حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

«الشرق الأوسط» في مهرجان أبوظبي السينمائي

أبوظبي: محمد رُضا

سينما نجيب محفوظ تتلألأ على شاشة «أبوظبي» في اليوم السادس عشر من المهرجان تم تقديم ندوة عن السينما ونجيب محفوظ بمناسبة مرور مائة سنة على ميلاده شارك فيها عدد من المتحدثين، بينهم الناقد سمير فريد الذي بين أهمية الروائي الكبير وموقعه في الأدب والسينما.

وهناك كتاب على الهامش وضعه خمسة نقاد ومنظرين تحت عنوان «نجيب محفوظ سينمائيا». يحمل الفهرس أن هناك تقديما باسم مدير المهرجان بيتر سكارلت، لكن الصفحة المخصصة لذلك بيضاء وعلى المرء تجاوزها مباشرة إلى المقالات والدراسات المنشورة التي تبدأ ببحث لسمير فريد بعنوان «نجيب محفوظ كاتبا للسينما» وهو بحث مستخلص من تاريخ مسجل لعلاقة الكاتب بالسينما وتطورها وكيف أحبها ولو أنه افتقد فيها الحرية التي كان يتمتع بها كمؤلف للكتب وليس ككاتب سيناريو.

الزميل إبراهيم العريس (ولو أن الفهرس يذكره على أنه إبراهيم الريس) تناول شيئا بعنوان «كيف للصورة أن تستوعب العام والخاص معا» دراسة ذات فكرة جيدة بأسلوب المؤلف الإنشائي الذي اشتهر به.

وهناك مقال مترجم بعنوان «محفوظ.. روابط من الطرف الآخر»، ثم دراسة جيدة من كمال رمزي عنوانها «نجوم السينما في سفينة نجيب محفوظ»، وآخر من وائل عبد الفتاح عنوانه «مسرح شفاعات».

هذا الاحتفال الخاص مصحوب بالطبع بعدد من الأفلام المهمة في تاريخ سينما نجيب محفوظ. هناك «درب المهابيل» للمخرج توفيق صالح (1955) مع شكري سرحان وبرلنتي عبد الحميد. ليس فقط أول أفلام المخرج المعتزل حاليا، بل أيضا أحد أكثر الأفلام المقتبسة عن روايات نجيب محفوظ كشفا صريحا عن المواطن العادي الذي يخفي في داخله شخصية مناقضة أو غير عادية لا تخرج إلا حين تنقلب الظروف ويتبدل وضع قائم إلى آخر. بعد خمس سنوات على ذلك الفيلم أخرج صلاح أبو سيف فيلمين من أعمال نجيب محفوظ هما «بداية ونهاية» و«بين السماء والأرض»، وكلاهما يختلف عن الآخر في أوجه حاسمة من بينها المنهج المتوخى لتقديم الحكاية الاجتماعية. والمخرج الراحل صاحب أكبر كم من الأفلام المقتبسة عن روايات نجيب محفوظ: 12 فيلما، أي بفارق عشرة أفلام عن المخرج الذي يليه (يوسف شاهين وعاطف سالم). «بداية ونهاية» هو بحث الروائي الاجتماعي الآخر عن بذور الفقر والحاجة في مجتمع متلاطم التضحيات. وعلى عكس روايات أخرى له فإن المرأة لا تلعب هنا دورا مساندا بل رئيسيا مجسدة السبل الموصدة أمامها لتحسين مستواها المعيشي، لكن ذلك لا يعني أنها وحدها في السعي. كذلك فإن الحكاية تجعلها طرفا في عائلة منقسمة الشأن بسبب اختلاف جذري بين أشقائها الثلاثة.

هو أيضا أحد أكثر الأفلام التي انتمت إلى اقتباسات السينما المصرية من أعمال محفوظ إبرازا لعنصر التمثيل، ذلك الذي فاق صلاح أبو سيف كل المخرجين الآخرين في شروط تأمين الممثل المناسب للدور. عمر الشريف وفريد شوقي وكمال حسين وصلاح منصور لجانب سناء جميل وأمينة رزق.

