حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2010

التأليف بشجاعة

كتب rosaweekly

شيئان لا يمكن للعين أن تغفلهما في دراما رمضان هذا العام:

أولهما: هو تلك الجدية الواضحة والنضج والشجاعة التي أبداها صناع عدد من المسلسلات في الالتحام بقضايا المجتمع الشائكة والكبيرة، وفي معالجة الشأن السياسي بشكل مباشر.

وثانيهما: إن هذا «الورق» الجاد والناضج قد التقي في معظم الأحيان مع إخراج متميز وصورة رائعة أنهت أسطورة سيادة الدراما السورية.. أو التركية.. إلخ، ومنحت الدراما المصرية مكانتها التي افتقدتها في السنوات الأخيرة.

الهم السياسي والشجاعة الفكرية التي اتسمت بها عدة مسلسلات في رمضان الحالي دفعتنا لمحاورة عدد من مؤلفي هذه المسلسلات باعتبار أن المؤلف هو صاحب الأفكار والمسئول عنها.. وكان هدفنا أن نري مصر بعيون هؤلاء الذين أبدعوا وأجادوا وباتوا مسئولين عن تكوين وعي الملايين تجاه قضايا مهمة، ولم يكن من الممكن أن نتحدث عن الشجاعة الفكرية والهم العام دون أن يبدأ الملف بحوار مع الكاتب الكبير وحيد حامد الذي يخوض معركة ضارية بسبب مسلسله الشجاع «الجماعة»، ثم كانت لنا حوارات مع عدد آخر من مبدعي السيناريو الذين قدموا أعمالا جيدة رغم اختلاف الأجيال والأعمار والمدارس والمستويات الفنية.. في هذا الملف نري أفكار من صنعوا المسلسلات بعد أن شاهدنا المسلسلات نفسها.

مجلة روز اليوسف في

28/08/2010

 

هل جامل «وحيد حامد» الإخوان المسلمون؟

كتب هيثم النويهي 

مع كل حلقة من حلقات مسلسل «الجماعة» للكاتب «وحيد حامد» والذى يتناول نشأة الإخوان المسلمون تتزايد الاعتراضات والجدل حول الأحداث التى يرويها المسلسل ويتعاملون معه كمرجع تاريخى وليس عملاً فنياً.. ورغم الاعتراضات التى أبدتها المحظورة والتى بلغت حد إقامة دعاوى قضائية لوقف عرض المسلسل واتهام المؤلف بالكفر فإن عدداً كبيراً من السياسيين والمثقفين يرون أن هذا الاعتراض من جانب الجماعة غير مقبول وأن الشعب المصرى بكل فئاته هو من ينبغى أن يعترض على إغفال المسلسل للعديد من خطايا وفضائح الإخوان، فما رصده المسلسل لا يقارن بما تم إغفاله!

د. رفعت السعيد - رئيس حزب التجمع- علق قائلا: قدرة وحيد حامد على التأليف الدرامى الممتاز وتمتعه بحس وطنى تقدمى ليبرالى إلا أن ذلك لم يمنع من تعرضه لأكثر من مأزق مثل عرض المسلسل فى شهر رمضان والذى يتميز فيه المصريون بانتشار الروحانيات والوازع الدينى ما يجعلهم يتعاطفون مع مجاذيب السيدة ويتعاملون معهم على أساس من الاحترام العميق وهو شىء إيجابى بالنسبة للإخوان فى هذا المسلسل الذى يصورهم بأنهم متدينون!

