حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2010

«بريدجت جونز» بعد النسوية و «عايزة اتجوز» مقاومة ملتبسة

رشا الاطرش

للوهلة الأولى، قد يبدو المسلسل التلفزيوني الرمضاني، «عايزة أتجوز»، فعل مقاومة، من الداخل. صوتٌ، ويعلو في وجه الثقافة السائدة التي تضغط على الفتيات في سنٍّ معين للزواج، شاهرةً عليهن فزّاعة «العنوسة» والنبذ الاجتماعي المبطّن. للوهلة الأولى، يُظنّ أن الدراما، المرتكزة إلى مدوّنة إلكترونية لفتاة مصرية عادية، ستقول بكل بساطة: لن أستسلم، وأن الكوميديا ستروي المجتمع من حول عازبة، لتهشّم هيمنته ورزنامته الإنجابية.

لكن... لا.

فمنذ حوالى ثلاث سنوات، أنشأت غادة عبد العال، وهي صيدلانية مصرية على أبواب العقد الثالث من العمر، مدوّنة «عايزة أتجوز» الإلكترونية. مذكّرات راحت تدوّنها كما هي، بلهجتها العامية، بل وتعتذر حين تستخدم مفردات بالفصحى، كأنما تدعيماً للدعابة الممتدة، وإصراراً على قيمة ما تكتبه كثقافة فرعية تستحق الانتباه، وربما أيضاً تجذيراً لـ«القضية»، في الحياة اليومية، للسواد الأعظم من الفتيات المصريات والعربيات. منذئذ، لم يتغيّر شعار الصفحة الافتراضية لعبد العال: «أنا أمثّل 15 مليون بنت من سن 25 إلى 35، واللي بيضغط عليهم المجتمع كل يوم عشان يتجوزوا.. مع إنه مش بإيديهم إنهم لسّه قاعدين». كل شاب يتقدّم لخطبة عبد العال، أو إحدى صديقاتها، قصة تكتبها، كنكتة طويلة مستقاة من الواقع وتُشهَر عليه. أشكال وألوان من التوتر بسبب السنوات التي تمر، الخيبات بعد آمال بإيجاد زوج مناسب لإسكات التململ، التنافس المحموم بين الصديقات على كل عريس محتمل، ولازمة «عايزين نخلص منك ونرتاح بأه» على ألسنة الأهل والجيران بتنويعاتها كافة.

في يوم عيد ميلادها الثلاثين، احتفلت غادة مع قرّائها بظُرف مَن لا تخجل بسنّها، أو بالأحرى مَن لا تريد أن تخجل. كتبت كيف استيقظت كالمذعورة، وهرعت إلى المرآة باحثةً عن تجاعيد طارئة، متفقّدة سلامة أسنانها... «نزلت الشارع وأنا متوجسة خيفة (معلش عندي المرة دي).. كل ما يمر جنبي عيّل صغيّر أتشنج وأستعد عشان أطلق ساقيّ للريح (آخر مرة والله).. رجعت البيت، وعكس كل توقعاتي، ما حدش من الجيران رمى عليّا جردل مايّه مش نظيفة، ولا لاقيت أهلي محضرنلي شنطة هدومي وبيقولو إحنا استحملناكي كتير وكفاية علينا كده».

هكذا، استقطب الموقع نصف مليون متصفّح، وولدت مجموعته على «فايسبوك». إلى أن صدرت اليوميات، وبالعامّية المصرية، في كتاب (عن دار الشروق) تصدّر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، وصولاً إلى الطبعة الثامنة. والعام الماضي، خضعت عبد العال لدورة سيناريو، لتكتب المسلسل التلفزيوني بنفسها.

فرصة ضيّعها التلفزيون

رغم بعض التعليقات على موقع «عايزة اتجوز»، والتي قد تكون صدى الاستماتة على الزواج كهدف بذاته (من مثل: «طرح مشوق وبانتظار البقية قبل ما يخطفك عَدَلك وتنسينا»)، لربما، فقط ربما، ظلّت المدوّنة مظهراً فردياً يستأهل الاحتفاء من باب اكتساب غادة (ومن تمثّلهن) قوة المبادرة إلى النقد، من خارج دوائر النخبة، وبأبسط الأشكال والعبارات. غير أن التلفزيون ما لبث أن أعاد إنتاج المنظومة الذكورية الأبوية نفسها، إذ قطع خيوط السخرية وحرّر الكليشيه. صحيح أن البطلة ترفض الخُطّاب غير المناسبين في النهاية، إلا أنها عملياً لا «تفعل» شيئاً آخر. ظهّر التلفزيون انكفاء ذاك الصوت عن مقاومة سلطة أهل لا يسمحون لابنتهم بالتعرّف إلى شبان إلاّ ضمن جدران البيت، وتحت أنظارهم، وكعرسان. التلفزيون محافِظ حكماً، على عكس السينما التي قد تخرق القوالب من حين إلى آخر. فلنأخذ مسلسل «العار»، الذي عرض هذا العام مقتبساً عن فيلم بالعنوان نفسه (1982). كان الفيلم يتمحور حول تشابك العلاقات والمفارقات، والقيم الرمادية غير الملبوسة بمحكمة أخلاقية واضحة، بين شخصيات أشقاء ثلاثة، مختلفة جذرياً في التركيب النفسي وحتى الاجتماعي. إذ يكتشف الأخوة، بعد وفاة الأب، أنهم أبناء تاجر مخدرات بعدما عرفوه دائماً حاجّاً تقيّاً أنعم الله عليه بثروة نظيفة. أما المسلسل الجديد فقد نُفّذ على تيمة «الحلال والحرام».

