حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الدراما والتاريخ.. والرأي الآخر

الملكة نازلي..

المرأة التي حافظت علي العرش في مصر وهزته في المنفى!

نانسي حبيب

في أحد الأيام الحارة بشهر يوليو عام 1946 وقف الكثير من المصريين علي رصيف ميناء الإسكندرية يودعون ذويهم المتجهين إلي فرنسا، ولم يكن اليوم عاديا بأي حال من الأحوال علي الميناء لأن الملكة نازلي ومعها الأميرتين فايقة وفتحية كانوا مسافرين في اليوم نفسه إلي مارسيليا. ولم يتخيل أحد يومها ممن كانوا في وداع الملكة أنها ترحل بلا عودة وأن هذه اللحظة هي بداية فصل جديد وأخير في حياة الملكة الأم لتعيش أكثر من ثلاثين عاما في المنفي حتي وفاتها.

منذ ميلادها وحتي وفاتها، لم تكن نازلي صبري شخصية عادية وإنما كانت دائما امرأة مثيرة للجدل وصانعة لما حولها من أحداث. كانت نازلي المرأة الوحيدة في تاريخ مصر التي حملت لقب سلطانة بزواجها من السلطان فؤاد عام 1919 ثم ملكة بعدما أصبح السلطان ملكا ثم صارت صاحبة الجلالة الملكة الأم بعد أن تولي ابنها عرش مصر عام 1937 لتنتهي حياتها بضياع ثروتها وإعلان إفلاسها وتجريدها من لقبها وتقضي أيامها الأخيرة في حي الفقراء بلوس أنجلوس.

قال عنها الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل إنها واحدة من ثلاث نساء أدرن خيوط السياسة المصرية، فلم تكن نازلي مجرد امرأة مشهورة أو ملكة وإنما اعتادت دائما أن تكون محط أنظار الجميع. الصحفي الكبير مصطفي أمين وصفها بقوله: "كانت نازلي طويلة القامة رشيقة القد بشرتها بيضاء كاللبن وشعرها الأسود الطويل ينسدل إلي ما تحت ظهرها، عيناها سوداوان ضاحكتان وكان وجهها مشربا باحمرار في لون ورد الربيع".

التقليب في صفحات حياة نازلي صبري ليس مجرد تنقيب في حياة امرأة وإنما هو تنقيب في تاريخ بلد بأكمله لا يعود إلي عام 1894 حيث ولدت نازلي وإنما تعود صفحاته إلي أبعد من ذلك، إلي أيام محمد علي باشا والي مصر ويمتد حتي وفاتها عام 1978. وما بين البداية والنهاية كثير من المحطات التي خطتها نازلي، كل محطة فيها الكثير من الجدل ولها أكثر من رواية، ربما لأنها تعكس ذلك الخليط الذي يجري في دمائها الفرنسي التركي.. والمصري.

جدها الأكبر فرنسي مؤسس الجيش في عهد محمد علي.. وجدها لأمها أبو الدساتير المصرية!

تمتد جذور الملكة نازلي إلي الأصول الفرنسية والتركية والمصرية بالطبع إلي جانب قليل من اليونانية! فالجد الأكبر لنازلي هو "سليمان باشا الفرنساوي" أو "الكولونيل سيف" الذي أعلن إسلامه وتزوج من امرأة مسلمة كما أن جدها الثاني لأمها هو شريف باشا أبو الدساتير المصرية الحديثة والتركي الأصل.

أما عن بداية الحكاية فتعود إلي ميناء الإسكندرية عام 1819 مع وصول ضابط فرنسي متقاعد اسمه أكتاف جوزيف أنتلم سيف. وكان الكولونيل سيف قد تم تسريحه مع آلاف الضباط الفرنسيين الذين حاربوا مع الإمبراطور نابليون بونابرت بعد هزيمته، وعندما جاء إلي مصر كان محمد علي باشا والياً عليها ولم يكن راضياً عن حال الجيش المصري الذي يقوم علي المرتزقة وكان راغبا في تأسيس جيش عصري علي الطريقة الأوروبية وحين وصل الكولونيل سيف قابل الوالي الذي رحب به وتعاقد معه للعمل في جيشه.

وأثبت الكولونيل سيف أنه يستحق الثقة التي وضعها فيه محمد علي ونجح في مهمته ويظل قائداً عاماً للجيش المصري لمدة أربعين سنة حصل خلالها علي لقب، بك ثم باشا واستقر بمصر وأراد أن يتزوج بفتاة مسلمة وكان سهلاً عليه بعد العيش وسط المصريين أن يعلن إسلامه ليعرف بعدها باسم سليمان باشا الفرنساوي.

في تلك الأثناء وصل إلي مصر عام 1829 أحد رجال الدين الأتراك وهو القاضي أحمد سعيد سرت بك بعد تعيينه قاضاً لقضاة مكة وهو الأمر الذي جعل محمد علي يستضيفه في قصره، وكان أصغر أبنائه محمد شريف في الخامسة من عمره لكن الذكاء كان ظاهرا عليه وهو ما جعل محمد علي يقترح علي والده أن يتركه في مصر. وهكذا نشأ محمد شريف مع أبناء الوالي قبل أن يكبر ويسافر في بعثة لأوروبا لدراسة العلوم العسكرية والمدنية وبعد عودته اختاره سليمان باشا الفرنساوي ياورا له، وفي عام 1856 يتزوج شريف من نازلي ابنة أستاذه سليمان باشا الفرنساوي ويشتغل بالسياسة متنقلا بين وزارات الداخلية والخارجية.

أثمر زواج نازلي ومحمد شريف عن ثلاثة أبناء حمل أكبرهم اسم أبيه شريف باشا وابنتان هما توفيقة هانم وكلسون هانم، وتزوجت الأولي من شاب تعود جذوره إلي أصول رومية هو عبد الرحيم صبري باشا. كان جده هو إبراهيم المورة لي الذي هاجر من شبه جزيرة المورة جنوب اليونان إلي مصر أما والده حسين صبري فعمل محافظاً بعدة أقاليم قبل أن يتجه للتصوف. وبعد زواج محمد عبد الرحيم صبري بتوفيقة هانم تدرج في المناصب وحصل علي رتبة الباشوية.

وبهذا تكونت أسرة عبد الرحيم باشا صبري من روافد يونانية وتركية وفرنسية ومصرية، ورزقت الأسرة بخمسة أبناء أولهم حسين صبري الذي حمل اسم جده لأبيه ثم نازلي التي حملت اسم جدتها لأمها، ومحمد شريف الذي حمل اسم جده لأمه وأمينة ووجيهة. وهكذا جاءت الآنسة نازلي صبري لتجمع بين الجمال الفرنسي والتركي والمصري لتصبح صاحبة جمال له خصوصية خارجا عن كل أنماط الجمال آنذاك.

في اليوم الذي ولدت فيه نازلي في 26 يونيو 1894 كان الأمير أحمد فؤاد غارقا في مشاكل وخلافات لا تنتهي مع زوجته شويكار التي كان قد تزوجها عام 1893، وبينما كانت نازلي تحتفل بعيد ميلادها الرابع كانت حكاية طلاق أحمد فؤاد من شويكار عام 1898 هي الأشهر في أنحاء مصر وكان عمر أحمد فؤاد في ذلك الوقت ثلاثين عاما، أما كيف انتهي الحال بنازلي إلي الزواج من أحمد فؤاد.. فلهذا قصة أخري.

هل كان السلطان أحمد فؤاد أول زوج للملكة فعلاً؟!