وأضاف «السعيد» قائلاً: المأزق الثانى بالنسبة للمسلسل أنه تجاهل مصر وتاريخها تماماً فى هذه الفترة التى بدأت من طفولة حسن البنا وحتى ما شاهدناه وأن هذه الحلقات عبارة عن أناس يرددون شعارات دينية قادرة على جذب العامة والبسطاء فى مقابل بعض الفاسقين الكافرين بينما تجاهل الأحداث التى شهدتها تلك الفترة مثل القوى الوطنية ومعركة الدستور سنة 1930 والانتخابات وسعد زغلول وحزب الوفد حتى إن ظهور مصطفى النحاس كان لمجرد ترديد بعض العبارات مثل «ليس كل ما يلمع ذهباً» وكان ظهوره لخدمة القضية الرئيسية وهى استعراض حياة حسن البنا وبالتالى فإن المسلسل يمكن وصفه بأن مصر فى تلك الفترة كانت عبارة عن الإخوان ومجموعة من الكفرة.

وتابع بقوله: أما المأزق الثالث فهو أنه يأتى فى إطار المعركة الانتخابية المقبلة وهو ما يمكن أن يؤدى إلى خدمة الجماعة لأنه يركز على المقولات الدينية لديهم والتى تؤثر فى العامة وفى المقابل بعض الإيحاءات والإيماءات البسيطة لانتقاد الجماعة والتى لن يفهمها سوى النخبة والمثقفين.

وعلق مستفسراً: لا أفهم سبب اعتراض الإخوان على المسلسل فهم إما أذكياء جداً لدرجة أنهم يستدرجوننا بالاعتراض عليه أو أنهم أغبياء لأنهم يهاجمون ما يستفيدون منه!

وأكمل موضحاً: إن المسلسل تجنب بعض القضايا المحورية فى مسألة علاقة الإخوان بالأقباط خاصة أنه أورد أنهم - أى الإخوان - فى المسلسل يكرسون لوجهة نظر الشيخ «رشيد رضا» صاحب المعركة غير الوطنية ضد الأقباط فى ذلك الوقت فيما سمى بدعاوى التنصير وتابع أنه كان يمكن التركيز على بعض المواقف مثل قضية خروج «رشيد رضا» على تعاليم الشيخ «محمد عبده» ومعركته ضد الأقباط والتى كان يمكن الإشارة إليها بسهولة فى المسلسل لكن عندما جاء دور الإشارة إليها فى أحداث المسلسل وجدنا أنه تم القفز من فوقها وذلك أثناء الاجتماع الذى عقده الإخوان وتمت الإشارة إلى الشيخ «رشيد رضا». لكن فى المجمل الجماعة استغلت مواجهة عمليات التغيير واستفادت من الهجوم على الأقباط فى ذلك الوقت.

وأوضح السعيد: مسألة استفادة الإخوان من التبرعات والمنح الأجنبية كالسفارة البريطانية أو هيئة قناة السويس من الأشياء الثابتة تاريخياً لكن المسلسل لم يسلط عليها الضوء بالشكل الكافى خاصة أن «البنا» ارتكب خطأ فادحاً عندما ذكر فى مذكراته أن بعض الأشخاص ممن ينتمون إلى الجماعة اعترضوا عليه لأنه أخذ 500 جنيه من هيئة قناة السويس وقال فى مذكراته إنهم يشككون فى الجماعة وأن من خرج من الجماعة فلابد أن يقابل بحد السيف وقال بالحرف الواحد: «فأمرت بهم فضربوا علقة ساخنة» لكن المسلسل أغفل هذه الجزئية وقام بتصوير الأمر على أنه مجرد خناقة بين حسن البنا وبين المعترضين عليه حتى الإخوان أنفسهم عندما أعادوا طبع مذكرات البنا حذفوا هذه الجملة منها!!

«جمال أسعد» السياسى القبطى قال: إن المسلسل يحتوى على العديد من الوقائع والأحداث التاريخية الحقيقية الخاصة بأخطاء الإخوان مثل علاقتهم بالسفارات الأجنبية وجمع التبرعات وعلاقتهم بالأقباط ورأيهم فى المرأة وكذلك موقفهم من استخدام العنف، لكن هذا كله لا يقارن بما يؤديه المسلسل من خدمة للإخوان المسلمون فى ذلك الوقت وهو تجديد تاريخ الجماعة فى تليفزيون الدولة بشكل لا يحلم به الإخوان أنفسهم فتصوير حسن البنا على أنه شخص صالح قوى مثقف مدافع عن الإسلام يجذب الكثيرين إليه بصرف النظر عن ردود الفعل الأخرى التى يطرحها المسلسل.