بشكل مشابه، لعب التلفزيون لعبته مع مدوّنة «عايزة اتجوز». والأسوأ أن ارتكاز المسلسل إلى يوميات واقعية خنق بذرة تمرّد عفوي وحقيقي، كان لها أن تزهر على الإنترنت. أوقف دلالة قصص عبد العال عند حدّ مسلّمات طريفة يبتلعها المشاهد(ة) مثل القَدَر و«شرّ البلية»، بلا كثير نقاش، فأهدر طاقتها الاحتجاجية الكامنة. خَفَت صوت «عايزة اتجوز» أيضاً أمام الدّين، ومن خلفه التقاليد. والأهم أنه خرس تماماً عند مطلب الحب، بل الحقّ فيه! لم يعلن أي رغبة في انتقاء الفتاة للشريك بدل الانتظار السلبي لخاطِب يطرق الباب. حتى أن البطلة (هند صبري في شخصية «عُلا») تفخر في إحدى الحلقات، بأنها لم تسمح لأي شاب بالاقتراب منها أيام الجامعة وشلّة البنات التي كانت تتزعّمها بشديد محافظتها. ثم تسخر «عُلا» وزميلتها من كلام ثالثتهما عن الحب. فتصعد، على الشاشة الصغيرة، كابنة طبقة متوسطة، متعلّمة عاملة ومستقلة مادياً... ومثال على «البنت المتربيّة» التي تتبنّى الخِطاب العام، بدل أن تكون الساخرة من وضع لتنقلب عليه. أما المغالاة في أداء الممثلين وإملاءات السيناريو، فيثبّت الهستيريا مصيراً لكل فتاة يطول انتظارها للعريس، بدل الكوميديا النابعة من قلب ذلك القمع الخفيّ والتي كان يُتوقّع أن تعمل لصالح فكرة معاكسة تماماً. ولولا أن غادة عبد العال نفسها هي التي كتبت السيناريو التلفزيوني لقلنا إن مدوّنتها الإلكترونية ظُلمت أيّما ظلم.

إنها ماكينة الثقافة المهيمنة وقد استوطنت، حتى مخيلة مَن قدّمت نفسها على أنها تقاتل، بالنكتة، كي لا تظلّ ضحيتها. «الإرادة الحرة» للضحية تماهت مع إرادة الماكينة، فجأة. وتلاشت الخطوط الفاصلة بين عُلا/غادة وبين السلطة التي لا تني ترسم علبة نهائية لحياة هذه الفتاة ومثيلاتها، حاجبةً كل خيار أو فكرة من خارجها. والسلطة لا تناهض ذاتها.

قد لا يختلف مسلسل «عايزة أتجوز» عن الفيلم البريطاني «مذكّرات بريدجت جونز» مثلاً (رينيه زويليغر، هيو غرانت)، الذي ارتكز بدوره إلى عمود أسبوعي للكاتبة هيلين فيلدينغ في صحيفة «إندبندنت» البريطانية، ثم جُمعت المقالات في كتابين، قبل إنتاج الفيلم بجزءيه (2001 و2004). الكتابة الفردانية تربط جَذري هذين المُنتَجين الجماهيريين، لكن النقد الذي تلقّفه هو المختلف، الردّ الذي بقي خفراً إزاء «عايزة اتجوز».

«بريدجت جونز» فتاة ثلاثينية، ابنة مهنة، جميلة واجتماعية، تملك شقتها اللندنية وحياتها ناجزة الاستقلالية. لكن علاقاتها العاطفية لا تعمّر، وتفرط في الأكل والتدخين وشرب الكحول. تقلق كلما اكتسبت كيلوغراماً إضافياً، لا تجيد اختيار ثياب داخلية مثيرة، وتكتب في دفتر يومياتها متسائلة: «هل سأبقى من دون زوج؟». ورغم أن الفيلم، كما الكتاب، حقق إيرادات ضخمة، إلا أنه استنفر عصباً نقدياً في الغرب، خصوصاً بالمعنى النسوي، وأُدرج تحديداً في الحركة الثقافية ما بعد النسوية.

