·
لم أكن سعيدة بتقديم برامج الأطفال في البداية لكني اكتشفت بعد ذلك أن
برامج الأطفال يشاهدها كل أفراد العائلة > عندما دخلت مبنى التليفزيون
لأول مرة شعرت بأني دخلت «الجهادية» ولم أكن أجرؤ على الجلوس في حضرة «ليلى
رستم»
تقف الإعلامية نجوي إبراهيم - أو ماما نجوي كما يعرفها جيل طويل عريض
منذ الثمانينيات- في مساحة خاصة بها، إذ إنها صاحبة مجموعة من أهم برامج
الأطفال الناجحة في تاريخ التليفزيون إن لم يكن أهمها علي الإطلاق، مثل
«عصافير الجنة» و«أجمل الزهور» - والأخير استمر لخمس وعشرين سنة متصلة-،
إضافة إلي برنامجها الأشهر «مساء الخير» الذي ظهرت فيه بصحبة العروس «بقلظ»
فصنعا معا أشهر ثنائي في برامج الأطفال، وقد قدمت عبر مسيرتها هذه أكثر من
60 أغنية للأطفال موجودة الآن في «المخازن» علي حد تعبيرها.
ومثلما حققت نجوي إبراهيم نجاحا وتفوقا لافتا في برامج الأطفال، صنعت
نجاحا موازيا مع برامج المسابقات، التي كانت هي من أوائل المذيعات التي
قدمتها في منتصف الستينيات، وحتي أوائل التسعينيات، وجيل الثمانينيات يتذكر
حتما برنامجها الشهير «فكر ثواني واكسب دقايق»، إضافة لنجاحها الإعلامي عبر
شاشات التليفزيون المصري، يسجل باسم نجوي إبراهيم أنها المذيعة الوحيدة في
التليفزيون التي احترفت التمثيل في السينما والتليفزيون بجانب عملها
الأصلي، والبداية كانت علي يد المخرج الكبير «يوسف شاهين» ورائعته فيلم
الأرض، وفي السطور القادمة تحكي نجوي إبراهيم بعضاً من تفاصيل السنوات
التليفزيونية الخمسين الفائتة.
·
كيف دخلت من أبواب ماسبيرو؟
- دخلت الاختبارات التي تم الإعلان عنها سنة 1965 ونجحت في الاختبار
الصعب الذي كان يتضمن أسئلة في المعلومات والثقافة واللغات العربية
والإنجليزية، ثم بدأت العمل عام 1966 مع الأطفال في برنامج «فتافيت السكر»
الذي هو أول برنامج أقدمه للأطفال، لم أكن سعيدة بالعمل مع الأطفال في بادئ
الأمر، لكني اكتشفت بعد ذلك أن برامجي مع الأطفال تجعلني أتعامل مع كل
أفراد العائلة وجميعهم يشاهدونني، بدأت أشعر بالسعادة وفي نفس العام بدأت
في تقديم برامج المسابقات مثل «كلمة السر» و«علي الهوا».. وجميعها كانت
برامج علي الهواء وذلك اختبار صعب طبعاً.
·
وكيف كان التليفزيون في هذه
السنوات.. سنوات الستينيات؟
- عندما دخلت التليفزيون كمذيعة لأول مرة كنت في تانية ثانوي.. كنت
شايفة التليفزيون «لعبة جديدة»، فقررت أني أروح ألعب واشتهر، خاصة وأني من
قبل دخولي التليفزيون كان عندي طموح «إعلامي» في المدرسة، وكنت رئيسة
الإذاعة المدرسية حتي الثانوية، لكن عند دخول مبني التليفزيون لأول مرة
وتعاملي مع الجيل الأول المؤسس له كنت أشعر وكأني دخلت «الجهادية» كأني في
الخدمة العسكرية بالضبط، التزام وانضباط شديدين، واحترام بالغ لكل الكوادر
والمديرين، وهل تتصور أنه كان يمكنني أن أجلس وأمامي الإعلامية الكبيرة
«ليلي رستم» دون أن تقول لي «اتفضلي اقعدي»؟ مستحيل طبعا.، لكني الآن أشعر
وكأني «أثر من الآثار»، أشعر وكأنه لم يعد هناك مهنة اسمها مذيع، وأن
المذيع أصبح شيئاً تراثياً مثل مثل «الطربوش»، وأن التليفزيون أصبح مجمعاً
للمحاكم ممتلئاً بالقضاة ووكلاء النيابة والمحامين، علي أيامنا لم يكن هناك
مذيع يجرؤ أن يقول «رأيي كذا»، كان عندنا حاجة اسمها «الحياد»، المذيع يقدم
ويناقش ويوصل المعلومة لكن لا يقول رأياً، كان دورنا تنويرياً تثقيفياً
ترفيهياً، لكن الآن أي مذيع «ابن إمبارح» أراه علي الشاشة «بيهزأ وزير»،
وما أندهش له كثيرا أن الوزير يتقبل ما يحدث له ويخاطب مذيعة «بنت إمبارح»
قائلا لها «معاليكي».
