حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2010

على الوتر

كليوباترا

محمود حسونة

عندما تم الإعلان عن مسلسل “كليوباترا” توقعناه عملاً متميزاً، مختلفاً، مبهراً، لأن المعطيات كلها تفرض ذلك، ولعل أولها أنه سيتناول حياة ملكة حكمت واستحكمت وراوغت، وخلفت لنا سيرة خالدة لامرأة قادت الرجال وحيرت المؤرخين وشغلت الساسة على مدى أكثر من 2000 عام، وكانت صاحبة سطوة وقوة جاذبة، وأثارت الجدل خلال حياتها، وبالطريقة التي أنهت بها رحلتها عندما انتحرت بأسلوب مبتكر بلدغة ثعبان الكوبر السامة، وهو الجدل الذي استمر بعد مماتها ولا يزال حتى اليوم .

أما السبب الثاني لانتظارنا إياه عملاً مختلفاً، هو أنه أول عمل عربي يقلب في صفحات التاريخ المصري البعيد (قبل الميلاد)، وأول عمل عربي يتناول فترة حكم البطالمة لمصر، ولذا حلمنا بأن يكون مختلفاً عن الأعمال الغربية التي تناولت هذه الحقبة سينمائياً وأهمها فيلم “كليوباترا” لإليزابيث تايلور .

أما السبب الثالث فكان لأن اسم الفنانة سلاف فواخرجي يتصدر أسماء المشاركين فيه، وبناء على النجاح الكبير الذي حققته في مسلسل “أسمهان” توقعنا أن تواصل تقديم سيرة الشخصيات المهمة في التاريخ السياسي والفني، وخصوصاً أنها ضحت ب “روزاليوسف” من أجل “كليوباترا” .

ولكن عند عرض المسلسل خابت آمالنا، وجاء الواقع مخالفاً لكل التوقعات وصادماً لجموع المشاهدين الذين انتظروا عملاً متميزاً ومختلفاً ومبهراً ليجدوه نمطياً ومهلهلاً وفقيراً، وبدلاً من أن ينال من مواهب وقدرات بطلته سلاف فواخرجي وشركائها، نال أيضا من صورة كليوباترا عند من لا يعرفونها جيداً ومن لم يتتبعوا سيرة حياتها .

المغالطات التاريخية في المسلسل كثيرة، ومن بينها أن كليوباترا سافرت في صغرها إلى روما وهو ما لم يحدث، وأيضاً ظهر والدها الملك بطليموس الثاني عشر بلحية، وهو ما يجافي الحقيقة حيث ان جميع الصور الموجودة له لم يظهر فيها بلحية، وذلك حسب ما يؤكده د . ممدوح الدماطي استاذ الآثار المصرية . كما صور المخرج خلفيات العصر العثماني على مشاهد وأحداث من العصر البطلمي، كما يظهر العرش الروماني في المسلسل مزيناً بورود وأزهار، وهو ما لا يتطابق مع الواقع التاريخي، ناهيك عن حالة الاستخفاف في الملابس . وإذا كان هناك شيء إيجابي في المسلسل فلعله يكون الماكياج الخاص بشخصية كليوباترا والأساور التي كانت تلبسها أعلى ذراعيها .

سلاف فواخرجي قدمت كليوباترا ليس بملامح المرأة القوية القائدة، ولكن بملامح المرأة المتعطشة للحب وخصوصاً من خلال حكايتها مع اللص كاري، ولا أدري كيف لأميرة ثم ملكة أن تقع في غرام لص، وتطارده وتذهب إليه في منزله خلسة، وكأنها لا تدرك من تكون، ولا تعي ما تفعل .