أما «بين السماء والأرض» فهو نجيب وأبو سيف على خفيف. ليس الفيلم بمستوى أعمال أبو سيف الأخرى، لكنه واحد من أفضل أفلام السينما الكوميدية المصرية في تلك المرحلة. حكاية الشخصيات التي يكتظ بها المصعد الذي يصيبه العطل بين الأدوار وكيف سيمضي من فيه تلك الساعات وما الذي يحدث في العالم الخارجي في الوقت ذاته، وما إذا كان البعض سيتوب عن معاصيه معتبرا أن العطل لم يكن سوى اختبار إلهي. الجواب، ممثل بشخصية سعيد أبو بكر، هو لا. بعد عامين أدلى المخرج البارع الآخر كمال الشيخ بدلوه وأنجز «اللص والكلاب» مختارا شكري سرحان وشادية (التي لعبت أيضا بطولة «زقاق المدق») وكمال الشناوي (وجه مفضل لدى الشيخ) وفاخر فاخر وصلاح منصور للأدوار الأولى في حكاية هي أكثر من مجرد «انتقامية»، كما ورد في مصادر متعددة. إنها دراما ذات أبعاد سياسية محددة غير خافية ولو أن المخرج كمال الشيخ كثيرا ما ركز في معرض حديثه عن هذا الفيلم، وعن فيلميه اللاحقين «الهارب» و«على من نطلق الرصاص» على أنه لا يتعامل والطروحات السياسية، بل ما يهمه هو العمل السينمائي. البعض فقط لا يرى الفارق الكبير بين الناحيتين الذي يصل إلى حد التناقض. «اللص والكلاب» هو فيلم ممتاز أولا يتضمن موضوعا سياسيا ثانيا. ونسبة لميل الشيخ إلى السينما التشويقية فإن اختيار هذه الرواية لكي ينقلها (وهي من خارج سياق معظم روايات محفوظ الأخرى) ليس غريبا على الإطلاق.

كذلك ليس غريبا أن يدلو المخرج حسن الإمام بدلوه في عالم نجيب محفوظ مختارا «بين القصرين»، (الأولى في ثلاثية الكاتب الشهيرة) فالعالم الذي رصفه الكاتب لم يكن بعيدا عن العالم الذي اهتم الإمام بنقله إلى الشاشة: الصورة ذات الحجم الكبير العاكسة لشخصيات العالم وطبقاته ونوازعه وعواطفه. لكن في حين أن نجيب محفوظ تناول ذلك من خلال تحليله الرصين في الطبقات والشرائح الاجتماعية وعبر تحليله الاجتماعي البارع، اكتفى حسن الإمام بنقل الصورة العامة ثم اختار تزيينها مبرزا «ميلودرامية العواطف والأحداث» والمغالاة في غزلها على النحو المبرز للغرائز كشأنه في معظم أعماله الأخرى. ما يبقى على شاشة «بين القصرين» هو القصة القوية بمضامينها وشخصياتها. ما يسقط من الفيلم هو المعالجة الجادة بالفعل. هذه المعالجة الجادة، يوفرها المخرج علي بدرخان في فيلمه «الجوع». تم إنتاج هذا الفيلم في منتصف الثمانينات، وهي الفترة التي نشط فيها اقتباس ما تبقى من حرافيش محفوظ ورواياته الشعبية المختلفة، فأمها في الثمانينات يحيى العلمي «فتوات بولاق» وحسام الدين مصطفى «وكالة البلح» و«الحرافيش» وسمير سيف «المطارد» ووصل الأمر إلى حد الاعتداء على أدب محفوظ كما تمثل الحال في «شهد الملكة» لحسام الدين مصطفى و«التوت والنبوت» لنيازي مصطفى و«نور العيون» لحسين كمال.

«الجوع» من خارج هذه الأعمال كاملة كونه يعود إلى القديم من دون أن يلغي التوقيع الشخصي للسينمائي. فيلم رصين وكالحكاية المستوحى منها أمين للعالم الذي تمثّله البيئة وشخصياتها المتلاطمة مع أدوار هي اليوم تاريخية ليسرا وسعاد حسني ومحمد عبد العزيز وعبد العزيز مخيون.

شهادات تقدير لمنتجي المستقبل

* قامت مجلة «فاراياتي أرابيا» خلال المهرجان بمنح خمس شهادات تقدير خاصة لخمسة منتجين موهوبين كجزء من حملتها لتوسيع رقعة الاحتفاء بالمواهب الجديدة بين الكتاب والمخرجين والممثلين على أمل أن تستطيع أن تلعب الدور المناط بها ولتشجيعها على الاستمرار، خصوصا في مثل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها الثقافة عموما.

