حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان الخليج السينمائي الرابع ـ 2011

في مهرجان الخليج السينمائي الرابع

أفـــلام فـــائــزة وأفـــلام مظلومــة!

كتب عصام زكريا

من الخصائص التى يتسم بها مهرجان الخليج السينمائى تلك الندوات الليلية التى تعقد يوميا بعد منتصف الليل ويتجمع فيها ضيوف ومنظمو المهرجان ولجان تحكيمه، حيث تتم مناقشة موضوع بعينه كل ليلة.

هذا العام تم عقد الندوة السنوية للجنة تحكيم المهرجان تحت اسم «مصاصو الدماء» فى إشارة إلى الصورة التى غالبا ما تلتصق بلجان التحكيم التى عادة ما تأتى على عكس توقعات المتابعين والنقاد وصناع الأفلام.

شارك فى ندوة هذا العام المخرج المصرى مجدى أحمد على والمخرج العراقى قيس الزبيدى والمخرج البحرينى بسام الزوادى والناقد اللبنانى هوفيك حبشيان والإسبانية مونتسيرات جيوبو فالس مديرة مهرجان هويسكا، وكان لى شرف إدارة هذه الندوة.. ولا أخفى أننى كنت راغبا فى إدارة هذه الندوة بالذات لما تتمتع به من شعبية واهتمام وما تحتويه من مناقشات وجدل على الرغم من أنها تبدأ كل مرة بارتباك سببه عدم رغبة اللجنة فى إفشاء النتائج ورغبة صناع الأفلام فى معرفة الكيفية التى اختيرت بها النتائج.

حتى الآن - ورغم أننى شاركت فى العديد من لجان التحكيم - إلا أننى لا أدرى الكيفية التى يتفق بها عدد من الناس على اختيار أفضل أو أسوأ الأفلام.. لأنه لا يجتمع اثنان يتحدثان عن السينما إلا ويكون الخلاف حول تقييم الأفلام ثالثهما.

حاول المخرج قيس الزبيدى أن يفند هذا الرأى المتشائم فى نتائج لجان التحكيم، خاصة فى المهرجانات العربية، وقال إن لجنته كان عملها سهلا لدرجة أن الأفلام هى التى ذهبت إلى الجوائز وليس العكس. تلاعب بالألفاظ لم أفهم منه سوى أن اللجنة لم تختلف كثيرا وأن معظم أو كل الجوائز اختيرت بالإجماع.. مع ذلك فعندما ظهرت النتيجة الختامية فى اليوم التالى سرعان ما تبين أن عددا كبيرا من المتابعين والمشاركين غير مرتاحين لاختيارات اللجنة، والبعض رأى أن الزبيدى انحاز إلى العراق بشكل سافر، وأن اللجنة استبعدت أفلاما مهمة حازت إعجاب معظم المتخصصين والمشاهدين العاديين.

الفائزون

العراق اكتسحت الجوائز بشكل بدا فيه مهرجان الخليج وكأنه مسابقة محلية للأفلام العراقية.. وذلك يعود لعدة أسباب غير المجاملة المحتملة من لجنة التحكيم: العراق لديها تاريخ سينمائى معقول بالنسبة لبلاد الخليج الأخرى، وبعد الحرب أصبحت مجالا خصبا لصنع الأفلام سواء من قبل السينمائيين الأجانب أو العراقيين. العراق أيضا بلد طارد أو مصدر للبشر على عكس بلاد الخليج الأخرى التى تستورد البشر.. وقد أدى هذا إلى وجود مئات الآلاف من العراقيين المهاجرين واللاجئين سياسيا فى كل دول العالم.. وطبعا ما جرى فى العراق أغرى هؤلاء وأبناءهم وكل من حمل كاميرا فى حياته للذهاب إلى العراق لعمل فيلم.. طبعا يخرج من بين هؤلاء مواهب يحترفون المهنة بحكم تعلمهم فى الغرب أكثر من السينمائيين القلائل الذين يعلمون أنفسهم ويحفرون الصخر فى بيئاتهم المعادية للسينما.

من الأفلام الفائزة التى نالت استحسانا كبيرا فى مجال الأفلام الوثائقية فيلم «حمامة» من إخراج السينمائية والأديبة الإماراتية نجوم الغانم. «حمامة» يصور حياة عرافة أو ساحرة يقال إنها تعرف الغيب وتشفى الأمراض وتحل المشاكل المستعصية. وبجانب الغموض والإثارة اللذين يحيطان بحياة وموهبة هذا النوع من الناس، فإن حياة السيدة تثير التعاطف والشفقة عليها أكثر من زبائنها لأنها هى الساحرة لا تستطيع أن تشفى نفسها من الأمراض الكثيرة التى أصابتها ولا من مصائب القدر التى ضربت أسرتها!