التحقت نازلي بالمدارس الفرنسية وعاشت حياة سعيدة في قصور أبيها بالإسكندرية. وكانت أمها توفيقة هانم صديقة لصفية زغلول كما جمعت الصداقة بين زوجيهما عبد الرحيم باشا صبري وسعد باشا زغلول وهكذا كانت نازلي ضيفة دائمة في بيت سعد زغلول إلا أن الحال تغير مع وفاة والدتها توفيقة عام 1915 وهي توصي صفية زغلول بأن ترعي ابنتها نازلي قائلة «أوصيك بنازلي.. اعتبريها ابنتك».

ومنذ هذه اللحظة يبدأ تعدد الروايات في حياة نازلي، ففي الوقت الذي تؤكد فيه معظم المصادر أن المحطة التالية في مشوارها كانت بزواج الآنسة نازلي صبري من السلطان أحمد فؤاد تنفرد راوية راشد في كتابها «ملكة في المنفي» بواقعة غريبة تنقلها عن صحفية بريطانية اسمها كلارا بويل في كتاب لها بعنوان «بويل أوف إيجبت» وتذكر فيه أن نازلي سافرت إلي باريس عام 1909 وعادت بعدها بعامين وعمرها سبعة عشر عاما ليتقدم لها أحد أقرباء والدتها الذي يعمل في تجارة القطن واسمه محمد خليل باشا إلا أن زواجهما لم يستمر سوي عام واحد بسبب حبه للمقامرة الأمر الذي رفضه عبد الرحيم باشا صبري والد نازلي ليجبر زوج ابنته علي طلاقها قبل أن تكمل عامها التاسع عشر!

جميع الكتب والمراجع الأخري لم تشر إلي هذه الواقعة من قريب أو بعيد وإنما كتبت عن أول حب في حياة نازلي وحتي في هذه الواقعة اختلفوا عن هوية حبيبها الأول وإن كانت معظم المصادر تشير إلي كونه سعيد زغلول ابن شقيقة سعد باشا زغلول. الكاتب الصحفي محمد التابعي يؤكد أن نازلي كانت تحب شابا من أقاربها اسمه «ش. ش.» وأن قصة الحب انتهت بطلب السلطان أحمد فؤاد الزواج منها فيما يؤكد مصطفي أمين أن الحب جمع بين سعيد زغلول ونازلي منذ صغرهما في بيت سعد باشا وأنه أبلغ رغبته في الزواج من نازلي إلي صفية زغلول التي سألتها فوافقت وحين سأل سعد زغلول عبد الرحيم صبري عن موافقته علي زواج نازلي بسعيد تلعثم عبد الرحيم وأجاب إجابة مبهمة ليندهش سعد زغلول كثيرا إلا أن دهشته لم تطل ففي اليوم التالي فوجئ الجميع بإعلان خطبة السلطان أحمد فؤاد للآنسة نازلي كريمة عبد الرحيم باشا صبري!

ولم تكن حياة السلطان أحمد فؤاد أقل دراماتيكية، فهو أصغر أبناء الخديو إسماعيل الذي عاش طفولته وشبابه في إيطاليا وعندما عاد إلي مصر كان مفلسا لا يعرف حتي التحدث بالعربية ولا يعلم عن مصر سوي كونها محتلة من قوة لا يمكن أن يتحداها أحد ورغم هذا أصبح سلطانا عليها!

القدر هنا لعب لعبته، فبعد وفاة السلطان حسين كامل كان طبيعيا أن يتولي ابنه الأمير كمال الدين حسين الحكم من بعده لكنه كان عازفا عن السياسة فاعتذر عن عدم قبول السلطة ليبدأ البحث عن أبناء الخديو إسماعيل ولم يكن متبقيا منهم إلا أصغر أبنائه الأمير أحمد فؤاد، لكن قبل توليه الحكم كان زواجه من الأميرة شويكار نقطة فارقة في حياته.

من اعتقالها في سجن الحريم إلي دخولها لعبة السياسة وخطتها للحفاظ علي العرش لفاروق

يقول الكاتب الكبير صلاح عيسي في كتابه «البرنسيسة والأفندي» إن عشيقة فؤاد اليهودية مدام سواريف هي التي لفتت نظره إلي أن الزواج من شويكار حفيدة عمه أحمد رفعت هو الحل الوحيد لإنقاذه من مطاردة الدائنين. وهكذا في 14 فبراير 1895 تزوج الأمير أحمد فؤاد من الأميرة شويكار في احتفال بسيط ليصرف بعدها أموال شويكار علي موائد القمار بل ويخونها مع نساء أخريات. وحين حاولت شويكار الهرب كان يجرها من شعرها ويحتجزها سجينة في قصر الزعفران وكانت نهاية هذه المعاملة السيئة علي يد الأمير أحمد سيف الدين شقيقها الأصغر الذي توجه إلي الكلوب الخديوي حيث تعود الأمير أحمد فؤاد أن يسهر علي مائدة القمار وأطلق عليه ثلاث رصاصات مصحوبة بسيل من السباب. وتؤكد راوية راشد في كتابها «ملكة في المنفي» أن رصاصة واحدة أصابت فؤاد واستقرت في حنجرته وسببت له عاهة مستديمة مدي الحياة وشلت قدرته علي الضحك أو الانفعال. وهكذا انتهي الزواج بين فؤاد وشويكار بعد أن نتج عنه طفلان أولهما الأمير إسماعيل الذي مات وهو في الثانية من عمره ثم الأميرة فوقية.

وعاش فؤاد لأكثر من عشرين عاما عازفا عن الزواج متنقلا بين أحضان عشيقاته وعلي رأسهن مدام سواريف إلا أن وصوله للعرش جعل زواجه أمرا ضروريا من امرأة تمنحه وليا للعهد يحفظ العرش في ذريته. وكانت هذه المرأة هي نازلي صبري.

أما كيف شاهد السلطان نازلي فلهذا حكايات كثيرة أشهرها قصة مصطفي أمين أن الليدي جراهام زوجة المستشار الإنجليزي لوزارة الداخلية المصرية هي التي رشحتها له لأن زوجها كان يعمل مع والد نازلي وحين طلب السلطان رؤية العروس دعتها مع شقيقيها لتناول الشاي فرآها السلطان من وراء ستار وطلب الزواج منها. وهناك رواية أخري تؤكد أن السلطان عندما ذهب في يوم افتتاح الأوبرا الملكية شاهد فتاة خطفت أنفاسه ولم يرفع عينيه عنها وعندما سأل كبير الياوران عنها أجاب أنها ابنة عبد الرحيم باشا صبري.

أما محمد التابعي فيؤكد أن نازلي هربت من السلطان أحمد فؤاد في يوم عقد القران ولجأت إلي أحد أقاربها «ش. ش.» الذي كانت تحبه إلا أن الفتي أدرك أن الأمر محسوم للسلطان فأعاد نازلي إلي قصر أبيها وتم زواج السلطان أحمد فؤاد من نازلي في قصر البستان بباب اللوق في 24 مايو عام 1919 في حفل محدود علي أضواء الشموع ضم أقاربها فقط وكانت وقتها في الخامسة والعشرين من عمرها بينما كان الملك أحمد فؤاد في الحادية والخمسين من عمره! وبعد ثمانية أشهر وسبعة عشر يوما رزق السلطان بولي للعهد وكان يتفاءل بحرف الفاء فأطلق عليه اسم فاروق.