يوسف شعبان في المسلسل حكاية، حيث إنه قدم شخصية الملك بطليموس، بطريقة أداء الزير سالم أو ماكبث أو هاملت على المسرح حيث أدى دوره كاملاً بأسلوب مسرحي خال من أي تكوين يسلتزمه الموقف الدرامي، ونسي أنه يمثل أمام الكاميرا وليس على خشبة المسرح، من دون أن يجد من يوقظه أو ينبهه أو يلفت نظره، وإذا كان يوسف شعبان لا يزال غارقاً في الماضي واستحوذ عليه عالم المسرح وما درسه في معهد التمثيل، كنا ننتظر من المخرج أن يوجهه ليغير في أدائه ويلون في تعبيراته، ولكن يبدو أن المخرج وائل رمضان كان تائهاً ما بين حلم أكبر منه وهو إخراج كليوباترا، وحلم ثان بأن يجسد شخصية مارك أنطونيو القائد الروماني والحبيب، وحلم  ثالث أن يثبت لزوجته سلاف أنه سيقدمها في أجمل صورة حتى تفرضه مخرجاً لكل عمل تلعب بطولته مستقبلاً، ويبدو أنه فهم أجمل صورة يحققها الماكياج وحده، وحلم رابع هو أن يفرض ابنه حمزة ممثلاً، ليتحول مسلسل “كليوباترا” إلى عمل عائلي يجمع المخرج والبطلة وابنهما، ولتذهب كليوباترا والجمهور إلى الجحيم، والمهم أن تتحقق أحلام وائل بأي شكل وبصرف النظر عن النتائج .

الغريب أن المسلسل لم يدققه تاريخياً أي من علماء الآثار الذين يتحملون هم الآخرون جانباً من المسؤولية حيث كنا ننتظر منهم أن يكونوا المبادرين لإطلاق التاريخ الفرعوني والقديم درامياً، ولا يتركونه لمن يريد الشهرة من ورائه .

الخليج الإماراتية في

06/09/2010

 

على الوتر

أبو جانتي

محمود حسونة 

عندما تخلى “باب الحارة” عن “العكيد بوشهاب” تخيّل بسام الملا أنه يعاقب سامر المصري، ولكن الأيام أثبتت العكس حيث سقط “باب الحارة” في فخ الفقر الدرامي والمط والتطويل، في حين ازداد سامر المصري تألقاً، وأثبت لجمهوره أنه فنان شامل قادر على أداء مختلف الألوان والتعبير عن مختلف البيئات الدرامية .

هذا العام سامر المصري يتألق في “الدبور” والذي لم يتخل فيه عن عالم الحارة والبيئة الشعبية الدمشقية، ويقدم شخصية “الدبور” الذي يتعرض للظلم والاضطهاد من زوجة أبيه، بعد أن تلفق له تهمة كبيرة ليطرده أهل الحارة، وبعد وفاة أبيه يقرر العودة لإثبات براءته وإظهار الحقيقة .

صورة أخرى ولكنها جديدة تماماً على سامر المصري هذا العام أيضاً، يجسدها مسلسل “أبو جانتي ملك التاكسي” ليخوض من خلالها لأول مرة تجربة الكوميديا، وليؤكد أنه يمتلك خفة ظل وقدرة على إضحاك الناس، كما يخوض من خلالها ولأول مرة تجربة التأليف، ليثبت أنه موهوب في الكتابة وصياغة المشاهد وتحديد ملامح الشخصيات، وتركيب المشاهد التي تثير الضحك .

المصري استوحى فكرة مسلسل “أبو جانتي” من لوحة كوميدية في الجزء الثالث من مسلسل “بقعة ضوء” حملت عنوان “أبو جانتي” وحققت نجاحاً كبيراً ولفتت أنظار المشاهدين، ليقرر تحويلها إلى عمل متكامل، تتمحور أحداثه حول هذه الشخصية وتحيط بها شخصيات متنوعة نجدها أحياناً متطابقة معها وأحياناً متنافرة، مما يسهم في خلق مواقف كوميدية تثري العمل وتجذب المشاهدين .