تتمثل ظاهرة «ما بعد النسوية» بموجة من أشكال التعبير (الفني والإعلامي والإعلاني) تسعى، عن عمد أو عن غير عمد، إلى التقليل من شأن المكتسبات التي حققتها الحركة النسوية في السبعينيات والثمانينيات. وتكتب الأستاذة البريطانية في الدراسات الثقافية، أنجيلا ماكروبي، في نقدها لـ«بريدجت جونز» ولعدد من الإعلانات التلفزيونية والمجلات النسائية، أنه «من خلال ميكانيزمات متعددة، تتضافر عناصر الثقافة الشعبية السائدة، بشيء من الخبث، لفكفكة إنجازات النسوية. وتظهر، في الوقت نفسه، بمظهر النيات الحسنة، بل والاستجابة الواعية لتلك الإنجازات وأفكارها». ويقول آخر، وبالاستناد إلى ما تسميه ماكروبي «مَجاز الحرية والخيار المتاح»، خصوصاً للنساء اليافعات، تُجعل النسوية في خانة «الفكر القديم» الذي حقّق ما حقّق، وما عادت إنجازاته مهددة، فأصبح بالتالي مستهلكاً وبائداً وبلا نفع مباشر، ولهذا السبب بالذات صار ممكناً تخطيه بل ونفيُه. وتعتبر ماكروبي أن عارضة الأزياء، التي تخلع بلوزتها في أثناء سيرها في اتجاه سيارة رياضية (في إعلان تلفزيوني لشركة سيارات)، تبدو كمَن تفعل ذلك بوعي كامل وبقرار نابع منها، كأنها تتحدّى الذكورية المحدقة بجسدها، بإرادتها، في حين أنها في الوقت نفسه تحرّك لبّ العين الذكورية وتدغدغ نظرتها.

وإذا كانت المُكتسبات التي فازت بها النساء، بعد نضال ميداني وسياسي وحقوقي وأكاديمي وثقافي، قد تكرّس أهمُّها فعلاً في الغرب، ما يفرد عند الغربيين حيّزاً حقيقياً لنقاش «ما بعد النسوية»، فإن العالمين العربي والإسلامي ما زالا، بلا شك، في باكورة مثل هذه الإنجازات. ويكفي التفكير في عدم تكافؤ فرص التعليم، والتمييز في قوانين العمل والأحوال الشخصية والعقوبات، إضافة إلى سطوة الدّين، معطوفاً على التخلّف الاجتماعي والثقافي في البيت والمدرسة والشارع، الخ... كي لا نستغرب التباس نكهة المقاومة في «عايزة اتجوز». التباس النسوية بما بعدها، والصوت الشاكي إذ يتبنى منطق الوصاية عليه.

لقد اكتمل عقد الموسم التلفزيوني الرمضاني، هذا العام، بأوسع باقة من البطولات الدرامية النسائية، التي، في الغالب، لا تُمَكّن صُوَر صاحباتها كحضور أنثوي يفرض أجندته، بقدر ما تؤكّدهن كأغراض جميلة، ملونة ومبهجة، لتحديق الذكور والإناث معاً. فهذه غادة عبد الرازق، بكل دلعها ومظهرها «السيكسي»، تعاني من أزواجها الذين يوقعونها في مطبّات السيطرة، رغم ذكائها ومكانتها المرموقة كسيدة أعمال صنعت نفسها (وبحيلة «كيدهن عظيم» بدل مقدّراتها الشخصية). وهذه ليلى علوي التي تنجح في وظيفة غير تقليدية لامرأة، أي مدربة فريق كرة قدم، إنما بمعونة رجل، ينقذها أيضاً من المؤامرات والتحرّش. ثم إلهام شاهين، الأرملة الجميلة والأنيقة والغنيّة، مطمَع الرجال (والقانون!) التي لا تستأنف حياتها مع رجل أحبته إلا بالزواج العرفي حرصاً على «مشاعر» ابنها. وبعد ذلك، تنتقل شاهين، إلى «حدوتة» رمضانية ثانية تتناول... «أزمة العنوسة».

الجندر و«الاستدعاء»

كان بوسع «عايزة اتجوز» أن يشكّل بارقة أمل وسط ذلك كله، إلا أنه لم يفعل أكثر من «استدعاء» كل ثلاثينية عربية عازبة، وبالأيديولوجية الرائجة نفسها التي تراجعت النسوية العربية عن ليّها، بعدما كانت قد قطعت شوطاً لا بأس به خلال النصف الأول من القرن الماضي. من لا يذكر أفلاماً من نوع «زوجتي مدير عام» (لشادية) و«أنا حرة» (لبنى عبد العزيز) وغيرهما؟ صحيح أن مثل تلك الأفلام لم تذهب إلى النهاية كرافعة جماهيرية لقيم تحرّر المرأة، لكنها كانت بدايات مشجّعة، بالنسبة إلى قيم كانت لا تزال حديثة وأوليّة في ذاك الزمن. غير أن مرور السنوات والعقود لم يبلور تلك التجارب في النتاج الثقافي السائد، بل فقط في النتاجات «البديلة» ذات التمويل (الأوروبي) المحدود والمستقل. بل أعيد مثلاً، إنتاج فيلم «زوجتي مدير عام» في فيلم «تيمور وشفيقة» (2008، أحمد السقا ومنى زكي) بحيث كرّس «اللا- صوابية» في امرأة تترأس زوجها/حبيبها في العمل، كما أكّد أحقيّة رفض الرجل لهذه الفكرة حتى لو كلّفه ذلك حبّه لـ«امرأته». وتذعن المرأة لمشيئته في النهاية، فتستقيل من مهنتها لتكتفي برضاه وبقائه... بل تفعل ذلك عن قناعة تامة وبإرادة «حرّة»!