أما عن علاقة السلطان بزوجته فكانت علاقة غريبة وشائكة، ووصل الخلاف بينهما إلي درجة أن الكاتب حنفي المحلاوي أكد في كتابه «الملكة نازلي بين سجن الحريم وكرسي العرش» أن السلطان أحمد فؤاد نفذ حكم اعتقال لنازلي في سجن الحريم بقصر القبة بعد ولادة ولي العهد وكانت النتيجة النهائية للعلاقة قرار الملكة بإقامة علاقات غير مشروعة مع بعض ضباط حرس القصر وكذلك إقامة علاقات غرامية مع بعض رجال الحاشية، وكانت هذه طريقة نازلي في الانتقام. لكن كيف وصلت العلاقة بينهما لهذه الدرجة؟

كانت الملكة تشعر طوال الوقت أنها مراقبة وكان الملك يعاقبها دائما بحرمانها من رؤية أطفالها حيث أنجبت نازلي بعد فاروق أربع بنات هن فوزية وفايزة وفايقة وفتحية.

تقول الصحفية الأمريكية جريس هوستون التي استطاعت أن تقابل الملكة نازلي: "قرأت في طفولتي قصة العصفور والقفص الذهبي ولكنني لم أر عصفورا حقا داخل قفص من ذهب إلا حينما قابلت الملكة نازلي ملكة مصر الجميلة والملكة نازلي نموذج حي لهذه الأسطورة بل هي مثل بارز لمأساة المرأة أو بالأحري الملكة الشرقية في عصرنا الحديث.

وكانت السمة الأساسية في حياة الملك وزوجته هي غيرته الشديدة عليها وسجن نازلي الدائم بل إنه تعمد إذلالها بإحاطتها بوصيفات كان معظمهن عشيقات له وكان ينصرهن علي الملكة، إلا أن أسوأ ما في الأمر كان علاقتها بفاروق فطوال 13 عاما لم تمارس الملكة نازلي دورها كأم مع ابنها فلم تلاعبه بل إنها لم ترضعه أيضا فقد جلب له الملك فؤاد مرضعات آخريات، وكانت الأم الحقيقية لفاروق هي المربية الإنجليزية الأصل مسز تايلور التي كانت سيدة القصر الحقيقية وكانت تعليماتها تسري حتي علي الملكة لذا فإن نازلي كانت تكرهها بشدة.

وعندما كبر ولي العهد قرر الملك فؤاد سفر فاروق إلي لندن في 6 أكتوبر 1935 للدراسة والاستعداد لحياة الملك وكانت البعثة برئاسة أحمد حسانين باشا رائد فاروق واختير عزيز المصري ليكون كبيرا للمعلمين وعمر فتحي الحارس الأمين والدكتور عباس الكفراوي الطبيب الخاص وصالح هاشم أستاذ اللغة العربية وعلوم الدين، وعلمت نازلي بكل هذه الترتيبات من الصحف ولم يكن لاعتراضها أي قيمة!

وهكذا عاشت نازلي سبعة عشر عاما سجينة في القصر حتي مات الملك فؤاد في 29 أبريل عام 1936، وهنا فقط شعرت نازلي أن حلمها سيتحقق وأن ابنها الوحيد سيتولي عرش مصر لتبدأ مرحلة جديدة في حياتها.

وصل فاروق من لندن في 6 مايو 1936 وكانت النية تتجه إلي اختيار الأمير محمد علي لكي يخلف فؤاد علي العرش نظرا لصغر سن فاروق. وكان علي نازلي أن تعمل بكل جهدها لكي تحافظ لابنها علي العرش، وبدأت بالاجتماع مع علي ماهر باشا وشقيقها شريف باشا صبري لتعد خطة تنصيب فاروق في أسرع وقت. كان فاروق عمره ستة عشر عاما وكان قانون المجلس الحسبي يحدد سن الرشد بواحد وعشرين عاما وهو ما يعني ابتعاد فاروق عن العرش لخمس سنوات فقامت نازلي بالاتصال بالنحاس باشا زعيم الوفد باعتباره زعيم الأغلبية ورئيس الوزراء، وكان النحاس باشا من أقرب أصدقاء والدها وكان يعتبرها ابنة الوفد لأنها تربت في بيت سعد باشا زغلول، وأراد النحاس أن يضمن رضا القصر عن الحكومة الوفدية وأكد لنازلي أن الوفد لن يسمح أبدا بأن يقتنص الأمير محمد علي العرش من فاروق.

وطلبت نازلي من النحاس باشا وضع أسماء بعينها في مجلس الوصاية علي فاروق وانتهي الأمر بأن تكون المجلس من الأمير محمد علي وعلي باشا ماهر وشريف باشا صبري شقيق الملكة وهو ما يعني أن نازلي ضمنت صوتين في مجلس الوصاية الذي حلف اليمين أمام البرلمان بالوصاية علي العرش حتي يتم الملك عامه الحادي والعشرين. لكن خطة نازلي لم تتوقف عند هذا الحد وإنما أمرت كبير الياوران بالتنقيب في أوراق الملك فؤاد، لأنها تذكرت أنها طلبت منه في عيد ميلاد فاروق الثاني أن يصدر أمرا ملكيا يضمن لفاروق العرش وبالفعل عثر علي ماهر علي أمر ملكي بتاريخ 12 أبريل عام 1922 يوصي بأن سن الرشد لولي العهد يكتمل بثماني عشرة سنة هلالية وهو ما يعني أن فاروق سينتظر خمسة عشر شهرا فقط بدلا من أربع سنوات كاملة وبجهود نازلي وافق الجميع علي تنفيذ الأمر الملكي بمن فيهم السفير البريطاني نفسه!

تحركت نازلي في كل الاتجاهات وبدأت في إعداد ابنها للعرش من خلال خطة تتضمن الاقتراب من شعبه والتعرف علي ثقافة بلده وعلي ثقافات العالم بل والتقرب من الرأي العام العالمي أيضا. وعندما تعين أن يكمل فاروق تعليمه رفضت نازلي أن يبتعد عنها ويسافر مجددا ووافق السفير الإنجليزي السير لامبسون أن يقوم باستدعاء أحد معلمي كلية ايتون أكبر الكليات في إنجلترا للإشراف علي تعليم ولي العهد.

وهكذا استطاعت الملكة نازلي أن تحافظ لابنها فاروق علي العرش دون أن يخطر ببال أحد ولا فاروق نفسه أن المرأة التي ساعدته ووقفت إلي جواره حتي اعتلي العرش ستكون هي نفسها التي ستذبح أحلامه بل إنها ستكون من ألد أعداء عرشه وأكثرهم خطرا علي مستقبله.

وبينما كانت الأمور تستقر للملك الجديد وقبل ستة أسابيع من موعد الاحتفال بالذكري السنوية الأولي لوفاة الملك فؤاد غادرت الملكة نازلي وبصحبتها ابنها فاروق وشقيقاته الأربع وحاشية كبيرة يرأسها أحمد حسانين وقالت الصحف وقتها إن سبب الرحلة هو حاجة الملكة الأم للعلاج من أمراض الكلي، وبينما كانت الباخرة تبتعد كانت الملكة تتكئ بمرفقيها علي حاجز السفينة وكانت يد حسانين تتكئ علي كتفها!

خطة حسانين للسيطرة علي قلب نازلي.. وزواج فاروق من فريدة

كانت هذه الرحلة بداية الطريق لأحمد باشا حسانين في تقوية قبضته وإحكامها علي نازلي الملكة الأم. ويقول الصحفي الكبير محمد التابعي أنه في هذه الرحلة تأكد من أمرين وهما أن فاروق يحب صافيناز ونازلي تحب حسانين وكان الأثر الذي انطبع في نفوس الجميع أن نازلي هي التي تجري وراء حسانين وأن حسانين «تقيل» بل إنه كان يتعمد أن يثير غيرتها عليه في بعض الظروف.

