حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عمر أميرالاي.. رحيل مبكر

رحيل عمر أميرالاي صاحب «الرجل ذو النعل الذهبي»

بعد أيام من توقيعه بيانا لتحية الثورتين التونسية والمصرية

بيروت: سوسن الأبطح

لم يمهل الموت المخرج السوري عمر أميرالاي ليرى بعينيه النتائج التي ستفضي إليها الثورة المصرية، وهو الولوع بالدفاع عن الحريات، فقد فارق الحياة يوم أول من أمس، إثر جلطة دماغية أودت به، وأصابت بالصدمة أصدقاءه والوسط السينمائي السوري. البعض لم يصدق أن أميرالاي قد مات بالفعل، فهو منذ أيام فقط كان قد وقع مع عدد من المثقفين السوريين بيانا حيا فيه الثورة التونسية والانتفاضة المصرية. وعمر أميرالاي الذي عرف بغرامه بالفيلم التسجيلي، وحصل على العديد من الجوائز العالمية، أثار العديد من أعماله جدلا واسعا، وعام 2006 منعته السلطات السورية من مغادرة بلاده بعد توقيفه على الحدود السورية - الأردنية، بسبب آرائه غير المرحب بها.

عمر أميرالاي مخرج سينمائي مشاكس، رحل عن 67 عاما، وهو لا يزال في عز عطائه، وكان يحضر لإخراج فيلم عن حياة الممثلة السورية إغراء، يجمع بين الدرامي والوثائقي، لكنه غادرنا قبل أن يبدأ التصوير، ويعمل على جمع المعلومات والتحضير لإطلاق نقطة البدء.

وأحد الأفلام التسجيلية الشهيرة لعمر أميرالاي والذي عرض على نحو واسع في العالم العربي لا سيما في لبنان هو «الرجل ذو النعل الذهبي» (1999). وهو الفيلم الأهم، وقد يكون الأوحد الذي تم تصويره عن فكر ومسار رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، حيث يتحدث فيه عن نفسه، ودوافعه وطموحاته. وجدير بالذكر أن أميرالاي لم يكن من المعجبين بسياسة الشهيد رفيق الحريري، لكنه من خلال هذا الفيلم قدمه بفنية وشفافية، جعلت الكثيرين يرون في الرجل وجها إنسانيا لم يكونوا يعرفونه عنه من قبل.

ومن أفلام أميرالاي، هذا الفنان الشركسي الأصل، التسجيلية المهمة «طوفان في بلاد البعث» (2003)، الفيلم الذي أزعج السلطات السورية لدى عرضه في إحدى القنوات التلفزيونية العربية منذ عدة سنوات. كما أن أميرالاي أحد الذين عملوا مع الكاتب المسرحي المعروف سعد الله ونوس، وقدم عنه فيلما تسجيليا، هو عبارة عن مقابلات معه أثناء مرضه الطويل بالسرطان ممزوجة بمشاهد من حروب خاضتها سورية وصراعات دفع ثمنها الأبرياء الفلسطينيون، وله فيلم عن بنازير بوتو (عام 1990) وآخر عن الفنان التشكيلي الموهوب الراحل فاتح المدرس (1995).

وكان أول أفلامه «محاولة عن سد الفرات» (1970)، ثم «الحياة اليومية في قرية سورية» (1974)، تلاه «الدجاج» (1977)، «عن ثورة» (1978)، و«مصائب قوم» (1981)، «رائحة الجنة» (1982)، «الحب الموؤود» (1983) ثم «كرة السبحة»، وصولا إلى فيلمه «طوفان في بلد البعث» (2003).

كان أميرالاي ضيف الشرف في مهرجان «سينما الواقع» الذي أقامه مركز «بومبيدو» في باريس وعرضت فيه معظم أعماله، كما أن مركز «لينكولن»، الذي استضاف في نيويورك مهرجانا للسينما السورية، خصه بتكريم خاص وعرضت في حضوره أعمال عدة له. وقد درس أميرالاي المولود في دمشق في «كلية الفنون الجميلة» في سورية، دون أن يكمل دراسته فيها ثم انتقل إلى فرنسا، ليصادف وجوده مع اندلاع ثورة الطلاب الشهيرة عام 1968، فإذا به يقطع دراسته هناك أيضا. إلا أنه أقام في فرنسا لفترة مديدة كما في بيروت ودمشق، وعرف بنهجه السينمائي الخاص وبصمته الفنية التي تحمل اسمه.