يبدو «عايزة اتجوز» مثالاً راهناً على «الاستدعاء»، الذي ارتكزت إليه نظرية الأيديولوجيا عند لويس ألتوسير، كعملية تنتج الذات عبر هتاف يُحَيّي تلك الذات أو ينادي عليها، فتخرج كما يشاؤها مصدر الهتاف. على هذا الأساس النظري خاضت الدراسات الثقافية الغربية، خصوصاً مدرسة بيرمينغهام البريطانية، تحليل الأنماط الدراجة في «الميديا»، بما فيها المجلات المتوجّهة للنساء والمراهقات، متوقفة عند «خلق ذوات» القارئات المستهدفات من خلال «مناداتهن»، شكلاً، ثم مضموناً. فكأنما تصيح مجلّتا «جاكي 19» و«فقط 17» البريطانيتان: «هيه.. أنتِ هناك، حين نلفت انتباهكِ باسم جاكي، أو بسنّ 17 عاماً، نكون قد أوجدناكِ كـ«فتاة جاكي» و«فتاة الـ17»، وهويتك وإحساسك بنفسك يتأسسان على هذا النداء وما يشتمل عليه أسبوعياً من أفكار ومواضيع وصُوَر تُقدّم لك».

فماذا حصل مع من تنادي: «عايزة اتجوز»؟ وأين المتلقي(ة) المُنادى أو المناداة؟

ترى واحدة من أبرز الأكاديميات النسويات الأميركيات، جوديت باتلر، أن الجندر (الوظيفة الاجتماعية للجنس) هو «عملية أدائية» تُوجِد الذكورة أو الأنوثة في الشخص، وإن بانَ، على السطح، أنها تصف ذلك الشخص من داخل ذاته. لقد دحضت باتلر حجر الزاوية في أفكار سيمون دوبوفوار عن أن الجنس هو واقع فيزيولوجي يُستقى منه الجندر، فقويت النظرية «الأدائية» كتيار فكري له مريدوه ومريداته في المجتمعات الحيّة، إذ فتحت باباً واسعاً على التفكير في الجندر كـ«فعل» يشتمل على الهوية التي يُزعم أنها تطلقه، على اعتبار أن الأدائية الجندرية هي نظرية «الفاعِل(ة)» إنما من دون «فاعِل(ة)».

لقد «أدّت» هند صبري، في مسلسل «عايزة اتجوز»، موقع الفتاة الثلاثينية في المجتمع المصري والعربي، بكل تناغم - وحُسْن نيّة - مع النمط المفروض والمكرّس. والأرجح أن الكاتبة غادة عبد العال «أدّت» أيضاً مأزقها - وبظُرف حميد - كصبية «عايزة تتجوز».

أما «الفاعِلة» فما زالت مجهولة بين ملايين الفتيات اللواتي تم تدبيج الخطاب باسمهنّ... ولعلها تتابع في مكان ما، وتشعر بخيبة وإهانة.

السفير اللبنانية في

03/09/2010

 

ثقب يمتص المضامين الثقافية في المسلسلات الرمضانية

عمر كوش 

بات في حكم العرف، الذي لا رجعة عنه، وفي شهر رمضان المبارك، أن تحتشد قنوات التلفزة العربية، الأرضية منها والفضائية، بعشرات المسلسلات التلفزيونية، التي تحتل المشهد العام، وتسلب عقول المشاهدين القابعين أمام شاشاتها الصغيرة، الذين لا حول لهم سوى متابعة ما تقدمه القنوات بشغف وانفعال، علّهم يجدون ما يسرّهم وينفعهم، ويشبع حاجتهم للفرجة والترفيه، وذلك بالرغم من كثافة الأعمال الدرامية واختلاط وتنوع موضوعاتها، واختلاف مستوياتها الفنية، والتي لا تترك في معظمها أي أثر يذكر بعد الانتهاء من مشاهدتها.

وأضحت المسلسلات التلفزيونية الرمضانية ظاهرة موسمية، تتكرر كل عام، طوال الشهر الفضيل، وتطرح تساؤلات حول الكم الكبير من المسلسلات الكوميدية والدرامية والتاريخية والاجتماعية والبوليسية، التي تحشر دفعة واحدة خلال شهر واحد.