ففي هذا الوقت كانت مشاعر فاروق بدأت تتحرك نحو «صافيناز ذو الفقار» التي عرفت فيما بعد باسم الملكة فريدة. فبينما كان يتم الإعداد للسفر دخل فاروق إلي جناح أمه وقال لها: لن أسافر إلا إذا سافرت معنا صافيناز. وفوجئت الملكة بطلب ابنها فقد كان فاروق يري صافيناز باعتبارها صديقة للأميرة فوزية لكنه لم يتحدث معها وكانت الآنسة صافيناز ابنة يوسف ذو الفقار المستشار في محكمة الاستئناف المختلطة ووصيفتها زينب هانم، وبالفعل سافرت صافيناز مع الأسرة الملكية إلي أوربا.

وبينما يؤكد الجميع أن هذه الرحلة تسببت في تقارب نازلي وحسانين إلا أن الكاتب حنفي المحلاوي يروي أن حسانين باشا أكد لكل من حوله أن علاقته مع الملكة نازلي لم تكن علاقة حب بل كانت حرصا منه علي إرضاء نزواتها لأنها ملكة مصر وأم ملك مصر وكانت صاحبة النفوذ الأعلي لدي ابنها.

ويصف الكاتب الصحفي صلاح عيسي أحمد حسانين بقوله إنه كان مفعما بالحيوية والنشاط، طويل القامة رشيق القوام كما يليق برياضي قديم، خفيف الظل سريع البديهة حاضر النكتة كما ينبغي لابن بلد تربي بين حواري بولاق، عميق الغور يملك قدرة مذهلة علي التحكم في انفعالاته كما يليق بمغامر جاب فيافي الصحراء، وخاطر بقيادة الطائرات حين كان ذلك أكثر خطورة من قيادة سفن الفضاء، بالغ النعومة شديد التهذيب خاصة مع النساء، كما يتحكم علي رجل درس في جامعة أكسفورد، وعاش حياته متنقلا بين السفارات والقصور. وأحمد حسانين من مواليد عام 1889 وأبوه هو الشيخ محمد حسانين البولاقي أحد رجال الأزهر الشريف وحفيد أحمد باشا مظهر حسانين آخر أميرال للبحرية المصرية. تلقي تعليمه في القاهرة في مدرسة الحقوق ثم التحق بجامعة أكسفورد البريطانية. عمل ضابطا سياسيا في الصعيد عقب الاضطرابات التي سادات مصر عام 1919 وبعدها بعام أصبح مساعد مفتش في الداخلية كما تولي رياسة الفريق المصري في الألعاب الأولمبية في سلاح الشيش في بروكسل.

وفي عام 1924 تم تعيينه سكرتيرا أول في المفوضية المصرية بواشنطن قبل أن ينتقل بنفس الوظيفة إلي لندن. وفي عام 1925 توفي والده وأصدر الملك أحمد فؤاد قرارا بتعيينه أمينا ثانيا بالقصر ثم أمينا أول.

تزوج حسانين باشا من لطفية هانم ابنة الأميرة شويكار مطلقة الملك أحمد فؤاد وهي في الوقت نفسه شقيقة الأميرة فوقية الشقيقة الكبري للملك فاروق من والده الملك فؤاد عندما كان متزوجا من الأميرة شويكار، وأنجب منها ولدين وبنتين وتم منحه لقب الباشاوية في أغسطس عام 1936 وتم تعيينه رائدا بالحاشية الملكية في العام نفسه قبل أن يتم إسناد إليه مسئولية تعليم وتنشئة الملك فاروق.

واشتهر حسانين برحلاته لاستكشاف الصحراء في الفترة من عام 1921 وحتي عام 1924 بدأها برحلة مع الرحالة والكاتبة الإنجليزية روزيتا فوربس اجتازا فيها الصحراء الليبية واكتشفا خلالها واحة الكفرة عام 1921. ثم قام برحلة جديدة وحده في الصحراء الليبية اكتشف فيها واحتين جديدتين هما أركنو والعوينات.

ليس هذا فقط وإنما كان لحسانين مغامرات أكثر إثارة في الجو حيث خاض العديد من التجارب في الطيران خلال عام 1930 وقرر أن يطير بطائرة خاصة من لندن إلي القاهرة إلا أن الطائرة سقطت وتحطمت بعد عدة ساعات في فرنسا ونجا حسانين من الموت بمعجزة ليشتري طائرة ثانية ويكرر محاولته في الطيران وتسقط الطائرة الثانية في سويسرا لتأتي محاولته الأخيرة وتتحطم الطائرة الجديدة في إيطاليا ورغم هذا كله.. نجا أحمد حسانين!

وعاد الجميع إلي مصر يوم 25 يوليو عام 1937 بعد رحلة دامت خمسة شهور في أوروبا وقبل أربعة أيام فقط من الموعد المحدد لتسلم الملك فاروق سلطاته الدستورية. وبدأت بعدها الاستعدادات للزواج الملكي إلا أن نازلي لم ترد أن تصبح مجرد الملكة الأم بعد زواج ابنها ومن ثم طلبت من الملك فاروق أن يصدر أمرا ملكيا يمنحها فيه لقب صاحبة الجلالة وبالتالي تكون علي نفس الدرجة الملكية للملكة الجديدة وتحتفظ بكل حقوقها وصلاحياتها الملكية. ووافق الملك علي الفور تقديرا لكل الجهود التي بذلتها حفاظا علي عرشه.

في تلك الأثناء شاهد الأمير محمد رضا بهلوي ولي عهد إيران الأميرة فوزية في أوروبا وأعجب بها جدا وتمني أن تكون زوجته وعندما عادت إلي مصر وصلتها باقة من زهور الأوركيد عليها بطاقة تحمل الأمنيات السعيدة مكتوبة باللغة الفرنسية بإمضاء محمد رضا بهلوي الذي أرسل رسولا إلي الملك فاروق ليفاتحه في الأمر.

وكان صناع السياسة في القصر يقنعون الملك فاروق بضرورة إحياء الخلافة الإسلامية علي يديه ليصبح هو أمير المؤمنين فاروق الأول خاصة بعد أن أصبحت تركيا دولة علمانية وعندما جاءه طلب ولي العهد الإيراني قالوا له إن هذا الزواج سيوحد بين السنة والشيعة وسيضمن لفاروق أصوات الشيعة في العالم إذا ما طرح موضوع مبايعته كخليفة للمسلمين.

وطلب فاروق مقابلة الملكة نازلي وفاتحها في الأمر ثارت الملكة التي لا تطيق فكرة ابتعاد أولادها عنها خاصة فوزية أقرب بناتها إليها وسألت فاروق هل من المعقول أن تزوج الأميرة فوزية التي تعتبر من أجمل نساء العالم من أمير لدولة فقيرة ما تزال تحاول الخروج من العصور الوسطي؟

وهنا قال فاروق إن أخته نفسها ميالة إلي هذا الزواج فهدأت ثورة نازلي وقالت إنها في هذه الحالة سوف تتحدث مع فوزية. وأرسل فاروق حسانين باشا ليقنع الملكة نازلي التي قبلت الأمر علي مضض وغالت في مطالبها التي قبلها ولي عهد إيران.

وعقد القران الملكي في يوم 15 مارس عام 1939 وسافرت فوزية إلي بلد غريب عنها لا تعرف لغته حتي أنها كانت تتحدث مع زوجها بالفرنسية! وبعد عام واحد أنجبت الأميرة فوزية ابنتها الأولي شاهي ناز وهو اسم إيراني يعني صفاء القمر. ورحل شاه إيران وتوج محمد بهلوي ملكا وكذلك زوجته الأميرة فوزية ملكة أيضا. لكنه انشغل بالسياسة عن زوجته التي ساءت حالتها الصحية بسبب سوء معاملة شقيقات زوجها وأمه ومنعها زوجها من السفر إلي القاهرة فظلت حبيسة جناحها وامتنعت عن الطعام حتي كادت تموت.

