«محمود سلطان» هو الاسم الأقرب إلي قلب وعقل أجيال كثيرة شبت علي
برامجه وتأثرت به أثناء تقديم نشرات الأخبار، حضور طاغٍ، أداء واثق، نطق
صحيح،مخارج واضحة، باختصار هذا الرجل مدرسة تربي فيها الكثيرون دون أن
يتعلموا أن هذه دروس مجانية من رجل يفعل هذا بإخلاص وحب. سلطان ينتمي لجيل
تربي علي يد أساتذة عظام بنوا التليفزيون وقبل هذا البنيان أسسوا وربوا
جيلا صاروا نجوم التقديم التليفزيوني في العالم العربي.. دخلنا من خلال
صوته العذب كل غابات الدنيا وعلمنا منطق الحيوانات في الحب والكره والدفاع
عن النفس.. وبمناسبة مرور 50 عاماً علي إنشاء الجهاز الذي عرفناه من خلاله
كان لنا معه هذا الحوار:
·
الكل يعرف الآن كيف يتم اختيار
المذيعين في التليفزيون وأن الاختيار يحكمه «إنت ابن مين ومن طرف مين؟»..
فكيف التحقت بماسبيرو؟
- دخلت عن طريق الإذاعة وكان الجهاز به أساتذة كبار تأثرت بهم جميعا
أمثال المذيعة الجريئة همت مصطفي وتماضر توفيق وصلاح زكي.. وكل واحد من
هؤلاء علمنا شيئاً.
·
هل تغير شكل هذا الجهاز الجبار
منذ نشأته حتي الآن؟
- جهاز جبار طبعاً، وفي هذه الأيام بالذات هو في أوج عظمته وقوته،
وهذا ليس علي مستوي مصر فقط بل علي مستوي العالم الخارجي.. صحيح أحياناً
يُخترق لكنه يظل قوياً.. أيضاً علي مدار تاريخه في كل فترة كان له تأثيره
حسب الاتجاهات.. زمان في بداية التليفزيون كان أمامه مهام كثيرة،هناك ثورة
ولها مبادئ وأهداف، وهناك صراع في المنطقة سياسي واقتصادي فكان الإعلام
يلعب دوراً كبيراً في التأثير في الجماهير وحشدها وراء القيادة السياسية..
·
من هناك جاءت مقولة إن الإعلام
في عهد عبدالناصر كان موجها؟
- طبعاً كان موجهاً لإدارة الصراع بالمنطقة في تلك الفترة. لأنك لازم
تستفيد من قوة الإعلام لأنه لو لم تترجم قوته إلي تنمية وإلي أهداف سامية،
فما فائدته، يبقي إعلام إيه؟ إثارة نتفرج عليه فقط لا غير وخلاص تتحرق
الدنيا كلها! لازم يبقي لك هدف وقيمة وإلا يكون وجودك زي عدمه.
·
هذا يقودنا إلي تقييم التليفزيون
في عهد عبدالناصر والسادات ومبارك.. ما هي أهم الملامح.. وكيفية تعامل
الرؤساء معه؟
- اهتمامهم كان شديداً بهذا الجهاز وكل أجهزة الإعلام.. فبعد حرب
أكتوبر عندما ذهبنا للجبهة مع الرئيس السادات كانت معنا في هذه الجولة
الكاميرات والميكروفونات وهذا راجع طبعاً إلي أن هؤلاء سينقلون للعالم حجم
الانتصار الذي حدث.. ممكن تنتصر ولا تجد القوة التي تظهر هذا الانتصار،
فأنت محتاج أن تظهر وتوصل هذا النصر إلي الأجيال الموجودة واللاحقة وللعام
كله، الشباب الآن لا يري غير صلف إسرائيل ومراوغتها ولم ير ما حدث في
أكتوبر وهو شيء عظيم جداً فلولا الإعلام لما كان هذا التاريخ موجوداً.
