حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ملف خاص عن فيلم جيمس كاميرون الجديد "أفاتار"

«جيمس كاميرون».. صانع المستقبل :

كيف تحول «سائق الشاحنة» إلى دجاجة هوليوود التى تبيض ذهباً؟

كتب   إسلام حامد

كان طفلا مختلفا، يقرأ قصص الخيال العلمى والمغامرات فى الغابات والبحار. كان يتابع أمه وهى ترسم، وكل ضربة فرشاة شاهدها حفرت خطاً فى موهبة انتقلت إليه لدرجة الإتقان، لذلك ليس غريبا أن اليد التى رسمت «روز» عارية فى المشهد الشهير فى فيلم «تايتانيك» ١٩٩٧ هى يده، وكل ما فعله أن «عكس» الكادر لأنه «أعسر»، بينما شخصية «جاك» تستعمل اليد اليمنى.

غرام «جيمس فرانسيس كاميرون» بوالده مهندس الكهرباء جعله يراقب الأجهزة الكهربية، ليقع فى غرامها لدرجة أنه كان يفككها إلى أجزاء ليعرف كيف تعمل، وكان يشاركه هذه الهواية أخوه «مايك»، وكانا مشهورين فى القرية الصغيرة فى أونتاريو فى كندا بـ«عالما كابوسكاسينج» لأنهما كانا يستطيعان تحريك أى شىء. وعندما عمل «جيمس» كمخرج مساعد فى فيلم «مجرة الرعب» ١٩٨١، صور مشهدا لشخص يأكل ديداناً كان من المفترض أن تظهر على الشاشة حية تتحرك، وكان ذلك صعبا وقتها، لكن «جيمس» عندما قال: «أكشن» تحركت الديدان فعلا، وعندما قال: «كت» سكنت، فاتجه إليه منتجان حضرا التصوير، وسألاه عن كيفية تحريك الديدان، فقال لهما ببساطة: «ربطت كل الديدان بسلك كهرباء مررته من خلال ذراع الشخصية التى ستأكل، وأحد طرفيه ربطته فيها، فى حين كان الطرف الآخر متصلاً بمصدر كهرباء، وعندما تحركت الذراع، أغلقت الدائرة الكهربية، وتحركت الديدان بفعل سريان التيار الكهربى»، فطلبا منه إخراج فيلم خيال علمى، وكانت هذه الديدان سبب تعرف هوليوود على صانع خدع اسمه «جيمس كاميرون».

كان «جيمس» يعيش فى الأساطير والحكايات خاصة أسطورة »طائر العنقاء«، ويحاول تعديلها ويضيف إليها ويحذف منها، وبعد سنوات أنقذته من الإحباط عندما أرسل فى مهمة لتصوير فيلم سيئ فى روما، أصر منتجه على عدم تعديل السيناريو، وبعد انتهاء التصوير شعر أنه فاشل وحيد، فاستدعى «العنقاء» التى تهب من الرماد مرة أخرى بعد احتراقه، وألبسها «بدلة حديدية» لتولد الشخصية الرئيسية فى فيلم «المدمر» ١٩٨٤ الذى كتبه وأخرجه وحقق نجاحا «أسطوريا» فتح له «مغارة» هوليوود.

فى ليلة من عام ١٩٦٩، ذهب «جيمس» إلى السينما وشاهد فيلم «أوديسا الفضاء:٢٠٠١» ١٩٦٨ إخراج «ستانلى كوبريك» الذى ملك عقله، وعرّفه أن أساطيره مكانها الوحيد شاشة السينما »تعلمت من أفلام ستانلى كوبريك عدم فعل الشىء نفسه مرتين، فقد كان يدهشنى فى كل مرة«، فاشترى كاميرا ١٦ مللى، وبدأ فى تصوير كل ما تقع عليه عيناه من »غرائب« فقط، وتلخصت أحلامه فى سؤال واحد: »كيف ينفذ السينمائيون هذه المؤثرات البصرية والخدع؟«.

فى عام ١٩٧١، تلقى والده »فرانسيس كاميرون« عرضا لتدريس الهندسة فى جامعة كاليفورنيا، ووافق على العرض بهدف زيادة دخل الأسرة التى انتقلت لتعيش على الساحل الغربى الشهير، لكن ارتفاع التكلفة جعله يتنازل عن حلمه بدراسة السينما، فدرس هوايته الثانية «الفيزياء» ثم الأدب الإنجليزى، ثم توقف عن الدراسة وعمل «سائق» شاحنة لمدة ٧ سنوات، حاول خلالها أن يعيش فى الواقع فقط، ويلعب دور مشاهد للأفلام مثل الملايين.