ملجأ للنسيان

وتدعو هذه الظاهرة، التي تستحق الوقوف عليها، إلى القول إن المسلسلات الرمضانية حوّلت المشاهد العربي إلى متفرّج جاهز بامتياز، بوصفه فرداً في مجتمع الاستهلاك، تحدده الصورة التلفزيونية، وكائناً تواصلياً، حيث التواصل يحدث في جهة واحدة، من المرسل إلى المرسل إليه، لاغية بذلك تبادل المواقع في عملية التواصل. ولا شيء في الوجود يمكن أن يدرك خارج رغبة الإنسان الدفينة في أن يكون أكثر من فرد معزول، لأن ما لا يتحقق عنده في الواقع يعيشه في شكل أحلام واستيهامات، وصور دفينة قد لا يدرك وجودها بشكل واع، خصوصاً أن أحلام السواد الأعظم من المشاهدين العرب معطلة، وآماله قليلة ومحدودة، ووقته رخيص جداً، ويعاني حالة من انسداد الأفق، تتخللها فراغات عاطفية ونفسية كبيرة، لذلك يحاول العثور في شخصيات المسلسلات الدرامية على صور تعويضية، وعلى ملجأ للنسيان في الأحداث والقصص الدرامية، ووسيلة للتعويض عن الفشل والهزائم والخيبات الفردية والجماعية، من خلال التماهي بالأبطال الوهميين، ذوي الطاقات غير المحدودة، وما عليه سوى ترقّب مصائرهم والعيش مع مسراتهم وأحزانهم ومغامراتهم، بل وتقليد سلوكهم وحركاتهم أحياناً.

وعند تناول الأعمال الدرامية الرمضانية وفق منظور ثقافي نجد أن السمة الغالبة لها هي التسطيح وتغييب العقل وانتفاء التفكير، إذ نادراً ما نعثر على مسلسل يحترم عقل المشاهد، ويقدم له عملاً فنياً مميزاً، ويمتلك موضوعاً ذا قيمة ثقافية أو سياسية أو اجتماعية، بل إن العديد من المسلسلات لا تحترم الثقافة والمثقفين، وتسخر أحياناً من صورة المثقف، وتهزأ من أدواره. وأسهمت مثل هذه الأعمال في نسج عقل يمكن تسميته بالعقل التلفزي، يتكون من خليط من العقول التي تفرض نفسها في الخطاب الشائع، بوصفه العقل الوحيد الموثوق، إذ يحتقر هذا العقل كل ما يمت بصلة بالفلسفة والأدب والشعر، أي كل شيء ليس له أو لا يحقق مردودية اقتصادية بمقتضى معيارية وأخلاقيات اقتصاد السوق. ويطرح هذا العقل الأسئلة والاستفسارات ذاتها في مختلف المسلسلات الدرامية، حيث يتم تلفيق الأجوبة ذاتها، في إجماع مستغرب حول «الأسئلة ذاتها و«الأجوبة» ذاتها ، إنه التواطؤ الذي يُحلّ الاستفسارات محل الأسئلة، ويميّع الأجوبة.

وقد أصبح التلفزيون، في أيامنا هذه، وسيلة الثقافة الأسرع نفاذاً إلى عقل المشاهد العام، بل تحوّل إلى وسيلة التثقيف الوحيدة بالنسبة لملايين المشاهدين، والمقلق في الأمر هو أن ما يقدمه من ثقافة ضحلة وخالية من البعد المعرفي، تبعث على الكسل وتغييب الخيال، وتسبب الخمول العقلي، خصوصاً أنه يمكن للتلفزيون أن يسهم في تقديم جانب هام من الثقافة البصرية التي لا غنى عنها لدى الإنسان. لكن في ظل غياب وسائل المنافسة والتعدد، التي توفر للمشاهد حرية الاختيار، وافتقاد القدرة على التمييز وفضاء التنوع والاختلاف، فإن المادة التلفزيونية المقدمة في سوق قنوات التلفزة العربية هي مادة سريعة الاستهلاك، وسريعة الهضم والذوبان، بحيث أن كل مادة تأتي أسوأ من سابقتها، وكأن المادة التلفزيونية تحوّلت إلى ثقب ماص للمضامين المعرفية والثقافية، يُذيب كل ما يأتيه في فوضى إنتاج يضيع فيها المعنى والمبنى.

وصار المشهد التلفزيوني المعّد مسبقاً آلة تنسج عقل المشاهد وفق متطلبات أصحاب القنوات الفضائية والقائمين عليها، حيث تبرز الصورة التلفزية، التي تضع مختلف الحواس خلف العين، كي تحول التلفزيون إلى ما يشبه بوابة الجسد إلى الذات الآخر والعالم والأشياء، وذلك بعد أن أوجدت القنوات التلفزيونية لغة - الصورة التلفزية كنظام يحمل خصوصيته الوسيطية المتناسبة مع مُثل وقيم أصحاب الشركات المنتجة والراعية للمسلسلات، وبما يخدم قضايا اقتصاد السوق ومصالح أقطابه الرئيسة. تلك اللغة التي تقترب من لغة العامة لملايين النساء والرجال، وتحمل الحكاية والمعلومة ببساطة واستسهال وتلفيق، محولة الكائن إلى مجرد رقم عارض وبسيط في مجتمع المشهد المسلوب.

وإذا كانت الصورة هي صياغة لسانية محددة, بواسطتها يجري تمثيل المعاني تمثيلاً مبتكراً ومركزاً، بما يحيلها إلي صورة مرئية معبرة, فإن هذه الصياغة المتفردة والمتميزة تنقل في ثوان معدودة مشاهد كثيرة من العالم. وأضافت الصورة التلفزية أبعاداً جديدة لملامح الحياة الإنسانية منذ النصف الأخير من القرن المنصرم. وكان من الضروري الاستفادة من هذه الفرصة السانحة لصياغة نوع جديد من الحوار مع المشاهد، عبر لغة تخاطب الوجدان من خلال الصورة, لكن مع الأسف الشديد, ومع زيادة وطأة الفوضى الدرامية، لم تتم الإفادة من ذلك في الدراما العربية.

