حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مهرجان دبي السينمائي الدولي السادس

Dubai

2009

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

زنديق ميشيل خليفة وضربة البداية لشوكت أمين كوركي

أفلام روائية تتبارى على جائزة المهر الذهبي

عدنان حسين أحمد

عَرَض مهرجان دبي السينمائي الدولي خلال اليومين الماضيين سبعين فيلمًا روائيًا ووثائقيًا وقصيرًا، ونظرًا لاستحالة التغطية النقدية الشاملة فقد قررنا أن نتوقف عند فيلمين أساسيين لافتين للانتباه وهما "زنديق" لميشيل خليفي و "ضربة البداية" لشوكت أمين كوركي وكلاهما مشترك في مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة. يتناول "زنديق" فكرة الفلسطيني الذي هُجر عام 1948  لكنه قرر العودة الى الوطن لتصوير أحداث النكبة. أما فيلم "ضربة البداية" لشوكت أمين فإنه ترصد إمكانية المصالحة بين قوميات الشعب العراقي وطوائفه المتعددة التي تنشد الحرية والأمان.

دبي:  تتوالى عروض الدورة السادسة لمهرجان دبي السينمائي الدولي التي نواصل تغطية نماذج منتقاة منها لأن العروض اليومية كثيرة جدًا وقد تصل في اليوم الواحد الى خمس وثلاثين عرضًا لا يمكن تغطيتها كلها بأي حالٍ من الأحوال، ولكننا سنتوقف عند بعض الأفلام المشاركة في مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة. ففي يوم الجمعة المصادف 11 ديسمبر تم عرض فيلم  "زنديق" للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي في صالة "First group theatre" الواقعة في سوق المدينة. وقد نال الفيلم استحسان الجمهور والنقاد على حد سواء.

لابد من القول إن "زنديق" هو فيلم إشكالي ومثير للجدل. وربما تتأتى هذه الإشكالية من الأفكار الرئيسة التي إنطوى عليها الفيلم، خصوصًا وأن قصة الفيلم هي من تأليف المخرج نفسه. وهذا يعني أن الرؤية الإخراجية لميشيل قد تجسدت من خلال قصة الفيلم والمعالجة الإخراجية.

إن منْ يعرف ميشيل خليفي الذي سبق له أن أخرج "عرس الجليل"، "نشيد الحجر"، "قصة الجواهر الثلاث" و"الطريق. ." سيدرك حالاً الرؤية الإخراجية لمبدع من هذا الطراز. في فيلم "زنديق" تحديدًا يسعى ميشيل لأن يزاوج بين الذات والموضوع، والواقع والحلم وما الى ذلك من ثنائيات تؤرقه وتشغل باله على الدوام.

تتمحور قصة فيلم "زنديق" على مخرج فلسطيني يدعى "م" كان يعيش في أوروبا مهاجرًا إقتلعه الاحتلال الإسرائيلي وزجّ به في المنافي الأوروبية دون إرادته، لكنه قرر العودة الى رام الله بغية تصوير فيلم تسجيلي يوثق للنكبة من خلال شهود عيان عاشوا تجربة الاحتلال بكل تفاصيلها المؤلمة. أي أن الهدف الأساس لفكرة الفيلم داخل الفيلم هو ملامسة المشاعر والأحاسيس الداخلية للمواطنين الفلسطينيين الذي تعرضوا الى أبشع الفظائع على أيدي الجنود الإسرائيليين. وقد حاول المخرج أن يرصد انعكاسات هذا الاحتلال المروّع على الشخصية الفلسطينية المعاصرة وما تحمله من مخاوف وتوترات وشكوك.

تقع أحداث الفيلم زمنيًا على مدى يوم وليلة واحدة لا غير، ولكنها ليلة مفزعة تسبب له الكثير من المخاوف. وعلى الرغم من أنه لم يقترف إثمًا إلا أنه يتحمل وزر غيره. فقد قام أحد أقاربه بقتل رجل من الناصرة الأمر الذي يضع جميع أفراد العائلة تحت طائلة خطر الانتقام.

لو تتبعنا بعض خيوط الحبكة السردية لهذا الفيلم لوجدناها تمزج بين الأسلوبين الواقعي والفنتازي في آن معًا. فالمخرج "م" حينما يعود الى فلسطين يكشف لنا أول الأمر علاقاته الإشكالية مع النساء، فهو مرتبط بأكثر من امرأة، غير أن هذه الارتباطات تتكشف أمام حبيبته الفلسطينية التي تصفعه غير مرة وتحاول أن تضع حدًا لعلاقتها العاطفية معه.

حينما تقع حادثة القتل يغادر "م" منزله ويظل يدور طوال الليل باحثًا عن غرفة في فندق يقضي فيها ليلته، إذ ظهر عليه التعب والإجهاد. وربما تكمن جوانب كثيرة من أهمية هذا الفيلم وعمق دلالاته من خلال فعل الدوران وكأنه يدور حول نفسه التائهة في بلد تحكمه الفوضى ويقوده الإضطراب.

