "الموجة الجديدة الفرنسية"، قبل أن يوظف المعرفة التي اكتسبها في فيلم أول عام 1966، مقتبس من رواية لروبرت موزل. لكن رواية أخرى، هذه المرة لهنريش بول، هي التي كانت خلف تكريسه عام 1975: "الشرف الضائع لكاترينا بلوم".

بعد خمس سنوات على هذا الفيلم، قدّم شلوندورف أفلمة بديعة لرواية غونتر غراس، "الطبل"، نال عنها "السعفة الذهب" في مهرجان كانّ عام 1979، مناصفة مع "القيامة الآن" لفرنسيس فورد كوبولا. ثم جاء دور الأميركيين في الاهتمام به، فمنحوه "أوسكار" أفضل فيلم أجنبي، في العام التالي. ثلاث دول شاركت في انجاز هذا الفيلم، ألمانيا، بولونيا وفرنسا. النتيجة مبهرة. انها حكاية أوسكار، الصبي الذي يرفض أن يكبر تحت الهيمنة النازية. لكن الأيام تمر، وتنتهي الحرب العالمية الثانية ثم يموت ستالين، ويقتنع أوسكار بضرورة أن يستعيد عملية نموه، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن...

عام 1980 صنع شلوندورف مفاجأة كبيرة، حينما قرر التخلي عن كل شيء والذهاب الى بيروت لتصوير "المزور" عن حرب الشوارع الدائرة آنذاك في العاصمة اللبنانية. لم يكن الفيلم وثائقياً بل ارتكز على معطيات خيالية. خمسة عملوا على السيناريو: مارغريت فون تروتا، جان كلود كاريير، كاي هرمان، نيكولاس بورن (صاحب الرواية) والمخرج نفسه. خاض شلوندورف مغامرة غاية في الصعوبة. وبرغم الخطر الذي أحدق بكل شيء، أفلح في الاتيان بأسماء مهمة: برونو غانز، هانا شيغولا، جان كارميه، يرزي سكوليموفسكي. انها قصة مراسل ألماني جاء الى بيروت لتغطية النزاع، لكن المصادفة جعلته يلتقي عشيقته السابقة وزوجها، فقضت جحيم الحرب على كل اقتناعاته...

في الثمانينات، واصل شلوندورف انكبابه على روايات كبيرة: عام 1984، جاءنا باقتباس حر لـ"عاشق من سوان" لمارسيل بروست، ثم نقل الى الشاشة "موت بائع متجول" مع داستن هوفمان وجون مالكوفيتش في واحد من أول أدواره. بعد ذلك، عبر عقدين من الزمن، أشبه بمن يعبر الصحراء، قبل أن يجد نفسه مجدداً مع "أولزان" (2008)، حيث استعان بقدرات جان كلود كاريير الكتابية لتأليف النصّ. النتيجة: ساعة ونصف الساعة من المغامرات عبر مساحات قازاقستان الشاسعة برفقة رجل فرنسي (فيليب تورتون) الهارب من حياة مأسوية.

في مقابلة مع محطة "آرتي" روى شلوندورف انه كان يحلم بأن ينقل الى الشاشة "الحرب والسلم" لتولستوي و"رحلة الى أقاصي الليل" للوي فردينان سيلين. وأضاف: "... لكن، مشاريع كهذه أفضل أن تبقى مجرد استيهامات. عادة، الروايات هي التي تختارني. رواية لم أكن حتى أنوي تصفحها، تصبح فجأة الأهم في نظري".

اليوم، لا يكتفي شلوندورف بصناعة الأفلام، لكنه يعلّم ايضاً في برلين وفرصوفيا. ويبرر هذا بالقول انه يحب أن يتشارك المعرفة التي يملكها مع الأقل منه سناً: "أحبّ أن أعلّم لأنني أحبّ أن يكون لدى الشباب فكرة عما في انتظارهم. فالسينما ليست فقط مهنة بهرجة وسجادة حمراء. السينما تحتاج للكثير من العمل المضني". يقول هذا معترفاً، انه ليس من السهل على النابغة الذي كانه ذات زمن، أن يُدرَج اليوم في لائحة العجزة. 

