حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الستون

«الدبّ الذهبي» لـ«عسل» التركي أوغلو.. و«فضي» تضامني مع بولانسكي

الجوائــز تكريــم لمجابهــة القســوة

نديم جرجورة/ برلين

انتهت الدورة الستون لمهرجان برلين السينمائي (برليناله) مساء أمس الأول السبت. أقيم احتفال لائقٌ بمهرجان دولي. أُعلنت النتائج النهائية الخاصّة بالمسابقة الرسمية. عُرض الفيلم الياباني «بخصوص شقيقها» ليوجي يمادا. فرح البعض. انزعج البعض الآخر. الجوائز الممنوحة من قبل مهرجانات عريقة ذات مكانة أساسية في المشهد السينمائي، مهمّة بالنسبة إلى العاملين في صناعة الصورة البصرية. أما المعنيون بالهمّ الإبداعي، فمتعتهم الأولى كامنة في المُشاهدة. في الانفعال والتأثّر والتواصل مع روائع حقيقية. الأيام التسعة التي وسمت الاحتفاء بالعيد الستين لتأسيس الـ«برليناله» حفلت بعناوين لافتة للانتباه، لاشتغال حِرَفي آسر في جعل الصورة المتحرّكة على الشاشة الكبيرة مرآة شفّافة لواقع إنساني، أو لشعور ذاتي، أو لموقف ثقافي. بدا أن المنافسة حادّة، وأن اختيار أفلام من دون غيرها للفوز بهذه الجائزة أو تلك، صعبٌ. النتيجة النهائية كشفت أن جوائز عدّة مُنحت للحساسية الإنسانية البديعة التي شكّلت أحد المحاور الجوهرية لهذا الفيلم أو ذاك؛ أو لإعلان موقف سياسي/ أخلاقي ما. المعنيون بالهمّ السينمائي مكترثون بالأفلام نفسها.

جرائم حرب

غير أن حفلة الختام هذه لم تمرّ من دون إعلان موقف. لجنة التحكيم الخاصّة بالمسابقة الرسمية، التي ترأسها الألماني فارنر هرتزوغ، منحت المخرج رومان بولانسكي جائزة «الدب الفضي» لأفضل مخرج، عن «الكاتب الشبح». المخرج البولندي الفرنسي لا يزال محتجزاً في إقامة جبرية في المنتجع السويسري غشتاد. السلطات السويسرية «نفّذت» أمراً دولياً باعتقاله، بسبب ملاحقته من قبل القضاء الأميركي، على خلفية حادثة الاغتصاب الشهيرة، التي جرت قبل أكثر من ثلاثين عاماً. الجائزة انعكاس لتضامن سينمائي معه. هذا ما ذكرته المجلة السينمائية الأميركية «هوليوود ريبورتر». وهذا ما توقّفت عنده الصحيفة الألمانية «داي فيلت». التضامن أثّر في نفس بولانسكي، الذي نُقل عنه قوله إنه مرتاح ومنشرح لفوزه بالجائزة، وإنه لم يكن سيأتي إلى المهرجان، «لأنه، في المرّة الأخيرة التي لبّى فيها دعوة إلى حضور مهرجان، تمّ اعتقاله»، كما نقل عنه المنتج الفرنسي آلان سارد، في تلميح إلى اعتقاله في سويسرا عند وصوله إليها تلبية لدعوة مهرجان سينمائي أراد تكريمه. موقف سياسي ثقافي؛ أم تعبير عن تضامن؟ لا بأس. «الكاتب الشبح» ليس أفضل أفلام بولانسكي، لكنه فيلم سياسي متوغّل في التورّط البريطاني في الحرب الأميركية على العراق، ومنتقد بقسوة التحالف الأمني/ الاستخباراتي بين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وكاشف ارتكابات قذرة، أسماها الفيلم «جرائم حرب».

بعيداً عن هذا كلّه، يُمكن القول إن الأفلام الفائزة ارتكزت على قدر واف من المعطيات الدرامية والجمالية والفنية، المتمكّنة من إثارة الانفعال وسط أسئلة حياتية متفرّقة. الجائزة الأولى (الدبّ الذهبي) ذهبت إلى الفيلم التركي «عسل» لسميح قبلان أوغلو، المليء بكَمّ هائل من المشاعر واللحظات الطافحة بجمالها الإنساني المفتوح على العلاقات المعلّقة وسط طبيعة خلاّبة. علاقة ابن بأبيه العامل في صناعة العسل. الابن مُصاب بالعزلة. مرتبك في يومياته. متشوّق للبقاء إلى جانب أبيه. لكن القدر لعين. الفيلم شفّاف وحادّ. جمال الطبيعة لا يقلّ حدّة عن قسوتها. القسوة عنوان أساسي للفيلم الروماني «إذا أردتُ أن أصفّر، فسأصفّر» لفلوران ساربان، الفائز بـ«الدب الفضي»، أي بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم. المراهق المسجون منذ أربعة أعوام في الإصلاحية، يستعدّ للعودة إلى منزله. في الأيام الأخيرة، انقلاب الأحداث يدفعه إلى التعبير عن غضبه الدفين بارتكاب المُخَالف لسيرته الهادئة. لم يشأ الانزلاق في المتاهة، لكن المتاهة مفتوحة أمام أمثاله من المعلّقين وسط الانهيارات الجمّة. الجائزة الثانية الممنوحة له حملت اسم مؤسّس المهرجان ألفرد باور. إنها تخليدٌ لذكراه، تُمنح لعمل «ذي ابتكار مميّز». الفيلم مميّز: أداوت التعبير بسيطة. الميزانية متواضعة. الشكل عادي. المضمون عميق. الأداء باهر. المناخ الإنساني حاد. تفاصيل بدت أساسية في قراءة اللحظة المنبثقة من أزمة العيش الدائم على الحافة.