في المسلسل يجسد سامر المصري شخصية سائق تاكسي ابن بلد وشهم وكريم وصاحب صاحبه، ومن خلال رحلته اليومية في شوارع المدينة يلتقي أشكالاً وألواناً من البشر، ويتعرف إلى مشكلاتهم وهمومهم، ويسعى إلى حل ما يتوافق مع قدراته، كما أن هذه المهنة تتيح له شبكة علاقات يستغلها لمصلحة المحيطين به . ولعل اختياره لشخصية سائق التاكسي يعود لوعيه بأنها من أكثر النماذج ثراء في الدراما، خصوصاً أن صاحبها يلتقي يومياً ما لا يتاح للعاملين في المهن الأخرى، ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها هي، هل هذا النموذج حقيقي في عالم سائقي التاكسي؟ وهل يوجد بينهم من لديه الاستعداد لحل مشكلات ركابه بشكل صادق، وبذل الوقت والجهد لأجلهم؟ وهل يتوافر من يحرص على أداء الأمانات التي ينساها ركاب لديه الى أهلها من دون مساس بها أو أي فضول للتعرف إلى محتواها مثلما شاهدنا في حلقة الحقيبة التي احتار واحتار معه المشاهدون في أمرها حتى أعادها إلى أصحابها بعد طول بحث ومعاناة؟

أشك في ذلك وأعتقد أن سامر المصري كمؤلف كان يبحث لسامر المصري الممثل عن إطار يقدم من خلاله الكوميديا، ويحتفظ بصورة ابن البلد “القبضاي”، حتى يجني الثمار مضاعفة، وهي ثمار خفة الظل و”الجدعنة” والشهامة .

مخرج المسلسل محمد زهير قنوع استغل وجود الفنان أيمن رضا ليقدم عدداً من اللوحات الغنائية الشعبية بجانب استعراضات لا تخلو من الدبكة وخفة الظل في آن واحد .

ولعل ما يؤخذ على هذا المسلسل الكوميدي الخالي من أي ابتذال أو إسفاف أن مؤلفه راعى نفسه فيه كثيراً كممثل خلال الكتابة، ليكون كل من حوله مجرد شخصيات تدور في فلكه، وهو ما يمكن الرد عليه بأن المسلسل يحمل اسم شخصية البطل، ومن الطبيعي أن تدور الأحداث والشخصيات في فلكها، وأن المصري ليس وحده النجم الذي يحب نفسه ويبحث عن ما يزيده نجومية حتى لو على حساب المحيطين به .

الخليج الإماراتية في

05/09/2010

 

على الوتر

قنبلة انفجرت في وجه أصحابها

محمود حسونة 

سقطت “زهرة” في فخ الفكرة، وتوهمت غادة عبدالرازق أنها تربعت على العرش، ولا أحد يشكك في صدقها مع نفسها عندما وصفت مسلسلها المفبرك بأنه قنبلة الدراما الرمضانية، ولكنها القنبلة التي تنفجر في وجه أصحابها قبل أن تصيب المستهدفين بها .

أصحاب هذه القنبلة حاولوا أخذ الاحتياطات الكاملة حتى لا ينال منهم أحد، فأرسلوا مسلسلهم إلى الأزهر وحصلوا على ما يفيد بأنه ليس به شيء ضد الشريعة الإسلامية، ولكنهم إذا كانوا قد حصنوا أنفسهم في هذا الاتجاه، فإنهم نسوا أن يعرضوه على أهل المنطق، وهو نسيان مقصود لأنهم لو فعلوا ما كان على الخريطة شيء اسمه “زهرة وأزواجها الخمسة” .

إن هذا المسلسل باختصار شديد ليس سوى محاولة استغلال للنجاح الذي حققه مسلسل “الحاج متولي” الذي عرض في عام 2002 وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، بل ألقى بظلاله على بعض الرجال الحالمين بتعدد الزوجات العاجزين مادياً ومعنوياً عن تحويل الحلم إلى واقع .