آيه آر رحمن: موسيقى متمردة جزئياً لكن متجذرة في الروح

حكاية آيه آر رحمن مع الموسيقى تعود الى سنوات صباه، كونه وُلد في عائلة موسيقيين، فشربها مع الحليب، مذ أبصر النور وشبّ وتعرّف الى الحياة في منطقة شنا الهندية (مادراس سابقاً) في أواخر الستينات من القرن الماضي، علماً انه يبلغ اليوم من العمر 45 عاماً. في التاسعة، توفى والده فألقيت على عاتقه مسؤولية الاهتمام بأمه واخواته. في الثمانينات، تخلى عن اسمه الاصلي ديليب كومار، فصار آيه آر رحمن، اثر اعتناق عائلته الدين الاسلامي.

عندما بات ناضجاً، صار ينحاز الى المعلوماتية والتقنيات التي يتيحها الكومبيوتر في التأليف الموسيقي، لذا نراه واحداً من الذين يدرجون دائماً الموسيقى الالكترونية في مقطوعاته، وهو من الذين أدخلوا مؤثر الـ"سينتيتايزر" في الألحان التي ألّفها لأفلام هندية لا تُحصى، وعنده دائماً الرغبة في التجديد، انطلاقاً من ايمانه بأن التجريب عنصر اساسي في الفنّ.

على الرغم من انه بعث روحاً جديدة في افلام بوليوود التي تدور دائماً على التيمات نفسها، لم يقطع مع بعض التقاليد المعمول بها في بلاد الأساطير والروحانيات، ولم يتمرد، الا جزئياً، على الارث الذي تركه اجداده في مجال الموسيقى. ظلت موسيقاه مستندة الى الفولكلور الهندي، لكنه ادخل اليها الايقاعيات المختلفة. عام 1998، طار صيته أكثر فأكثر مع "شايا شايا"، المتضمنة شيئاً من الصوفية. العالم التالي، شارك مايكل جاكسون في واحد من كونسيراته الشهيرة في ميونيخ. موسيقى هذا الرجل الذي صار مفخرة وطنية، باتت تحط في مسارح العالم، من وست اند البريطاني الى برودواي الأميركي.

ككل فنان ألمعي، لم يسلم من النقد، فطاوله هجوم أنصار التطرف الثقافي الذين يريدون للتراث ان يبقى جامداً لا يقبل أي تعديل أو تطوير. الحملات التي شُنّت عليه لم تمنعه من التحليق في سماء الموسيقى، فصار واحداً من أهم رموزها الحداثيين، وجذبت تأليفاته الموسيقية ليس فقط اهتمام الغرب بل فازت ايضاً بقلوب مواطنيه. كما يعود اليه الفضل في تعريف الموسيقى الهندية عالمياً بمقطوعات ترضي أذواق غير المطلعين على تلك الثقافة.

بدأ حياته في السينما مع فيلم "روخا" (1992) لماني راتمان، ثم تلاه "رانغيلا" لرام غوبال فارما عام 1995، ومذذاك ألّف موسيقى عدد كبير من الأفلام، وحاز عنها جوائز دولية. عن فيلم راتمان، نال جائزة أفضل ادارة موسيقية، واعتُبر هذا الشيء سابقة بالنسبة الى موسيقي مبتدئ. أما "رانغيلا"، فأتاح له تأكيد موهبته، فكرّت سبحة أفلام مثل "بومباي"، "ديل سي"، "تال"، "لاغان"، الخ.

اضافة الى الـ"غولدن غلوب" والـ"بافتا"، لديه أيضاً أوسكاران، نالهما عام 2009 عن "المليونير المتشرد" لداني بويل، واحد عن الموسيقى التي وضعها لهذا الفيلم، وثان لأغنية "جاي هو"، التي لفّت الدنيا واستعملها جون غاليانو في عرض أزياء. بلغت مبيعات ألبوماته الى اليوم 200 مليون نسخة، ما عدا ملايين النسخ المقرصنة التي تُباع في الأسواق. من أعماله ايضاً نسخة جديدة للنشيد الوطني الهندي وعنوانها "فانديه ماتارام" وضعها عام 2007، كما انه ألّف ألبوماً اسمه "جانا غانا مانا"، عبارة عن تجميع مقاطع موسيقية لمؤلفين هنود كبار.

موسيقى آيه آر رحمن متجذّرة في الروح والحساسيات التي نجدها في أفضل التقاليد الكلاسيكية الهندية، لكنها تحتفظ بالقدرة على إحداث صدى دولي. هنا تلمع خبرة المايسترو الذي تخرّج من اوكسفورد. إنه سفير ممتاز للهند المعاصرة، وهو يستوحي من التأثيرات المحلية والعالمية على السواء، لكنه مرتاح مع هوياتها المتعدّدة.