الفكرة سديدة وكان يمكن لمطبوعات مختلفة تهتم بهذا المجال أن تقوم بها، لكن المميز هو أنها تصدر عن مجلة متخصصة، استنادا إلى أصلها الأميركي، بأحوال السوق والإنتاج وأمور الصناعة ككل. هذا من دون أن تبتعد عن تحقيق غاية ثقافية وفنية وتتعامل مع الواقع الإنتاجي العربي على نحو مختلف.

وقد تم اختيار المنتجين الخمسة من دول عربية مختلفة هي مصر والمغرب والأردن والعراق وفلسطين. الممثل والمنتج المصري عمرو واكد كان الاختيار الصائب من حيث إنه من بعد عشرين سنة قضاها في التمثيل، يتحول الآن إلى الإنتاج وفيلمه الأول في هذا المجال وعنوانه (R For Revolution) مرشح الآن لمسابقة مهرجان برلين. يقول عمرو واكد لنا: «لا أريد أقل من المسابقة. أعلم أن بعض الأفلام المصرية سابقا ما طمحت إلى المسابقات الدولية، لكنها رضيت لاحقا بالعروض الجانبية، إلا أنني لن أقبل بذلك وإذا لم يقبل برلين به في المسابقة عرضته على (كان). أعرف قيمة الفيلم وهذا ما أريد التأكيد عليه».

الفيلم يدور في فلك الثورة المصرية الأخيرة وهو من إخراج إبراهيم البطوط الذي لا يزال يشهد نجاحات متوالية نسبة لفيلمه الأخير «الحاوي». وكان واكد عرض نحو عشر دقائق تم تصويرها من الفيلم في عرض خاص لنا ولبعض الصحافيين والسينمائيين اتضح منها أن المنتج ومخرجه لم يتسرعا في تصوير أي ما يخطر على البال، بل عمدا إلى دراسة الموضوع جيدا ومنح المخرج فرصة مواصلة أسلوبه الخاص في العمل.

كذلك تم اختيار المنتجة المغربية لمياء الشريبي وذلك بعدما لوحظ انشغالها المتواصل في العمل السينمائي، فهي أنجزت ثلاثة أفلام في عامين: أنتجت فيلما للمخرجة نرجس نجار بعنوان «العاشق» وأنتجت لهشام العصري فيلم «النهاية» الذي عرض هنا يوم أمس بنجاح ملحوظ، كما أنجزت عملا تلفزيونيا عنوان «أب ذات مرة». وحاليا مشغولة بالعمل على فيلم وثائقي بعنوان «كل ما أريد فعله» الذي يتناول أحلاما مجهضة لرجل في الثامنة والأربعين من عمره.

من العراق المنتج عطية الدراجي، شقيق المخرج محمد الدراجي «ابن بابل» الذي عرض في هذا المهرجان فيلما جديدا عنوانه «في أحضان أمي». المنتج الرابع متمثل بالسينمائية الأردنية رولا ناصر وهي منتجة الفيلم الجيد «مدن ترانزيت» الذي كان نال أكثر من جائزة في مهرجان دبي السينمائي الدولي في العام الماضي.

ومن فلسطين تم تقديم الشهادة ذاتها إلى سائد أنضوني وهو مونتير ومصور ويقف على أهبة تحقيق فيلمه التسجيلي الطويل الأول قائلا: «بعد طول تفكير وجدت نفسي في عالم السينما الوثائقية. أعتقد أنني أستطيع النجاح أكثر في التعبير عن نفسي».

في طيات ذلك دار الحديث طويلا حول وضع السينما العربية في هذه الفترة بالذات.

الرأي السائد متفائل، فالغالبية من الموجودين العرب يؤكد أن الأحوال سوف تتمخض عن استقلالية السينما عن القديم والتقليدي والجماهيري وأنها ستستفيد بالتأكيد من المعطيات المختلفة ومنها كف يد الرقابة. بل يعتقد المنتج عطية الدراجي أنه لم تعد هناك رقابة في العراق، بينما يذهب المنتج والممثل عمرو واكد إلى اعتبار أن الرقابة ما زالت موجودة بالفعل في مصر، وربما ستبقى موجودة لكنها لن تستطيع البقاء بنفس سلطاتها السابقة.