وأضاف أسعد: إن علاقة البنا بالسفارة البريطانية وهيئة قناة السويس وفرنسا من الأشياء الموثقة تاريخياً وهو نفس الشىء فى موقف الجماعة من الأقباط والمرأة والحياة الحزبية والذى ظل بين شد وجذب وصعود وهبوط من فترة لأخرى حسب الظروف وحسب مقتضيات الوقت واحتياجات الجماعة.

ففى بداية الجماعة وبالتحديد من 1928 وحتى الأربعينيات كان موقفهم ضد الأقباط وذلك لأنها كانت جماعة دينية لكن عندما بدأ انفتاح الجماعة على العمل السياسى وتم فضح هويتهم السياسية تغير موقفهم من الأقباط وكذلك من الأحزاب والمرأة وذلك تبعاً للنظرة النفعية وبالتالى لا يستطيع أحد أن يؤكد أن أفكار حسن البنا هى نفس أفكار جماعة الإخوان المسلمون حالياً.

أما مسألة العنف عند الجماعة فهى مرتبطة بمدى الحرية التى تتمتع بها من وقت لآخر بمعنى أنه لا خلاف على تاريخ العنف والإرهاب عند الإخوان مع أن هناك بعض الآراء داخل الجماعة التى تخالف هذا العنف لكن الثابت تاريخياً هو قيامها بالعديد من الاغتيالات فى فترة من الفترات، لكن فى الوقت الحالى العنف لديهم مرتبط بشكل أكبر بفكرة «إبراز العضلات» بمعنى أن للجماعة فترات زهو وانتشار يتم خلالها إبراز عضلاتها بشكل تلقائى وهو ما حدث مع ميليشيات الأزهر فى أعقاب الانتخابات البرلمانية فى عام 2005 ودخول 88 نائباً من الإخوان إلى مجلس الشعب وهو من أزهى فترات الازدهار لديهم نشاهد ما شاهدناه وكأن الجماعة أصبحت تنظيماً شرعياً يمارس أعماله فى العلن حتى ما يرتبط بالعنف.

«أسعد» انتقد سلبية البناء الدرامى للمسلسل والذى جعل المقارنة فى المسلسل بين شخصيات مثل «حسن البنا» وغيره واستخدامهم للعبارات الدينية وفى المقابل الردود عليهم كانت من خلال شخصيات درامية غير جذابة وبالتالى فإن إحساسى كمصرى أن هذا المسلسل لم يحقق الهدف منه من كشف حقيقة وصورة الإخوان المسلمون الحقيقية.

ولفت «أسعد» الانتباه إلى أن تطبيق «حسن البنا» مبدأ السمع والطاعة جعل منه ديكتاتوراً منذ البداية وكان هذا واضحاً من خلال موقفه ممن عارضوه فى تلقى أموال التبرعات من هيئة قناة السويس وعن الإفصاح عنها وهو الأمر الذى يشكل خطراً حقيقياً على الشباب الذى لا يزال يعمل وفق مبدأ السمع والطاعة رغم أن السياق العام خاصة عند الشباب فى الوقت الراهن لا يعمل وفق هذا المبدأ.

«فريدة النقاش» رئيسة تحرير جريدة الأهالى قالت: إن أبرز ما يوجه للمسلسل من انتقادات أنه يجمع ويفرق بين الناس على أساس دينى وليس على أساس المواطنة أو العلاقات الاجتماعية ولا حتى قضية البلد فى تلك الفترة وهى مقاومة الاحتلال وكان العمل الخيرى والدعوى هو البديل عن العمل السياسى وذلك لم يكن حقيقياً فى تلك الفترة وهو الفكر الذى تعمل به جماعة الإخوان المسلمون بل تجيد العمل به، خاصة أن لديهم مشروعاً جيداً لاستغلال ثغرات المجتمع بصفة عامة والجماهير الفقيرة بصفة خاصة.