لا يرى آيه آر رحمن تعارضاً في أن يكون مسلماً تقياً ويبتكر موسيقى رائعة للأفلام. إنه واثق من نفسه ومرتاح الى أن يكون هندياً ومنتمياً إلى التاميل.

النهار اللبنانية في

22/12/2011

 

مخرج زفير الحائز على تقديرية مهرجان دبي.. عمر زهيري:

بطلا فيلمي من دار المسنّين

كتب: القاهرة – هيثم عسران  

في تجربته القصيرة الأولى «زفير»، قدم المخرج عمر زهيري فيلماً صامتاً يرصد مشاكل المجتمع، فحاز العمل على شهادة تقدير من مهرجان «دبي» في دورته الأخيرة.

عن الفيلم ورؤيته للسينما المصرية كان اللقاء التالي معه.

·         حدثنا عن فكرة فيلمك الأخير «زفير»؟

تدور أحداث الفيلم في 20 دقيقة تقريباً من خلال حياة زوجين تخطيا السبعين من العمر ويعيشان سوياً في منزل بسيط، فيواجهان مشاكل الحياة اليومية التي يشهدها المجتمع المصري كله.

يظهر كل من الزوجين بمفرده في غالبية مشاهد الفيلم، إذ اعتمدت على طريقة مختلفة سواء في التصوير أم في تقديم الشخصيات، ولم أستند إلى حوار مشترك. على رغم هذا، نتعرف إلى رؤية كل منهما لما يحيط بهما من هموم وقضايا لا تؤرقهما فحسب، لكنها تؤرق الجميع من حولهما.

·         ما هي المدة التي استغرقتها في التحضير للفيلم؟

تحضير الفيلم  بدأ منذ أكثر من عام، لكن التصوير بالكامل تمَّ خلال خمسة أيام فقط، وفكرة الفيلم استمديتها من مواقف حقيقية عايشتها بنفسي، أردت نقلها عبر عمل سينمائي.

·         الفيلم تجربتك الأولى في مجال الأفلام القصيرة، فلماذا اخترت أن يكون صامتاً؟

اعتبر الحوار جزءاً من توجيه المشاهد، كذلك حركة الكاميرا وغيرها من أمور تسهم في وصول فكرة الفيلم والرؤية التي يطرحها، فأنا أرفض توجيه الممثل بشكل مباشر، تلك الوسيلة ليست من اختياراتي ولا طريقتي في التعبير، لذا كان اختياري أن يكون الفيلم صامتاً، وتكون تعبيرات الوجه هي البطل الحقيقي.

اخترت الصمت، لأنه جزء من حالة الرفض التي ينتهجها البعض وهو لا يعني العجز أو عدم القدرة على المواجهة. باختصار، يكون الصمت غالباً أفضل من الكلام.

·         هل وجدت صعوبة في اختيار الأبطال؟

كنت حريصاً على انتهاج الواقعية في التعبير عن رؤيتي في الفيلم بدرجة كبيرة، لذا كان قراري بالابتعاد عن النجوم وتقديم شخصيات تظهر لأول مرة على الشاشة، ونظراً إلى خصوصية السيناريو كان يجب علينا البحث عن شخصيات مناسبة تجاوزت سن السبعين، فلجأت إلى إحدى دور المسنين واخترت منها بطلي الفيلم أحمد مازن وجليلة.

·         على أي أساس تم الاختيار؟

لم يكن الاختيار سهلاً، لذا كان لقائي في البداية بالموجودين في الدار وعرضت عليهم فكرة التمثيل وجلست معهم جميعاً لاختيار أفضل الشخصيات التي يمكنها تقديم الفيلم. بعد محاولات عدة، اخترت بطلي الفيلم مع مراعاة توافر الحد الأدنى من الموهبة التمثيلية والبناء الجسماني والمرحلة العمرية، بحثاً عن مزيد من المصداقية لضمان وصول الرسالة.

·         هل وجدت صعوبة في التعامل مع البطلين أمام الكاميرا؟

حاولت توفير مناخ من الود بينهما وبين مجمل فريق العمل كي نشعر جميعاً بالآلفة، فضلاً عن توفير الجو المناسب خلال التصوير، خصوصاً أن تعبيرات الوجه هي بطل الأحداث الحقيقي، وكان عليَّ إيصال الفكرة إلى الأبطال من خلال جعلهم يتعايشون مع الأحداث قبل التصوير وأعتقد أن النتيجة ظهرت على الشاشة.

·         ماذا عن أماكن التصوير؟

على رغم أن الديكور كان يمكن بناؤه، لكن حرصي على الواقعية دفعني إلى البحث عن شقة تحتوي على المواصفات المطلوبة للأحداث، وفعلاً وجدتها في ضاحية مصر الجديدة.

