حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مقالات من داخل المهرجان

عندما يكون الحبّ مرآة بيئة

"ظلّ البحر" للإماراتي نوّاف الجناحي

نديم جرجوره

لا مبالغة في القول إن المخرج الإماراتي الشاب نواف الجناحي بات أقدر على الذهاب بالفن البصريّ إلى مدى أبعد. بات أقدر على تثبيت حضوره في المشهد البصريّ الإماراتي أولاً، والخليجيّ ثانياً، لأنه خطى خطوات جادّة في الإخراج والكتابة السينمائيين. فيلمه الروائي الطويل الثاني "ظلّ البحر" ("آفاق جديدة")، عكس رغبة دفينة في تحويل الكاميرا إلى عين تلتقط نبض الذات الفردية والحراك الجماعي، داخل البيئة المحدّدة جغرافياً، أو المنفتحة على اللامكان، باتّجاه الحسّ الإنساني الأوسع. فيلمه الجديد هذا اتّخذ من الحبّ ركيزة درامية، ومن المراهقة منطلقاً فنياً، ومن المناخ التقليدي في المجتمع والعلاقات القائمة بين الناس المقيمين في ريف خليجي واحد، فضاءً مفتوحاً على مغزى تحويل الحكايات البسيطة إلى أفلام تسعى لتفعيل صناعة فيلمية ما.

يُمكن القول إن "ظلّ البحر" احتفالٌ بمرور عشرة أعوام على بداية الطريق السينمائية لنواف الجناحي. صحيحٌ أنه احتفالٌ بنواف الجناحي السينمائيّ الشاب أولاً، واحتفال نواف الجناحي باشتغالاته السينمائية ثانياً. لكن، أياً يكن الأمر، فإن "ظلّ البحر"، المُنجز بعد ثلاثة أعوام على الروائي الطويل الأول "الدائرة"، محاولة إضافية لجعل التقنيات البصرية أكثر طواعية للعقل والمخيّلة. وعلى الرغم من أن المضمون الدرامي لـ"ظلّ البحر" معروفٌ ومتداول كثيراً في الصناعة الفيلمية هنا وهناك، إلاّ أن لمسة نواف الجناحي منحته شيئاً من تمايز خاصّ به، متمثّل بالحساسية المتواضعة في رسم ملامح العلاقة العاطفية البريئة والجميلة بين مراهقين اثنين. ومع أن "الدائرة" بدا أمتن درامياً وأفضل شكلاً في مقاربته حالات إنسانية دفعت أصحابها إلى حافة المجهول، فقد حافظ "ظلّ البحر" على سويته المتداخلة بتعقيدات الحياة القروية القاسية بحقّ البراءة والمراهقة والبدايات الأولى لإدراك معنى الانفعال والحرية. وإذا انغلق "الدائرة" على نفوس محدّدة، مُصابة بالقهر والألم والرغبة العنيفة في الخروج من مأزق الوجود، فإن "ظلّ البحر" ابتعد عن السوداوية القاتلة تلك، في محاولة جادّة لفهم الحساسيات الإنسانية، وفقاً لقواعد العيش الريفي.

إذاً، أمضى المخرج الإماراتي الشاب نواف الجناحي عشرة أعوام متتالية في الاشتغال السينمائي المتنوّع. أفلام قصيرة وأخرى طويلة. أفلام مستلّة من بيئة اجتماعية محلية، لكنها مفتوحة على المساحة الأوسع للناس وحكاياتهم. لا تعنيه الخصوصية المحلية الضيّقة، لأنه منفتح على العمق الإنساني للفرد، وعلى موقعه في الحياة، وعلى مساره الحياتي أيضاً. لأنه منفتح على الارتباكات الحاصلة في النفس الفردية وروحها، وفي شعورها الذاتيّ بأفق مسدود، أو بانغلاق الدنيا عليها. البيئة المحلية ركيزة ما، لأنها المنطلق الذي جعل نواف الجناحي، المولود في إمارة أبوظبي في السابع من فبراير (شباط) 1977، مُدرك (بحسب أفلامه على الأقلّ) خصوصية الذات في ارتباطها المرتبك بذاتها، وفي علاقاتها بالآخرين. لأنها المنطلق الذي أفضى بأفلامه، لغاية الآن، إلى الإمساك بشيء من المبطّن في التباس العلاقات الإنسانية وسط انهيارات وانكسارات جمّة. وسط خيبات عدّة أيضاً.

القصّة عادية في "الدائرة"، شكلاً على الأقلّ. إنها جزء من لعبة الحياة والموت. الخروج من البيئة الضيّقة إلى الأمكنة الأوسع فكرةٌ ملازمة للعمل السينمائي الخاصّ به. هنا، تداخلت مجموعة تفاصيل هامشية في صناعة المتن الحكائيّ: سرقة تؤدّي إلى صداقة. مرض قاتل يؤدّي إلى اكتشاف حقائق. قدر مسيطر على رغبات أو أحلام مُطالبٌ بجعل السياق الدرامي أكثر تعقيداً وتصادماً. شخصيات ثلاث بُنِيَ المكتوبُ عليها: كاتب صحافي ذاهبٌ إلى الموت جرّاء مرض قاتل. مجرم محترف أُدخل عنوة إلى عالم السرقة لتسديد دين. شابٌ مصطدم ببشاعة الدنيا والحياة، يجد نفسه داخل دائرة مغلقة من النزاعات. الاشتغال التقني متكامل. المعالجة الدرامية أيضاً. القتل والسرقة وظيفتان لبلوغ لحظة تواصل ما بين الأطراف الثلاثة. لكن الموت غالبٌ، والقدر يتسلّى بممارسة ألاعيبه على الناس. في المقابل، لا شيء من هذا كلّه موجودٌ في "ظلّ البحر". أي أن التناقضات والمصائر الغامضة والاشتباك غير المحسوب سلفاً بين شخصيات مُقلة بألف همّ وحكاية في "الدائرة"، باتت في "ظلّ البحر" أخفّ وطأة، وأوضح مكانةً، وأكثر شفافية في العلاقات وبناء الشخصيات والمتاهات الدارمية أيضاً. إنه حكاية مراهقين يُحبّان بعضهما البعض، لكن البيئة التقليدية تحول دون بوحهما، علناً، بحبّهما هذا.

من داخل المهرجان في

18/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)