وتابعت «النقاش»: إن المشكلة الرئيسية والخطورة الحقيقية هى التحول فى نوعية أتباع وأعضاء الجماعة من البسطاء والفقراء والحرفيين فى المرحلة الأولى منذ بداية ونشأة حسن البنا، حيث كان المدرسون هم الفئة الأعلى من حيث التأثر بأفكار البنا إلى جذب المثقفين من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعة ورجال الأعمال فى الوقت الحاضر بالإضافة إلى التركيز على طلبة الجامعة واختراقهم حيث يحقق الإخوان نجاحاً ملحوظاً فى هذا الأمر نظراً لتحجيم دور القوى الأخرى داخل أسوار الجامعة.

«فريدة النقاش» أوضحت أن ما قدمته السفارة البريطانية وغيرها من الجهات الأجنبية من دعم للإخوان المسلمون لم يكن بهدف تعظيم بنائهم أو تقويتهم وإنما كان ذلك لمجرد تقديم بعض المساعدات لهم كجمعية أهلية مثلها فى ذلك مثل أى جمعية أخرى وأنهم كانوا يفعلون نفس الشىء مع الكنيسة والمنظمات والجمعيات القبطية.

وأضافت: السفارات الأجنبية استشعرت خطورة الحركة الوطنية وما حدث فى عهد «إسماعيل صدقى» باشا الذى مارس أعتى أنواع الإرهاب ضد الحركة الوطنية لكن الإخوان المسلمون ساندوه فى ذلك الوقت وباستخدام نفس أسلوبهم الدعوى وشعاراتهم الدينية عن طريق استخدام إحدى الآيات التى ذكر فيها اسم نبى الله إسماعيل «واذكر فى الكتاب إسماعيل أنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً» الآية 54 سورة مريم!!.

رغم أنه مارس جميع أشكال إرهاب المقاومة وقام بتعطيل دستور 23 ولاحق الحركة الوطنية وأغلق الصحف فى نفس الوقت الذى كان يغض فيه الطرف عنهم وعن دعوتهم؟!

د. «إبتسام حبيب» - عضو مجلس الشعب - رغم تأكيدها على أنها لم تتابع جميع حلقات المسلسل بشكل كامل نظراً لانشغالها لكنها تنتظر متابعته فى حال إعادته مرة أخرى بمزيد من التركيز لذا فإن تعليقها كان مقتضباً وقاصراً على ما يتعلق بعلاقة الإخوان المسلمون بالمرأة فقالت: يكفى أن أعضاء الجماعة من نواب مجلس الشعب كانوا من أشد المعارضين لتخصيص كوته للمرأة فى مقاعد مجلس الشعب فى الانتخابات المقبلة وأنها تتعجب بعد ذلك عندما أعلن بعض قيادات الإخوان عن نيتهم ترشيح بعض السيدات المنتميات للجماعة فى بعض الدوائر بنظام كوتة المرأة.

وأضافت أنه من الأمور التى تؤكد على التناقض فى مواقف الجماعة تبعاً لمبدء المصلحة.

فى حين اختلفت الدكتور «وحيد عبدالمجيد» - نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب - مع ما طرحه المسلسل حول الفساد المالى فى الجماعة وقال إن النزاع بين «حسن البنا» وبين بعض أعضاء الجماعة كان بسبب الخلاف على من يرأس شعبة الإخوان المسلمون فى الإسماعيلية بعد أن تقرر انتقاله إلى القاهرة والاستقرار على تحويل مقر الجماعة إلى القاهرة ووصف ما جاء فى العمل الدرامى يخص هذا الشأن بأنه: من وحى خيال وحيد حامد!!