ما هي المتغيرات المنتظرة من جراء هذه الأحداث والثورات التي قيل إنها ثورة الربيع وقد مر عليها الصيف والخريف وقريبا الشتاء؟

السؤال يبقى بلا إجابات محددة، مما يعيد إلى الأذهان أن التفاؤل بالتغييرات على هذا النحو لا يفيد كثيرا فالواقع سيبقى ماثلا بقوانينه الخاصة. وكما تم الذكر هنا سابقا، فإن السينما المستقلة أو البديلة بحاجة دائما إلى السينما الجماهيرية إلا إذا كان المطلوب أفلاما وليس صناعة كاملة.

الأفلام العربية المعروضة تفيد بأن هناك تفكيرا جديدا من مخرجين ومنتجين وكتاب جدد يودون تجاوز الحاضر ومتاعبه، لكن يجب ألا ننسى أن هذا التفكير الجديد ليس حديثا انطلق فجأة من بعد ثورتي تونس ومصر، بل سبقت السينما سواها في التعبير عنه على أكثر من نحو. ومع أن الثورات العربية كانت حديث المهرجانات في «كان» و«فنيسيا» و«تورنتو» و«كابالبيو» وهي حاليا حديث أبوظبي وقريبا الدوحة، وربما - بعد ذلك - دبي، إلا أنه، وبانتظار أول فيلم مركز وموثوق ومشغول بالدرجة الضرورية من الأسلوبية والفن، فإن أحدا لا يستطيع التأكد من مدى تجاوب المشاهدين معها. هل ستعصف بالجمهور وتتحول الأفلام إلى نجاحات كبيرة تنقذ الهبوط الانتحاري الذي تشهده السينما العربية أو أنها ستواجه في عالمنا العربي ما واجهته الأفلام الأميركية التي تحدثت عن حرب العراق من فشل؟

الشرق الأوسط في

20/10/2011

 

واجهوا مصيركم مثل (أسماء)

خالد محمود  

«أنا مش خايفة من المرض.. أنا خايفة منكم أنتم».. كانت الجملة قاسية والنظرة أكثر قسوة عندما وقفت أسماء تنظر لمشاهدى قصتها أمام الشاشة، تحاول أن تخاطبهم فى مشاعرهم وتزلزل أفكارهم وتعيد حساباتهم.. كانت كلمات أسماء ونظرتها ورجفتها نبض ينتفض داخل الجميع.. فقد وصلت الرسالة: نعم لم نعد نلقى رءوسنا فى الرمال حينما يصيبنا مكروه أو مرض قد يؤدى بنا فى النهاية إلى مفارقة الحياة.. لم نعد نخشى الاعتراف بما يوجعنا ويؤلمنى حتى لو كان وراءه مرض أحد أهم أسبابه سيئة السمعة.

كان الأداء فى هذا المشهد رائعا موحيا ومؤكدا موهبة كبيرة ناصعة النضج هى هند صبرى، التى قبلت التحدى فى تجسيد تلك الشخصية التى يحمل عنوان الفيلم اسمها «أسماء»، ذلك التحدى الذى جعلها تبكى متأثرة بمشاهدة نفسها، وبدت وكأنها توحدت مع الشخصية المأساة التى لم يستطع الجمهور أيضا أن يمنع دموعه.. تلك الدموع التى فجرها ذلك الأداء وتلك اللقطات الأكثر واقعية والصورة الشفافة، وتتابع سر الحكاية الذكى، وهو تتابع جاء بلا افتعال أو فزلكه تحسب لمخرجه عمرو سلامة، الذى كتب الفيلم أيضا وظل يعد له ست سنوات.

وحكاية أسماء تبدأ وتنتهى من منطقة ساخنة دراميا.. فهى امرأة فى الأربعين من عمرها مصابة بفيروس الإيدز، ولديها فتاة طالبة ثانوى وتعيش فى القاهرة مع والدها وابنتها، كانت أسماء تعيش فى إحدى قرى ريف القليوبية مع والدها تكافح معه وتشاركه لقمة العيش، حيث تصنع السجاد اليدوى وتبيعه، وتوقع بأحد الشباب الريفى المجند فى الحب ــ رامى عادلى ــ وتتزوجه ويحلم الاثنان بإنجاب طفل يرث الأرض التى ورثها الزوج وأخوه الذى لم ينجب، وتصر أسماء على مواصلة عملها الذى تحبه رغم رفض الزوج، لكنه يوافق تحت ضغط الحب، وفى أحد الأيام تشتبك أسماء مع أحد رجال السوق المنافسين، فيقتله الزوج دفاعا عن زوجته ويدخل على إثر الحادث السجن، وهناك يصاب بالإيدز، وهنا تتكشف أسرار الحكاية والإجابة عن السؤال الدائر طوال الفيلم «إيه سبب إصابتك بالإيدز يا أسماء»؟

