اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

    حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار   

دراما رمضان ـ 2008

 

رمضان 2008

 

خاص

بـ"سينماتك"

كتبوا في السينما

أخبار ومحطات

سينماتك

ملتيميديا

إبحث

في سينماتك

إحصائيات

استخدام الموقع

 

عاشقة الموت والحياة

عصام زكريا

 
     
  

لم تكن الحياة فى منزل «أسمهان» أقل ضراوة وعنفا من أحداث الحرب العالمية الثانية التى اشتعلت فى العلمين وسوريا والعراق من بين أماكن كثيرة فى العالم. كانت قد تزوجت من المخرج «أحمد بدرخان» عقب فيلم «انتصار الشباب»، ولم تعترف أسرتها بالزواج، زاعمة أنها لا تزال «على ذمة» الأمير «حسن الأطرش»، كان خروجها من منزل العائلة واستقرارها فى شقة مستقلة سببا فى مزيد من المشاجرات مع أخيها «فؤاد»، ولكنها كانت مثل قطار الحرب الدائرة لا يمكن إيقافه.. كانت تسهر وتشرب، وتنفق كل مليم يصل إلى يدها.. هذا الإسراف، وليس أى شىء آخر، سيكون السبب الرئيسى لدمارها كما سنرى. فى هذه الفترة، منتصف عام 1941، بدأ فصل جديد من حياة «أسمهان» هو علاقتها بالمخابرات. فى كتابها «أسرار أسمهان.. المرأة، الحرب، الغناء» تخصص المؤلفة «شريفة زهور» فصلين كاملين للحديث عن هذه المرحلة العاصفة من حياة «أسمهان» والتى انتهت بموتها الغامض عام 1944 وهى لا تزال فى الثانية والثلاثين من عمرها من خلال جمع ما كتب عن «أسمهان» بالعربية، وما ذكر عنها فى مذكرات الضباط والأجانب الذين عاشوا فى المنطقة خلال هذه الفترة، ووثائق المخابرات البريطانية، وشهادات ولقاءات شخصية مع معاصرين لها، تعيد المؤلفة رواية ما حدث وترتيبه وفقا لتاريخين متوازيين : أحداث الحرب، وأحداث حياة «أسمهان» كما رواها المقربون منها، وتلاحظ المؤلفة أكثر من مرة أن أقارب «أسمهان» لا يقولون الحقيقة دائما، وأن لديهم دائما قصصا محرفة أو معدلة لرواية الأحداث، كما تلاحظ أن الصحفيين الذين أرخوا لحياتها، وعلى رأسهم «محمد التابعى» و«فوميل لبيب» لا يهتمان بذكر التواريخ الدقيقة، ولا مصادر معلوماتهم، الشىء المؤكد أنه خلال يوم من أيام شهر مايو 1941 قام ضابط مخابرات بالاتصال بها ولقائها طالبا منها أن تحمل رسالة إلى الدروز فى سوريا. فى 25 من نفس الشهر سافرت أسمهان بعد الانتهاء من بعض الترتيبات. لم تكن مهمة «أسمهان» تتعلق بالتجسس، ولكن مجرد توصيل رسالة.. ليس رسالة بالمعنى الحرفى.. ولكن الأمر كما يلى: فرنسا التى تحتل سوريا كانت منقسمة إلى بلدين، حكومة الفيش الرسمية التى تؤيد النازى، والتى شكلها هتلر بعد احتلال فرنسا، وحكومة فرنسا الحرة التى قادها الزعيم ديجول، والتى كانت تحارب مع الحلفاء ضد ألمانيا. مضمون الرسالة كان موجها من الحلفاء إلى الدروز وتطالبهم بمساندة الحلفاء فى غزوهم لسوريا، وفى المقابل سوف يحصلون على مطالبهم الخاصة بالاستقلال والإدارة الذاتية عقب انتهاء الحرب. ؟ ولكن لماذا «أسمهان» ؟ لأنها ليست مجرد ساعية بريد أو لأنها فنانة معروفة، ولكن لأنها أميرة درزية وزوجة سابقة للأمير «حسن الأطرش». كان الأمير «حسن» لا يزال يحب «أسمهان» ويرغب فى العودة لها، رغم أن الدروز لا يقبلون فكرة أن يتزوج المطلقان مرة أخرى، وكانت «أسمهان» تعرف أن «حسن» سيحاول إعادتها إليه، كما كانت تعلم بخطورة المهمة المقبلة عليها، وقد تعرضت بالفعل لتهديدات ومحاولات قتل بسبب ذلك.. ولكنها قبلت تحت وطأة الظروف العامة والشخصية التى كانت تمر بها، وعلى رأسها حاجتها إلى المال.. رغم أن عائلتها تصر على أن الأسباب كانت وطنية خالصة. على أية حال فقد تمت المهمة بنجاح، وتزوجت «أسمهان» من الأمير «حسن» مرة أخرى، ولكن الخلافات بينهما سرعان ما نشبت بطريقة أسرع وأشرس هذه المرة.. وكان سببها الأساسى حياة الإسراف والبذخ بدون حساب التى انتهجتها «أسمهان»، وقد حاول الاثنان بقدر وسعهما الحصول على المقابل من الحلفاء، سواء كانت سياسية أو مالية، ولكن كالعادة حنث الإنجليز والفرنسيون بكل وعودهم، وهو ما دفع «أسمهان» إلى الحنق والغضب الشديد منهم، وهنا تأتى اللحظة الحاسمة