«حمامة» فاز بالجائزة الأولى لأفضل فيلم وثائقى.. وهو يستحق جائزة بالتأكيد. نفس الشىء ينطبق على الفيلم الإماراتى الروائى القصير «سبيل» للمخرج خالد المحمود. الفيلم منح الجائزة الأولى بالإضافة إلى جائزة خاصة للسيناريو الذى كتبه محمد حسن أحمد.

يروى الفيلم قصة أخوين فقيرين يرعيان أمهما المريضة فى مسكن متهالك على حافة الصحراء. يزرعان بعض الخضروات ويذهبان لبيعها لركاب السيارات المارة على الطريق... وعندما لا يشترى أحد يحولان علبة مياه غازية إلى كرة ويلعبان بها فى محاولة لملء حياتهما البائسة المملة.

الفيلم يتسم بتصوير جيد ولغة سينمائية ومونتاج بليغان.. وهو يستحق جائزة بالتأكيد. من الأفلام الروائية القصيرة المميزة أيضا فيلم «فريم» للمخرج العراقى لؤى فاضل، وهو يحتوى على فكرة مبتكرة حول مصور فوتوغرافى يلتقط صورا لبعض المارة.. وكل منهم يتحدث للكاميرا قليلا عن شخصيته وحياته. يبدو الفيلم وثائقيا تماما ولكنه مصنوع بالكامل.. وهذه الخدعة لم تكن لتتم بدون ممثلين طبيعيين ومخرج يعرف كيف يوجه ممثليه بتمكن. أعجب شىء أن اللجنة منحت خمسة جوائز وخمسة شهادات تقدير فى مسابقة الفيلم الروائى القصير ليس من بينها إشارة واحدة لأفضل فيلم فى المهرجان فى كل المسابقات - فى اعتقادى - وهو فيلم «عطسة» للمخرج الكويتى مقداد الكوت.

المظلومون

«عطسة» مأخوذ عن قصة قصيرة مشهورة للأديب الروسى أنطون تشيكوف الذى عاش فى زمن الإمبراطورية الروسية الإقطاعية قبل قيام الثورة الشيوعية. تدور هذه القصة - لمن لم يقرأها - حول موظف ينتمى للطبقة الوسطى الدنيا - يمكن أن تقول أنه «أفندى» وفقا لألقاب مصر الملكية - يذهب إلى الأوبرا ويعطس على أحد الأشخاص ليكتشف أنه رئيس الشركة التى يعمل بها - باشا يعنى - فيصاب بالرعب من أن يسىء الرجل فهمه ويتصور أنه عطس عليه متعمدا، ويحاول الاعتذار لكن الرجل المتعالى المشغول بعظائم الأمور وعظماء القوم يقبل الاعتذار بلامبالاة، مما يحول حياة الموظف الصغير إلى جحيم من الشعور بالذنب، فيذهب إلى بيت المدير ويحاول أن يعتذر مرة أخرى فينهره الرجل ويطرده خارجا مما يؤدى إلى أن يعود الرجل إلى منزله حزينا ويموت.

براعة فيلم «عطسة» أنه نقل القصة إلى الكويت المعاصرة، واستبدل المدير بواحد من سادة البلد وسكانها الأصليين كما استبدل الموظف بمهاجر هندى فقير، يعطس على المدير أثناء الصلاة فى الجامع، وينتهى ميتا فى مكتب المدير نتيجة رعبه من العقاب!

بجانب النقد الاجتماعى المبطن واللاذع لنمط الحياة فى الخليج والتفاوت الطبقى والإنسانى الرهيب بين الأقلية من السكان الأصليين والعمالة الأجنبية الوافدة، فإن الفيلم يمتاز بلغة سينمائية بديعة وسيناريو محكم يمزج بين المأساوى والكوميدى بشكل بالغ التأثير.

فى مجال الأفلام الوثائقية هناك فيلمان تعرضا للظلم الشديد وهما الفيلم الكويتى «ريتشارد الثالث: شخصية عربية مهمة جدا» للمخرجين شاكر أبل وتيم لانجفورد، والفيلم الإيرانى «إيران: الجنوب الغربى» للمخرج محمد رضا فرطوسى.