المهم يحاول الزوج أن يبتعد عن زوجته وتتغير مشاعره تجاهها خوفا من إصابتها، بل ويطلقها لكنها تصر على العيش معه وتحقيق حلم إنجاب طفل، ولم تخش انتقال المرض إليها أو موتها، خاصة بعد أن ذهبت لسؤال الطبيب عن الحالة وقال لها: إن الطفل لا يمكن أن يصاب طالما تحافظين على نفسك! وبالفعل حملت أسماء وأنجبت حبيبة، لكن يموت الزوج وتخرج أسماء من القرية لتواجه مصيرًا آخر بالقاهرة.

وبين مشاهد القرية ومشاهد القاهرة كانت تنتقل كاميرا أحمد جابر بسلالة، فنحن هنا فى المطار، حيث تعمل أسماء وتطلب منها مديرتها أوراق التعيين، ولم تستطع أسماء الهروب أكثر من ذلك فهى تخشى اكتشاف أمرها، وبالتالى الرفت، لكنها فى النهاية تأتى بالأوراق ويتم طردها بالذوق بحجة أن زملاءها لا يريدونها خوفا من انتشار العدوى، ونرى أسماء تذهب لإحدى العيادات الخاصة بالعلاج النفسى الجماعى لتفضفض بقصتها هناك فقط، لكنها تخشى من مواجهة المجتمع ومن تأثير معرفة سرها على ابنتها المراهقة.. وفى كل تلك الحالات هى تعانى من آلام فى المرارة نتيجة عدوى، وفى كل مرة تذهب فيها لطبيب أو مستشفى يرفض إجراء العملية خوفا من العدوى.. وهنا تنطلق صرخة أسماء.. وتحت إلحاح مقدم أحد برامج التوك شو «ماجد الكدوانى» تقرر أسماء الظهور فى البرنامج وتتكلم عن أزمتها فى رفض الأطباء معالجتها من المرارة.. تلك المرارة التى ترمز لمرض أكبر وأخطر من الإصابة بالإيدز نفسه، بل من نظرة المجتمع للمريضة وعدم الاعتراف بحقها فى الحياة، وجعلها تعانى من مشاعر العزلة الاجتماعية خوفا من اكتشاف أمر مرضها حتى وإن كان لأقرب إنسان لها.

وكانت اللحظة رائعة الأداء والتصوير والإضاءة والحبكة حينما جلست أسماء أمام المذيع التليفزيونى لتقرر أن تختار ما بين فضح سرها أو أن تواصل معاناتها فى صمت وينتقل المشهد ليذكرنا ببدايات حلوة ومرة لأسماء.. ويدفعنا دفعا إلى ضرورة الاعتراف والمواجهة وإطلاق رصاصات أخلاقية تجاه المجتمع الرافض لقبول التعامل مع هؤلاء المرضى، ونرى من جديد الحلقة التليفزيونية لنرى المذيع الذى يلح على أسماء لتكشف سبب إصابتها بالإيدز أمام الناس، لكنها تصر على الرفض، وهو الإلحاح والسؤال الذى تكرر عبر مواقف كثيرة كنت أرى أنه لا يوجد داعى لها، لتسير الحكاية بنعومتها وقسوتها دون طرح أسئلة مباشرة، إنما يبدو أن مشاركة برنامج الأمم المتحدة المعنى بفيروس نقص المناعة البشرية فى الإنتاج كان له دور فى خط سير تلك المنطقة من الأحداث، خاصة فى مشروع سينمائى يلقى الضوء على حاملى المرض والأضرار التى يواجهونها فى بلدان نامية مثل مصر، وإن كان أهم من يسير عليه الفيلم الكشف عن أن أسماء لم تتحطم داخليا ونفسيا وجسديا فقط، وإنما المهانة التى يعانى منها حامل الفيروس الذى يرغب فى أن يعيش حياة طبيعية وكانت الشخصية إيجابية بقرار أسماء كسر حاجز الخوف للمطالبة بحقوقها فى الرعاية الصحية.. وبدا الفيروس الحقيقى فى عقول الأشخاص الذين يشاهدون ويحكمون.