وفكرت نازلي في طريقة تعيد بها ابنتها فسافرت لمقابلة الشاه وطلبت منه السماح لفوزية بحضور حفل زفاف شقيقتها الأميرة فايزة علي النبيل محمد علي رءوف أحد أقرباء والدها الملك فؤاد ووافق الشاه علي أن تسافر فوزية بعد شهرين لحضور الزفاف.

وحاول فاروق مع الشاه أيضا في ظل تدهور حالة أخته فوافق أخيرا علي سفر فوزية للقاهرة بشرط أن تترك ابنتها في إيران. واستردت فوزية عافيتها في القاهرة وطلب فاروق من الشاه أن يطلقها لكن الأخير كان متمسكا بها وهنا وضعت نازلي خطة نفذها فاروق لإجبار الشاه علي الطلاق.

تقول راوية راشد في كتابها "ملكة في المنفي" إن والد رضا بهلوي توفي في منفاه بجوهانسبرج وكان مقررا أن تهبط الطائرة التي تحمل الجثمان في القاهرة قبل أن تستكمل رحلتها إلي إيران فتحفظت القاهرة علي الجثمان حتي توافق طهران علي إجراءات الطلاق وهو ما حدث بالفعل.

قبلها كانت أخبار العلاقة بين نازلي وحسانين قد وصلت إلي زوجته الأولي لطفية فثارت وغضبت واشتعلت داخلها ثورة مجنونة ضد الملكة نازلي. وكانت لطفية قد طلبت من حسانين أن تسافر معه في رحلة أوروبا وحين عرض حسانين الأمر علي نازلي رفضت فأبلغ حسانين زوجته أن جلالة الملك لم يوافق علي سفرها.

سألت لطفية وتقصت وعرفت أن نازلي هي التي تعارض سفرها وليس فاروق بل لعله حسانين الذي لا يريدها أن تسافر معه مراعاة لخاطر الملكة. وراحت لطفية تهاجم نازلي في كل جلسة وتسبها وعندما عاد حسانين طلب منها أن تقابل الملكة وتعتذر لها وحين رفضت استحالت الحياة بينهما فقام بتطليقها. واعتبرت الأميرة شويكار أن طلاق ابنتها سببه نازلي فأخذت تعمل علي تقريب فاروق منها بإقامة الحفلات الصاخبة في قصرها يوميا وهو الأمر الذي زاد من حدة الخلاف بين الملكة نازلي وابنها الملك فاروق.

حسانين يرفض أن يكون عشيق الملكة.. ونازلي تطلب من فاروق أن يزوجها له

وينقل حنفي المحلاوي في كتابه "الملكة نازلي بين سجن الحريم وكرسي العرش" ما سجله مراد محسن باشا ناظر الخاصة الملكية قائلا "وذات يوم قالت نازلي لحسانين: أنا أعطيك إنذارا نهائيا إما أن تعاملني كامرأة وإما سأقطع كل علاقة بيننا وأصبح حرة أفعل ما أشاء. وأجاب حسانين وهو يتظاهر بالبكاء أنه لا يستطيع أن يقربها إلا إذا تزوجها وأسرع يقول: وغير معقول أن أتزوج الملكة. وهنا صاحت نازلي: طظ في لقب الملكة. ولكن حسانين قال: معني هذا أن جلالة الملك سيطردني وأنا أفقر من أن أستطيع العيش علي معاشي لأن الديون تأخذ جانبا كبيرا منه.

قالت الملكة نازلي: أنا مستعدة لأن أضع ثروتي كلها بين يديك، فقال حسانين: ولكنني لا أستطيع أن أعيش علي حساب زوجتي وسوف أشعر بمرارة لو أنك دفعت لي ثمن هذا الزواج، فصاحت هي: يعني عايز أعمل إيه.. زوجة.. لأ.. رفيقة.. لأ.. عاوزني أبقي إيه؟ قال حسانين: عاوزك ملكة! وهنا قالت الملكة نازلي: إذن سأذهب إلي فاروق وأقول له إنني سأتزوجك فقال حسانين: اذهبي ولكنه سيرفض. وذهبت الملكة نازلي فعلا إلي الملك فاروق.. وكانت مقابلة عاصفة قالت فيها لابنها إنها تحب حسانين باشا وتريد أن تتزوجه وقال فاروق: رافقيه أحسن! قالت نازلي: إنه يرفض أن يكون عشيق الملكة! فقال الملك: سأصدر له أمرا ملكيا بذلك! وربما كان فاروق هنا يسخر من أمه".

ومع بداية عام 1937 كان أحمد حسانين قد تفرغ لعلاقته مع نازلي علي أن يقوم هو بوضع المنهج الذي يراه مناسبا للعلاقة وكان هذا المنهج يقوم علي الصد والإثارة حتي ظهرت في حياته المطربة أسمهان عام 1940 وبدأت بينهما قصة حب كان لها أثر كبير علي حياة نازلي.

وتسببت نازلي في مشاكل كثيرة لأسمهان بسبب غيرتها الشديدة من علاقتها بأحمد حسانين باشا حتي أن كثيرين يوجهون أصابع الاتهام إلي نازلي في الحادث الذي أودي بحياة أسمهان إثر انقلاب سيارتها وهي في طريقها إلي رأس البر.

كان قصة الحب بين نازلي وحسانين بداية الصدام بين فاروق وأمه وحين علمت نازلي بعلاقة حسانين بأسمهان زادت من ضغطها علي فاروق لكي يوافق علي زواجها وعندما رفض قررت الملكة نازلي العودة إلي حياة اللهو والسهر في النوادي الليلية بل ومصاحبة الشباب الإنجليز وسافرت إلي القدس في عام 1942 ونزلت في فندق الملك داود وكانت مغامراتها تصل إلي القصر.

ولجأ الملك فاروق إلي أحمد حسانين باشا طالبا منه أن يسافر إلي القدس لإعادة الملكة والغريب أن حسانين رفض واقترح علي فاروق أن يسند هذه المهمة إلي النحاس باشا لأن جلالة الملكة وفدية وسوف تحترم رغبة النحاس باشا. وبالفعل سافر إليها مصطفي النحاس ووافقت نازلي علي العودة مقابل عدة شروط علي رأسها أن يصدر أوامره الملكية بأن يتزوج حسانين من الملكة ولم يكن أمام فاروق سوي أن يرضخ لطلب والدته علي أن يكون الزواج عرفيا.

وحتي في زواجها من أحمد حسانين، اختلفت الروايات فهناك رواية لمصطفي أمين يؤكد فيها أن الزواج تم عام 1937، ورواية لمصطفي النحاس تؤكد أن الزواج تم في عام 1940 أما الرواية الأخيرة لمحمد التابعي وتقول بأن الزواج تم عام 1943 بعد عودتها من القدس!

وبدأت علاقة نازلي بفاروق تزداد سوءا، ليس هذا فقط بل ساءت علاقته بزوجته الملكة فريدة وازداد التنافس من ناحية أخري بين نازلي وفريدة. وفاتح الملك فاروق أحمد حسانين باشا أكثر من مرة برغبته في تطليق فريدة خاصة مع وقوعه في غرام الأميرة فاطمة طوسون.

وجاءت نهاية قصة حب نازلي دراماتيكية بوفاة أحمد حسانين في حادث سيارة وبعد مصرع حسانين زادت الخلافات بين نازلي وفاروق وكان هذا السبب وراء قرارها بالسفر إلي أوروبا ليبدأ الفصل الأخير من حياتها.. في المنفي.

زواج الأميرة فتحية من رياض غالي.. والملكة نازلي تعلن تحولها إلي المسيحية!

