حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مقالات من داخل المهرجان

عن معاناة تكتشف حقائق العالم

"لاكي" للإنكليزي آفي لوثرا

نديم جرجورة

بعد ستة أعوام على إنجازه فيلماً قصيراً تناول قصّة صبيّ يُدعى لاكي، مُصاب بمرض "فقدان المناعة المكتسبة"، قدّم المخرج الإنكليزي آفي لوثرا فيلماً طويلاً بالعنوان نفسه "لاكي" (2011، مئة دقيقة)، مستعيداً القصّة ذاتها، ومشتغلاً على أسئلة تجاوزت المرض وتأثيراته السلبية، جسدياً ونفسياً واجتماعياً وحياتياً. فالفيلم المستند إلى سؤال جوهري طال المخفيّ في العلاقات العائلية والتمزّق الحاصل لاحقاً بين الوالدين، ذهب إلى ما هو أبعد من هذا كلّه: مواجهة المدينة بما تمثّله من وحشية في العيش اليومين واكتشاف حقائق مخفيّة شكّلت منعطفاً في السياق الحياتي للصبيّ، والبحث في معاني الصداقة والفقدان والرغبة في الانعتاق من بؤس الحياة.

أسئلة كثيرة مشغولة بانفعال ذاتي أحياناً، وبواقعية صادمة أحياناً أخرى. ذلك أن "لاكي" ("مسابقة الأفلام الروائية") بدا لوحة إنسانية حادّة عن مسار صبيّ، شاءت الظروف أن يفقد والدته بعد غياب والده، فإذا به يتسلّل من قريته إلى المدينة، ظنّاً منه أن المدينة قابلةٌ له، وفاتحة يديها من أجله. استقبله قريبٌ له في المدينة، بناء على رغبة سابقة للأم. لكن القريب لعوبٌ، وغارقٌ في ملذّاته وأعماله. هذه لحظة أساسية، أكملت اللحظة التأسيسية للحبكة الدرامية. أي أن ظهور القريب على حقيقته أمام عينيّ الصبيّ لاكي (سيهل دلاميني)، شكّل اللحظة الأساسية التي فرضت على السيناريو تبدّلاً في سياقه، دافعة لاكي إلى فهم شيء من طبيعة الحياة ومتاهاتها وانزلاقاتها، بفضل الجارّة الهندية بادما (جاياشري باسافرا)، التي تكره السود، وتقيم وحيدة في منزلها المتواضع، وتمتلك خبرة وحكمة كبيرتين، وقدرة فائقة على إعادة اكتشاف نفسها وسيرتها وذكرياتها، بفضل الصبيّ لاكي. في حين أن اللحظة التأسيسية لقصّة لاكي تمثّلت بموت الأم، ووصول جثمانها إلى القرية، مطلع الفيلم. يُمكن إضافة لحظة ثالثة، لا تقلّ أهمية عنهما: لحظة اللقاء بين لاكي وبادما، لأن لقاء كهذا أفضى إلى تفكيك العالم وإعادة صوغ صورته، من خلال رحلة التطهّر التي قام بها لاكي وبادما معاً، بحثاً عن أب، أو عن الذات ربما. بحثاً عن لحظة تُعيد كل واحد منهما إلى ذاته. كأن لاكي طريق بادما لبلوغ نوع من مصالحة ذاتية داخلية وحميمة. كأن بادما درب لاكي لفهم مفاتيح الحياة وقسوتها وبشاعتها، ومكامن الفرح والجمال فيها أيضاً. لذا، بدا لاكي وبادما متكاملين معاً، حتى اللحظة الأخيرة.

لا يُمكن اختزال القصّة أكثر من ذلك. لا يُمكن احتضان تفاصيلها ومساراتها، لأن الفيلم لم يُبنَ على قصّة تقليدية عادية، وإن انطلق منها: الصبي الباحث عن خلاصه في المدينة. هناك ما هو أثمن وأهمّ وأجمل: لقطات بصرية شفّافة ومؤثّرة، مفتوحة على اشتغال سينمائي هادئ في التقاط منظر طبيعي، أو في متابعة تفاصيل العلاقات، أو في فضح المستور في النفس والروح معاً. هناك أيضاً سؤال الاكتشاف ومعرفة المجهول، وهو سؤال محصّن بالهيام الانفعالي للاكي بأمّه أولاً، وبتغييبه الواعي لوالده من ذهنه ثانياً، وبرغبة عميقة في تحقيق حلم والدته بدخوله هو إلى المدرسة ثالثاً. وإذا بدأ "لاكي" من اللحظة التأسيسية الأولى، فإنه انعطف إلى المجهول بفضل اللحظة الثانية، حيث وجد لاكي نفسه في خضمّ متاهات حياتية، وأمام حقائق مبطّنة. حيث وجد ذاته أيضاً وسط صراعات لا علاقة له بها، ووسط بؤر مدينية فقيرة وقاسية.

كُتب حوار الفيلم باللغات الثلاث: الهندية والإنكليزية وزولو. وصُوّرت أحداثه في جنوب أفريقيا، في مدينة ديربن تحديداً. فالعجوز بادما هندية مقيمة هناك. والصبيّ منتم إلى قبيلة تتحدّث لغة زولو. والإنكليزية معبر للتواصل بين شخصيات لا تُتقن اللغات كلّها. غير أن التوقّف عند استخدام اللغات الثلاث هذه لا يعني أن الفيلم منتم إلى صراع لغات وحضارات متصادمة بعضها مع البعض الآخر، بقدر ما يشي بالغليان الثقافي والفكري والحياتي في المدينة، من خلال انفتاح الفضاء المديني، بتناقضاته وتشابه عناوينه أيضاً، على أناس مختلفين.

من داخل المهرجان في

14/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)