واقع الأمر أن فيلم أسماء يمثل حالة خاصة فى السينما المصرية.. حالة كنا فى حنين إليها منذ سنوات، وكم كانت انفعالات الصالة حاضرة جدا مع كل همسة ونظرة لبطلة قصتنا التى أصابت هند صبرى فى مشاعرها، وبالتالى نقلت حالة القلق للجميع.. فقد أدانت مجتمعًا وحاكمته ومنحته فرصة للبراءة إذا أراد التغيير. بل ومنح الفيلم السينما المصرية فرصة للتألق من جديد عبر المهرجانات العالمية، خاصة أن صناعة الشباب من عمرو سلامة ومحمد حفظى وبشرى يملكون مفردات الصعود بإنتاج سينما يمكن أن تغير نظرة القلق من حال أفلامنا بعد الثورة.

فالفيلم الذى شهدت شاشة مهرجان أبوظبى عرضه الأول وينافس على جائزة مسابقة آفاق يرصد قصة امرأة حقيقية، واستعان المخرج بحالات واقعية مصابة بالإيدز رفضوا الكشف عن هوياتهم، كما لو كانوا مجرمين، لكن تبقى هناك حالات أراها تشكل جزءا سلبيا على دراما الحدث، وهى مثل الشاب الفلاح الذى جسد لأخ زوج أسماء، كيف له أن يكون مدمنا ويحقن نفسه دون تمهيد لواقعيته. أيضا رغم الحضور الطاغى للمذيع محسن السيسى ــ الذى قدمه ماجد الكدوانى ــ والذى نجح فيه ماجد برسم ملامح خاصة بطريقة كلامه وعصبيته التى تقترب إلى حد ما من أجواء أدائه المميز فى فيلم 678، تلك النوعية من الشخصيات التى يبدو أنه وجد نفسه فيها، إلا أن مساحة مشاهد التوك شو على الشاشة فى فيلم سينمائى كانت طويلة إلى حد ما ــ حوالى 17 دقيقة ــ كما أشار الناقد الكبير كمال رمزى إلى أن وجود التوك شو بهذه المساحة يمكن أن يكون فى مسلسل درامى وليس فى فيلم سينمائى.. على الجانب الآخر هناك مشاهد كانت شديدة التأثر وبمثابة فلاشات لواقع الشخصية مثل ذلك المشهد الذى جمع بين أسماء وخطيبها فى السيارة ــ أحمد كمال ــ حين سألها كنت بتخافى من إيه يا أسماء وانت صغيرة؟ وترد كنت أخاف أنام فى الضلمة.. ودلوقت بأخاف أنام فى النور! وأيضا مشهد لقاء أسماء بمدير المستشفى الذى سيعمل لها العملية مجانا بشرط أن تجيب عن سؤاله: إيه سبب إصابتك الإيدز؟ فترد عليه: إنت الفلوس اللى هتعملى بيها العملية دى حلال يا دكتور.. جبتها منين.. قالتها أسماء بأداء عفوى رائع.. وكأن الصالة كلها تريد أن تسأل نفس السؤال شأنه شأن أسئلة أخرى كثيرة طرحتها نظرات وانفعالات أسماء ومحسن وحبيبة.. رغم أن الأخيرة حاكمت أمها بانفعال غير مبرر.

لكنها حياة السينما التى تشبه إلى حد كبير عالمنا وحياتنا فى هذا الفيلم.. تضحية.. هم.. خوف.. تردد.. مواجهة أحيانا.. لحظات سعادة قليلة.. رضا.

الشروق المصرية في

20/10/2011

 

"أبوظبي السينمائي" يوزع جوائز اللؤلؤة السوداء على الفائزين بمسابقة الإمارات

رسالة أبوظبي: علا الشافعي 

يشهد مهرجان أبوظبي السينمائي اليوم الخميس عدداً من الأحدث المميزة حيث تعلن هذا المساء القائمة الكاملة من الفائزين بجوائز اللؤلؤة السوداء في مسابقة الأفلام القصيرة، ومسابقة أفلام الإمارات الخاصة بالأفلام القصيرة الإماراتية والخليجية، ضمن حفل توزيع الجوائز المقام في فيرمونت باب البحر.

