اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

مهرجان دبي السينمائي الدولي الخامس

 

دبــــــي

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

«فتاة فرنسية».. من أفضل الأفلام العربية المعروضة في مهرجان دبي السينمائي

شخصية البطل كانت تتطلب انقلابا سريعا في الموقف والمزاج من وقت لآخر

محمد الظاهري

 
     
  

لم يكن من المستغرب أن ينتهي مهرجان دبي السينمائي ولا تخرج سينما المغرب العربي بشقيها الروائي والوثائقي بصورة براقة وجميلة متقدمة على الجميع كما وكيفا. فمن بين الأفلام الخمسة عشر المشاركة في فرع الأفلام الروائية في مسابقة المهر مثلا كان سبعة منها تنتمي بصورة أو أخرى إلى سينما المغرب العربي. تلك السينما التي دائما ما كانت تثبت أنها ناضجة بذاتها وبطاقمها بغض النظر عن وجود شريك أجنبي للإنتاج أم لا، وبغض النظر أيضا عن كون العديد من نتاجها السنوي لا يزال يناقش ذات القضايا الكلاسيكية في السينما المغاربية من قضايا المهاجرين والبحث عن هوية ثقافتها المحلية التي اختفت بين جنبات بين المظاهر الفرانكفونية في الأجيال التالية، فهي بالرغم من تقليديتها تلك ذلك تعرف كيف تعثر على حكاية جديدة وشخصيات مبتكرة ومواطن حديثه لقضاياها.

من بين ابرز تلك الأفلام التي عرضت في المهرجان والتي تستحق إشادة بذاتها هو الفيلم الأول للمخرجة المغربية سعاد البوحاتي «فتاة فرنسية Francaise» كما مترجم في المهرجان، وإن كانت اعتقد أن الاكتفاء بترجمته إلى «فرنسية» سيكون ذا دلالة أكثر عمقا تتوجه بصورة أدق إلى صفة تلك الهوية والمظهر أكثر من كونها تعريفا لها نظرا لما يناقشه الفيلم في حكاية تلك المراهقة التي تتشدق بكونها فرنسية وإن كان ذات أصول مغربية وتتوق دوما إلى استرجاع فرنسيتها المفقودة. إذاً الفيلم يحكي قصة طفلة مغربية الأصل «صوفيا» تضطر عائلتها بسبب الحالة المادية المتردية إلى العودة بصورة دائمة من مقر إقامتها في فرنسا إلى موطن والديها في المغرب، إلا أن الطفلة قاومت في تلك الأثناء وبصورة عنيفة رغبة والديها بالرحيل إلا انه تم أخذها عنوة إلى هناك. بعد ذلك بعشر سنوات ينتقل الفيلم إلى حيث المقر الجديد.