الكاتب مصطفى محرم والمخرج محمد النقلي اللذان برعا في طرح تعدد الزوجات درامياً من خلال الحاج متولي، حاولا أن يقلبا الفكرة، وأن يقدما عملاً عن تعدد الأزواج، وهي فكرة جديدة على المجتمع، ولأنها غير مألوفة توهما أن يحققا من خلالها انقلاباً درامياً، وهو الانقلاب الذي اشتغلا عليه على مدى 8 سنوات، ولكنه جاء انقلاباً فاشلاً خطة وإخراجاً .

 “الحاج متولي” تحول إلى “الحاجة زهرة”، وحاولت غادة عبدالرازق أن ترتدي عباءة نور الشريف، ولكنها كانت فضفاضة عليها، ولعل السبب أن مضمون وأحداث المسلسل الأول كانت منطقية، ومقبول من الرجل الزواج من أربع، ولكن مرفوض بشدة هذا الأمر للمرأة، والغريب أن محرم والنقلي قررا المزايدة على الحاج متولي فقررا تزويجها ب ،5 والأزهر وافق لأن كل زيجة عند إكمالها لا تكون زهرة على ذمة أحد، ومع الأحداث نكتشف أن من نالت حكماً بطلاقها منه، عاد للقضاء ليعيدها إلى عصمته وينجح في ذلك، أما من تحطمت به الطائرة بعد سقوطها في قلب البحر ووفاة كل من كانوا على متنها، نفاجأ به وقد عاد للحياة فاقداً للذاكرة، ولا ينبغي أن نستغرب اللامنطق في الأحداث، فأسرار اللعبة كلها موجودة في جعبة مصطفى محرم .

وتتوالى الأحداث والزيجات والطلاقات باللامنطق نفسه، ونطالع “زهرة” وقد سعى للزواج بها كل رجال المسلسل، بعد أن وقع في غرامها الكهل والشاب وشغلت الغني والفقير، ولم تنج فئة جماهيرية من سحر أنوثتها .

ولو كان مصطفى محرم غير مغرم بفبركة الأحداث وصناعة مسلسل موضوعه يبهر الجمهور للوهلة الأولى، لقدم لنا مسلسلاً يناقش قانون الأحوال الشخصية ويكشف ثغراته ويفضح كيف لمحكمة أن تطلق امرأة من زوجها بينما تعيدها أخرى إلى عصمته، ولو فعل لكان أضاف إلى رصيده ورصيد مخرجه وبطلة مسلسله .

لا شك في أن المسلسل شهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً في البداية، ولكنه بقي محصوراً في حدود “البداية”، لأن المشاهد اكتشف أن الفكرة الصغيرة لم يتم تطويرها بشكل منطقي وحبكة مقبولة، بل جاءت الأحداث كلها لتخدم البطلة وفكرة تعدد زيجاتها فقط لا غير، وكأنه أراد أن يخدم كل ما هو غريب على حساب كل ما هو منطقي، وكانت النتيجة دراما مهلهلة وحكاية مفبركة لا يصدقها عقل ولا يقبلها منطق، واكتفى المخرج بتقديم عمل أشبه بالأفلام السياحية تضَّمن دعاية جيدة للبنان ولشرم الشيخ، وقد يشجع على ارتياد الأماكن التي زارتها زهرة وعريسها ماجد والتمتع بجوها وبحرها . . ولا أعتقد أن هذا كان ما ينتظره جمهور المشاهدين .