«ريتشارد الثالث» يصور معاناة فرقة مسرحية كويتية يشارك فيها ممثلون من أنحاء العالم العربى يقدمون معالجة معربة لمسرحية شكسبير الشهيرة عن الملك المستبد المريض نفسيا وبدنيا ريتشارد الثالث، ويحتوى الفيلم على نقد لاذع للبلاد العربية التى تكره المسرح والمعارضة السياسية.

«إيران: الجنوب الغربى» يتناول مشكلة سكان منطقة الأهوار فى جنوب غرب إيران وجنوب العراق التى تعد من أقدم مناطق الحضارة الإنسانية وأكثرها جمالا وخصوبة ولكنها تعرضت للتقلص والتجريف والتلاشى على يد كل من الحكومتين الإيرانية والعراقية بسبب حمى التنقيب عن البترول وتجفيف المياه مما قضى على حياة كاملة بسكانها.

الفيلم يمزج بين الموضوعية الصحفية فى التناول وبين تصوير حياة القلة الباقية من سكان الأهوار وحياتهم اليومية ومعاناتهم من أجل البقاء فى قالب يمد شعرة دقيقة بين الريبورتاج التليفزيونى وبين الفيلم السينمائى ويوفر كلا من المعلومة والرقم والعواطف والمشاعر الجياشة.

خارج المسابقة

فيلم مصرى واحد شهده المهرجان هو الفيلم الروائى الطويل «حاوى» للمخرج إبراهيم البطوط فى قسم «العرض الأول فى الإمارات». الفيلم حاصل على دعم من مهرجان دبى بجانب جهات أخرى وهو أول عمل للبطوط منذ فيلمه الشهير «عين شمس»، وقد نفذه بنفس الطريقة التى تعتمد على الارتجال وإضفاء الصبغة الطبيعية على الأحداث والأداء.. ولكن ثمة شىء مفقود هنا... أو بالأحرى شىء مضاف وهو رغبة البطوط فى تقديم عمل أكثر تقليدية وتجارية، وقد أدى هذا إلى إفساد التركيبة بعض الشىء.

من الأفلام التى حظيت باهتمام فى المهرجان أيضا الفيلم الروائى الطويل «المتصل»، الذى عرض فى برنامج «العرض الأول فى الشرق الأوسط». سبب الاهتمام أن الفيلم يحمل الجنسية الإماراتية بجانب المملكة المتحدة وبورتوريكو. تركيبة غريبة، ولكن هذا هو حال كثير من الأفلام هذه الأيام. السبب أن إحدى الشركات المشاركة فى الإنتاج تملكها الإماراتية الشابة أمينة بنت خليفة ديسمال، وهى نموذج لجيل جديد من الشباب الإماراتيين المتعلمين فى أوروبا وأمريكا تعليما راقيا، والذين يسعون إلى لعب دور فى نقل بلادهم إلى مصاف العالم المعاصر.

«المتصل» من إخراج البريطانى ماثيو باركهل وهو مجرد فيلم رعب تقليدى منفذ جيدا «على المازورة» المعروفة لأفلام الرعب، وليس لأحداثه صلة بالإمارات، ولكن دخول مجال الإنتاج العالمى حلم يراود كل بلاد الخليج.. ومهرجان الخليج.

صباح الخير المصرية في

04/05/2011

 

"العراق" في الأفلام التسجيلية في مهرجان الخليج

محمد موسى  

من بين عشرين فيلما اشتركت في المسابقة الرسمية للأفلام التسجيلية في الدورة الرابعة لمهرجان الخليج السينمائي والتي اختتمت مؤخرا، تقدمت ثمان أفلام قصصا عن العراق والعراقيين. اثنان من هذه الأفلام الثمانية هي لمخرجين غير عراقيين، هما: "مدرسة بغداد للسينما" للمخرجة الهولندية شوشين تان، وفيلم "الأنفال- شظايا من الحياة والموت" للمخرج الكردي السوري مانو خليل، في عودته الثانية لأكراد العراق، وبعد فيلمه "زنزانتي بيتي"، والذي اشترك به في الدورة الثانية لمهرجان الخليج السينمائي. فيما اخرج عراقيون، معظمهم من الشباب، الأفلام التسجيلية الست الباقية.

