حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مقالات من داخل المهرجان

إختبارات الأمانة

"السيد لزهر" للكندي فيليب فالاردو

زياد الخزاعي

اختار مهرجان أبوظبي السينمائي الفيلم الكندي "السيد لزهر" لافتتاح دورته الخامسة (13 تشرين الأول/أكتوبر) بحضور مخرجه فيليب فالاردو. يُقدم الشريط في قسم "عروض السينما العالمية".

لا يُشبه الفيلم هذا توثيقية "خلف الجدران" (2008) للفرنسي لوران كانتيه، وليس قريناً بميلودرامية الفيلم البريطاني "إلى أستاذي، مع حبي" (1967) للأسترالي الراحل جايمس كلافيل، ولن يتقاطع بالضرورة مع بكائيات مدرّس فيلم الأسترالي بيتر وير "نادي الشعراء الأموات" (1989)، ولن يتقاسم تهكّمات الاميركي ألكسندر باين في باكورته الشهيرة "انتخابات" (1999)، ولن يحتوي على مناكفات طلاّب الثانوية الأميركية في "نادي الفطور" (1985) لجون هيوز.

ذلك أن "السيد لزهر" للكندي فيليب فالاردو (فيلم الافتتاح) حالة خاصة، تجمع خيوطاً درامية عدّة. فهو مسيّس من ناحية عزم بطله رشيد (الجزائري محمد فلاج) على اختراق موانع الهجرة في كندا، واستهدافه الظفر بحالة اللجوء السياسي. من جهة أخرى، طرح قضية توازن العمل التدريسي وأنظمته في بلد يعجّ بالأقليات والمهاجرين، مُساوياً بينهم، ومُبعداً بقوّة العنصرية وبغضائها. كذلك، داور في معاني الصداقة والعائلة والقانون، من خلال علاقة السيد لزهر بأقرانه من المدرّسين والعاملين معه، وأيضاً طلبته الصغار، الذين هزّ ضمائرهم انتحار إحدى المدرِّسات شنقاً بعد اتّهامها بمغازلة أحد الصبية.

مخرج "الجانب الأيسر من الثلاجة" (2000) و"كونغوراما" (2006) و"لم أفعلها، أحلف على ذلك" (2008)، واجه طرفي المعادلة التربوية الصعبة، في مسعى للحكم على افتراضات اجتماعية بالغة الأهمية. فمَنْ يدفع ثمن الالتباس الشخصي الذي وقع الصبي سيمون فيه، الذي ادّعى أن مُدرِّسته مارتين راودته عن نفسه؟ هل الاستحقاق هذا يقع على كاهل زملائه، أم عائلته، أم السلطة؟ تُرى، كيف يتمّ التوفيق بين تبرير الفعل القاسي (الانتحار) لشخص أحسّ بالمهانة وسوء الظن، ونقيضه المتمثّل بوجوب سير الحياة الطبيعية في المدرسة، كأن ما حدث يحتاج إلى جلسات خبير بعلم النفس، لا إلى مصارحة كاملة وشجاعة بين الجميع؟ من هنا، يفهم المُشاهد أن السيد لزهر صمّام مثالي لهذا الخلط كلّه، الذي يتعقّد شيئاً فشيئاً. لأن هذا الرجل المخاتل كائن يحمل جرحه الشخصي، متكتِّماً عليه، وضاغطاً إياه في كيانه الهشّ. نعرف لاحقاً أن البطل هاربٌ من الإرهاب في بلده الجزائر، بعد أن فَقَد عائلته في حريق مشبوه، تقتنع السلطات القضائية الكندية (في وقت متأخّر من الفيلم) أنه من تدبير قتلة متزمّتين، سعوا للإنتقام من الزوجة التي نشرت كتاباً، فضحت فيه تجاوزات رجال الأمن والشرطة. المعضلة الوحيدة كامنةٌ في أن السيد لزهر كذب بشأن خبرته الاكاديمية، عندما اقتحم مكتب مديرة المدرسة محاولاً إقناعها بجدوى تعيينه مُدِّرساً. وهذا ما حدث بسرعة درامية غير مبرَّرة. الأدهى، أن المسؤولة هذه لم تتحقّق من شهاداته أو ماضيه، فيكون علينا الانتظار حتى المقطع الأخير، عندما تُكاشفه بحقيقته، طالبةً منه مغادرة البناية "من دون ضجة".

القانون الحكومي يُنصف السيد لزهر. لكن الجانب المهني لن يرضى "خيانته". فبعد مشاهد صفيّة، قدّم البطل حلولاً عدّة لمحنة الطلبة في فهم معاني الموت والحديث عنه، والمدارات الجماعية للصدمة التي أحدثها فعل الانتحار. هذا الوافد كثير العواطف وحيوي. له صفات محبّبة جعلته أباً أكثر منه مُعلِّماً (تُصحّح إحدى الطالبات ملاحظة لغوية، إشارةً منها إلى أنه من دون مؤهّلات). من هنا، أصرّ فالاردو على جعله وسط الهزّة النفسية، مراقباً الصبيّة أليس (صوفي نيلسي) وهي تغلّ في اتّهامها زميلها سيمون (إميل نيرو) صاحب الكذبة التي أودت بحياة معلّمته، قبل أن ينفجر الأخير باعترافه النهائي، الذي يُصحِّح الرواية، صارخاً عبر دموعه: "لقد كذبت. إنها لم تقبّلني، بل احتضنتني، وكرهت ذلك". هذا الكشف يتماشى ومواجهة السيد لزهر مع المديرة. بيد أن فالاردو، الذي كتب نصّ فيلمه أيضاً، لن يتخلّى عن بطولة الرجل الأجنبي، جاعلاً إياه إلى النطق بحكمة نهائية، هي بمثابة استعارة أدبية خالصة للمدرسة كحاضنة وخلية اجتماعية. يقول لطلبته: "الصف هو بيت، مكان للصداقة والعمل والدماثة. مكان مليء بالحيوية، حيث تكرّسون حياتكم فيه. لا تلوموا المدرسة بشأن يأسكم". هذه الكلمة الأخيرة يرفعها المخرج فيليب فالاردو عالياً، ببهاء صُوَري عالي الجودة، في المشهد الختامي، عندما تُقدِم الطفلة أليس على وداعه باحتضان أبوي وسط الصف الدراسي. فالشرط الإنساني اختبار مؤلم للأمانة.

من داخل المهرجان في

12/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)