الخليج الإماراتية في

04/09/2010

 

على الوتر

أوصياء بلا حق

محمود حسونة 

في الماضي القريب، كانت مسلسلات السير الذاتية تلقى أكبر قدر من احتجاج الورثة، وكان ذلك يأخذ شكل الدعاوى القضائية لوقف تأليف أو تصوير أو عرض العمل، وكان الهدف إما الطمع في مقابل مادي أو الخشية من كشف مستور أو إعلان سر يخص صاحب السيرة الذاتية، أما اليوم فقد تبدلت الصورة تماماً، وأصبح من حق أي أحد أن يحتج، وأن يرفع دعوى تطالب بوقف عرض عمل درامي، فمن ينتمي إلى مهنة معينة وينتمي أيضاً إليها بطل أحد المسلسلات قد نجده يحتج ضد “الإساءة إلى مهنته”، وأي مشاهد يطالع مسلسلاً وتشغل خياله بطلته يمكنه الاحتجاج على ملابسها، وأي محام يعاني الفراغ ويجد مسلسلاً يتناول تاريخاً أو حاضراً فيمكنه مقاضاته ومحاكمته بتهمة “الإساءة إلى الدين والوطن والتاريخ والرموز . . إلخ” وهي قائمة أصبحت موجودة ومتاحة للباحثين عن الشهرة أو الحالمين ببعض الأضواء .

ورغم الإيمان الكامل بأن لدينا من المسلسلات والبرامج ما يستحق المحاكمة العلنية والمنع الإجباري، إلا أننا نتمنى أن يفعل ذلك أصحاب القرار أو أولو الأمر أو المتضررون الفعليون . أما ما يحدث فهو غير ذلك حيث توجد أمام الدوائر القضائية الكثير من الدعاوى التي تطالب بوقف عرض مسلسلات وبرامج، ولو بحثت عن المدعين لوجدت أن غالبيتهم لا علاقة لهم بالموضوع سوى أنهم يرغبون في أن يكونوا أوصياء على المجتمع، أو من أولئك الساعين وراء مجد مزيف، وكلهم يتوهمون أنفسهم حماة المجتمع والدين والتاريخ والمدينة والقرية والحارة وكل شيء .

وآخر الصيحات أن 25 ممرضة من بين مئات الآلاف ممن ينتمون إلى هذه المهنة تظاهروا احتجاجاً على مسلسل “زهرة وأزواجها الخمسة”، معتبرات إياه يسيء إليهن ومهنتهن السامية، ويظهر الممرضات في صورة متدنية، والمسلسل الذي يعتبر من أسوأ ما أنتجته الدراما هذا العام أفادته ولم تنل منه هذه المظاهرات، حيث إنها أعلمت من لم يكن يعلم، والباحثون عن شيء يسيء إلى صاحبات مهنة معينة كثيرون، ولا شك في أنهم هرولوا لمتابعته ومشاهدة هذه الممرضة التي استفزت هذا العدد المحدود للتظاهر ضدها، بدلاً من التظاهر ضد ما يستحق التظاهر فعلاً .

والمسلسل المفبرك “زهرة وأزواجها الخمسة” لا يدور حول عالم التمريض، وإنما يتخذ من هذه المهنة إطاراً لشخصية البطلة في بداية حياتها، وإذا كانت هي نموذجاً سلبياً فقط ظهرت بجوارها في المستشفى عدة نماذج إيجابية .

أيضاً مسلسل “درايش العماني” الذي التف الناس حوله في جزئه الأول لانتقاده مؤسسات رسمية يلقى الآن حملة نقدية تطالب بوقفه لإساءته إلى المجتمع، ومن نماذج الإساءة أن إحدى حلقاته صورت المعلم بشكل كاريكاتيري سطحي المعرفة، وهو ما أثار حفيظة عاملين في مهنة التدريس، وقرروا أن يتخذوا من الإنترنت وسيلة للاحتجاج من خلال مجموعات على موقع “الفيسبوك” تطالب المسلسل والقائمين عليه باعتذار رسمي، متناسين إن بين المدرسين من هو سطحي المعرفة ومن هو عميق المعرفة .

أما يسرا وطبها الشرعي، فقد حيرتنا من خلال مسلسل “بالشمع الأحمر” الذي أثار خلافات بين أبناء المهنة، حيث يحتج عليه د . فخري صالح كبير الأطباء الشرعيين، ويدافع عنه د . السباعي أحمد وهو أيضاً كبير للأطباء الشرعيين، وإلى جانب ذلك قام بمراجعة المادة العلمية، والأول يتهم المسلسل بأنه أساء إلى المهنة وهدم صورة الطبيب الشرعي .

