حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان الخليج السينمائي الثالث ـ 2010

كناري البحريني..

وجع إنساني بين الحب والأمل

دبي - خالد ربيع السيد

على ذات التيمة التي تناولها المخرج البحريني محمد راشد بوعلي في رصد لحظات الانتظار والترقب وما ينبثق عن تداعيات الأرق الوجداني الناتج عنهما في فيلمه (غياب) وأكملها في فيلم (البشارة) يواصلها الآن في فيلمه الأخير المعنوّن (كناري) الذي عرضه في مهرجان الخليج السينمائي الثالث بدبي، من خلال تأمله لـطائر (كناري) يتنقل بين رجل مسنّ يُدعى «حسين» يكابد الوحدة والانتظار الطويل (الممثل سعد البوعينين)، وبين طفل (عبدالله حافظ) يقوم بسرقة الكناري ليحُضره الى شقيقته «أمينة» الصغيرة العمياء (أنيسة بورشيد)، ربما ليمنحها قدراً من بهجة تبدد بها ظلمة عينيها، ثم انتقاله لشاب أصم (راضي العلي)، الذي يبتاع الكناري من الطفل ويطلقه نحو شُرفة حبيبته المنتظرة (دانة السالم) الشابة التي تخامرها بواعث الألفة والشوق للقيا الحبيب.

في تلك التنقلات يتجسد دور الكناري كمتأمل لمصائر هؤلاء الشخوص، لحيواتهم التائقة إلى حرية أو الى خلاص من هواجس عابرة أو حتى باقية، وهو في إيحاء آخر يشكل رابط تواصل بين ذوات منقطعة ومنعزلة في هدوء، راضية بمقاديرها، لكنها متطلعة نحو واقع آخر، يظهر ذلك جلياً مع الشابة «دانة» والرجل المُسن «حسين»، إذ تعبر حركتهما البطيئة ولغة جسديهما وإشارات عينيهما عن سكينة تعتريها رغبة مكبوتة للانطلاق والتواصل في الحياة.

يظهر الممثل سعد البوعينين في بداية الفيلم بعد إجراء مكالمة وهمية بواسطة هاتف ذي سلك مقطوع، جالساً بقرب الكناري، ساهماً متأملاً في اللاشيء، وكأنه يستمع إلى بقايا صوت ينساب بداخله، صوت آتٍ من ذكريات حميمة جمعته ذات يوم مع رفاقه الذين كان يحدثهم بالهاتف المقطوع.. تطول لحظات شروده بفعل مقصود من المخرج ليخلق حالة استعدادية للانصهار مع روحه ووجدانه ووحدته التي يعاني منها ويحاول مناكفتها بمؤانسة كناري لا يغني، يتخيّل أحاديث مع أصدقاء لا يأتون.. لحظات موغلة في الحساسية الشعرية التأملية، يبدع في أدائها الممثل سعد البوعينين، ويسجلها المخرج بكاميرا ثابتة وساكنة إلا من هسيس النسيم الخفيف المنسرب عبر رفرفة وحركة الكناري في القفص.. الإضاءة وانعكاسات الظلال يوحيان بأن الوقت صباحاً واللحظات تطول لتمنح المشاهد فسحة من التمعّن في جوّانية إنسان وحيد، رجل يعيش بمفرده بلا زوجة ولا أبناء ولا أصدقاء، تماماً كحال الرجال المسنين المتقاعدين عن العمل عندما تزج بهم الأقدار في أركان النسيان، فلا يبقى لهم سوى الشرود والذهول والغوص في مسارب الذاكرة، لكن تلك اللقطة المطولة بكل ما فيها من خبرة التمثيل الإيمائي، ربما استقبلها المشاهد بشيء من الضجر، إذ لا يتوقع لقطة مطولة تقترب من الثلاث دقائق في فيلم قصير لا يتجاوز زمن عرضه ثلاث عشرة دقيقة.