حين وصلت الباخرة أندريه لوبون إلي مارسيليا في 5 يوليو عام 1946 وجدت الملكة نازلي رياض غالي في استقبالها، وكانت هذه بداية المأساة.

ورياض غالي كما يصفه الكاتب الكبير صلاح عيسي في كتابه "البرنسيسة والأفندي"، شاب متوسط الطول رشيق القوام قمحي اللون، وسيم الملامح يصفف شعره ويهندس شاربه علي طراز نجم هوليوود في الأربعينيات والخمسينيات "كلارك جيبل".

ولد رياض بشاي عام 1919 لأسرة قبطية متوسطة الحال من أسيوط وكان والده يعمل موظفاً في وزارة التعليم. حصل رياض علي بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة ثم التحق بالسلك الدبلوماسي عام 1946. ولم تكن نازلي هي السيدة الأولي في حياة رياض، ففي عام 1940 بينما لا يزال طالباً بكلية التجارة دخل في أحد الأيام مستشفي بابا يونو في القاهرة لإجراء عملية "المصران الأعور" وفيما كان يسير في ممرات المستشفي بعد العملية فوجئ بسيدة شقراء في الأربعين من عمرها تجري نحوه وتعانقه قائلة: ولدي.. ولدي!

ولم تكن السيدة هي أمه وإنما كانت السيدة كاوازوي زوجة سكرتير المفوضية اليابانية بالقاهرة وهي روسية الأصل رزقت بولد من زوج روسي مات في الحرب العالمية الأولي وقتل ابنها الوحيد في إيران ثم تزوجت السكرتير الياباني وبالصدفة كانت في المستشفي تجري عملية عندما رأت رياض غالي تصورت وكأن ابنها بعث من جديد!

والغريب أن رياض جلس يحادثها ويلاطفها وطلبت السيدة أن تتبناه! وأصبحت لا تفارقه أبدا وقدمته إلي الوزير المفوض الياباني وكانت تتم دعوته إلي الحفلات الرسمية. وأثناء الحرب العالمية الثانية باع الوزير ثلاث سيارات بمبلغ ألف وثلاثمائة جنيه في الوقت الذي كان رياض قد نجح في السيطرة علي هذه السيدة.

وكأن لقاءه بهذه المرأة كان بروفة للقائه بالملكة نازلي في فرنسا، ولقد حكي رياض غالي نفسه تفاصيل اللقاء لجميل عارف قائلا: "إن الحظ هو البطل الحقيقي الذي لعب الدور الأول في حياتي.. فبعد أن تخرجت في كلية التجارة رغبت في العمل بالسلك الدبلوماسي حتي تتاح لي فرصة مشاهدة العالم الخارجي، ولكن والدتي عارضت رغبتي وصممت أن أعدل عن الفكرة.

وهنا يتدخل الحظ ويمسك بيد الأستاذ كامل عبد الرحيم سفير مصر في واشنطن، وكان وقتئذ وكيلاً لوزارة الخارجية ويجعله يوقع قراراً بتعييني في الخارجية بناء علي الطلب الذي تقدمت به.. وكنت مغامراً بطبعي، ولذلك لم أتردد في قبول الوظيفة التي عرضت علي في الكونغو البلجيكية.

وبعد حين بذلت المسعي حتي نقلت إلي لندن ومرة أخري عاد الحظ يلعب دوره في خدمتي فصدر قرار بانتدابي للعمل بقنصلية مصر في مارسيليا وما إن تسلمت وظيفتي الجديدة حتي أخطرت القنصلية بمجيء الملكة نازلي وكريمتيها فايقة وفتحية إلي مارسيليا.

وكان الأستاذ أحمد فراج طايع وزير الخارجية -في عام 1952- هو قنصل مصر العام في هذه المدينة في ذلك الوقت، فأسرع مع موظف القنصلية إلي الميناء حيث قام باستقبال الأسرة المالكة، أما أنا فقد وقفت بعيداً عن الاستقبال خلف الصفوف، فقد كلفت بالإشراف علي نقل الحقائب والمتاع إلي الفندق الذي اختير لإقامتهن.

وطيلة مدة إقامة الملكة وابنتيها في مارسيليا لم أحظ بمقابلتهن ولم أدع إلي الحفلات التي أقيمت لتكريمهن وظللت كذلك حتي تدخل الحظ ولعب دوراً جديداً..

ففي صبيحة اليوم المعين لسفر الملكة استدعاني القنصل وكلفني بحمل البريد الذي ورد باسم الملكة إلي جناحها في الفندق الذي تنزل به.. وفي غرفة الاستقبال الملحقة بالجناح المخصص للأسرة في الفندق دعتني الملكة للجلوس حتي تفرغ من تصفح الرسائل التي جئت بها. وبعد أن فرغت منها سألتني عن اسمي وأسرتي وعملي وثقافتي وغير ذلك من الأسئلة ثم أذنت بانصرافي.

وحسبت أن هذه الأسئلة لا تعدو أن تكون شيئاً عابراً اعتاده أمثالنا عندما يلتقون بذوي المكانات الرفيعة ولكن يبدو أنها كانت تخبئ لي قصة من نوع جديد.

فعندما وصلت إلي دار القنصلية علمت أن الملكة اتصلت بالقنصل ليتخذ الإجراءات لانتدابي لمرافقتها إلي الولايات المتحدة!"

ولقد أمضت الملكة نازلي الشهور العشرة التالية علي وصولها إلي مارسيليا تتنقل بين سويسرا وفرنسا لتتردد علي عيادات الأطباء وتتابع العلاج بالمياه المعدنية من آلام الكلي، ولم تغادر البلدين إلا في زيارة قصيرة إلي لندن قبل أن تقرر ترك أوروبا كلها والسفر إلي الولايات المتحدة الأمريكية والتي وصلتها في 10 مايو عام 1947.

وطوال فترة إقامتها بالمستشفي في باريس كانت تترك بناتها مع رياض غالي الذي قربته إليها وعندما قررت السفر إلي أمريكا طلبته من وزارة الخارجية لكي يرافقها. وعندما وصلت إلي الولايات المتحدة ظلت في مستشفي مايو كلينيك لمدة ثلاثة أشهر تصارع الموت وكان الملك فاروق لا يتصل بها للاطمئنان عليها، وهو الأمر الذي أثار غضبها واعتبرت الأمر نوعاً من الجحود. وبالفعل نجحت العملية وغادرت المستشفي في ديسمبر عام 1947.

وكانت التقارير تصل إلي الملك فاروق لتؤكد أن رياض غالي أصبح أهم شخصية في الحاشية فهو الذي يتلقي مكالمات الملكة الهاتفية وهو الذي يحدد المواعيد لمن يرغبون في لقاء جلالتها من وجهاء المصريين وهو الذي يستقبلهم في الفندق ويقودهم إلي جناحها وهو الذي يقود السيارة التي تقل الملكة والأميرتين للنزهة أو للتسوق، وهو الذي يتصل بالسفارات والقنصليات المصرية ليتسلم ما ورد إليها من رسائل أو ما تبعث به من خطابات ويتابع في البنوك وصول التحويلات المالية الواردة باسمها أو باسم الأميرتين.

ليس هذا فقط بل وتؤكد التقارير -بحسب كتاب صلاح عيسي- إلي أن الملكة كانت تتعامل مع رياض غالي دون كلفة، ومع أنها كانت تقدمه للناس باعتباره سكرتيرها الخاص إلا أن معاملتها له حتي في الأماكن العامة كانت تعطي مساحة واسعة للشك في أن العلاقة بينهما قد تجاوزت ذلك. ففي يوم الأحد 3 نوفمبر عام 1946 كان يصحبها والأميرتين لزيارة جناح الروائح العطرية وكانت تستشيره في كل صنف وتضع بعضا منه علي طرف أصبعها وتمرره أمام أنفه وكأنها تسأله عما يعجبه منها لتشتريه!