الشرق الاوسط في

07/02/2011

 

دمشق تشيع عمر أميرالاي وسط غياب رسمي.. وحضور ثقافي وفني كبير

فرح بثورة الشباب لكن تراكم القهر غلبه

دمشق: سعاد جروس 

خيم حزن كبير على الأوساط الثقافية السورية التي فوجئت بوفاة واحد من أكثر سينمائييها تميزا، ومنذ أعلن نبأ وفاته بعد ظهر أول من أمس (السبت) بدأت جموع المثقفين والفنانين والأدباء في التوافد إلى بيته الكائن في منطقة الصالحية عرنوس وسط العاصمة دمشق، وفي ظل غياب رسمي واضح لممثلين عن وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما التي ناب عنهما أكاليل زهور زينت سيارة التشييع، خرج في موكب مهيب الأهل والأصدقاء والزملاء وجموع من الشباب لوداعه، حيث صلي على جثمانه أمس (الأحد) وووري الثرى في منطقة الشيخ محيي الدين قريبا من ضريح ابن عربي.

هناك وقف الجميع غير مصدقين أن عمر الذي كان قبل أسبوع يجمع مع زملائه تواقيع المثقفين لتأييد ثورة الشباب بتونس ومصر، قد خطفته جلطة دماغية على حين غرة، لم تمهله ليتم مشروعه الفني، الذي حقق فيه «خطوات مهمة من خلال تسليطه الضوء بشكل عميق ودقيق وصادق على مشكلات السوريين، تسليط الضوء في حد ذاته جزء من حل المشكلة» بحسب الدكتورة مية الرحبي التي بدت متأثرة جدا لرحيله، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف أن مشروعه الفني لاقى صعوبات وعراقيل كثيرة وجاء القدر أخيرا ليخطفه، ومن المؤسف أن أفلامه جرى التعتيم عليها ولم يتح لها العرض جماهيريا كي تلاقي الصدى الذي تستحقه». ومع أن الدكتورة مية الرحبي لا تعد من بين أصدقاء عمر أميرالاي المقربين، لكن تقول: «جمعنا معه مشروع واحد وهو (النهوض بالبلد)، وتعرفه منذ عاد من فرنسا ليكون ضمن مجموعة من الشباب السوري المتحمس لتقديم شيء مختلف في السينما للمجتمع»، وتضيف: «كل أفلامه كانت تسجيلية هادفة تسلط الضوء على مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية وبمستوى فني عال». وتقول الرحبي إن «عمر لاقى تقديرا عالميا لم يلاق مثله في بلده»، وتتابع: «كان مهموما بالنهضة والحرية والعدالة الاجتماعية والناس المهمشين الذين لا صوت لهم» منذ شارك في ثورة الطلاب بفرنسا عام 1968 وقطع دراسته ليعود إلى سورية وهو يحمل همّ الذين لا صوت لهم.

الأصدقاء الذين رأوا عمر في الفترة الأخيرة قالوا إنه كان فرحا جدا بثورة الشباب في تونس ومصر، وكان متابعا دؤوبا لأخبارهم، لذا كان موته مفاجئا، إذ لم يك يشكو من أي مرض، كما عرف عنه بعض العادات الصحية كالامتناع عن التدخين والشراب وأكل اللحوم، ونأيه عن الأضواء والصخب رغم قلقه الداخلي الكبير.