أما فيما يتعلق بعلاقة الإخوان المسلمون بالأقباط والمرأة فقال إن المرحلة الأولى فى تاريخ الجماعة كانت أكثر اتساقاً سواء مع الأقباط حيث كان عدد كبير منهم وثيق الصلة بالجماعة وعلى رأسهم «مكرم عبيد» باشا فى ذلك الوقت والذى كان واحداً من القلائل الذين حضروا جنازة حسن البنا رغم التضييق الأمنى؟!.

أما فيما يتعلق بالمرأة فإنها عند الإخوان مرتبطة بالتقاليد أكثر منها سياسة أو ديناً لكن الجماعة فى بدايتها كانت مهتمة بالمرأة أكثر من الوقت الحاضر لدرجة أن «البنا» كان يفكر فى إعلان تنظيم الأخوات المسلمات ليكون موازياً للإخوان المسلمون لذا فإن الجدل الذى تطرحه الجماعة حول المرأة لم يكن مطروحاً فى المرحلة الأولى للجماعة.

وأضاف عبدالمجيد بقوله: المرة الوحيدة التى حدث فيها نزاع حول الأمور المادية المتعلقة بالجماعة كانت بين البنا وبعض أعضاء الجماعة المتشددين، وكان ذلك فى فترة الثلاثينيات عندما تم جمع كم كبير من التبرعات لصالح القضية الفلسطينية فى أعقاب ثورة 1936 ضد حملات الهجرة اليهودية، وقامت قيادات الإخوان بإنفاق جزء من هذه الأموال على نشاط الجماعة فى مصر لكن البعض اعترض، وكانوا يصرون على إنفاقها على القضية الفلسطينية.

مجلة روز اليوسف في

28/08/2010

 

د. محمد رفعت:

إيجابية الشعب المصري في تحمل ظروفه وليست في محاولة تغييرها

كتب محمد عادل 

بأسلوب هادئ يخلو من الصخب يقتحم المؤلف «د.محمد رفعت» في مسلسه «حكايات بنعيشها» الجزء الأول «كابتن عفت» العديد من الموضوعات سواء السياسية أو الاجتماعية، واضعاً أمامنا هذه المرأة كنموذج للطبقة المتوسطة التي كادت تنقرض.. ولكنه لا يستمتع بالشخصيات البكاءة التي تنعي حالها طوال الوقت، لذا كان مهموما أكثر بالتفكير الإيجابي محاولا حث الناس علي إيجاد حلول لمشكلاتها بأنفسها دون انتظار مدد من حكومة ربما تكون قد انصرفت بالفعل عن تحقيق مصالح هؤلاء الناس.

د.محمد تحدث إلينا عن ارتباك المفاهيم والمعاني في حياتنا الذي جعلنا نشعر وكأننا تائهون ويري أن المصريين مع ذلك مازالوا إيجابيين ليس لأنهم يحلمون بغد أفضل وإنما لأنهم يقاومون من أجل أن يعيشوا يومهم بكرامة.

·         هل ما كان يشغلك فقط هو مُحاولة رصد أوضاع الطبقة المتوسطة الآن من خلال شخصية «عفت»؟

- مُناقشتي لأوضاع الطبقة المتوسطة مُجرد «حامل» للأفكار، خاصةً أن الطبقة المتوسطة الآن تتداخل مع الطبقة الفقيرة، فكان ما يهمني هو طرح النموذج الإيجابي للتفكير لمُحاولة الخروج من المُشكلات، فإحدي آفات الدراما علي مدار سنوات هو التكرس لرصد السلبيات دون محاولة التفكير في حلول، وكانوا يتعللون بأن ليس دورهم تقديم حلول، لكني علي الأقل في «كابتن عفت» أحث الناس علي ضرورة وأهمية التفكير لإيجاد حلول لمُشكلاتهم، فأجمل الأعمال هي التي تُدهشك وتجعلك تُفكر فيها.