وأثناء وجودها في باريس كانت تحجز له غرفة إلي جوار جناحها كما أنها تعودت أن تتناول إفطارها يومياً معه، إذ كانا يستيقظان عادة متأخرين عن بقية أفراد الرحلة، أما الأخطر من ذلك أنه كان رفيقها الوحيد والدائم في سهراتها التي تمضيها في ملاهي باريس وجنيف بعد أن تخلد الأميرتان وبقية أفراد الحاشية إلي النوم لينطلق الاثنان معا إلي حيث يرقصان حتي مطلع الفجر.

كانت كل التقارير والمعلومات التي يتلقاها فاروق تؤكد شيئاً واحداً فقط هو علاقة أمه الملكة نازلي برياض غالي. وكان رقص الملكة المتكرر مع رياض وإصرارها علي اصطحابه معها في كل مكان وباهتمامها الشديد بكل شئونه.. كل هذا أوحي بأن الغرام هو غرام الملكة بالسكرتير رياض غالي وليس غرام الأميرة الصغيرة بالسكرتير.

وأدي اتهام الملكة نازلي بأنها علي علاقة برياض غالي إلي إيمانها المطلق ببراءته واعتقادها الشديد بأن كل ما يوجه إليه من تهم ليس إلا حقداً وحسداً وأكاذيب.

وبدأ التقارب بين رياض وفتحية وحين علم الملك فاروق جن جنونه خاصة وأن عرشه في ذلك الوقت كان مهتزا بعد طلاقه من الملكة فريدة واشتعال قضية الأسلحة الفاسدة وكان زواج الأميرة فتحية من شخص من عامة الشعب وعلي غير ديانتها كارثة علي عرش فاروق.

ويسرد حنفي المحلاوي في كتابه "الملكة نازلي بين سجن الحريم وكرسي العرش" ما قاله الملك فاروق في مذكراته عن زواج فتحية، حيث كتب فاروق "في عام 1946 سافرت والدتي إلي أمريكا مع الأميرة فايقة والأميرة فتحية صغري كريمات والدي وتعرف إليهن في الرحلة رجل لم يكن مسلماً وإن كان مصرياً بحكم ميلاده ومع أن عقيدته تغاير عقيدتنا إلا أن أمي أعجبت به، وسمحت بعد ذلك بزواجه من ابنتها الصغري.. وكان من المتوقع أن أتسامح عندئذ وأن أصفح عن هذا الزواج ولكنني خلال أيام حكمي كنت قد منعت كثيرا من الزيجات بين أعضاء من العائلة أقل قرابة من أخواتي وبين أشخاص من أديان مغايرة. وكانت هذه الزيجة بالذات أبشع من أن أسمح بها".

أما الملكة نازلي فقد ردت علي قول ابنها في العديد من الأحاديث الصحفية التي أدلت بها من فيلتها الخاصة في بفرلي هيلز بهوليد في ولاية لوس أنجلوس "إنني أريد أن يفهم الناس شعوري كأم، ثم يحكموا عليّ بعد ذلك وأريدهم أن يعلموا أنني كنت تعسة جداً في حياتي الزوجية وأن الأيام قد علمتني ألا أؤمن بزواج القصور.. فقد كنت ضحية زواج سياسي وإن اختلفت الظروف والأسباب!

وعندما تزوجت ابنتي فايزة صممت علي أن أستعمل حقي كأم، وأتدخل لحماية فايقة وفتحية من تعسف فاروق وعناده وقررت أن أشجعهما علي الزواج ممن يختاره قلب كل منهما.. إنني مرتاحة الضمير ولم أرتكب جريمة ما ويكفيني أنني قربت بين القلوب المتحابة وحققت السعادة لابنتي.

أما بالنسبة لرياض غالي فإني أؤكد أنه قد شهر إسلامه مرتين وأؤكد لكم أنه قد أسلم عن عقيدة وإيمان دون أن يكون له مأرب أو غاية وأنه لم يفكر في ثروة فتحية كما أشيع في مصر. إنني أقرر لكم أن هذا الرجل نبيل، فقد كنت أعالج من سكرات الموت في المستشفي وكان الأمل ضعيفاً في نجاتي من العمليات الثلاث التي أجريت لي وكان الرجل الوحيد الذي خدمني في تلك المحنة هو رياض غالي.. أنا ابني، فلذة كبدي فلم يعن حتي بالاستفسار عن صحتي تليفونياً. ولولا هذا الإنسان النبيل لضعت في غربتي.

تصوروا أن المستشفي طلبت مني ستة وثلاثين ألف دولار مقابل إجراء عملية استئصال الكلي اليمني وكنت وقتئذ بحاجة إلي المال ومع ذلك فقد شرعت في دفع المبلغ وإذا برياض غالي يقابل مدير المستشفي ويقنعه بتنزيل المبلغ إلي خمسة آلاف دولار فقط. وبعد ذلك يتهم مثل هذا الشخص بأنه غير أمين علي مصالحي".

وحاول فاروق أثناء والدته عن إتمام الزواج فكان يرسل لها الكثير من الوسطاء الذين فشلوا جميعا وتدخل النحاس باشا شخصيا لكن كل المحاولات فشلت. وحاول القصر أن يثني رياض عن الزواج مرة بالتهديد بالقتل ومرة بالإغراء لكنه كان يرفض. وكلما ازدادت ضغوط القصر كلما اشتد عناد نازلي وتمسكها بإتمام الزواج لأنها علمت جيدا أن هذا يسبب الألم لفاروق. وهكذا أصبحت فتحية أو آتي كما كانوا ينادونها في قصر أبيها ضحية الصراع بين فاروق ونازلي.

وألغي فاروق تأشيرة دخول الملكة والأميرتين إلي الولايات المتحدة وطلبت الحكومة المصرية من الحكومة الأمريكية أن تقوم بترحيل الملكة نازلي وابنتيها في أسرع وقت إلي مصر. وثارت نازلي وقدمت التماساً للحكومة الأمريكية تؤكد فيه أنها ستقوم باستثمار أموالها في مشاريع داخل الولايات المتحدة وأرفقت بياناً بثروتها التي كانت تبلغ آنذاك نحو عشرة ملايين دولار أو ما يعادل نصف مليون جنيه مصري! بل وشنت حملة في الصحف تعبر فيها عن غضبها من فاروق وأنها تريد إسعاد ابنتها لذا ستساندها في الزواج بمن تحب، وبالفعل تم الحكم لنازلي بحق الإقامة المؤقتة لها ولابنتيها ومستشارها الخاص رياض غالي ووقف جميع إجراءات الترحيل.

ووسط كل هذا وبحسب راوية راشد في كتابها "ملكة في المنفي"، أعلنت الملكة نازلي أنها تحولت إلي الديانة المسيحية وصارت تنتمي إلي الكنيسة الكاثوليكية وأطلقت علي نفسها اسم "ماري إليزابيث" قائلة إنها عاهدت نفسها وهي تصارع الموت في المستشفي إن نجت ستبدأ بداية جديدة وستعود إلي دين أجدادها في إشارة إلي جدها الأكبر سليمان باشا الفرنساوي الذي كان يعتنق الديانة المسيحية قبل قدومه إلي مصر وإشهار إسلامه.

وفي مايو عام 1950 نشرت الصحف خبر زواج الأميرة فايقة من أحد موظفي القنصلية المصرية في سان فرانسيسكو وهو محمد فؤاد صادق، وغضب فاروق لأن الزواج تم دون الرجوع إليه، لكنه لم يبد اعتراضاً شديداً لأن الزوج هنا مصري مسلم، واعتبرت نازلي هذه بداية مطمئنة كي تتمم زواج فتحية من رياض غالي في 25 مايو من العام نفسه وكانت فتحية تبلغ من العمر 19 عاماً فيما كان رياض قد تخطي الثلاثين من عمره.