·         تواجه الأفلام القصيرة عادة مشكلة في الإنتاج، كيف تغلبت عليها؟

التقيت بالمنتج محمد سمير الذي تحمس للفكرة، ووفر لي الإمكانات لخروج الفيلم إلى النور.

·         هل توقعت أن تحصل على شهادة تكريم عن الفيلم في مهرجان دبي السينمائي الدولي؟

لم أفكر في ذلك، وكل ما كان يهمني هو أن أصنع فيلماً سينمائياً.

عندما شاهدت الفيلم للمرة الأولى لم أعرف إذا كان جيداً أم لا، لكن عرضه وحصوله على شهادة تقدير جعلني أشعر بقيمته. فعلاً، شهادة التقدير من مهرجان «دبي» كانت حافزاً قوياً لي، خصوصاً أن الأفلام التي شاركت في المهرجان حصلت على جوائز من مهرجانات عالمية أخرى.

·         هل تشعر بعدم الرضا عن بعض المشاهد في الفيلم؟

خلال التصوير نفَّذت السيناريو كما كتبته من دون أي تعديلات، لكن خلال المونتاج وضعت مشاهد الفيلم في سياق مختلف نسبياً وغيَّرت بعضها بما يتواءم مع رؤيتي عنها.

·         لماذا اخترت عنوان «زفير» للفيلم؟

أقصد بالزفير الهواء الفاسد الذي يخرج من الجسم، وهو يناسب أحداث الفيلم التي استوحيتها من وقائع حقيقية فعلاً، ووجدت أن تقديمها في عمل تسجيلي سيكون أفضل من كتابتها لعمل روائي، ولأن تفكيري يختلف عن الفكر السينمائي السائد سعيت إلى أن تكون التجربة مستقلة.

·         أخبرنا عن جديدك.

أعمل راهناً كمساعد مخرج في فيلم «ريم ومحمود وفاطمة» مع المخرج يسري نصر الله. يتناول الفيلم أحداث الثورة المصرية منذ بدايتها ولم ننتهي منه حتى الآن.

الجريدة الكويتية في

26/12/2011

 

وجهة نظر:

دبي السينمائي..دورة لبنانية بامتياز

رامي عبد الرازق 

في اليوم الأخير لانتهاء فعاليات مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الثامنة يكتشف المتابع أن ثمة أحد عشر فيلما لبنانيا روائيا ووثائقيا وقصيرا ضمن برامج ومسابقات المهرجان الخاصة بالأفلام العربية وهي المهر العربي للأفلام الطويلة و المهر العربي للافلام الوثائقية الطويلة وبرنامج ليال عربية.

من هذه الأفلام الأحد عشر هناك سبعة أفلام حائزة على تمويل من منحة "إنجاز" التي يقدمها المهرجان، وذلك في مقابل ثلاثة أفلام من الأردن هي"عمو نشأت"و"فرق سبع ساعات" و"الجمعة الأخيرة" وفيلم واحد من مصر "مولود في 25 يناير" للمخرج أحمد رشوان.

لا شك أن الأفلام اللبنانية العشرة الطويلة اذا استثنا الفيلم القصير"مكان يعاد" -في مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة والذي فاز بشهادة تقدير- لا شك تمثل هذه الأفلام نوعا من الطفرة في مجال صناعة السينما في لبنان سواء على مستوى كم الإنتاج أو تنوع واختلاف الموضوعات، صحيح أن بعضها يبدو بسيطا وربما بدائيا في بعض الاحيان مما يثير تساؤلا حول أحقيته عن غيره بمشروع المنحة مثل فيلم "كل هذا وأكثر" للمخرج "وسام شرف " الذي يقوم على استعراض المواد الارشيفية المصحوب ببعض اللقاءت التليفزيونية لشخصيات تجلس على كرسي وهو في زمنه وشكله أقرب للحلقات التليفزيونية منه للفيلم التسجيلي ذو الشخصية البصرية والموضوعية المختلفة، وباستثناء جملة شديدة الذكاء قيلت عبر التعليق الصوتي وهو أن "النسوان صارت هي بترول لبنان" لم يكن الفيلم في شكله البسيط وأسلوبه التليفزيوني قد علق في ذهن المتفرج.

في مقابل هذا نجد ان أفلام مثل"الحوض الخامس" لسيمون الهبر أو"تشي جيفارا مات في لبنان" للمخرجة كريستينا فريج صعب  بها الكثير من المحاولات التوثيقية والمغامرات السينمائية التي تشي بنوع من الطزاجة والابتكار.