تيراجيما

إلى ذلك، نالت الممثلة اليابانية الشابّة شينوبو تيراجيما (37 عاماً) جائزة الدبّ الفضي في فئة أفضل ممثلة، عن دورها في «كاتربيلار» لكوجي واكاماتسو، الذي استلمها نيابة عنها، لغيابها عن برلين. هنا أيضاً، أرخت القسوة ظلّها على المناخ الدرامي. الحرب وأزماتها. المقاتل عائدٌ إلى امرأته من دون يدين وقدمين. العلاقة تنفتح على جرح المشاعر المأزومة والمصائر المدمِّرة. الحب والعزلة والتقوقع، ثم الانتحار. أجمع نقّاد عديدون على براعة تيراجيما في تأدية دور امرأة منساقة إلى مشاعرها وحاجاتها الانفعالية، ومصطدمة بخبث القدر. لم تكن وحدها أفضل ممثلة. المنافسة حامية. ممثلات أخريات قدّمن أداءً باهراً إزاء موت حبيب أو قريب، أو إزاء صدمة الانقلابات الحياتية، أو إزاء انفلاش الأزمنة على جنون التحوّلات. لكن لجنة التحكيم (التي ضمّت، إلى رئيسها فارنر هيرتزوغ، المخرجة الإيطالية فرانشيسكا كومنتشيني والممثلة الصينية يو نان والمنتج والموزّع الإسباني خوسي ماريا موراليس والممثلة الألمانية كورنيلا فروبوس والممثلة الأميركية رينيه زيلويغر والروائي الصومالي نور الدين فرح) اختارت تيراجيما. تماماً كما اختارت الثنائي غريغوري دوبريجان (23 عاماً) وسيرغي بوسكيباليس (43 عاماً) كأفضل ممثلين، ومنحتهما جائزة «الدب الفضي» في هذه الفئة عن دوريهما في الفيلم الروسي «كيف أنهيت هذا الصيف» لألكسي بوبوغريبسكي. الفيلم مستوحى من يوميات ن. ف. بينيغان المكتوبة في العام 1912، عندما رافق المستكشف القطبي الروسي جيورجي جي. سيدوف. قطب متجمّد ورجلان مقيمان وسط بياض الثلج وغربة الذات والعلاقات الملتبسة. تحدّيات جمّة، واليوم الواحد (زمن الحكاية) أقسى من اختبارات طويلة الأمدّ. الحقل شاسع لتمرين الذات على معاينة الوجع، والخروج منه أو على معاندة الحصار، والتملّص منه. الفيلم نفسه فاز بجــائزة «الدب الفضي» في فئة أفضل تصوير نالــها بافــل كوستوماروف.

أما جائزة «الدب الفضي» في فئة أفضل سيناريو، فكانت من نصيب الفيلم الصيني «منفصلون معاً» لوانغ كانان، كاتب السيناريو أيضاً إلى جانب نا جين. عُرض الفيلم في افتتاح الدورة الستين هذه. غاص في العلاقات المعلّقة بين الناس، على خلفية حرب قديمة وانفصال ومنع. قرار لمّ الشمل أتاح فرصة لقاء. لكنه لقاء مشبع بالعصبية والتوتر، ومفتوح على ذكرى جميلة، ودعوة إلى تجاوز الألم. الحبّ حاضر على الرغم من الحواجز والسنين. لكن القدر، هنا أيضاً، قاس. كأن الجوائز تكريمٌ لمن عاند القسوة، بتصويرها وتشريحها والتوغّل في تعقيداتها.

السفير اللبنانية في

22/02/2010

 

"شهادة"يعكس التمزق الداخلي لأبناء المهاجرين في ألمانيا

الكاتبة: هبة الله إسماعيل – برلين

مراجعة: سمر كرم  

استطاع المخرج الشاب برهان قرباني أن يصبح أصغر مخرج ينافس على الدب الذهبي في الدورة الستين لمهرجان برلين السينمائي، من خلال فيلمه "شهادة" الذي يعكس الصراعات الداخلية لدى الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين في ألمانيا.