فى عام ١٩٧٧، قرر «جيمس» سائق الشاحنة الذهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم »حرب النجوم« ١٩٧٧ إخراج جورج لوكاس، وبعد انتهاء الفيلم قاد شاحنته إلى أقرب نهر وجلس أمام مياهه حتى الصباح يدخن ويشرب البيرة ويفكر فى التخلص من هذه الحياة «الواقعية» المملة والوظيفة التى تقتل خياله، ومع طلوع الصباح ترك الوظيفة، وذهب إلى أقرب مكتبة رئيسية، حيث قضى فيها ليالى يقرأ كل معلومة عن صناعة السينما.

أى شخص لديه أفكار مختلفة عن أقرانه يُحتفى به، لكن هوليوود لا تعترف بالمجازفة غير المجربة، فقد عانى »جيمس« منذ دق بابها، فبعد أن كان مقتنعا بأنه يملك مفتاحها اكتشف أن شركات الإنتاج فقط هى التى تتحكم فى مرور أى شخص جديد، بل تخضعه لاختبارات قاسية حتى تضع فيه بعض ثقتها، فعمل فى مهن مختلفة فى الصناعة قبل أن يعترف به كمخرج، منها «مصور مؤثرات خاصة»، و«مساعد مخرج» و«مصمم ومنفذ الأجزاء الصغيرة فى الديكورات» من خلال شركة إنتاج صغيرة، وفشل فى تسويق سيناريو كتبه مع صديقه «وليم ويشر»، لكنه لم ييأس، بل وافق على كل وظيفة ترشح لها لدرجة أنه كان يقبل العمل فى ثلاثة أفلام فى وقت واحد ويبدع فيها جميعا، فهو فى العمل يكاد يكون ماكينة لا تتوقف، لكنها ماكينة بشرية، لذلك صعد سلم السينما بسرعة، وكل يوم كان ينال إعجاب أقرانه، وفى الوقت نفسه كرههم له، أقصى ما يتمناه مخرج سينمائى هو دخول التاريخ، لكن «جيمس» لا يتعامل مع الماضى أصلا، ولا يعترف به، فهو صانع تاريخ المستقبل، يكتب السيناريو «المستحيل» من وجهة نظر الإمكانيات الحالية التى لم تكن أبدا فى مستوى تفكيره، فعندما عرض على شركة «فوكس» سيناريو فيلم «أبيس» ١٩٨٩ كان رأيها «لا يمكن تصوير مشاهد لكائنات غريبة فى أعماق المحيط»، لكنه أصر عليها، واستدعى أخاه «مايك»، وصمما سويا معدات تصوير تحت الماء ونالا عنها خمس براءات اختراع، وصور المشاهد التى تعتبر الآن من أصعب المشاهد فى تاريخ السينما، بل اخترع مؤثرات بصرية جديدة منها «مؤثر مورفينج» الذى طوره فى فيلم «المدمر٢» ١٩٩١، وأصبح مؤثراً أساسياً فى أفلام الخيال العلمى. وتكرر الأمر مع فيلم «تايتانيك»، عندما أصر على تصوير حطام السفينة الأصلية دون استخدام غواصة، واعترضت شركة الإنتاج بسبب عدم وجود كاميرا تتحمل ٤٠٠ وحدة ضغط فى قاع المحيط، لكنه طور كاميرا بمعاونة «مايك» وشركة «بانا فيجين» لهذا الغرض، وغطس مع فريق عمل صغير لأيام صور خلالها ساعات طويلة، واستعان من المادة المصورة بـ١٢ دقيقة فقط ظهرت فى الفيلم. وفى عام ١٩٩٤، كتب سيناريو فيلم «أفاتار» ٢٠٠٩، ووضعه فى الدرج لأن «التكنولوجيا لم تصل إلى مستوى تنفيذ هذا السيناريو»، فهو الوحيد الذى يخترع تقنيات لتنفيذ أفكاره، فقد اخترع مع مدير التصوير «فينس بيس» تقنية الـ«هاى ديفينشن» التى غيرت شكل الصورة السينمائية تماما، كما طور كاميرا فوتوجرافيا اسمها «فيوجن كاميرا»، وأسس مع آخرين شركة المؤثرات البصرية الشهيرة «ديجيتال دومين» التى يعمل فيها المئات الآن، «التكنولوجيا فيها دمار العالم وخلاصه، المهم كيف توظفها»، ونال بين السينمائيين لقب «المتكامل»، فى حين يرى أنه يفعل «الصح فقط».