هكذا نشاهد علاقة وديعة بين «حسين» والكناري الصامت، وتعبر قسمات وجهه المتجهم في غير حزن عن فقدان روحي دفين، كذلك ثمة علاقة حب حلمية بين «دانة» و«راضي» من جهة، وبأزهارها التي ترعاها في الشُرفة المطلة على الشارع من جهة أخرى، فيما توحي تعبيرات وجهها الباسم عن فرح خافت أو أمل مرتقب.. وتتجلى وضعيتان متناقضتان بين الرغبة في الكلام إلى حد الثرثرة لحسين، توازيها حالة صمت تام عند دانة وراضي، لتمثل هاتان الوضعيتان مقابلات متضادة تشير بكيفية أو بأخرى إلى التعبير عن جوّانية رجل عجوز وفتاة شابة، خريف العمر الهاجع، وربيع العمر الجميل.. الأول يستعيد الفرح بأحلام يقظة مع أصدقاء غائبين، والثانية تستشرف السعادة مع حبيب منتظر.

بعدما انتقل الكناري الى الطفلة الضريرة «أمينة» تُلِحّ عليه: تكلم.. أحكي، قول سما.. قول غيم.. فيجيب شقيقها عبدالله: «الكناري لا يتكلم إنه يغرد فقط»، جملة مفصلية ترمي برمزيتها الى كينونة الكناري السجين باعتباره معادلاً لكبت الحرية التي ينشدها فيما يجابه أسره في القفص.. ولأن تغريد الكناري، الذي لا يسمعه المشاهد، يحقق المقابلة المعنوية للتوق والرغبة في الخلاص من حالة الانقطاع الاجتماعي والعزلة والحبس التي فرضتها ظروف لا يفصح عنها سرد الفيلم.. هنا تتولد تساؤلات لدى المشاهد عن سبب وحدة الرجل السبعيني، وعن غياب ذوي وأهل الطفل والطفلة، وعن الشاب الأصم والشابة الهائمة.. هؤلاء المنتظرون لتغريد كناري عازف عن الغناء، يتوحد معهم المتفرج في حالة شوق لسماع صوته المحتجز في حنجرته المخنوقة، ليتساوى هذا المتفرج بأولئك المنتظرين الذين يتوقعون حدوث ما لا يجيء.. يترقبون التحرر من مصائرهم المأزومة.

الفيلم دعمه حسن حداد بموسيقى تستشعر هذه الحالة الإنسانية المستقطعة في قصة قصيرة، فتنساب نغمات آلة العود الشرقية في تلوينات تعبيرية ساحرة، مؤكدة شفافية أصيلة يتقصدها الفيلم، مع حرفية مونتاج محمد جاسم وتوخيه احتساب أطوال اللقطات القصيرة والطويلة، لاسيما في المناظر الافتتاحية الخاطفة المليئة بجمالية أخاذة للكناري وأعمدة الكهرباء وأطباق الالتقاط المتناثرة على أسطح البيوت ومنظر الأشجار من زوايا ترصدها الكاميرا باحترافية بالغة، لتتكامل في توليفة المخرج ومساعده محمد الصفار لإخراج فيلم يهمس بتساؤلات وجع الانتظار.

وفي كلٍ تتضافرت اللقطات لإحداث أثر تخيُّلي عند المشاهد، فتعّمد كاتب السيناريو أمين صالح وكاتب القصة المخرج محمد راشد بوعلي، التركيز على فعلية الانتظار وترقب الآتي، ربما كان هذا الآتي شخصاً أو حلماً أو حدثاً متوقعاً، ترصد تكهناته شعرية سينمائية تكاشف الموارب والمؤرِق لدى البشر على اختلاف طبقاتهم المعيشية، لتتجلى في مدنية تتراوح شرائحها بين طبقتين: شعبية (بيت حسين المتواضع وملابسه وهيئته)، ومتوسطة (بيت يفترض أنه لسكان من الطبقة المتوسطة يعيش فيه الطفل عبدالله والطفلة أمينة)، لتأكيد انتمائهما الى طبقة من هذه الشريحة، والبيئة ذاتها للشابة والشاب الحبيبين (عمائر سكنية: شُرفة شقة الشابة وسطح البناية التي يقطنها الشاب).. هذا الانوجاد في طبقات وشرائح شعبية ومتوسطة يومئ إلى شمولية الشاغل الذي تتناوله القصة في الطبقة الأكثر حراكاً في المجتمع، وأيضاً يلفت الى أرق الانتظار الذي يعانيه الكناري (الرمز) من جراء واقعه القاسي.. أشخاص ينتظرون ما يبهج حتى لو كان انتظاراً لتغريد كناري أخرس، لا يغني إلا في آخر مشهد عندما أطلقه راضي جهة حبيبته، فصدح بغناء عذب، وكأن تغريده كان مرهوناً بالحرية والحب معاً.