وهناك وللوهلة الأولى تظهر الطفلة التي أصبحت في سن المراهقة الآن سعيدة وتعمل بشكل دؤوب مع والدها وتواظب على دراستها دون أي اثر لحادثة الرحيل التي حدثت قبل عدة سنوات، وترافقها تلك الصورة لقطات طويلة وواسعة وساحرة لمنطقة الأرياف التي تقطنها العائلة بحشائشها وأشجار الزيتون وبيوتها الشعبية الأنيقة. هذه الصورة المثالية توحي للمشاهد بطمأنينة غادرة إلى وضع العائلة المستقر وتحديدا الفتاة الجميلة. إلا أن الوعي لا ينتظر كثيرا حتى يتدارك أن هذه السعادة الظاهرية للفتاة لم يكن إلا لوعد وعدها والدها بأنه سيمنحها جواز سفرها الفرنسي لتعود إلى حيث كانت إن هي اجتازت الامتحانات المدرسية، وذلك بعد أن ألحت عليه لمدة طويلة في العودة إلى هناك. فلم تكن الفتاة إذا بذلك الرضى الذي نتوهمه. في هذه اللحظة وطوال اللحظات اللاحقة تتكون على الشاشة شخصية مكتملة لهذه الفتاة «الفرنسية» الهوى والشخصية. فعلى الرغم من إتقانها للعربية لا تتنازل لحظة واحدة لإطلاق كلمة واحدة بالعربية. كما أنها تتثاقل القيام بأي عمل منزلي منوط عادة بنساء البيت في الوقت الذي تعمل بنشاط لا مثيل له في الحقل مع أبيها وبقية رجال ضيعتها. وعلى العكس من قريناتها فهي لا تتقرب إلى الشبان بصورة مهينة كما لا تحلم بفارس أحلام مغربي يقودها إلى عش الزوجية، بل لا تجد عائقا يعيقها من إهانة حبيبها والسخرية منه عندما باح لها بحلمه بالزواج منها، فهي «فرنسية»، والفرنسية لا بد أن تعيش. هذا على الأقل ما كان يداعب مخيلتها التي امتزجت فيها ذكريات الطفولة البريئة في فرنسا وقراءاتها الفرنسية اللاحقة والتي كونت صور فضائلية حول ذلك البلد المتقدم. كل ذلك في الوقت الذي تؤكد فيه سعاد البوحاتي في شريطها مرارا ومن خلال العودة المتكررة إلى العائلة على انها تعيش أوضاعا مستقرة وكفافا سعيدا كما أن الفتاة تحظى باهتمام ودلال خاص من عائلتها ووالدها بالذات ومحاطة بمجموعة من الأصدقاء المتميزين. إلا أن كل ذلك لم يفلح في التهوين من رؤيتها المثالية لذلك العالم الذي تتوق له وراء البحر، ولا في التقليل من سخطها على عالمها المحيط بها، وهذا هو في الواقع الحجر الذي ارتكز عليه الفيلم منذ تلك اللحظة وحتى نهايته، فالفيلم يتخذ من سيكولوجية المراهقة بتفرعاتها المعقدة ابتداء من طبيعتها المتمردة، وضبابية منطقها وحدة أفكارها، والتي تجد في المجهول مغامرة لا تخفي وراءها إلا صورا جميلة، بينما لا ترى في واقعها إلا بقع القبح المتناثرة هنا وهناك مستندا لكل تداعياته الدرامية، كل ذلك تمت حكايته بإيقاع كلاسيكي يتصاعد فيه الحدث ويتراكم على أثره التوتر إلى تلك اللحظة التي تفجر كل ما تبقى من ذلك التمرد المكبوت. وأتحدث هنا عن ذلك المشهد الذي واجهت فيه صوفيا صديقتها بكل الم وغضب عليها وعلى عائلتها وعلى مجتمعها كله ثم الهرب خارج مدرستها الداخلية للبحث عن مخرج لذلك، هناك بلغ الفيلم ذروته ولم يكن هناك مبرر لحظي لكل ذلك وهذه أحد الأشياء المهمة التي يشاد بها، فالانفعالات النفسية لا تكاد تجد لها مبررات لحظية إنما هي نتاج تراكمات زمنية تجد في معظم الأحيان لحظة غير مناسبة لتطلق كل ذلك الغضب الكامن. لكن كل ذلك الشغف سيذهب طي الرياح، وستعود العقلانية إلى طبيعتها حينما تتوفر جميع الخيارات لدى صوفيا بعد هذا التوتر، فهذا هو منطق المراهقة المعقد. الممثلة المغربية الشابة حفيصة حرزي التي لقيت شهره سابقة في فلم «أسرار الكسكس» وقدمت في الفيلم العراقي «فجر العالم» الذي عرض في مهرجان دبي دورا رئيسيا هي بلا شك احد أفضل الممثلات المغربيات الصاعدات في الوقت الحالي، وقدمت في هذا العمل احد أجمل أدوارها وأكثرها تعقيدا حيث كانت الشخصية تتطلب انقلابا سريعا في الموقف من وقت لاخر مازجة بين السخرية واللطافة، والهدوء والانفعال، والحب والكره. كنت اكتب هذه المقالة قبل انتهاء المهرجان، إلا أن الفيلم ورغم بساطة موضوعه الذي لا يصل إلى مستويات أممية وقومية كما هي بقية الأفلام إلا انه يبقى احد أفضل الأفلام العربية التي عرضت في مسابقة المهرجان.

M_aldhahri@hotmail.com

الشرق الأوسط في 19 ديسمبر 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)