·         لكن من ينظر حوله لا يجد أثراً للنموذج الإيجابي الذي تتحدث عنه خاصةً في ظل الأوضاع المُتردية الآن في كُل المجالات؟

- علي العكس النموذج الإيجابي موجود، والدليل أن الحياة في الوطن «ماشية»، فلو حولنا ما نجده في الحياة اليوم لتعريفات ومُلابسات بناءً علي علم الرياضيات، سنجد أن ما يقوله بعض الإعلاميين بأنه لا حياة في هذا الوطن غير صحيح علي الإطلاق.

- خاصة أنه كما قلت هناك نبرة زاعقة للإعلان عن المُشكلات والفضائح، وهذه المُشكلات فعلاً موجودة ولا أحد يُنكرها، لكن هناك في نفس الوقت عوامل ساحرة في الشخصية المصرية تجعلها قادرة علي التواصل والخروج من المُشكلات بحلول، وهذه الحلول تجعل الحياة مُمكنة، فنموذج شخصية «عفت» الأرملة من الطبقة المتوسطة هي ليست النموذج المعتاد Stereotype لشخصية في نفس الظروف والتي لا نجدها تُقدم أي حلول سوي «الصراخ علي من مات»، فهي تصنع أطعمة في بيتها لتُحاول بيعها، وتُحاول أن تقوم بتوصيل زُملاء ابنها «زيزو» للمدرسة مُقابل أجر، وهذه نماذج رأيتها بالفعل وهي ناجحة جداً في حياتها.

·         إذن لماذا هناك إحساس عام بالفشل؟

- إن عرفنا الإيجابية فسأجد أن تعريفها يختلف من وضع لوضع، وتعريف الإيجابية اليوم لدينا في رأيي هو القدرة علي تحمل الألم وعدم الاستسلام للضعف أو لليأس، وإيجابية الشعب المصري في تحمل ظروفه وليس في مُحاولة تغييرها، والشخصية المصرية تُريد أن تعيش لا أن تحلم، وهو ما تجده في أحلام لاعبي الكُرة في المُسلسل، فأحدهم أقصي حُلمه أن يكون لديه تاكسي خاص، ولو حسبت هذا بمقاييس اليوم ستجد أن نفس الشخص مُحبط وفاشل، لكن علي الأقل قمة أحلامه أن يُحسن شيئا من الظروف التي هو فيها، وهذا يعني أنه شخصية إيجابية لا العكس.

·         أليس الإحساس العام بالفشل طغي إلي درجة أن يصل بنا الحال إلي الإحساس بعدم وجود الأسرة المصرية أو حتي الحب؟

- معك حق.. هو ناتج عن الإحساس العام بالارتباك، بمعني أن الناس لا يعرفون أوضاعهم بالفعل في ظل الظروف المحيطة، ولعل أبسط مثال أن تجد شخصاً راتبه يصل إلي 10 آلاف جنيه، ومع ذلك يُخبرك بأن الحياة غالية!.. وإن سألته عن طريقة إدارته لمصاريفه، ستجده يتعامل في حياته كما لو أنه يمتلك مليون جنيه لا 10 آلاف!.. فالارتباك وصل إلينا حتي في إدارة الموارد التي نمتلكها، وهذا بالتالي انعكس علي تحويل العلاقات العاطفية لمصلحة، وتحويل علاقات الأسرة الواحدة لعلاقات منفعة مُتبادلة.. وهذا يؤدي بالتالي لشعور الناس بالغضب وعدم القناعة وعدم الرضا، فالكُل يُركز في غيره لا في نفسه، و«عفت» إلي حدٍ ما متوازنة، وحالة الهدوء التي تعيشها تجعلنا نتذكر أننا كنا مثلها هكذا، وأننا كُنا هادئين مثلها أيضاً.. والدراما تعيد اكتشاف المناطق الموجودة فينا، رغم ما فينا من تناقضات وازدواجية الآن، فأنت تجد شخصاً يحرص علي أن يذهب للحج في الوقت الذي تجد فيه نفس الشخص يقتل صديقه بسبب 20 جنيهاً!.. لكن حالة الهدوء هذه بالفعل فِطرة داخلنا، فقط كُل ما علينا أن نُذكر الناس بآدميتها.