لا يتوقف الفيلم عند حدود ما تفعله السلطات الإسرائيلية بالمواطن الفلسطيني وإنما ينتقل بنا الى الشقاقات الداخلية بين القوى الفلسطينية نفسها. فحينما يسأل "م" أحد الصبيان الفلسطينيين عن عمل أبيه يرد الصبي:"أبي مسجون عند حماس!".

ينتهي الفيلم نهاية رمزية جميلة فالمخرج "م" يصور العروس التي كانت تمشي على الماء بلقطة رومانسية أخاذة وهي مقبلة صوب الكاميرا. ثم يردفها بلقطة أخيرة وهي مدبرة ترتدي حلة عرسها البيضاء.

بعد عرض الفيلم دار نقاش طويل بين المخرج وجمهور الحاضرين الذين تابعوا الفيلم بأنفاس متقطعة. فالفيلم مثير وشيّق وينطوي على مشاهد مروعة فيها بعض العنف الذي يعتبر أمرًا عاديًا في فيلم فلسطيني. من بين الأسئلة التي طرحها الجمهور سؤال سيدة كان يتلخص بأنها لم تفهم رسالة الفيلم كله. وحينما أسترسلت بالحديث عن شخصي فلسطيني يقرر العودة الى رام الله ليصور فيلمًا وثائقيًا عن النكبة وتأثيرها على الأجيال الفلسطينية اللاحقة أجابها ميشيل بأنه سعيد جدًا لأنها توصلت الى فهم الفيلم بهذه الطريقة. وانه لا يستطيع أن يضيف لها أكثر مما فهمته من الفيلم. وهذا يعني أن رسالته قد وصلت. أما السؤال الثاني فقد تمحور على الدور السلبي للمرأة في هذا الفيلم فقد ظهرت وكأنها وعاءً للشهوة لا غير، فهي تلبي للرجل حاجاته الجنسية العابرة فقط. أما رد خليفي فقد جاء كالآتي:" أردت أن أسلط الضوء على طبيعة الرجل الشرقي العائد من الغرب والذي يرتبط بأكثر من علاقة. وربما تكون علاقة "م" مع الشابة الإسرائيلية هي النموذج الذي أراد تقديمه لنا. فهناك فلسطينيون يرتبطون بمثل هذه العلاقات العابرة. أما المرأة الفلسطينية فقد صفعته ثلاث مرات حينما أيقنت أنه مرتبط بإمرأة أخرى حتى وإن كان هذا الارتباط بحدود العلاقة العابرة التي رأيناها."

ثم تدخل الناقد عرفان رشيد وقدم تأويلاً جميلاً لشخصية "م" ودلالاتها فقد قال بأن "م" قد يعني "محمد" وهو الشخصية الرئيسة في الفيلم، و "ميشيل" وهو مخرج الفيلم، و "مواطن" الذي هو أي مواطن فلسطيني. كما توقف عند حالة دوران البطل في تلك الليلة العصيبة.

توقف الفنان محمد بكري عند سؤال أثارته إحدى السيدات يتمحور أيضًا على رسالة الفيلم، أو ما الذي يريد أن يقوله "م" بوصفه شخصًا فلسطينيا عائدًا من المهجر الى الوطن الأم. قال بكري:" من بين الاشياء التي قلتها وهي كثيرة أنني علّمت هذا الطفل الصغير المطارد على كيفية التصوير بآلة فوتوغرافية. فالكاميرا هي سلاحنا الوحيد لتوثيق المآسي والكواراث التي تحدث لنا بين أوانٍ وآخر". كما أشار الى نقطة حساسة جدًا مفادها أن الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال يُسألون من قبل أبنائهم "لماذا بقينا هنا؟!"، بينما أطفال الضفة وغزة يسألون آبائهم عن سبب رحيلهم!

إن أجمل ما في هذا الفيلم هو لحظات الصمت التي كانت تتخلل أحاديث المخرج "م" فهذه المساحات الفارغة كانت تتيح للمتلقين بالمشاركة الجدية في صناعة الحدث السينمائي، أي أن المتلقي ليس متفرجًا سلبيًا يكتفي بفعل المشاهدة وإنما هو مشارك فعلي في تفاصيل القصة السينمائية.

ضربة البداية

 في يوم 12 ديسمبر تم عرض خمس وثلاثين فيلمًا في مدينة أرينا و"فيرست غروب ثيتر" وصالات مول الامارات الإثني عشر ومن الأفلام اللافتة للانتباه سنتوقف عند فيلم "ضربة البداية" للمخرج الكردي العراقي شوكت أمين كوركي الذي سبق له أن أخرج فيلم "عبور الغبار" ونال عليه عدداً من الجوائز العالمية. كما نال هذا الفيلم الجائزة الكبرى في مهرجان بوسان السينمائي الدولي.