أوان الكويتية في

20/04/2010

 

)المحنة) رصد لضياعنا وسط زحام الحياة

فراس الشاروط 

يحاول المخرج العراقي الشاب حيدر رشيد أن يطرح في فيلمه (المحنة) معاناة وغربة شاب عراقي يعيش صراع الحياة بين واقعه وذاته... البطل وحيد يتسكع بلا هدف في شوارع لندن، تلك المدينة الغاصة بالنساء والضوضاء وصخب الفرح،

المدينة التي ترفض أن تنام ليلا، يناضل للخروج من عالمه نحو آفاق أرحب، علاقته بصديقته التي يعشقها بصمت منذ أربع سنوات، صديقه الوحيد الذي لم نراه ألا في مشهد عابر واحد (أداه المخرج نفسه)، لا يختلط بالعالم وغير مجامل بالمرة يصعب الحديث معه (كما في حواره مع الشاب الإيطالي)، وحيد ولا يملك حتى هاتفا جوالا يتصل بوالدته من خلال أكشاك الهواتف العمومية،استشهاد والده في العراق وشرائط التسجيل التي بعثها له قبل مقتله التي يحكي فيها عن حبه وعشقه وحنينه لبلده ومدينته حتى عاد ليموت فيه هي العالم الذي يحاول جاهدا اكتشافه فيكتب رواية عن أبيه من خلال استنتاج ما أفرزته حوارات الأشرطة لديه، من ضجره ينام في سيارته دائما تاركا شقته للديدان والأتربة، أنه يدور في حلقة مفرغة وكلما يخطو خطوة يعود دائما وأبدا إلى نقطة البداية. ركز المخرج على المشاهد الطويلة واللقطات الكبيرة حتى أشعرنا حقيقة بالقرف والضجر الذي تحمله الشخصية، فاللقطة الكبيرة هي خير تبرير لعزلة الشخصية وسيكولوجيتها المعقدة وما يعتليها من أحزان ويأس ووحدة عن ما يحيط بها، أللقطة الكبيرة هي فخر السينما كما عبر يوما عنها أحد نقاد السينما.كل شيء متحالف ضده هكذا يشعر فهذه ليست الحياة التي يريد ولم يخترها وعليه أن يواجه لو أراد الاستمرار والوجود. في النهاية يصارح صديقته بحبه الذي يحمله منذ سنوات أربع ورغم ردها السلبي نحوه وكلامها الجارح ألا أنه أحس بأنه أفرغ ما بداخله وعليه مواجهة نفسه الآن فيمزق العقد الذي يروم إبرامه مع دار النشر لنشر روايته عن والده القتيل، ويضع صندوق أشرطة التسجيل الذي رافقه طيلة مسيرته في شوارع لندن تحت مقعد القيادة، لقد أنتهي كل شيء وعليه تقبل الحياة، يفتح باب سيارته ليغيب وسط جموع الناس على أرصفة لندن الباردة الضاجة.فيلم حيدر رشيد الجميل ينتمي إلى روح السينما البريطانية الجديدة في استخدامها عمق المجال واللقطات الكبيرة بل، الكبيرة جدا (big close ) والتركيز على التفاصيل الصغيرة والمشاهد الطويلة، لكن المخرج تعامل بذكاء مع مشاهد حوارية طويلة وبحركات كاميرا أدخلتنا في جو العمل دون رتابة أو ملل( كما في مشاهد المكاشفة مع صديقته) قصة إنسانية ذات سيناريو محكم رغم أجوائه القاتمة والسوداوية، ولابد لنا من أن ننوه بالأداء المتميز للبريطاني أيان أتفليد وزوي رغبي، اللذين كانا متفهمين تماما لعوالم شخصياتهما، الفيلم مستوحى من مسرحية قصيرة للكاتب (براد بويسون) ومهدى إلى روح الشهيد كامل شياع.

المدى العراقية في

21/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)