هذه ليست حكايات لثلاثة مسلسلات، ولكنها نماذج لظاهرة بدأت تستشري وتنتشر، ولو كان الأمر بإرادة هؤلاء المحتجين لصدرت قرارات بوقف غالبية المسلسلات والبرامج إن لم يكن جميعها، ولانطفأت الشاشات، وأغلقت شركات الإنتاج، وأصبح المجتمع الذي نعيش فيه له معالم وملامح أخرى .

الخليج الإماراتية في

03/09/2010

 

على الوتر

مفتعلو الفتن

محمود حسونة 

عقب الإعلان عن ملامح دراما رمضان هذا العام، سادت حالة من التفاؤل والأمل باعتبارها “دراما عربية بامتياز” اكتست أهم مسلسلاتها بالطابع العربي، سواء على مستوى الطرح أو المعالجة أو التمثيل أو الإخراج أو العمليات الفنية، وقطع ذلك الطريق أمام نعرات القطرية، وأخرس الألسنة التي حاولت خلال السنوات الماضية خلق فتنة فنية تضاف إلى الرصيد العربي المكتظ بالخلافات والفتن، وما أدى إليه من تفتت وضياع وضعف وانكسار أمام الآخرين .

تخيل الكثيرون أن أهل الفن أهل وعي، وأنهم أكثر عروبة من غيرهم، وأنهم لا يلقون بالكلمات جزافاً، وإنما يفكرون في عواقب ما يقولون وما يبدعون، ومؤخراً اتضح أن كل ذلك كان مجرد أوهام وتمنيات وأن الفن كغيره من المجالات لا ينقصه هؤلاء الذين يرغبون في إفساد العلاقات العربية العربية، وخلق حساسيات بين الشعوب، وتشويه الصورة .

وفي حال افترضنا حسن النوايا، فإنهم يقولون ما لا يعون ولا يفهمون ولا يستوعبون عواقبه .

هؤلاء أساءوا إلى شعوب بكاملها، وكانت البداية عندما بثت فضائية كويتية حلقة من مسلسل كرتوني اسمه “بوقتادة وبونبيل” تنال من النساء المغربيات وتصفهن بأنهن يمارسن السحر لتزويج بناتهن بشباب كويتيين، كما تطرق المسلسل بشكل غامض إلى الادعاء بعمل المغربيات في مجال الدعارة وإغواء الشباب الخليجي بمثل هذه الأمور .

الأمر أزعج السلطات المغربية، واعتبر الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خالد الناصري أن “ما عرضته الفضائية الكويتية غريب ومدان ومستهجن ويسيئ إلى المغرب وإلى المرأة المغربية على وجه الخصوص” . وكرد فعل من قبلها سارعت فضائية “الوطن” التي بثت المسلسل والإساءة إلى بث اعتذار رسمي إلى المملكة المغربية والشعب المغربي .

وبعد أيام معدودة من هذه الأزمة تلقى المغربيون صدمة أخرى من المسلسل المصري “العار”، والذي ظهرت في إحدى حلقاته شخصية فتاة مغربية تعمل كفتاة ليل تجالس خليجياً في ملهى ليلي ويراودها مصطفى شعبان عن نفسها، والغريب أن من أدت هذا الدور هي ملكة جمال المغرب السابقة إيمان شاكر، والتي كانت تدرك جيداً أنه سيسيء لبلادها خصوصاً أن الحوار واضح، ولكن يبدو أن السعي وراء فرصة تمثيل أو شهرة أهم لديها من بلادها، وهي لا تختلف في ذلك عن الفنانين العرب الذين قبلوا بأداء أدوار هامشية في أفلام غربية تسيء للعرب .