يمكن قراءة هذا الفيلم بطريقة واقعية نقدية، كما يمكن تأويل الفيلم بطريقة رمزية لأن المخرج يدعو للمصالحة الحقيقية بين طوائف قوميات الشعب العراقي وطوائفه وأديانه. وهو يرى أن صناعة السينما لا يمكن أن تزدهر إلا إذا تحقق الجانب الأمني.

تدور أحداث الفيلم في ملعب قديم لكرة القدم في مدينة كركوك المتنازع عليها. فهي مدينة عراقية تضم التركمان والعرب والكرد والكلدوآشوريين وبعض الفئات الأخرى المتحدرة من أصول أرمينية وفارسية وما الى ذلك. يعاني هذا الملعب من الدمار والاهمال ومع ذلك فقد وجدت "300" عائلة في هذا الملعب ضالتها حيث بنوا بيوتهم من الحاويات والصفيح المضلع، وعلى الرغم من بؤس المكان وقتامته إلا أن السلطات الحكومية تحاول ترحيلهم من هذا المكان بحجة تجاوزهم على أملاك الدولة في ظل الظروف الغامضة التي تسود في معظم أرجاء الوطن.

خيط المصالحة يتمثل في شخصية "آسو" الشاب الكردي المثقف الذي يقرأ الكتب الأدبية ويعير الدواوين الشعرية الى  "هيلين"، هذا الاسم الذي له دلالة مسيحية. كما أن "آسو" يؤمن بالقيم النبيلة التي ستغير هذه البلاد المضطربة نحو الأفضل إذا ما تصالح الفئات الأطراف الرئيسة فيه. لذلك يقوم "آسو" بتنظيم مباراة لكرة القدم بين فريقين الأول عربي والثاني كردي وهناك نماذج سمعناها تتحدث باللهجة التركمانية المحلية. لا يقبل الفريقان بتحكيم "آسو" للمباراة كونه شابا كرديا وهناك خشية من تعاطفه مع الفريق الكردي. وصادف أن يكون في الملعب مصورًا أجنبيًا جاء لتغطية وقائع المباراة لتلفزيون محلي في كركوك لم يجد ضيرا في أن يحكِّم المباراة. وما أن تنطلق المباراة بين الطرفين وتستمر لبعض الوقت حتى يقع إنفجار كبير يربك الملعب ويضفي عليه جوًا مأساويًا ليوصل لنا رسالة مفادها أن المباراة لم تنتهِ، وكأنه يريد القول بأن قضية كركوك نفسها لم تنتهَ وإنما ظلت معلقة أو مبتورة من دون علاج.

من الناحية العاطفية تنشأ العلاقة بين آسو وهيلين، لكن هذه العلاقة تظل حبيسة في داخل كل منهما. فحينما تقرر أسرة هيلين الانتقال الى السليمانية يشعر آسو بهلع كبير، كما أن هيلين نفسها تنكسر من الداخل لأنها سوف تبتعد عن الحاضنة الأساسية لمشروع حبها الأول. وكأن المخرج يريد أن يقول بأن القضية لم تصفّى بين الكرد والكلدوآشوريين أيضًا.

ثمة حصان جامح ظهر ثلاث مرات في بداية الفيلم ووسطه ونهايته وكان يحمل معنىً رمزيًا واحدًا هو الأمل، وربما قوة الأمل المتجسدة في الشكل البدني لهذا الجواد الذي يسابق الريح في ملعب كرة القدم. وثمة شخص كان يرتدي ملابس سوداء، ونظارة سوادء ويضحك من أعماق القلب على الفريقين اللذين يلعبان كرة القدم، غير أن الدلالة الرمزية لهذه الضحكات تتجاوز حدود الفريقين الى كل مكونات الشعب العراقي، وهو يمثل الشخصية الطارئة التي وفدت من وراء الحدود. لا يخلو الفيلم من نفس نقدي لاذع فثمة رجل دين كان يمانع عرض مباراة لكرة القدم بين الفريقين الشقيقين العراقي والسعودي، وربما يرفض أية وسيلة بصرية أخرى بحجة أنها محرمة وتتنافى مع التعاليم الاسلامية. كما لاحظنا إحدى الأمهات اللواتي تقرّع بنتيها لأنهما يلعبان الكرة الطائرة في المنزل ويريدان أن يلعبا كرة القدم أيضًا لأنهما شاهدا عبر القنوات الفضائية فتيات يلعبن كرة القدم.

وفي الختام لابد من الاشارة الى النوايا الطيبة للمخرج شوكت أمين كوركي الذي عودنا على الدوام على أفلام سينمائية تنطوي على حب كبير للعراق، بلد القوميات والطوائف المتآخية. إنه فيلم ناجح بالمقاييس الفنية والفكرية بعيدًا عن خطاب الأدلجة الفارغة التي صدعت رؤوسنا على مرّ عقود طويلة من الزمن.

إيلاف في

13/12/2009

 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)