واصلت مجموعة الأفلام التسجيلية المذكورة متابعتها للشأن العراقي الداخلي، والنتائج المستمرة لحرب الخليج الأخيرة، والتي أطاحت بالنظام العراقي السابق. فاهتمت ثلاث من الأفلام المشاركة بحال الفنون الجادة في البلد.

ففيلم "قبل رحيل الذكريات إلى الأبد" للمخرجين مناف شاكر و فلاح حسن عن وضع التعليم السينمائي الأكاديمي في العراق، فيما يكشف فيلم "موت معلن" للمخرج والشاعر العراقي رعد مشتت عن الإهمال الذي لحق المسرح العراقي بعد الحرب أيضا. وترافق المخرجة الهولندية شوشين تان مجموعة من طلبة كلية بغداد للسينما الخاصة والتي أسسها المخرجين العراقيين قاسم عبد و ميسون الباجه جي في عام 2004، وتنظم دورات تقنية مجانية للعراقيين في السينما والتلفزيون.

فيما ركزت أربعة من الأفلام العراقية التسجيلية المشاركة، على موضوعات شخصية. وعن نتائج الحرب والسنين التي أعقبتها على عراقيين عاديين. ففيلم "وداعا بابل" للمخرج عامر علوان عن علاقة صداقة تربط بين جندي أمريكي ومترجم عراقي. وفيلم "كولا" للمخرج يحيى حسن العلاق عن مشاق الواقع العراقي على طفلة عراقية فقيرة، فيما يسجل المخرج العراقي الشاب علاء محسن المقيم في الدنمرك رحلته الأولى للعراق، ومنذ هروب عائلته قبل 16 عاما. ويقدم الشاب العراقي المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية فادي هديد في فيلمه "أينما نعيش"، بعضا من يوميات عائلة عراقية لجأت إلى هناك، بعد سنوات العنف العراقية الأخيرة، والجروح الغائرة التي خلفتها على أرواح تلك العائلة، وصعوبة البدايات في البلد الجديد.

تعكس الأفلام المشتركة، وخلفيات المخرجين الذين يقفون وراءها، واقع صناعة الأفلام "العراقية " الموضوع في سنوات ما بعد الحرب. والتي تنقسم ما بين أفلام تنتج في العراق وعن طريق مخرجين عراقيين يعيشون هناك. وأفلام يقف وراءها مخرجون عراقيون يعيشون خارج العراق منذ سنوات عديدة. مع حضور سنوي تقريبا لأفلام الجيل الثاني من المغتربين العراقيين، بما تحمله أفلامهم من نفس ومقاربات مختلفة عن جيل الآباء. وهناك أيضا الأفلام التي يقف وراءها مخرجون عرب وأجانب، بموضوعاتها العراقية. سواء تلك التي صورت في العراق أو خارجه.

عرض هذه الأفلام في أيام معدودة، وكما يحدث بشكل سنوي في مهرجان الخليج السينمائي، تحول إلى ما يشبه النافذة المتفحصة على المشهد الاجتماعي، الفني، الإنساني العراقي. مختلفة أحيانا، بمعالجاتها الموضوعية والفنية، عما تعرضه شاشات التلفزيون من تغطيات تلفزيونية مكثفة للشأن العراقي، وأيضا بجرأتها في تكسير النموذج التلفزيوني المحافظ والسائد كثيرا، وقربها المؤثر أحيانا من شخصياتها الهامشية، أو الاجتهاد للبحث عن الذاتي عند آخرين خبروا الأضواء.

تبدو الكثير من الأفلام المعروضة، عدا فيلم الكردي مانو خليل، وكأنها استجابات لأحداث وقضايا عراقية بعضها طارئ. الأمر الذي يفسر بساطة، تقليدية، ركاكة السيناريوهات التي قدمت في تلك الأفلام. كذلك صعوبة ظروف العمل في العراق، والتي مازالت تعتبر خطرة كثيرا، من تطوير مشاهد واتجاهات أثناء التصوير الفعلي لتلك الأفلام، الأمر الذي  كان سيجعل معالجة بنيوية مختلفة متأخرة، هدفا كان يمكن إدراكه.

حتى فيلم المخرج الكردي مانو خليل والذي حصل على جائزة التحكيم الخاصة، ويقدم موضوع حملات الأنفال التي نفذها النظام العراقي السابق في نهاية عقد الثمانيات، لم ينتفع من الأمان الذي تتمتع به المناطق الكردية منذ سنوات عديدة والمادة الأرشيفية عن الحملات والتي أصبحت متوفرة الآن، في تقديم فيلم محكم يفسر ضرورة إنتاجه الملحة الآن. فيلم قادر على تجاوز قوة بعض المواد الصورية  الأرشيفية المتوفرة عن المجازر، ومنها الصورة الشهيرة لأب وابنه الرضيع، المقتولين على أعتاب منزلهم في مدينة حلبجة الكردية، والتي منحت الفيلم  التسجيلي أكثر مشاهد قسوة!