المصريون أيضاً شربوا من نفس الكأس، ولكن يا للعجب، فالإساءة إليهم جاءت من خلال برنامج يبث على شاشتهم الفضائية وشاشتهم الأرضية الأولى، وهو برنامج ““100 مسا” الذي أبدعه مصريون وتقدمه الأردنية ميس حمدان، وفيه تصف الرجال المصريين ب”المتحرشين” و”الشهوانيين” الذين يلهثون وراء النساء .

ولأن البرنامج صناعة مصرية، حمل مهاجموه المسؤولية لمقدمته وحدها، بدل محاسبة المصريين المشاركين فيه قبلها، كما اكتفت إدارة التلفزيون المصري بوقف بثه على القناة الأرضية الأولى من دون اتخاذ أي إجراء ضده على الفضائية المصرية، فالمهم هو إسكات أصوات الداخل .

هذه نماذج لأعمال تلفزيونية ودرامية أساءت للإنجاز الدرامي العربي الذي تحقق هذا العام، وكأن صناع هذه الأعمال يريدون إفساد كل شيء، وكأنهم لم يتعلموا من أزمة كرة القدم بين مصر والجزائر، والتي نالت بالفعل من العلاقة الشعبية قبل الرسمية بين بلدين شقيقين .

إن لغة الإساءة من أفراد إلى شعوب اختراع زماننا، بعد أن انتشرت هذه الموضة على فضائيات الرسائل، والتي تتضمن شتائم تسيء لنا جميعاً كعرب، وخصوصاً عقب مباريات كرة القدم العربية - العربية، وهو ما استغله أصحاب الفضائيات “الشيطانية” لتحقيق المكاسب المادية، وهم الذين لن يرف لهم جفن حتى لو وقع العرب في بعضهم، ولو تمزقت الأمة أكثر مما هي ممزقة .

الخليج الإماراتية في

02/09/2010

 

على الوتر

الكبير سيظل كبيراً

محمود حسونة 

محمود ياسين وعزت العلايلي وحسن يوسف، ثلاثة من الكبار الذين أبدعوا وتألقوا وتعثروا خلال رحلة فنية طويلة قدم كل واحد منهم خلالها أدواراً وأدواراً ستظل عالقة في وجدان الجماهير، وفي ذات الوقت الذي توارى فيه بعض من مجايليهم بعد أن احتل الشباب الشاشات واحتكروا أدوار البطولة في السينما والتلفزيون، إلا أن هؤلاء لم يسيروا في نفس الدرب وانتظر كل واحد منهم الفرصة ليعيد اكتشاف نفسه وتقديم موهبته للجمهور، متألقاً ومنافساً ومؤكداً أن “الكبير كبير”، وأن الزمن إن لم يضف إليه فلن ينال منه .

هؤلاء الثلاثة عادوا هذا العام في 4 مسلسلات، ليملأوا الشاشات حكمة بكلماتهم التي تنحو منحى خطاب الأصالة وتحمل درساً للأجيال الجديدة يمزجون فيها بين عبر التاريخ ومعطيات وتقلبات الحاضر .

محمود ياسين يجسد في مسلسل “ماما في القسم” دوراً كوميدياً، متخلياً عن جديته التي اعتدناها منه عبر تاريخه الطويل، خصوصاً أنه لم يقدم الكوميديا سوى في فيلم “دقة قلب” و”مع تحياتي لأستاذي العزيز”، وبعد هذه الرحلة الطويلة قبل أن يجرب ويغامر، وهي مغامرة واعية ومحسوبة لمن يثق في موهبته، وفي النص الذي يقدمه والذي أبدعه بحرفية عالية يوسف معاطي، وقدم من خلاله الفنان الكبير شخصية مدرس أول اللغة العربية الذي أحيل إلى المعاش بعد أن ربّى أجيالاً، وعلم من أصبحوا وزراء ومسؤولين كباراً وأصحاب قرار . ورغم أنه يتألم لضياع اللغة وانهيار الأخلاق، إلا أنه يسعى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالتي هي أحسن، مضحياً بكل ما هو ممكن لأجل لمّ الشمل بين أبناء الأسرة الواحدة والحي الواحد والمجتمع الواحد .