ما يطلبه التجار

ويمكن القول إن المسلسلات التلفزيونية تلعب دور المداهم والمستحوذ والمستفرد والآسر للمشاهد العربي خلال شهر رمضان، لكن المفارقة هي في توزعها بين أجواء تعيد رتق جوانب مفقودة لديه في الإيمان والإحسان، والتفكير بوضع الآخر، الفقير والمحروم، ويستعيد بعض إنسانيته، وبين التنميط والتسليع والصراع على إرادة الوعي لديه، بوصفه أحد أفراد جمهور بدأ يغفل عن همومه وقضاياه، حيث تقدم له وجبات ثقافية خفيفة، ومقشرة من السياسة، بمعناها المدني، وبعيدة كل البعد عن حاجاته الأساسية وأولوياته، وتقذفه بعض فنون الصورة الدرامية نحو كل ما يبعث على الحزن والموت، وأخرى تحث على القتل والإرهاب، أو تقف على النقيض تماماً، ويمكن وصفها بالفنون الملائكية، لأنها تحتوي من صفات الأنبياء أكثر مما تتضمنه من صفات البشر من عامة الناس. وكي لا تكون الصورة قائمة، فإنه وسط الكم الكبير من المسلسلات الرمضانية، يمكن العثور على عمل أو أكثر يحترم عقل المشاهد، ويراعي أحاسيسه، ويحثه على التفكير بما هو عليه، ولو بالحدود التي يسمح بها مقص الرقيب العربي.

ونظراً إلى خضوع الإنتاج التلفزيوني للمنافسة، ولثنائية العرض والطلب في سوق الإنتاج الدرامي، فإن هناك مؤثرات إضافية في العمل التلفزيوني في البلدان العربية، حيث أن أصحاب القنوات التلفزيونية الخاصة هم رجال أعمال وأصحاب رؤوس أموال، والهاجس الأساس لديهم هو عملية الربح، لذلك يلجأ بعض المنتجين والمخرجين إلى تقديم أعمال تتناسب مع ما يطلبه هؤلاء، بل أحياناً هنالك أعمال تكتب حسب الطلب، أي حسب الأهواء والمواصفات الرائجة.

)كاتب سوري(

السفير اللبنانية في

03/09/2010

 

كوسا في مؤتمر صحافي:

"الرقابة الشعبية" أكثر قسوة وصعوبة على الفنان

ديما محبوبه 

عمان – قال الفنان السوري بسام كوسا إنه غير راض عن الأعمال السينمائية والتلفزيونية السورية، وإن هناك سلبيات كثيرة في الدراما السورية، أهمها عدم وجود خطة إستراتيجية محددة مثل التطرق لقضايا مستقبلية مهمة وأخذها بعين الإعتبار.

وأضاف في المؤتمر الصحافي الذي أقيم أمس في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام احتفاء بالمنجز السينمائي وتكريما له على أفلامه الثلاثة التي عرضت في الهيئة: "نسيم الروح"، للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد و"كومبارس" لنبيل المالح و"تراب الغرباء" لسمير ذكري، إن النشاط الفني والثقافي هو شيء حضاري وعلى الجميع دعمه واحترامه وتقديره، والتعامل مع الفنان بحسب ثقافته وفكره.

وأضاف أن الهدف من تمثيله للأدوار الصعبة وتجسيده لشخص من ذوي الإعاقة في مسلسل "وراء الشمس" الذي يعرض حاليا على المحطات الفضائية، يأتي لإلقاء الضوء على بعض الفئات المهمشة والتي تحتاج إلى من يرعاها ولا ينظر إليها بعين الشفقة.

وأكد أن مثل هذه الأعمال تصنع الدهشة عند الجمهور، مستدركا أن هذه الدهشة يجب أن لا تأخذ تفكير المشاهد بالكامل، إذ يجب البحث عن الأخطاء إن كانت موجودة، والعمل على نقدها لإثبات نجاحها.

وأشار كوسا إلى أن "هناك كثيرا من الكتاب والممثلين والمخرجين لا يتمتعون بحس فني من شأنه أن يحافظ على عظمة الفن وضخامة الأعمال، لافتا إلى أن ما يحركهم الأموال والاستثمارات".

وأكد كوسا "أنه لا ضير من دخول أموال قادمة إلى البلد واستثمارها في الأعمال الفنية والدراما لكن الخطير هو دخول هذه الأموال مع أفكارهم ودسها في المجتمعات".