·
لكن ألا تعتبرين ذلك شكلا من
أشكال التطور في الأداء الإعلامي وزيادة في هامش الحرية؟
- التطور في منظومة الإعلام لا يمكن أن يكون معناه هو أن يصبح المذيع
وكيل نيابة أو محام وقاض، وأن يستضيف شخصا ما ليحاكمه وليصدر حكما في
قضيته، وأن يقول له إنك قتلت أو إنك بريء ، لذلك عندما أشاهد برامج
التليفزيون الآن أشفق علي «الميت والمتهم والبريء»، لأن كلهم يكونوا حاضرين
في حضرة «وكيل نيابة» وليس مذيع.
ما أعرفه هو أن المذيع مكون للرأي العام ولكنه ليس بقاض مثلما أري
الآن، وعليه أتفهم جدا أن يقوم المذيع عبر برنامجه بإطلاق حملة لنظافة
الشوارع أو منع التحدث في الموبايل أثناء القيادة مثلما تفعل الآن أوبرا
وينفري.
·
وما السبب الذي جعل المذيع يتحول
هكذا؟
- لم تعد هناك قواعد محددة لاختيار المذيعين، ومع كثرة عدد القنوات
الفضائية، وإزدياد حاجتها لمذيعين، أصبح هناك مذيعون الآن يفتقدون للحد
الأدني المناسب لقيامهم بدورهم الإعلامي، كما أن دخول الصحفيين في المشهد
وظهورهم كمذيعين، جعل بعضهم يمارس عمله التليفزيوني مثلما يمارس عمله
الصحفي مع أن لكل مجال قواعده الخاصة، وبعضهم يحاول أن يفعل مالا يستطيع أن
يفعله في صحيفته، وأصبح «كله منفسن علي كله».
·
لكن الصحفيين ظهروا كمذيعين في
التليفزيون مبكراً مثل مفيد فوزي وطارق حبيب؟
- عملت مع مفيد فوزي وطارق حبيب لسنوات طويلة، وأقدرهم تماما، لكن
بدايتهم في التليفزيون كانت في الإعداد وليست كمذيعين، كانوا هم المخ ونحن-
المذيعون- العضلات، ولم يظهروا كمذيعين إلا في أوائل الثمانينيات وبعد
سنوات طويلة من العمل كمعدين.
·
كيف تنظرين للتليفزيون المصري
الآن الحكومي تحديداً بعد نصف قرن علي تأسيسه؟
- لايزال للتليفزيون الحكومي تأثير مهم وخطير حتي الآن، خاصة مع بعض
التطوير الذي لحق به، قبل سنوات كنا كلنا نبحث عن نشرة الأخبار في قنوات
أخري، الآن أنا شخصيا أتابع نشرة الأخبار من التليفزيون المصري، لكنه لا
يزال في حاجة إلي التطوير، لأنه لا يمكن للتليفزيون أن يكون مجموعة من
برامج الطبخ والديكور والأخبار فقط، لابد من وجود برامج حوارية بسيطة تقدم
للجمهور معلومات مفيدة، وتساعده في فهم ما هو معقد بالنسبة له، وهو ما
تفعله بنجاح مني الشاذلي في العاشرة مساء، أحس أن صوتها مش عالي وتتعامل مع
رموز المجتمع بتواضع وانضباط.، وهو ما اعتدنا عليه كمذيعين في التليفزيون
أساتذتنا كانوا يقولون لنا إن المذيع يجب أن يكون صوته من الطبقة اللي
«تحت».. وإنه كلما وطيت صوتك كل اللي قدامك اهتموا بما تقول.. لكن من يهتم
بذلك الآن، برامج التليفزيون الآن أشبه بالمولد المتفوق فيه هو صاحب الصوت
الأعلي.
·
هل تعتقدين إذن أن برامج التوك
شو قدمت إفادة للجمهور؟
- التوك شو أصبح الموضة، وأنا أطلق عليه اسم «التوك توك شو»، لأن
التوك قد يقوده طفل لا يزيد عمره علي 12 سنة ولا يعرف شيئاً عن قواعد
القيادة، بعض برامج التوك شو هكذا تماما، المذيع من هؤلاء لأول مرة يظهر
علي شاشة التليفزيون ويتحدث وكأنه مذيع مخضرم ويشخط وينطر في الضيف .. توك
توك شو فعلا!