واللافت أن أكثر أفلام المهرجان التسجيلية ذاتية لم تحصل على جوائز هذا العام، لأسباب يُسأل عنها أعضاء لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة. ففيلم "طفل العراق" للمخرج علاء محسن والذي أثار اللغط الأكبر في المهرجان، لم يحصل على أي جائزة. رغم الأهمية الكبيرة للأسئلة الجدلية التي أثارها الفيلم، عن جيل جدد من العراقيين الذين يعيشون خارج العراق منذ سنوات طويلة، وعلاقتهم ببلد ولادتهم. يحافظ المخرج في الفيلم على مسار مفرط في صدقه، رغم الفاجعة الشخصية التي واجهها المخرج أثناء رحلته إلى العراق، وبعد ستة عشر عاما من الغياب. يصل الفيلم أيضا إلى سقف الجودة، المنتظر من مثل هذا النوع من الأفلام، تكون معتمدة كثيرا على تمكن المخرج من إيجاد الدينامكية الخاصة المحفزة،  المنطلقة من ذاتية الرحلة التي يقطعها هو نفسه أو يقطعها أبطاله، وتقاطعاته مع الشخوص الذين يقابلهم.

كذلك لم يحصل فيلم "مدرسة بغداد للسينما" للمخرجة الهولندية شوشين تان على أي جائزة أو تنويه. رغم أن المخرجة التي عملت في ظروف استثنائية تماما، وفقت و بشكل مرضي كثيرا، بالانطلاق من تجربة المدرسة التعليمية، إلى كشف قسوة ما يعانيه الراغبون في الاشتغال بالعمل الفني في العراق. وقدمت مقابلات غير تقليدية أبدا مع بعض طلاب المدرسة. والذين وجدوا الحرية الكبيرة للحديث عن مخاوفهم من الحاضر والمستقبل. كما أن الفيلم، يمر سريعا لكن بتأثير كبير على مصاعب العمل في بغداد، لفريق العمل من النساء الهولنديات في واحدة من أكثر مدن العالم خطورة.

صرخات ضد الديمقراطية !

يقارن المخرجان مناف شاكر و فلاح حسن بين وضع التعليم السينمائي العراقي في زمن الأنظمة الدكتاتورية العراقية السابقة، وحاله في سنوات الديمقراطية العراقية. فيقدم مثلا فيلما قصيرا من عقد السبعينات لطالبات وطلاب عراقيين وهم يعملون معا في تنظيف الأكاديمية التي يدرسون بها. من هذا المشهد "الحالم"، ينتقل المخرجان إلى مشاهد لافتتاح معرض للوحات الدينية في أكاديمية الفنون نفسها.

حيث يغطي اللون الأسود، السيدة الوحيدة التي ظهرت في الفيلم، والتي كانت تشرح عن "المرجعيات الدينية" في لوحاتها لمسؤول من الحكومة العراقية كان يفتتح المعرض. بالطبع لا يحن الفيلم لزمن ماضي، وكان ظهور امرأة مطلقة عراقية في الأفلام أو المسلسلات فيه يعد من الممنوعات. لكن المخرجان واللذان يعملان في مؤسسات تعليمية لم يجدا غير هذه المقارنة، لنقل غضبهما مما يجري في مدراسهما التي تعلموا بها، والتي يضر بها الإهمال المريع منذ سنوات.

يقوم المخرجان بنقل الأفلام التي كانت متروكة للضياع بأساليب بدائية إلى نسخ رقمية. ليست الأهمية التي يقدمها الفيلم، هي فقط بالمحافظة على بعض ذلك التراث، والذي يعود بعضه لسينمائيين عراقيين، يعملون إلى اليوم. عملية الإنقاذ نفسها هي من كانت تستحق الانتباه الأكبر في الفيلم. لكن الفيلم يتجه في معظم وقته إلى تسجيل مقابلات طويلة مع أستاذة وطلاب، للحديث عن سنوات دراستهم في بداية السبعينات. غلبة النفس "الأرشيفي" في الفيلم، وتراجع "الذاتي" في تجربة الضيوف أو المخرجين أنفسهم، قرب الفيلم من الوثيقة التلفزيونية، التي تمتلك بلا شك أهميتها التحريضية الخاصة.