·         هل التناقضات والازدواجية الموجودة الآن سببها اختفاء لغة الحوار فيما بيننا؟

- اختفاء لغة الحوار هي نتيجة وليست سبباً في رأيي، فالمُصطلح الشهير «العولمة» جعل مُشكلات العالم كُلها تُشبه بعضها رغم اختلافات البلدان، فالانفتاح أدي إلي اندثار الهوية الثقافية والتقاليد، وتحويل هذا كُله للنمط الاستهلاكي، فكُل الأزمات التي نحن فيها الآن ناتجة عن الرغبة في الاستهلاك لا الاحتياج، وبالتالي الإحساس بالعجز والنقص نتيجة موائمة للنمط الاستهلاكي، فالاستهلاك دفعنا في طريقه دون أن نعي ما إذا كُنا في حاجة لهذه الأشياء أم لا.. وهذا أدي إلي أن تري الارتباك في قرارات الحكومة وسياستها، وبالتالي هناك حالة من الفوضي الاجتماعية المرتبطة بالاستهلاك، فلا وجود لرغبات حقيقية في الاستقرار، رغم أنه من المُمكن، والناس تعيش طوال الوقت تحت نار من جاذبية الاستهلاك، ومن لا يتوازن تجده ببساطة يصب لعناته علي المُجتمع، مع أنه من المُمكن الاستقرار كما قلت داخل حدودنا، فحينما يذهب المصري لبلد عربي تجده يمشي بنظام وطريقة عيش مُعينة، فلماذا لا يقوم بهذا في بلده الأم أصلاً؟!.

كما أصبحنا كالجُزر المعزولة، فكُل فئة أصبح لديها الحلال والحرام الخاص بها، وكذلك الصح والخطأ، والخير والشر، فبمثال بسيط الحارة في أعمال الراحل «أسامة أنور عكاشة» هي رمز النضال، وفي أعمال «خالد يوسف» رمز البلطجة، فهذا يُصيبك بالارتباك حتي من المكان، وبالتالي لا تملك أن تحكم، وأنت غالباً تُغلب الاحتمال السلبي، وهذا أيضاً عيب في المسئولين، فإذا كان المسئول عن تحقيق الأمان الاجتماعي هو الحكومات والسلطات والتي لا تحقق هذا في مناطق البلطجة والفتوات فهذا إدانة للمسئولين، وحتي الشعارات الآن في المجتمع أصبحت سلبية مثل «يا حيطة داريني»، فنحن لا نقبل اختلافات بعضنا، لدرجة أن هذا يدفعنا إلي الخوف من الإعلان عن آرائنا خوفاً من أن تُكال لنا الاتهامات».

·         حالة الارتباك هذه أثرت علينا حينما نتعامل مع السُلطة.. هل هذا صحيح؟

- علاقتنا بالسُلطة هذه للأسف من الموروثات، فعلي مر العصور هناك إشكالية عدم الاقتراب من المسئول، وإذا وصلت له لن تجد حلولاً معه، وهذا في رأيي من عيوب السلطة وليس عيباً في الناس، فحينما يحدث خطأ معك ويتم الاعتداء عليك مثلاً وتخشي من أن تذهب للشرطة، فسلبيتك هذه إدانة للمسئول وليس لك.. والناس تتعايش يومياً مع أخطاء المسئولين التي يُمارسونها، فيرون أن القضية «شبه خسرانة»، وهو ما يُعيد الناس لمحاولة اكتشاف حلول علي طريقتهم الخاصة، والإعلام ليس كما يتصور البعض قدم حلولاً لهذه المسألة، هو فقط أعطي خطوة للأمام في أن تأمن الناس شر الشكوي، وحتي بعض الناس يخافون من الحديث أمام الإعلام، وهو ما رأيناه».