الشاعرة والسينمائية هالة محمد تتكلم عنه بصفته صديقا عزيزا وتقول: «عمر مخرج سينمائي عالمي وإنسان شديد المحلية كان يعلن دائما أنه يحارب البشاعة لذلك كان ينتقد طيلة الوقت تراكم مظاهر البشاعة في حياتنا كما ونوعا»، أما شخصيته «فتتسم بأنه هارموني غريب هو ساخر ومبتسم ومتأمل وهادئ ومسالم ومحب جدا للحياة ولبلده ولأصدقائه، وفي الوقت ذاته هو شخص مبدئي من الطراز الشرس». وتوضح هالة ما تقصده بكلمة شراسة بأنها المعنى الإيجابي «فهو لا يتنازل ولا يساوم على مبادئه حتى في طريقة لبسه ومظهره، كان بإمكانه حين يمشي في الشارع أن يكون شجرة جميلة أو أن يكون تمثيلا لفكرة الجمال التي تسكن في عقله الإنساني النبيل». وتؤكد هالة بحكم معرفتها الوثيقة بعمر أميرالاي الذي يرتبط بصداقة عميقة مع زوجها المخرج هيثم حقي وأخيها المخرج أسامة محمد، أن أصدقاء عمر يجمعون على أنه كان «مثالا للنزاهة ومثالا للمبدئية»، فهو «راديكالي في رؤيته للتغيير، التغيير في اتجاه حياة كريمة تليق بالإنسان»، فهو نموذج للإنسان «الراديكالي والمسالم، الذي كان يبتسم ابتسامته الساخرة تلك وهو يتصدى بحوارات ومواضيع سينمائية تسجيلية قضى حياته وهو يعمل بإخلاص لتحقيقها»، وتضيف هالة: «عمر إنسان ديمقراطي بامتياز تربى على الديمقراطية، كان يحترم الرأي الآخر ويتعلم منه ومعظم أصدقائه من الشباب، ليس ليكون معلما لكن ليبقى ديناميكيا في آن، ليكون مخلصا لفكرة التغيير التي كان يؤمن أن الشباب هم من سيحمل مشعلها»، لافتة إلى أنه إذا بحث عن «معلم في الفيلم التسجيلي العربي والسوري، فإن عمر أميرالاي هو الاسم الأول والعنوان، وعمر أميرالاي المثقف هو من الأسماء الأولى للعناوين الأولى».

صديقه المخرج السينمائي أسامة محمد كان متأثرا لرحيل صديق كان يحتل جزءا كبيرا من حياته، وفي لحظات الوداع كانت ذكرى اللقاء الأول حاضرة، وأسامة لا ينسى ذلك اليوم في مطلع السبعينات في ندوة حوارية مع الناقد الفرنسي سيرج دانييه دعا إليها النادي السينمائي العربي في دمشق، كان حينها أسامة يدرس السينما، وبعد الندوة دعاه عمر إلى بيته، ودار بينهما حوار طويل وعميق وكأنهما أصدقاء من زمن طويل، يقول أسامة: «كان اهتمامه بي وبمشروع تخرجي انعكاسا لكرمه الكبير ورغبته الأصيلة في تشجيع شاب في بحثه الفني، فكرة مشروعي عن تراجيديا الحياة، في تحول البشر الأشد فقرا وهامشية نتيجة الحصار الاقتصادي والروحي إلى أدوات قمع»، حينها قال عمر ملاحظة لا تزال محفورة في ذاكرة أسامة، وهي «عندما يتمكن المرء من الوصول إلى الحقيقة بعمق في لحظة واحدة ومكان واحد فهذا أهم من محاولة إثباتها عبر تكرار الأمكنة واللقطات»، يقول أسامة أذكر هذه الكلمة أثناء عملي كثيرا فهي «بالنسبة إلي ملاحظة تتمثل في الفن بكل تعثراته ونجاحاته». ويصف أسامة عمر بأنه «محاور مدهش ودائما مفاجئ، إذ يحتفظ دائما بمسافة بينه وبين الآخرين، فلا يحب الانخراط المجاني ولا الإعلان عن نفسه، ومن يعرفه عن قرب يكتشف كم هو إنسان هش وعاطفي»، موضحا أنه عندما كان يتعرض عمر للنقد «يتحول إلى مستمع إيجابي نادرا ما نلمس لديه رغبة في الدفاع عن النفس»، هذا فضلا عن أنه «كان يفرح لنجاح الآخرين» وهذا من «سمات الفنان الكبير».

الروائي خالد خليفة فضل التحدث عن أعمال عمر أميرالاي، مشيدا بإخلاصه الشديد لفن السينما التسجيلية، إذ «لم يقم بإخراج الأفلام الروائية ولا الدراما التلفزيونية رغم إغراءات كثيرة»، فهو من رواد السينما التسجيلية العربية وظل مخلصا لها، «سواء كمخرج أو معلم حرص على التواصل مع الأجيال الشابة التي جاءت من بعده، أو من حيث كونه مرجعا أساسيا لهذا النوع من السينما، حتى إن أغلب الشباب السوريين الذين يعملون في هذا المجال هم من تلاميذه بطريقة أو بأخرى»، ولفت خالد خليفة إلى ما يمثله عمر أميرالاي كـ«نموذج للعلاقة الشائكة بين المثقف والسلطة التي دفع ثمنها، سواء بمنع أفلامه أو التضييق عليه أثناء التصوير»، إلا أن أهم ما قام به أميرالاي، بحسب خليفة، هو تمكنه من «إيصال السينما التسجيلية السورية إلى العالمية»، وقال: «ستحتاج حياتنا الثقافية إلى وقت طويل كي تعوض مخرجا مثله تمكن من تقديم أفكار قوية تمس الحياة السورية بهذا المستوى الإبداعي».