مخرج عراقي هو رعد مشتت يقدم صرخة أخرى تخص المسرح العراقي، وبالتحديد مسرح بغداد الصغير، الموجود في شارع عادي في العاصمة العراقية بغداد، وقدمت على خشبته أفضل تجارب المسرح العراقي الطليعية في السبعينات والثمانيات من القرن الماضي. يتوفر للمخرج الإمكانية للقاء مجموعة من ابرز المسرحين العراقيين، فتتجول معهم الكاميرا في المسرح المهجور. وتنقل ردود أفعالهم، والتي غلب على بعضها الافتعال. ينجح المخرج أيضا في الحصول على نسخ لمسرحيات عراقية جادة قديمة، ليقدمها على شاشة متخيلة على خشبة المسرح المهجور. ومرة أخرى، مقارنة الماضي الفني العراقي مع الحاضر المتردي، تميل لصالح نظام صدام حسين مقارنة بالحكومات الديمقراطية التي تحكم العراق منذ 2003. لكن الوضع ليس بهذا التبسيط. وليس من مهمة الفيلم أن يخوض في تعقيدات السنوات الأخيرة في العراق.

يتجه الفيلم  مثل الفيلم السابق إلى معالجة تقيلدية، بدت مرتبطة كثيرا بجودة اللقاءات التي أنجزها المخرج، دون محاولات للذهاب أبعد بالفيلم أو الضيوف إلى مكاشفات، تجعل الخسارة التي مثلها نهاية المسرح، حسية موجعة، تقترب  أحيانا من القتل المعنوي للكثيرين.

وداعا بابل

هناك صداقة غير شائعة يقدمها فيلم "وداعا بابل" للمخرج العراقي عامر علوان، بين جندي أمريكي ومترجم عراقي، عملا سويا أثناء خدمة الأول في منطقة بابل الأثرية. هناك ما يميز الجندي الأمريكي أيضا. هو أحد سكان مدينة نيويورك المعروفة بليبراليتها. أربعيني هادئ، من الذين تتوقع أن يخرجوا إلى الشوارع في تظاهرات ضد الحروب، عوض الاشتراك بها. لكن يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، الذي ضرب مدينته، زلزل مفاهيم الرجل السلمية. فتوجه إلى الجيش الأمريكي، ورغب في الخدمة في العراق.

رغم أن الصداقة تلك، هي التي يتأسس عليها بناء الفيلم، لكننا لن نعرف الكثير عن ظروف  تلك العلاقة. فبالكاد يتم الحديث عنها. والمراسلات القليلة جدا التي يتبادلها العراقي مع صديقه الأمريكي،  لا تفصح بالكثير. ولن يتسنى لنا أن نعرف أبدا القصة كاملة من المترجم العراقي، فهو قتل ضمن عمليات الانتقام التي طالت الكثير من  العراقيين الذين عملوا مع القوات الأمريكية، قبل سنوات عديدة من تاريخ تصوير الفيلم!

يعيد الفيلم التسجيلي، وبدون أي إشارات بأنها ما نراه هو إعادة إنتاج جديدة، تقديم حياة الأمريكي الذي عاد إلى مدينته بعد انقضاء خدمته. كل ما نراه على الشاشة في الفيلم تم تسجيليه في وقت لاحق على زمن الأحداث الفعلية. ضاربة بألف حائط روح الوثيقة التاريخية. حتى تلك المشاهد للمترجم، التي تعاطف الجمهور مع خوف الرجل، الذي كان يخفي وجه، صورها ممثل أو متطوع.

عندما يصل الفيلم إلى هذا الحد من التساهل مع ثوابت السينما التسجيلية والتوثيقية، يصبح من العسير، أخذ مشاهد عديدة بالفيلم بجدية. بل أن بعض المشاهد الأخرى أصبحت تثير الضحك، مثل المشهد: الذي صور الجندي الأمريكي مع زوجته في غرفة نومهم، عندما تستدير الزوجة وتقبل زوجها قبل أن تذهب إلى النوم، رغم أن فريق التصوير مازال في الغرفة. بالمناسبة، هذا الفيلم خطف الجائزة الثالثة في  مسابقة الأفلام التسجيلية في المهرجان!

الجزيرة الوثائقية في

01/05/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)