ولفت كوسا إلى أن هناك "أرباع ممثلين"، على حد تعبيره، اغتروا بأنفسهم ولا يدركون أنهم ما يزالون يمشون على الأرض ويغترون وكأنهم نجوم عالميون. ولا يجد كوسا أن هناك فرقا بين التمثيل أمام الكاميرا السينمائية أو الكاميرا التلفزيونية، أما الفرق والاختلاف الحقيقي فمن الممكن أن يكون بالتمثيل على خشبة المسرح وقدرة الممثل على التعامل مع الجمهور بشكل مباشر.

وأضاف؛ على الممثل أن يكون عفويا وليس "مصطنعا" أمام الكاميرا، لكي يشعر المشاهد بأنه ممثل حقيقي، لكن في الحقيقة كل حركة تكون للممثل مدروسة، مؤكدا أن "الفن جريمة إبداعية مع سبق الإصرار عليها".

أما عن الفن في المغرب العربي، فيقول كوسا بأن لدى تلك البلدان فنا سينمائيا راقيا، ومعظم إنتاجاتهم ضخمة لكنها لم تصل إلى حد الجماهيرية في بلداننا، كما هو حال الفنون الصينية والكورية والتي تعد من أضخم الأعمال والأكثر شهرة، لأن الأقوى سياسيا وماديا هو من يطرح ثقافته على الآخرين.

وأكد بأن الدراما من واجبها أن تضع يدها على الجرح، من دون أن تصطنع الحلول أو تضعها أمام المسؤولين.

وردا على سؤال عن أن الدراما السورية ازدادت فيها ظاهرة "المخرج النجم" على عكس الدراما المصرية "الممثل النجم"، قال كوسا إن العمل السوري يظهر كعمل فني متكامل، وأسماء الممثلين هي "البياعة" كما يصفها وليس اسم المخرج، وإن كان هو الذي يعمل قيمة ومصداقية للعمل.

ويؤكد أنه من الواجب التعامل مع الرقابة على أنها مصطلح موجود ولا يجب التخوف منها، والشيء المؤسف "سقف هذه الرقابة ونوعيتها على الدراما والفنون"، لافتا إلى أن أكثر الرقابة قسوة وضغطا على الفنان هي "الرقابة الشعبية" كما أكد كوسا.

ويبين أن مهنة الفن إشكالية "أصعب ما يكون أن تعمل بمهنة حضارية في مجتمع متخلف نحن جزء منه"، مؤكدا أن "المجتمعات تتقبل الطبيب الفاشل أو القاضي المرتشي أو التاجر الفاسد ولا تتقبل تزويج ابنتها للفنان على اعتبار أن مجرد ظهوره على شاشة التلفزيون يعني أنه من دون أخلاق".

dima.mahboubeh@alghad.jo

الغد الأردنية في

03/09/2010

 

مهمة الدراما تسليط الضوء على عيوب المجتمع

غيداء حمودة 

عمان - اعتبر الفنان السوري بسام كوسا أن مهمة الدراما الأساسية تناول قضايا وعيوب المجتمع بجميع أشكالها، مؤكدا أن تناول ما هو إيجابي في المجتمع مهمة "البرامج" التي تعدها "الدولة" وليس الدراما.

وأضاف، خلال اللقاء الذي نظمته الهيئة الملكية الأردنية للأفلام مساء أول من أمس مع مجموعة من الفنانين الشباب، أن السؤال المهم للممثل يكمن في تحديد خياره في أن يكون "ممثلا نجما" أم ممثلا "ضروريا يطلبه حتى أعداؤه"، مشيرا إلى أنه من الأصعب على الفنان أن يكون "ضروريا" ومستشهدا بحقيقة أن "الفن هدم فنانين لعدم إدراكهم الفرق بين النجومية والضرورة".

وحول الرقابة وعلاقة الممثل بالخطوط الحمراء قال كوسا إن هناك سقفا آخذا بالارتفاع يتأتى كنتاج بين "دفش" الأشخاص الذين يعملون في مجال الفن وعلاقتهم بالضغط الذي تفرضه السلطة، مشيرا إلى أن هذا الصراع "موجود في كل بقاع الدنيا وحتى في هوليوود".

ونصح كوسا الممثلين الذين هم في بداية مشوارهم بضرورة التصالح مع الواقع "الإنتاجي" الذي يعيشونه في حال قلة عدد الأعمال الجيدة المنتجة، منوها أن مهنة التمثيل "مليئة بالتفاؤل" لكنها لا تأتي "بكبسة زر" وفق كوسا.

ووصف كوسا مهنة التمثيل بأنها مهنة من "يُطلب ولا يَطلب" معتبرا حرية الممثل تكمن في "قبول الدور أو رفضه". وقال "إن ما يحركني" في هذه المهنة هو "الحب والحب فقط" معتبرا مهنة التمثيل "أجمل مهنة في العالم".

وفي سؤال عن سبب تميز أدائه في مختلف الأدوار التي أداها أرجع كوسا ذلك إلى اهتمامه بـ "الدراما السلوكية" مشيرا إلى عمله على تفاصيل الشخصية واهتمامه حتى بالثياب والمظهر و"درزة البنطلون ولون القميص". وأضاف كوسا أن الأدوات المتاحة للممثل "غاية في التعددية"، مشيرا إلى أنه يحاول استخدام أقصى ما يمكن من الأدوات المتاحة.