الكاتبة والسيناريست كوليت بهنا قالت إن خسارة عمر موجعة، خاصة في «ظل تحولات عميقة يشهدها العالم، وكان عمر في طليعة من يسجلها بصدق»، وتضيف بهنا: «لقد أنجز عمر عددا من الأفلام المهمة والخاصة وعانى جراء ذلك الأمرين لكن المعاناة الأكبر كانت في منعها من العرض لأكبر عدد من المشاهدين، وظلت بعض الأفلام حبيسة الظروف والمتغيرات والعروض الخاصة.. في النهاية الفيلم يصنع للجمهور وليس للنخبة». وتلفت كوليت بهنا إلى أن عمر عرض فيلمه «الرجل ذو النعل الذهبي» بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وتقول: «ربما لولا هذا الحدث المؤسف ما كان يتسنى لعمر أن يعرضه عبر قناة تلفزيونية ليتعرف المشاهدون العرب على رؤيته الفنية، وبالتأكيد كان عمر، وكنا أيضا، يتمنى لو كانت أفلامه تعرض في صالات السينما، وهي المصنوعة للسينما».

الشرق الاوسط في

07/02/2011

 

محمد الأحمد لبوسطة:

عمر أميرالاي خلّف تجربة سينمائية رفيعة المستوى رغم عدم اتفاقي معه

خاص بوسطة - علي وجيه 

أرجع محمد الأحمد مدير المؤسسة العامة للسينما، في تصريح خاص لـ «بوسطة»، سبب عدم حضوره جنازة المخرج السينمائي الراحل عمر أميرالاي إلى الانشغال بمتابعة اللمسات النهائية قبل افتتاح صالة كندي دمّر بالأمس، مؤكداً أنّه سيذهب للتعزية في صالة الخير في حي المهاجرين.

وكان جثمان الراحل قد شيّع ودفن في مقبرة الشيخ إبراهيم بالقرب من ضريح الشيخ محيي الدين بن عربي، وسط غياب رسمي وحضور نخبة من الوسط الفني والثقافي.

وأضاف الأحمد في حديثه لـ «بوسطة»: «عمر أميرالاي، رحمة الله عليه، رائد في السينما التسجيلية. لطالما كنتُ على خلاف معه، ولطالما كنتُ أحترمه ويحترمني. منذ حوالي أسبوعين، أرسل لي رسالة عبر صديق مشترك قال فيها: أعلم أنّنا على خلافات كثيرة وتباين في وجهات النظر، ولكن محمد الأحمد عاشق سينما حقيقي، وهذا سبب كاف لكي أحبه».

وحول تجربة صاحب «محاولة عن سد الفرات» 1970 و«طوفان في بلاد البعث» 2003، قال الأحمد: «عمر أميرالاي خلّف وراءه تجربة تسجيلية مهمة، لم أكن ميّالاً جداً لأفلامه، ولم أتفق مع معظمها، ولكنّه كان معجوناً بهذا الهم. كرّس حياته لأجله وبقي على ثوابته حتى النهاية. عمر أميرالاي قدّم سينما تسجيلية رفيعة المستوى. صحيح أنّني لم أكن متفقاً معها، ولكنّها تجربة محترمة للغاية. لا شكّ أنّه اسم وقيمة سينمائية سورية».

وتابع مدير مهرجان دمشق السينمائي: «للأسف، السينما التسجيلية في الوطن العربي تجربة غير مقروءة، على عكس أوروبا حيث توجد صالات سينما مختصة بعرض الفيلم التسجيلي وقنوات وأقسام خاصة لبيعها في المحلات. من هنا أقول: عمر أميرالاي مخرج لم يقيَّم بعد، وما قيّم من تجربته تمّ بشكل ناقص وخجول. أتمنى أن تُدرَس تجربة عمر لاحقاً وأن تقيّم بشكل صحيح، وأعتقد أنّه سيأتي الزمن الملائم لذلك».

يُذكَر أنّ عمر أميرالاي توفّي في دمشق يوم السبت الفائت 5 شباط/ فبراير إثر جلطة دماغية مميتة، تاركاً وراءه 20 فيلماً تسجيلياً معظمها ممنوع من العرض، ولم يُشاهد سوى على نطاق ضيق في بعض العروض الخاصة والمراكز الثقافية الأجنبية.

موفع "بوسطة" في

07/02/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)