تجريد نازلي من ألقابها وإعلان إفلاسها

أمام هذا التحدي اجتمع مجلس البلاط الملكي وأصدر قراره بخلع جميع الألقاب عن الملكة نازلي والأميرة فتحية ومصادرة جميع أموالهما وممتلكاتهما في مصر. كما أمر المجلس بعودة الأميرة فايقة لإقامة مراسم زواجها علي الطريقة الإسلامية. واستخفت نازلي بهذه القرارات فيما أرادت فايقة العودة إلي مصر ليبقي رياض غالي وزوجته فتحية فقط إلي جانب نازلي في الوقت الذي بدأ فيه فاروق يفكر في الزواج مرة أخري وإنجاب ولي للعهد.

وانتقلت نازلي للإقامة في لوس أنجلوس واختارت قصرا في بيفرلي هيلز وعاش الثلاثة حياة ثرية سعيدة قبل أن تنجب فتحية ابنها رفيق ثم رائد وأخيرا ابنتها رانيا. وكانت الملكة تثق في رياض ثقة عمياء فتركت له إدارة أموالها علي أن يسحب منها ما يشاء. وكانت نازلي تنفق الأموال ببذخ شديد علي المجوهرات والثياب والخدم وكأنها مازالت تعيش في قصرها بمصر!.

وفي نهاية عام 1957 بدأت ملامح الانهيار، خاصة أن رياض غالي دخل في عدة مشاريع فاشلة واضطرت الأسرة للاستغناء عن كل الخدم باستثناء خادمة واحدة وسفرجي واحد وبدأت الخلافات تزداد بين فتحية ورياض مع زيادة خسائر الأخير علي موائد القمار قبل أن تأتي صدمة شديدة للملكة نازلي بوفاة ابنها فاروق في روما عام 1965.

ومع الوقت تحول رياض إلي شخص لا يفيق من الخمر ويستمتع بالخسارة علي موائد القمار، وكان يثور لأتفه الأسباب وتصاعدت الخلافات بينه وبين فتحية حتي إنه اعتدي عليها بالضرب وحين تدخلت أمها نازلي أسقطها علي الأرض وهو يسبها ولم يكن أمام فتحية سوي طلب الطلاق ورفض رياض وقررت فتحية الهروب مع أبنائها وأمها إلي هاواي في عام 1968. تركت نازلي رياض مع توكيل منها متصورة أنه لم يعد له قيمة بعد أن انتهت أموالها لكن رياض كان له رأي آخر فقام بطلب قرض من البنك بمليوني دولار بضمان مجوهرات الملكة وعاش غالي من جديد حياة مترفة فيما وصلت الأنباء إلي فتحية التي تلقت صدمة شديدة وقررت العودة إلي لوس أنجلوس. ورفعت قضية طلاق ضد رياض الذي حاول استرضاءها دون جدوي. وفي فبراير عام 1973 أعلن البنك الفيدرالي الأمريكي إفلاس الملكة نازلي وتمت جدولة ديونها التي وصلت إلي مليوني دولار وثلاثمائة وستين ألفاً هي قيمة القرض والفوائد المتراكمة عليه، وتم حصر ممتلكات الملكة وبيعت في المزاد العلني.

خرجت الأميرة وأمها وأبناؤها من القصر وانتقلوا لمنزل صغير في هوليوود وتوسط البعض لدي الرئيس السادات حتي يسمح لهما بالعودة إلي مصر الذي وافق علي طلبهما. في ذلك الوقت بدأت الأمراض تداهم رياض غالي بعد أن انقطعت عنه فتحية وأبناؤها حتي أصيب بأزمة قلبية حادة ودخل المستشفي، الأمر الذي جعل أبناؤه يقومون بزيارته وكان هو يطلب أن يري فتحية ولو لمرة واحدة قبل موته، وطلب الأبناء منها أن تقوم بزيارته وتحت الضغط الشديد قامت بزيارته في المستشفي وعندما رآها بكي بشدة وطلب منها أن تسامحه.

ورق قلب فتحية فكانت تسأل عنه بين الحين والآخر لتطمئن علي صحته رغم غضب أمها وكان رياض يريد منعها من السفر إلي مصر بأي طريقة لكنها حجزت تذاكر الطيران بتاريخ 15 يناير عام 1976 وبينما كانت تستعد للسفر اتصل بها رياض وأبلغها بوفاة والدته وكان منهارا وعندما شعرت فتحية أنه يريد أن يمنعها من السفر بدأت تتهرب منه ولا أحد يعرف كيف أقنعها بعد ذلك بزيارته وكيف انتهي الأمر بهذه الجريمة البشعة والنهاية المأساوية.

رياض غالي يقتل الأميرة فتحية ويحاول الانتحار.. وإجراء مراسم دفن الملكة نازلي في كنيسة أمريكية!

وكالات الأنباء العالمية وصفت الجريمة بدقة وذكرت أنه في صباح اليوم التاسع من ديسمبر عام 1976 وفي الشقة رقم 5 بالدور الثاني بالمبني رقم 1282 بشارع باري في غرب لوس أنجلوس.. أطلق رياض غالي 5 رصاصات متتالية علي الجانب الأيسر من رأس الأميرة فتحية فقتلها علي الفور ثم تركها في مكانها جثة هامدة وخرج إلي غرفة المعيشة حيث جلس يشاهد برامج التليفزيون. ولم ينتبه إلي خطورة ما ارتكبه إلا بعد زيارة ابنته لتسأله عن والدتها التي لم ترجع إلي منزلها منذ أمس. وقد حاول رياض غالي التخلص من جثة الأميرة إلا أن الخمر كانت قد لعبت برأسه فاستسلم للنوم حتي الصباح بجوار جثة الأميرة فتحية.

وفي التاسعة من صباح اليوم التالي بعدما استيقظ قرر الانتحار فأطلق النار علي رأسه من مسدسه الخاص الذي قتل به زوجته إلا أنه لم يمت بل استغاث جيرانه برجال الشرطة، بينما كان هو ينزف الدم من رأسه وكان هذا ما أنقذه من موت محقق في الوقت الذي اكتشفوا فيه جثة زوجته. وتم دفن الأميرة فتحية في مقابر الهولي كروس في كالفر سيتي وسقطت الملكة نازلي خلال الجنازة مغشيا عليها وكانت عندما تفيق تسأل عما إذا كان رياض غالي قد تمت محاكمته أم لا.

وبعد إنقاذ رياض غالي تم سجنه علي ذمة المحاكمة، وبعد عام ونصف العام من ارتكاب هذه الجريمة ومحاكمته أمام المحكمة العليا الأمريكية.. صدر الحكم في عام 1978 بسجن رياض غالي لمدة 15 عاما بعد تدهور حالته الصحية والنفسية، حيث تسببت الرصاصة التي أطلقها علي نفسه في تدمير جزء من أعصاب المخ والأذنين وأعصاب العين اليسري وفتكت بعظم الفكين ففقد السمع وفقد إبصار عينه اليسري، وأعاد غالي محاولة الانتحار مرة أخري ومات في 25 مارس عام 1978.

وبعد رحيل رياض غالي ورحيل الأميرة فتحية رحلت الملكة نازلي في أول يونيو عام 1978 وكان عمرها آنذاك 83 عاما. ودفنت في الولايات المتحدة الأمريكية في مقابر الهولي كروس بعد مراسم الدفن التي تمت في إحدي الكنائس في ولاية لوس أنجلوس!

الدستور المصرية في

01/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)