·         في ظل ما تقوله هل يُمكن تفعيل ادارة أو نظام في ظل هذه الحالة من العشوائية؟

- هناك نوعان من الإدارة، إدارة شخصية، وأخري عامة، وما أقصده هنا هو الإدارة الشخصية، فيكفي أن تُدير مواردك ومبادئك وسط عائلتك لا أن تترك نفسك همجياً أو عشوائياً، تستطيع علي الأقل أن تقوم بإدارة نفسك، وهذا تكتشفه مُنذ أن تكون طفلاً، سواء اكتشفته بنفسك أو من خلال غيرك، فالمُهم أن تكتشفه، أما القيادة Leadership فأنت لا تختارها إلا في ظروف مُعينة - كالانتخابات مثلاً - وحينما تُصبح أمامك القيادة كما في حالة المُسلسل تنحصر بين شخصيتين عشوائيتين يرغب كُل منهما في الوصول لمجلس الشعب - لعب الشخصيتين «ضياء الميرغني» و«صبري عبدالمنعم» - فهذا يؤدي إلي ازدهار تطرف الآراء، وازدهار التيارات المُتشددة، بل والتناقضات، لتجد تياراً مُنفلتاً تماماً وآخر مُتشدداً تماماً، ولا أري أن ما يحدث الآن سلبياً كُليةً، بل له معني آخر هو أن المُجتمع مفتوح علي اتساعه لكُل الآراء، لكن يبقي هنا دور النُخبة في الصحافة والإعلام والدين والسياسة والرياضة وكل المجالات في أن تفلتر ما يحدث، فالإجماع علي «محمد أبوتريكة» في مجال الرياضة مثلاً، يجعلنا نُشير إلي أنه يُمكننا أن نتفق علي شئ، وحينما يظهر صحفي مُحترم يوعي الناس ونتفق عليه، هذا أيضاً بارقة أمل، وحتي علي المستوي الشخصي حينما تقابل شخصاً هادئاً محترماً - مثلما قابلت حينما كُنت أذهب للشهر العقاري لتسجيل أحد أعمالي - هذا يُعطيك بارقة أمل».

لكن حتي النماذج الشهيرة سُرعان ما تجعلنا نشعر بالتناقضات فتجد نائباً يُدافع عن قريته في الوقت الذي يُتهم فيه مثلاً في قضية العلاج علي نفقة الدولة.. إذن ما الحل؟

«نعود للقواعد البسيطة التي لا يختلف عليها أحد، فالسرقة ليست «شطارة» بل من يقوم بها «لص»، وحينما يتهرب «تامر حسني» من التجنيد مثلاً لا ندعوه ليُقيم احتفالات نصر أكتوبر، والإعلام مقصر لأنه يُركز علي ثقافة الغباء، وبالتالي النماذج المبشرة تتوه وسط هذا كُله، لهذا فكل منا يبدأ بنفسه، يحاول أن يجعل نفسه جيداً علي الأقل، فنحنُ في زمن الرهان فيه علي الكيان الخاص لا علي العام.. وحتي حلول المشكلات نلجأ فيها للخاص، فمسألة الغلاء مثلاً، لا يُمكن للمواطن العادي أن يحلها، وهذه ليست وظيفته أصلاً في معرفة أسباب ارتفاع أسعار السلع، لكن في نفس الوقت يستطيع أن يقاطع سلعة ما إن كانت غالية عليه، وفي نفس الوقت أنا ضد تحميل الفرد ما لا يطيقه، فالمواطن ضحية، و«عفت» نموذج لمُحاولة تقديم حلول شخصية لا عامة لأنه لا يُمكن أن يحدث العكس لأننا لسنا في اليوتوبيا، فعلي الأقل نُحاول أن نتحايل لنستطيع العيش».

مجلة روز اليوسف في

28/08/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)