·
كيف تم اختيارك لبرنامج عالم
الحيوان؟
- أنا فيه حاجات كتير في حياتي جاءت بالصدفة.. مخترتش أن أقدم عالم
الحيوان بالعكس، عندما سافر الزميل سعيد محمود وكانوا محتاجين مذيعاً يقدم
البرنامج مكانه فجاء مخرج البرنامج إبراهيم عكاشة وقال لي: عايزينك تقدم
البرنامج: فرفضت وقلت له: أنا راجل بتاع سياسة وأخبار واقتصاد، وممكن أرشح
لك زميلاً آخر يقدم البرنامج. فأخبرني أنه منذ فترة وهو يسمع ويتابع عدداً
كبيراً من الزملاء وكان رأيه أنني أفضل واحد. فاتفقت معه علي أن أقدم حلقة
حتي يعثر علي شخص آخر. وقدمت حلقة واثنتين وعشرة وحبيت البرنامج.
·
كيف استقبلت نجاح هذا البرنامج؟
- نجاح هذا البرنامج راجع إلي أنه كان يعتمد علي الصورة وجمالها وعالم
الصراع بين الحيوانات،لكن الأداء أيضا كان له تأثير وعجب الناس.. فالصورة
والأداء كانا جناحي النجاح لهذا البرنامج.
·
هل حدث لك مرة موقف طريف في عالم
الحيوان؟
- البرنامج ده بالذات كنا نشاهده قبل الإذاعة ففرص الخطأ كانت قليلة
جداً أو نادرة.. وخصوصاً أن الناس التي تجيد العربية قليلون.. يعني مرة أنا
غلطت في كلمة في عالم الحيوان وكنت طالع الدور الرابع وقابلت أحد الممثلين
الذين يجيدون العربية فعندما رآني قال لي: أنا عايز أقولك، وقبل أن يكمل
قلت له: أنا عارف ها تقول ايه لأن أنا حسيت بالخطأ.. ها تقول إن أنا أخطأت
في كذا، قالي: مظبوط..
·
بمناسبة الأخطاء.. ما رأيك فيمن
يقدمون نشرات الأخبار بالتليفزيون المصري الآن؟
- رغم أن فيهم مجموعة كويسة من المذيعين فإن فيه كسل أو تسيب أو نسميه
استهتار عند البعض.. اللغة العربية لغة جميلة لو التزمنا بقواعدها، ولغة أي
بلد تحددها لغة المذيعين.. تخيل لو المذيعين عرفوا مسئوليتهم عن اللغة في
مصر كانوا لازم يدققوا في كل كلمة وكل لفظ يقولوه، فأتمني من قراء النشرات
ومقدمي البرامج أن يهتموا باللغة العربية.. الأخطاء أصبحت كثيرة جداً.
·
هل كانت هناك محاسبة علي
الأخطاء؟
- كان فيه متابعة جيدة.. أنا اشتغلت كبير مذيعين في صوت العرب
والتليفزيون فكان عليَّ أن أصوب أولاً بأول، ولو سمعت كلمة خطأ ألفت نظر
المذيع.
·
الآن المتابعة أصبحت قليلة عن
زمان!
- نعم.. المتابعة قليلة جداً ويمكن هذا سبب انتشار الأخطاء.
·
هناك اهتمام ملحوظ منذ فترة في
التليفزيون بنشرات الأخبار والبرامج الحوارية علي مستوي الشكل فهل انعكس
هذا الاهتمام علي المضمون؟
- أكيد.. لازم لو عندك استديو مجهز تجهيز هايل لازم ينعكس علي ما
تقدمه، وهذا واضح في التقارير وعدد المراسلين، وكل ده كويس وممكن
التليفزيون يعمل حاجة.. لكن احنا طموحنا أكثر من الموجود الآن.