انطلقت مسابقة أفلام الإمارات (تحت اسم أفلام من الإمارات) في العام 2001، كواحدة من أوائل المسابقات للأفلام في الإمارات العربية المتحدة، بهدف دعم الإنتاج الفيلمي في منطقة الخليج، وسرعان ما تحوّلت إلى المنصة الأولى للمخرجين الإماراتيين والخليجيين لعرض أفلامهم ومشاركة تجاربهم. تلقت المسابقة، التي انضمت إلى مهرجان أبوظبي السينمائي العام الماضي، 177 مشاركة، اختير منها ضمن مسابقة هذا العام 46 فيلماً قصيراً من جميع دول مجلس التعاون الخليجي، من بينها 33 فيلماً إماراتياً.

تشكل مسابقة الأفلام القصيرة الخاصة بالأفلام الروائية والوثائقية وأفلام التحريك القصيرة لمخرجين جدد أو مكرسين من جميع أنحاء العالم، مصدر دعم للأفلام القصيرة. تنافس في دورة 2011، 31 فيلماً قصيراً من 23 بلداً، كما تميزت دورة هذا العام بإطلاق جائزتين جديدتين خصصتا لمنتجي الأفلام القصيرة.

كما يشهد اليوم (فيرمونت، 12:30 – 2 ظ) إقامة حفل خاص تمنح عبره مجلة "فارييتي" المخرج الإيراني أصغر فرهادي جائزة "مخرج الشرق الاوسط" لهذا العام. (يمكن التقاط الصور من 12:30 -1 ظ. الحفل خاص بالمدعوين فقط

وفي فيرمونت أيضاً تقام صباح اليوم جلسة نقاشية بعنوان "من الأفلام القصيرة إلى الطويلة"، فبالنسبة إلى العديد من المخرجين يوفر الفيلم القصير منصة ضرورية لإثارة الاهتمام وتأمين التمويل لمشاريعهم السينمائية الطويلة. لكن ما هي التحديات التي ترافق هذه القفزة من الأفلام القصيرة إلى الطويلة؟ وما هي المتطلبات الفنية الجديدة التي تواجه الكاتب والمخرج وغيرهما؟ وهل من الممكن العمل مع الفريق نفسه، أم أن الأمر يتطلب فريقاً جديداً؟ كيف تتبدل التوقعات بالنسبة إلى الإنتاج النهائي؟ هذه الأسئلة وغيرها يناقشها اليوم مجموعة من المخرجين الذين يتشاركون تجاربهم ويقدمون النصح لصناع الأفلام الجدد، ويناقشون الاتجاهات الراهنة والقضايا التي تواجه صناعة الفيلم القصير. يتضمن المشاركون نواف الجناحي (مخرج "ظل البحر")، وغيره من المخرجين المشاركين في مهرجان أبوظبي السينمائي.

وضمن العروض المميزة لليوم يقدم ضمن مسابقة آفاق جديدة العرض العالمي الأول للفيلم الاسباني "ولاية (دموع من رمال)" إخراج بيدرو بيريز روسادو، الذي يتابع ببساطة شديدة عودة شابة في مقتبل العمر من مهجرها في إسبانيا إلى موطنها في الصحراء الغربية لتواجه السؤال التقليدي ذاته: هل تكتفي بزيارتها العابرة لقبر والدتها أم أن هنالك ما يجذبها للاستقرار والعودة النهائية. فيلم يلعب فيه المكان وأبعاده والعلاقات وتشكيلاتها ككيان مستقل وكبطل إضافي مما أغناه بشكل كبير.

كما ويقدم ضمن آفاق جديدة أيضاً العرض الدولي الأول لفيلم "هذا المكان الضيق" للمخرج اللبناني سوني قدّوح، الذي يأخذنا في أجواء معتمة شبه كابوسية يطغى عليها الخراب والأسى، وتغدو فيها شوارع ديترويت وأمكنتها نسخة عن غزة المحاصرة والمدمرة بعد حرب العام 2008، إلا أن فسحة من الضوء تلوح مع إيجاد كل من الشابين حسن وكريس شقيقه الروحي في أحدهما الآخر، ليترتب على هذه الصداقة الخاصة التي نبتت في أغرب الأمكنة والظروف أن تخضع لاختبارات كثيرة.