أما عزت العلايلي فقد نافس الشباب وتفوق في مسلسل “الجماعة” من خلال أدائه لشخصية الجد المستشار عبدالله كساب، والذي انتمى في مرحلة من حياته إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبعد إحالته إلى المعاش يؤثر الابتعاد عن الحياة العامة، وعندما يلجأ إليه خطيب حفيدته والذي يعمل وكيلاً للنائب العام ويتولى التحقيق مع شباب الجماعة، طالباً الحقيقة في ما يتعلق بالإخوان المسلمين ونشأتها وأهدافها، يروي له تاريخ الجماعة ومؤسسها حسن البنا بصدق وأمانة بعيداً عن المزايدات السياسية . وقد قدم العلايلي الدور بروح الشاب العجوز الذي يخزن لديه التاريخ، ويحكي الملابسات من دون انحياز ولا تطرف .

كما جسد العلايلي شخصية ثانية في رمضان تتناقض كلياً مع المستشار عبدالله كساب، وهي شخصية “الكبير” في مسلسل “موعد مع الوحوش” وهي نموذج لمن يجمعون بين السلطة والمال، وتكون نقطة ضعفهم الوحيدة أبناءهم الذين يعتقدون أن كل ما يفعلونه في صالحهم، وهي شخصية صعيدي حاد الملامح، ليؤكد العلايلي من خلال الشخصيتين أن الموهبة تبقى داخل صاحبها إلى الأبد، وتنتظر دائماً أوامر الاستدعاء .

النجم الثالث هو حسن يوسف والذي عاد إلى الدراما الاجتماعية بعد أن قاطعها لسنوات، حيث اعتزل الفن لفترة ثم عاد مقرراً الاكتفاء بتجسيد شخصيات دينية، وقدم شخصية الشيخ محمد متولي الشعراوي في “إمام الدعاة”، وبعده قدم عدة شخصيات، ولأنها لم تحقق النجاح الذي يتوافق وطموحه وتاريخه، فاجأ الجميع هذا العام بمشاركته في مسلسل “زهرة وأزواجها الخمسة”، ورغم أن المسلسل مفبرك وغير منطقي، إلا أن حسن يوسف أدى شخصية الحاج فرج أبو اليسر رجل المال والأعمال، والذي يعشق زهرة ويسعى للزواج منها مقدماً كل المغريات، وبعد أن يتحقق له ما يريد يزداد لها عشقاً ويمنحها حق التصرف في جميع أمواله وممتلكاته، وتقوده الظروف إلى السجن لترفع ضده قضية طلاق وتستولي على جزء من أمواله وممتلكاته وتتزوج من آخر .

حسن يوسف أدى الشخصية بخفة الدم التي عهدناها منه في سينما زمان، وأحيا في الذاكرة صورة الولد الشقي بعد أن اكتسى بالخبرة في الحياة والهيبة في الشكل، إلا أن الحب والعشق ورطاه في مغامرة نالت من مكانته وهيبته .

الكبير سيظل كبيراً، وكل ما يفعله معه الزمن هو أنه يزيده خبرة وحنكة وحكمة ووعياً، وهذا ما أكده كل من عزت العلايلي ومحمود ياسين وحسن يوسف، ولا نغفل في هذا السياق يحيى الفخراني الذي يقدم كل عام مسلسلاً، إلا أنه يزداد تألقاً عاماً بعد عام .

الفن لا يصلح بالشباب وحدهم، ولن يتخلى عنه أبداً الكبار، وبجهد هؤلاء وأولئك يمكن أن نجد أعمالاً تستحق المشاهدة .

mhassoona15@yahoo.com

الخليج الإماراتية في

01/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)