·
وزير الإعلام قال إنه سيتم تكوين
لجنة لمراقبة الحياد في التغطية التليفزيونية.. هل تعتقد أن التليفزيون
ممكن يكون محايداً ويعطي مساحات متساوية للمرشحين علي اختلاف انتماءاتهم
السياسية؟
- بداية لا يوجد حياد مطلق، الـ«بي بي سي» ليست محايدة.. كل واحد له
مصالحه وأهدافه.. من ينشأ قناة فضائية خاصة له أهدافه ولا يفعل هذا رفاهية
أكيد له توجهاته.. وبالتالي لن يكون هناك حياد في التغطية الإعلامية
للانتخابات. ممكن في مواقف معينة لكن في المطلق لا أعتقد..
·
بمناسبة الحديث عن الـ«بي بي
سي».. عملت بالإذاعة البريطانية لمدة عام ولم تكرر التجربة، لماذا؟
- أنا أتعرض عليَّ فرص كتيرة في الدول العربية ورفضتها، لكن في فترة
كنت حاسس أن هناك ضغوطاً معينة ومن طبيعتي أن أترك الباب موارباً، بمعني
عندما يعرض عليَّ عمل لا أرفضه من البداية ولكن أقول:خلوني أفكر. وفي
الـ«بي بي سي» كنت مقرراً عدم الاستمرار.
·
قلت ذات مرة إنك لم تستمر في
هيئة الإذاعة البريطانية لأنك رفضت الهجوم علي مصر؟
- نعم أنا أرفض الهجوم علي مصر وفي هذه الفترة (89-90) كان هناك هجوم
علي مصر بسبب حرب الخليج.. لكن هذا لم يكن سبب رجوعي لأنني بمجرد أن قامت
الحرب عدت للتليفزيون المصري، كنت في إجازة والوزير عرف إن أنا موجود فقال
لي تقدر تنزل تقرأ نشرة أخبار النهاردة.
·
التليفزيون أنشأ قطاعاً فضائياً
وقنوات متخصصة ومن قبلها قنوات متخصصة ومع ذلك هناك قنوات عربية متفوقة
عليه مثل الجزيرة؟
- أنا معاك بالنسبة للأخبار الجزيرة متفوقة وداخلة بتقل في الرياضة
جامد جداً. قلنا زمان أثناء وجودنا نركز في حاجة ونضع فيها جهودنا فحدث
عندنا توسع دون إمكانيات فظهرت قنوات عرجاء. الإعلام سلعة مكلفة جداً
ومحتاجة فلوس ومحتاجة عقل، لو لم تكن تمتلك تكلفة السلعة حاول تبعد عن
مجالات المنافسة اللي تكشفك، لازم يكون عندك توجه مثلاً لو إنت عندك قناة
رياضة وبتصرف كتير وأنا عندي قناة عامة وبقدم رياضة المفروض أركز بعيد عنك
وأشوف منطقة تانية لا تنافس فيها قناة بتصرف مئات الملايين..
·
إلي أي مدي أثر هذا في
التليفزيون؟
- تأثير هذه القنوات الخاصة كان تأثيراً جيداً جداً بمعني أنه حرك
الإعلام المصري،لأنه كانت المنافسة بين التليفزيون فقط وبين الجزيرة واحنا
مكناش قادرين تماما علي منافستها. ومع ظهور قنوات دريم والمحور والحياة
اختلف الأمر وأصبح الإعلام المصري له ثقل علي الساحة العربية، ومع ذلك هناك
أمور لا تستطيع القنوات الخاصة أن تقوم بها رغم إمكانياتها، فمثلا قنوات
الجزيرة الرياضية تقف وراءها دولة دخلت ودفعت وكذلك لما اشتروا الأفلام
دفعوا. هناك أمور يجب أن تتدخل الدولة فيها وهذا هو الخطأ الذي وقعنا فيه
وبعنا تراثنا السينمائي، والدولة كانت واقفة تتفرج،لأن القطاع الخاص ميقدرش
يدخل يشتري، كان لازم الدولة تدخل بتقلها.
·
تابعت ما أثير مؤخراً حول
التحقيق في موضوع بيع التراث؟
- طبعاً.. وأنا ضد بيع التراث أيا كان السعر ويجب أن تكون الدولة
شريكاً وتدخل في الموضوع ولا تتركه تحت أي مسمي.