·
بجانب تفوقك الإعلامي خضت تجربة
شديدة الخصوصية في كونك المذيعة الوحيدة التي جمعت بين العمل في التليفزيون
والمشاركة في بطولة أفلام سينمائية.. كيف حدث ذلك؟
- بعد ظهوري علي شاشة التليفزيون لأول مرة بشهر واحد فقط جاءتني عروض
من المخرجين الكبار مثل عاطف سالم وكمال الشيخ، للعمل معهما في أفلام
يخرجونها، لكنني تحفظت لأني عمري كان صغيرا «18 سنة»، ولم أكن علي استعداد
لخوض التجربة في هذا الوقت المبكر، لكن الأمر اختلف مع يوسف شاهين، الذي
وجدته يوما يطرق باب المنزل، ويقدم نفسه - وكنت أعرفه طبعا- قبل أن يقول في
لهجة حاسمة من المستحيل مقاومتها «أنتي وصيفة»!، يقصد دور وصيفة في فيلم
الأرض، وكان معه رواية الأرض للكاتب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي، وطلب مني
أن أقرأها، وانتهيت منها بالفعل خلال يومين، وانبهرت بأحداثها طبعا، قبل أن
أذهب مع يوسف شاهين إلي عبدالرحمن الشرقاوي في منزله، ليشرح لي أبعاد
الشخصية التي سأجسدها، وكانت البداية.
·
لكن كيف كان يتم اختيارك لأدوار
سينمائية بعد ذلك، خاصة أنك ظهرت في وقت كان فيه نجمتان مثل نجلاء فتحي
وميرفت أمين؟
- لم أضع في اعتباراتي موضوع المنافسة معهن تماما، لأن التمثيل في
السينما لم يكن مهنتي الأساسية، مهنتي كانت ومازالت هي مذيعة، وبالتالي
كانت أمامي مساحات كبيرة من التدقيق في الاختيار، بعد الأرض قررت أن أقوم
بما يمكن أن أسميه «أفلام المناسبات»، فقدمت 12 فيلما مثل «فجر الإسلام»،
و«الرصاصة لاتزال في جيبي» و«حتي آخر العمر» و«المدمن» والعذاب فوق شفاة
تبتسم.. كنت أتعامل مع السينما كرسالة تترك أثرا إيجابيا فيمن يشاهدها،
وهذا جعلني أتعاون مع أهم مخرجين السينما المصرية مثل يوسف شاهين، صلاح أبو
سيف، حسن الإمام، أشرف فهمي، وحسين كمال، وحسام الدين مصطفي، وتعاملت مع
منتج بجمال وإخلاص «رمسيس نجيب» الذي توفي في آخر يوم صورنا فيه فيلم
«الرصاصة لا تزال في جيبي» وكأنه انتهي من تقديم رسالته، وقد رأيته بعيني
كيف كان يكتب مذكرات للجهات المعنية حتي يدعموا الفيلم بطائرات حربية، وكيف
كان يصاحبنا أثناء تصوير الفيلم في الصحراء لمدة امتدت لستة أشهر.
·
ستة أشهر؟ بعض أفلام هذه الأيام
يتم تصويرها في ثلاثة أسابيع؟
- هذا ما حدث، أقل وقت أستغرقه تصوير فيلم شاركت فيه كان أربعة أشهر،
بس واضح أن الأمور اختلفت.. أنا تقريبا ما يتخدش علي كلامي.. مثلما قلت في
السابق عندما دخلت التليفزيون كنت أشعر بأني في مهمة عسكرية الآن الأمر
وكأنهم بيشتغلوا في النادي!
·
هل تفكر نجوي إبراهيم في العودة
مجددا إلي الشاشة كمذيعة؟
- أحضر حاليا لبرنامج «عائلي» علي قناة الحياة، لم نستقر علي التفاصيل
النهائية، ولا تزال تجمعنا جلسات عمل، لكن البرنامج سيغطي الفراغ الحادث في
برامج الأطفال، كنت في «بقلظ» الذي استمر لخمسة وعشرين عاما، أحاول تقديم
قيم مختفلة للأطفال والكبار عن الخير والحب والعدالة والكرامة، الآن لو
طالبنا أحد بإنتاج برنامج للأطفال، سيكون رده «ده برنامج مش هيجيب إعلانات
يبقي أعمله ليه»، الإعلانات مهمة بكل تأكيد، لكن من الظلم أن تكون هي
المقياس الوحيد الذي يحدد أهمية وقيمة البرنامج، وهو الأمر الذي يحدث الآن
في كل القنوات تقريباً.
الدستور المصرية في
13/07/2010 |