وتتواصل العروض لتقدم لنا مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ثلاثة عناوين تدور حول العلاقات العائلية وما قد تؤول إليه علاقة المرأة بالرجل في إطار الأعراف وضغوط المجتمع. فمن إيران يحضر فيلم المخرج أصغر فرهادي "انفصال نادر وسيمين" ليناقش عناصر الولاء والحقيقة والشرف في دراما عائلية آسرة. جذب هذا الفيلم أنظار الجمهور إليه في كافة أنحاء العالم منذ عرضه المظفر للمرة الأولى في البرلينالة حيث حصل على جائزة أفضل فيلم وحصل ممثلاه الرئيسيان على جائزة أفضل تمثيل وهو نجاح لم يحققه أي فيلم إيراني من قبل في المهرجانات السينمائية في الغرب.

ومن روسيا فيلم "إيلينا" للمخرج أندري زفياكنتسوف، عن الزوجة الثانية لرجل ثري، تكتشف أنه ربما ينتهي بها الأمر مفلسةً، وما تواجهه من خيارات صعبة. أداءات رائعة وإخراج بارع جعلت من هذا الفيلم أحد أكثر أفلام هذا العام نيلا للاستحسان النقدي.

في حين يأخذنا فيلم "تريشنا" للمخرج مايكل وينتربوتوم، في سرد لحكاية الصعود الساذج والسقوط المأساوي لامرأة في خضم ما تعيشه الهند المعاصرة، من خلال قصة حب تربط هذه المرأة الريفية بابن أحد رجال الأعمال الأثرياء في لندن وعدم قدرة هذه العلاقة على الصمود أمام ضغوط المجتمع الريفي خلال اصطدامه بالحياة الحديثة.

وفي الأجواء الهندية نتابع لكن ضمن مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة مع فيلم "صبي الماراثون" إخراج غيما أتوال، الذي تجري أحداثه في الضواحي الفقيرة والمعدمة لولاية أوريسا الهندية حيث نتعرف على بطلين من الحياة الحقيقة والمصير غير المتوقع الذي وصلا إليه. أحد الافلام التسجيلية القليلة التي لا تعتمد فقط على ذاكرة أبطال القصة ومن عاشوها معهم، بل تسجل فصولها وتحولاتها في أثناء حدوثها وذلك على امتداد خمس سنوات.

ويكمل برنامج عروض السينما العالمية مع فيلم "جورج هاريسون: العيش في العالم المادي" للمخرج مارتن سكورسيزي، الذي يعيدنا إلى فرقة "البيتلز" عبر سرد رحلة أحد أعضائها (جورج هاريسون) من نجوميته في عالم موسيقى الروك إلى بحثه عن المعنى في الحياة الروحية. وذلك عبر مجموعة كبيرة من المواد المصورة التي لم تشاهد من قبل والأغنيات التي لم تذع إضافة إلى مقابلات مع هاريسون وغير ذلك من شخصيات و أحداث غنية عاشها هذا الفنان.

ونبقى مع السير الذاتية ولكن في إطار مسابقة "عالمنا" التي تواصل عروضها اليوم مع فيلم "قرصان البيئة: قصة بول واطسن" إخراج تريش دولمان، الذي يحكي قصة نضال بيئي بطلها بول واطسن الذي يقود منذ نحو أربعة عقود حرباً شعواء ضد سفن صيد الحيتان، محققاً النجاحات أحياناً، ومصاباً بالغخفاقات في أحيان أخرى، إلا أن هذه المهمة التي يخوضها مع فريقه المتفاني ساهمت في رفع درجة الوعي العالمي تجاه مخاطر صيد الحيتان على البيئة.

وعلى الطريقة المكسيكية نتابع احتفال المهرجان بنجيب محفوظ رجل السينما، من خلال فيلم "بداية ونهاية" للمخرج ارتورو ريبستين، الفيلم المكسيكي المأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب.

عروض الهواء الطلق المجانية على شاطئ فيرمونت تحمل لنا اليوم إعادة للعرض الإيطالي المزدوج لفيلمي "العائلة الكلية" و"لدينا حبر أعظم". كما يعاد اليوم عرض فيلم "18 يوم" و "فليحفظ الرب حذائي" (سينما عالمية)؛ "أسباب القلب" و"ديما براندو"(روائي طويل)؛ "ظل البحر" و "صائد الغيلان" (آفاق جديدة)؛ "يوميات" و "مكان بين النجوم" (وثائقي طويل).

اليوم السابع المصرية في

20/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)