النتائج الجيدة فى العمل يعتبرها »جيمس« فشلاً، فهو لا يتنازل عن النتائج الممتازة وفقا لرؤيته، فهو يحاسب فريق العمل حتى على الأخطاء الصغيرة والتافهة، ووصلت دقته إلى اشتراطه لتنفيذ سيناريو فيلم «تايتانيك» بناء سفينة كاملة بحجم السفينة الأصلية، والتعاقد مع الشركة التى صممت ونفذت ديكورات السفينة الأصلية لتصميم وتنفيذ ديكورات الفيلم، وكاد يلغى مشروع فيلم «أفاتار» فى منتصف التصوير لأن النتائج لم ترضه، ورغم أنه لا يعلن انتهاء تصوير أى فيلم إلا إذا وصل إلى المستوى الذى يريده، فإنه أثناء المونتاج يضع بجانبه «موسى حلاقة» مكتوباً عليه «يُستخدم إذا كان الفيلم سيئا».

أسلوب «جيمس» فى الإخراج يعتبر ثابتا فى خطوطه الرئيسية، مختلفا فى تفاصيله، فأفلامه فيها ما يمكن أن نسميه «أفكاراً ثابتة» مثل مشاهد بحار أو مياه، لقطات مقربة على الأقدام والأحذية، إضاءة الفلورسنت أو الإضاءة البيضاء الضعيفة، مشاهد الفيديو التسجيلية من منظور الكاميرا، تصوير مشاهد الانفجارات فى خلفية أشخاص يهربون منها، مشاهد «الأسانسير» ووجود خطر قريب منه، لقطات مقربة على السيارات والأشخاص فى مشاهد المطاردات والمشاجرات، وعادة يستخدم المونتاج الناعم، ورغم ذلك يستطيع إبهار ومفاجأة المشاهد فى كل مشهد، «أكتب السيناريو وأصوره، ولا أنظر إليه».

«جيمس كاميرون» المولود فى ١٦ أغسطس ١٩٥٦، مخرج وسيناريست ورسام ومنتج ومونتير وصانع أفلام وثائقية ومخترع، فازت أفلامه التسعة (ستة روائية وثلاثة وثائقية بالإضافة إلى ترشيح «أفاتار» لتسع جوائز) بـ١٨ جائزة أوسكار، وأمسك التاريخ من طرفيه: الشهرة التجارية («تايتانيك» حقق ملياراً و٨٣٥ مليون دولار، و«أفاتار» تخطى ٢ مليار دولار حتى الآن، وهما الأعلى إيرادات فى تاريخ السينما)، والقيمة الفنية، وبينهما سماوات من الخيال الجميل والافتراضات المدهشة والاختراعات الفنية، بل صنع مستقبلا جديدا للسينما بتركيبته الفريدة العنيدة والعمل المستمر.. «إذا عدت إلى المنزل بعد يوم تصوير، ووجدت يدىَّ نظيفتين، أعتبره يوماً ضاع من حياتى».

فيلموجرافيا

«أفاتار» (٢٠٠٩): إخراج وتأليف ومونتاج وإنتاج.

«كائنات الأعماق الغريبة» (٢٠٠٥) وثائقى: إخراج وإنتاج.

«أشباح الابيس» (٢٠٠٣) وثائقى: إخراج وإنتاج.

«السرعة: بسمارك» (٢٠٠٢) وثائقى: إخراج وإنتاج.

«تايتانيك» (١٩٩٧): إخراج وتأليف ومونتاج وإنتاج.

«أكاذيب حقيقية» (١٩٩٤): إخراج وتأليف.

«المدمر٢: يوم القيامة» (١٩٩١): إخراج وتأليف وإنتاج.

«الابيس» (١٩٨٩): إخراج وتأليف.

«كائنات غريبة» (١٩٨٦): إخراج وتأليف.

«المدمر» (١٩٨٤): إخراج وتأليف.

كتب شخصيات «المدمر٣» (٢٠٠٣) و«كائنات غريبة٤» (١٩٩٤)، وكتب سيناريو «أيام غريبة» (١٩٩٥) و«رامبو٢» (١٩٨٥).

أنتج «براكين أعماق البحار» (٢٠٠٣) و«سولاريس» (٢٠٠٢) و«أيام غريبة» (١٩٩٥) و«نقطة الكسر» (١٩٩١).

صمم و نفذ المؤثرات البصرية لـ«أبوللو١٣» (١٩٩٥) و«الهروب من نيويورك» (١٩٨١) و«معركة وراء النجوم» ١٩٨٠.

المصري اليوم في

15/02/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)