·
يغلب علي التليفزيون ومعظم
القنوات الخاصة أن مستوي البرامج السياسية دون المستوي؟
- هذا حقيقي. وهذا راجع أولاً إلي أن السياسة والأخبار تكلف كثيرا
وعائدها مش مضمون لأن محدش هايعلن في برنامج سياسي. لذلك الإعلان أصبح
المسيطر علي القنوات الأخري، رغم أن أنا ضد هذه الفكرة لأن نتيجتها برامج
هزيلة، أنا أحب أن يجري الإعلان ورائي وليس العكس وهذا يأتي من التجويد.
·
من واقع خبرتك ما الذي ينقص
التليفزيون المصري حتي ينافس القنوات الكبري؟
- حتي تصل إلي درجة محترمة من التأثير يجب أن تغطي أخبار الدول الأخري
وتصل إليها وتنفرد بتغطية أحداث داخل بلادهم كما ينفردون بنقل الأخبارفي
بلدك. لكن للأسف نحن نخضع للتوازنات والإعلام لا يعرف التوازنات. فمثلا لو
حدث شيء في ليبيا أو المغرب أو السعودية لا تستطيع أن تغطي هذا الحدث لأن
دول ها يزعلوا لأن هناك مواءمات وهذا لا يصنع «شغل عالمي» وبعض القنوات
تفقد مصداقيتها بسبب الحسابات وهذا ينطبق علي الجزيرة نفسها.
·
معظم الناس ليست ضد البرامج
الترفيهية في القنوات ولكن الترفيه زاد عن الحد؟
- ولا أنا ضد الترفيه أنا أريد القيام بواجبي وهو:الإعلام والثقافة
والترفيه. إذن الترفيه في المعادلة لكن يجب ألا يكون كل ما أقدمة ترفيهاً.
·
برامج الأكل والفتاوي مثلاً!
- الفتاوي زادت.. ومحتاجة تبقي تحت رعاية قوية، حاجات الدين بالذات لا
يجب أن نستهين بها.
·
هل تقترح أن يتدخل الأزهر أو
مشرف؟
- عندما كنا نتعرض زمان لأمور دينية كنا نرسلها للشئون ولا نذيع أبداً
حتي تتم مراجعتها ويمضي عليها «روجع». دلوقتي كل واحد حافظ آيتين بيطلع
ويقول ومعندوش أي مشكلة.
·
والأزهر اكتفي بدور المتفرج؟
- أنا قدمت برنامجاً دينياً علي قناة «أوربت»، كان أول كلامي معهم:أنا
مذيع وأحب أن أحتفظ بكوني مذيعا ولن أتحول إلي داعية بعد حلقتين تلاتة..
الآن كل واحد بيتكلم ويفتي.
·
منذ فترة ناقش وزراء الإعلام
العرب موضوع فرض عقوبات أمريكية علي القنوات التي تقول إنها متطرفة.. ما
رأيك؟
- رأيي أنه لن ينصلح حال الإعلام الا بوجود نقابات إعلامية وتجمعات
تضع الأسس والقواعد،الدول لا تضع قواعد ولا يجب أن تضع ميثاقاً للشرف
المهني، نحن من نضع هذه المواثيق حتي نقتنع بها،ولابد أن نحافظ علي مساحة
الحرية التي حققناها.
·
فاكر أجرك كان كام في بداية عملك
في التليفزيون؟
- كنت أتقاضي 2 جنيه عن نشرة الأخبار ووصل أجري لحوالي 200 جنيه عام
75.
·
عملت في عهد عدد كبير من وزراء
الإعلام.. ايه أهم الفروق بينهم؟
- الفروق مش كبيرة، يمكن الدكتور عبدالقادر حاتم كان يدير التليفزيون
بشكل مختلف عن الباقين.
الدستور المصرية في
13/07/2010 |