وقال كوسا إن الأدوار تكون "متطلبة في العادة" وأنه يكتب على الورقة مجموعة مواصفات للشخصية حتى مظهرها ولون العينين، وتأتي المرحلة الثانية التي يقوم بتقييم هذه المواصفات فيها وتحديد ما الأفضل أن يبقى منها.

ووجه كوسا نصيحة للممثلين الذين في بداية مشوارهم بعدم المشي "وراء الوهم" والالتزام بالواقعية قدر المستطاع و"الابتعاد عن الإحباط"، مشيرا إلى أنه لم يُقبل في معهد الفنون المسرحية في دمشق وأنه "كانت وما تزال شكوك" حول امكاناته وقدراته كممثل إلا أنه ثابر وسعى للوصول إلى ما وصل إليه.

وحول علاقة الممثل بالمخرج قال كوسا إن الأعمال الدرامية والسينمائية مرتبطة بـ "العمل الجماعي" من حيث المبدأ، مشيرا إلى أنه من الممكن أن يبدي رأيه "من دون فرضه" في حال وجود "خلل ما" في العمل أو النص مثلا.

واعتبر كوسا أن مفهوم "عمل المخرج" اختلف منذ زمن، فهو لم يعد "رب العمل" بل "مايسترو العمل". وأوضح كوسا أنه يرفض أن يعمل مع أي مخرج "ديكتاتوري"، معتبرا أن الفن مبني على "الجدل والحوار" ومرحبا بالعمل مع من يتخذ من "الحوار الراقي" منهجا له.

وأشار إلى أنه على المخرج أن يدرك مهمته في "التوليف بين الإمكانات المتاحة لديه"، معتبرا أن المخرج الجيد يلزمه شيئان لا غير: "أن يسمع صح ويشوف صح". مبينا أن مهمة المخرج الأساسية تكمن في "تحريك أدوات الممثل" وفتح الآفاق له لإيجاد حلول "أرقى" وليس تعليم الممثل كيف يمثل.

وأكد أن الفن التشكيلي أفاده في "الاقتراحات التي قدمها للمخرج" معتبرا نفسه "محظوظا" بما أنجزه في حياته ومعتبرا الفن التشكيلي قدم له الكثير في حياته، وكاشفا أنه يرسم أحيانا الشخصيات التي يمثلها حتى في ثيابها وتفاصيلها.

واعتبر كوسا "اللقاء الأول بين الجمهور والشخصية" أمرا في غاية الأهمية و"مقياسا" لمصداقية الممثل. وقال كوسا إن كل الأدوار هي "مركبة" مرجعا ذلك لكونها كلها مستقاة من حياة الناس رافضا بشكل شخصي التعاطي مع الشخصية "كقصة قصيرة بل كرواية لها جماليتها وخطوطها".

وبين أن الصراع بين رأس المال والإنتاج السينمائي "دائم" وعلى الأغلب ينتصر "رأس المال" لأنه الأقوى، واصفا الفنون بأنها "ندية وهشة وعزلاء" تحتاج لمن يدافع منها سواء "أفراد أو مؤسسات".

وحول أزمة الإنتاج السينمائي في سورية قال كوسا إنها جزء من أزمة "الثقافة" أصلا؛ فالحضارة لا تتجزأ وفق كوسا، مشيرا إلى أن السينما في الأصل هي نتاج النظام الصناعي الذي ظهر في أوروبا وهي "صناعة بحد ذاتها".

وأوضح أن السينما في البلدان العربية هي سينما "مقلدة" للغرب "في ظل مجتمع كان زراعيا وبات استهلاكيا". وأكد كوسا أن هذه الحقائق يجب أن لا تمنع الممثلين العرب من العمل ضمن الأطر المتاحة لإنتاج أعمال ذات جودة عالية.

وأضاف أن في دول العالم "الثالث" تأتي "الثقافة في آخر سلم الأولويات" بالرغم من أن "الفنون روح الأمة وذاكرتها".

وحول عدم عمله في مسلسلات تتناول شخصيات تاريخية قال كوسا إن كثيرا من الأعمال التي تتناول شخصيات عامة تسعى "لتجميل صورة هذه الشخصيات" بعيدا عن الواقع الحقيقي لحياته أو حياتها، معتبرا "تجميل الشخصية" نوعا من "الكذب" ومؤكدا أن الجمهور يفضل معرفة "الحقيقة دائما".

وأضاف كوسا متأسفا على حال الأمة إننا "أمة تكذب وتخجل من الحديث عن عيوبها" معتبرا ذلك "المشكلة التي تعاني منها الدراما" ومعتبرا أن الأدوار الشريرة التي قام بأدائها لاقت "نجاحا واهتماما من الجمهور"أكثر من غيرها.

أما عن عدم تمثيله في أعمال بدوية فقال كوسا إنه "أقدر على التمثيل والتعبير عن الواقع الذي يعيشه"، مشيرا إلى وجود العديد من القضايا في المجتمع التي يجب تناولها.

ghaida.h@alghad.jo

الغد الأردنية في

03/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)