يعتبر المخرج الألماني الجنسية الأفغاني الأصول برهان قرباني أصغر مخرج يعرض له فيلم يتنافس على الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي. فيلم "شهادة" لقرباني، الذي تخرج من أكاديمية السينما في ولاية بادن فورتمبرج، يتطرق إلى النزاعات النفسية التي تدور بداخل أولاد المهاجرين المسلمين في ألمانيا.

قرباني أكد في تصريح أمام الصحفيين  أن "شهادة" كان أول تجربة له لإخراج فيلم روائي طويل، إذ أنه كان فيلم تخرجه، لكنه قرر أن يحاول المشاركة به أيضا في مهرجان هذا العام، ونجح في ذلك. المخرج الشاب، الذي يمثل هو أيضاً الجيل الثاني من المهاجرين، يعرض في فيلمه قصص ثلاثة شباب من أصول مهاجرة في ألمانيا وهم إسماعيل، شرطي من أصل تركي وسمير، الشاب النيجيري الذي يعيش مع أمه و أخيرا مريم،  ابنة إمام أحد المساجد التركية.

قصص مختلفة وصراع داخلي متشابه

"لكل شخصية من أبطال الفيلم الثلاثة قصة مختلفة، إلا أن قرباني جعل  من المسجد الذي يخطب فيه والد مريم  ملتقى هذه الشخصيات. فمريم التركية الشابة تعيش حياة غربية تنعم فيها بحرية مطلقة وذلك لاتساع أفق والدها، إمام المسجد، والذي تعيش معه بعد وفاة والدتها. إلا أن مريم تمر بتجربة قاسية،  حيث تقرر إجهاض جنين نتج عن علاقة بينها وبين شاب تركي آخر. ولا تنجح مريم في التغلب على هذه التجربة وتمر بحالة نفسية قاسية وتبدأ في البحث عن الخلاص من خلال التشدد الديني،  الذي لا يعجب حتى والدها، رجل الدين.

أما سمير، الذي يعمل مع والدته في أحد المصانع، فيرتبط بصداقة حميمة مع أحد زملائه الألمان في العمل. وتصل هذه الصداقة إلى مرحلة، تجعل سمير يكتشف أن لديه ميولاً تجاه نفس أبناء جنسه، ليبدأ صراعا نفسيا عنيفا ما بين تعاليم الإسلام التي لا تبيح مثل هذه العلاقات والتي يحترمها، خاصة وأنه متعلق بأمه المتدينة تعلقا شديدا، وبين مشاعره وحبه لصديقه الألماني.

أما إسماعيل فهو شرطي من أصل تركي متزوج من ألمانية ولديه منها طفل، إلا أنه -ومنذ عدة سنوات- كان يطارد إحدى اللاجئات السريات من البوسنة  ليصيبها برصاصة تودي بحياة جنينها. إسماعيل لا ينجح في التغلب على عقدة الذنب التي ترافقه طوال الوقت. و تبدأ هذه الشخصيات الثلاثة في البحث عن مخرج من هذه التجارب النفسية العنيفة عبر البحث عن الذات والأصول والدين، لتحاول كل شخصية معالجة هذه الآلام. 

محاولة لكسر الكليشيهات المنتشرة عن الإسلام  

الفيلم، الذي تدور أحداثه في العاصمة برلين، نال إعجاب النقاد الذين شاهدوه، والذين اعتبروه فيلما يعرض رؤية معاصرة لمشاكل أبناء الجيل الثاني من المهاجرين. كما أن برهان قرباني نجح في إظهار التنوع  الفكري بين المسلمين ليكسر الكليشيهات، التي ترتبط في العقول الغربية بالمسلمين. وربما تكون فكرة الاستعانة بممثل داكن البشرة من إحدى العناصر التي استعان بها قرباني لإظهار هذا التنوع بين المسلمين ليكسر على سيبل المثال كليشيه أن كل مسلم، له ملاح عربية. وربما نبعت هذه الفكرة من تجربة قرباني الشخصية، فملامحه تبدو للوهلة الأولى صينية وكما يذكر قرباني في إحدى أحاديثه أمام الصحفيين أنه كان يجب عليه أن يوضح دائما أنه من أصول أفغانية.

برهان قرباني  من مواليد عام 1980 وجاء والداه من أفغانستان إلى ألمانيا نهاية عام 1979 هروبا من الاتحاد السوفيتي آنذاك في البلاد. وعاش قرباني في عدد من المدن الألمانية نظرا لعمل والده في القواعد العسكرية للجيش الأمريكي في ألمانيا.  و في عام 2000  بدأ قرباني في العمل في مسارح مدينة شتوتجارت  قبل أن يبدأ دراسة السينما عام 2002 في أكاديمية السينما في بادن فورتمبرج. وقام قرباني بإخراج العديد من الأفلام القصيرة. أما فيلم "شهادة" فهو أول فيلم روائي يقوم بإخراجه  وهو يعيش حاليا في حي نويكولن في برلين والذي يتسم بالتنوع الثقافي  الشديد، حيث  تسكنه نسبة عالية من المهاجرين والأجانب من شتى الأصول والجنسيات.

مؤسسة دويشه فيله في

22/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)