من الملاحظ ان أغلب الأفلام اللبنانية المشاركة في الدورة الحالية والحاصلة على منحة انجاز تشترك في سمات متشابهة :

اولا: إن معظمهم يتحدث عن المقارنة الزمنية بين الماضي والحاضر متخذا من فترة الحرب الاهلية مساحة وجدانية للبوح والشكوى والنقد السياسي والاجتماعي للواقع الحالي، وهو ما يتجلى في أفلام"تنورة ماكسي" للمخرج يوسف جو بوعيد و"تاكسي البلد" للمخرج دانيال جوزيف والحوض الخامس و"تشي جيفارا مات في لبنان" و"كل هذا و أكثر" و"مرسيدس" إخراج هادي زكاك وهو فيلم مبتكر يقوم بسرد قصة حياة بلد من خلال عربة مرسيدس180 وصلت في الخمسينيات إلى لبنان وعاصرت ستين عاما من التقلبات السياسية وويلات الحرب وقد حصل على جائزة اتحاد النقاد الدولي "فيبريسكس" كأحسن فيلم في هذه الدورة.

والعنصر الثاني هو الاعتماد على الشهادات الحية لكل من عاصروا الاحداث واستخدام المادة الأرشيفية المصورة حتى في الأفلام الروائية مثل فيلم"تنورة ماكسي" الذي يستخدم فيه المخرج البوم صور أبيه وأمه الحقيقيين بينما يحاول هو ان يعيد سرد او تخيل قصة لقائهم في الجنوب في زمن الحرب.

العنصر الثالث هو الجرأة سواء على مستوى اللفظ او اللغة أو على مستوى توجيه النقد السياسي والاجتماعي والإشارة إلى استمرار المشاكل الطائفية والعرقية في لبنان.

فاغلب الافلام تتخذ من العامية اللبنانية بشتائمها المعروفة واشاراتها الأباحية وتعليقاتها الساخرة مادة لها وهو ما لا يمكن أن يحدث مثلا في الأفلام المصرية فلا يمكن أن نسمع كلمة عاهرة في لفظها العامي أو يمكن ذكر عورة المرأة في لفظها الدارج.

كما ان هناك افلام توجه بشكل صريح نقدها لفترة حكم الحريري او تبدي تعاطفا معه وتشير إلى سيطرة رجال الأعمال على مشاريع إعمار لبنان وعلى استمرار الشعور بالاحتقان تحت جلد الوطن الواحد.

حيث نشاهد في"تنورة ماكسي"جذور الصراع الطائفي من ايام ما قبل الحرب مثل المشهد الذي يحمل فيه جندي ماروني حذاء طفل صغير عثر عليه في سيارة مجموعة من اللاجئين قادمين من المناطق الشرقية فيقول لهم أنه يمكن أن يكون قد حمل اتربة من مناطق غير نظيفة وهي اشارة طائفية بالطبع كذلك عندما يحاول نفس الجندي الأعتداء على اسرة فلسطينية قائلا إن الحرب لا تصبح حربا إلا عندما يقتل الاخ أخاه.

وفي فيلم الحوض الخامس يتحدث والد المخرج الذي أصبح سائق تاكسي عن بيع مناطق كثيرة من وسط المدينة والكورنيش إلى لجان الأعمال من خلال كلمة واحدة فقط "الحريري" قاصدا طبقة رجال الأعمال مثل الحريري ومعاملاتهم الأقتصادية في وطن يعاني، ويتبع هذه الأشارة بالحديث عن وجبة العشاء التي صارت بخمسين دولارا بعد أن كانت بليرات قليلة قبل الحرب.

العنصر الرابع هو فكرة بورتريه المدينة فأغلب الافلام تتجول كاميرات صناعها في شوارع بيروت وتتوقف امام وجوه وملامح بناياتها وبشرها وشاطئها، حتى الروائي منها مثل تاكسي البلد الذي يعتبر بورتريه حقيقي عن هذه المدينة الآن، وفيلم الحوض الخامس الوثائقي الذي يحكي عن الحوض الخامس بميناء بيروت قبل وبعد الحرب وفيلم"مرسيدس" وفيلم "بيروت بالليل" لدانيال عربيد الذي تدو احداثه في احد فنادق بيروت وبالمناسبة فقد منع عرض هذا الفيلم في لبنان لأسباب امنية.

الجزيرة الوثائقية في

26/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)