الثانية فى قصة علاقتها بالمخابرات، فقد تلقت دعوة للقاء مع عميل مخابرات ألمانى فى تركيا. ليس معروفا بالضبط سبب هذه الزيارة، وهل كان الهدف منها تسريب معلومات عن الحلفاء إلى خصومهم أم الاتفاق على صفقة جديدة.. المهمة لم تتم فى النهاية لأن الإنجليز أوقفوا القطار المتجه إلى اسطنبول وأنزلوا «أسمهان» منه بالقوة، وأعادوها إلى بيروت. ومرة أخرى بدأت الديون تطارد «أسمهان» خاصة بعد أن رفض الأمير «حسن» الاستجابة لميولها التبذيرية.. وهنا ولدت فكرة عودتها إلى مصر لاستئناف نشاطها الفنى مجددا.. خاصة بعد تلقيها عدة عروض مغرية ومقابل أجر غير مسبوق فى السينما المصرية. لكن العودة إلى مصر لم تكن سهلة هذه المرة.. فقد رفض طلبها بالحصول على تأشيرة دخول.. ربما لأن البريطانيين فقدوا ثقتهم بها بعد حادث الذهاب إلى تركيا، وربما بسبب «فضائحها» التى خاضت فيها الصحف وزواجها الذى لم يتم مع «أحمد بدرخان» أو ربما بسبب كراهية الملكة «نازلى» لها بسبب علاقتها بـ «أحمد حسنين» عشيق الملكة، وتروى المؤلفة بالتفصيل حكاية الغيرة بين المرأتين ورفض «أسمهان» مغادرة جناحها الملكى فى فندق «الملك داود» حتى تقيم فيه «نازلى» ووصيفاتها، رغم أنها لم تكن تملك نفقات الإقامة ورفض زوجها إرسال المبلغ المطلوب. وفى الوقت نفسه تلقت عرضا من استديو مصر بفيلم جديد فوافقت على الفور مقابل إرسال دفعة أولى من أجرها سددتها للفندق! لكن هذه الفترة شهدت أيضا محاولتها الثانية للانتحار، عندما عثرت عليها مشرفة الغرف بفندق «الملك داود» فاقدة للوعى بعد تعاطيها كمية من المخدر، وقد تم إنقاذها واستدعاء زوجها وأخيها فؤاد. ووضع هذا الحادث نهاية زواجها للمرة الثانية من الأمير «حسن»، الذى وصل إلى قمة استيائه من تصرفاتها. بعد طلاقها من «حسن» ركزت «أسمهان» على عودتها إلى مصر، وخلال هذه الفترة كانت «تحية كاريوكا» وزوجها «أحمد سالم» فى زيارة لفندق «الملك داود»، وفى ظروف غريبة جدا، عرضت «أسمهان» على «سالم» أن يتزوجها مقابل حصوله على مبلغ من المال، حتى يمكنها الحصول على تأشيرة دخول مصر والإقامة فيها، وقد وافق «سالم» وقام بتطليق «تحية كاريوكا»، وتزوج «أسمهان» خلال أيام! ولكن هذه القصة لها وجه آخر، وهو أن «أحمد سالم» كان يعشق «أسمهان» منذ تعارفهما خلال تصوير فيلم «انتصار الشباب»، وأن «أسمهان» كانت تشعر نحوه بنوع من الحب أيضا. ورغم زواجها من «أحمد سالم» لم تكن عودتها إلى مصر سهلة، فكان لابد من التوسط لدى البريطانيين، وقد وافقوا بعد تدخلات عديدة.. وعادت «أسمهان» لتشرع على الفور فى تصوير فيلمها الأخير «غرام وانتقام». لم يدم زواج «أسمهان» و«أحمد سالم»، وكاد أن ينتهى بجريمة قتل بعد أن أطلقت عليه الرصاص عقب مشاجرة عنيفة. ولم تكد تفلت من الموت أو السجن عقب هذا الحادث، وقبل أن تنتهى من تصوير «غرام وانتقام» ماتت فى حادث مأساوى غريب تتضارب الأقوال والشائعات حوله. كانت فى زيارة إلى مدينة رأس البر مع صديقة لها هى «مارى قلادة» عندما قام السائق بفتح باب السيارة والقفز منها، تاركا السيارة تسقط فى قناة صغيرة مما أدى إلى غرق الاثنتين. لا يعرف أحد ما حدث على وجه الدقة، ورغم أن المصادر، ومنها كتاب «شريفة زهور» تؤكد أن السائق نجا من الحادث، إلا أنه لا يوجد أى ذكر للقبض عليه أو التحقيق معه فى ملابسات الحادث.. كل ما بقى هو تفسيرات واستنتاجات غامضة : هل كان مجرد حادث غرق ؟ أم جريمة دافعها الغيرة من منافسة لها فى مجال الغناء «أم كلثوم» أو مجال الغرام «نازلى» ؟ أم لعل الجريمة دبرتها المخابرات البريطانية، وربما يكون «أنور السادات» نفسه، عضو الحرس الحديدى، أو لعلها جريمة شرف دبرتها عائلتها الدرزية ؟ ماتت أسمهان وسيظل سرها مجهولا إلى الأبد. الشىء الوحيد المؤكد أنها كانت مستعدة لهذا الموت المفاجئ.. كانت تحلم به وتلعب معه.. وأحيانا تخشاه.. وأحيانا تتمناه.. كانت ابنة موت كما يقول التعبير الدارج، رغم أنها كانت تعشق الحياة.

صباح الخير المصرية في 13 سبتمبر 2008

 
     
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2008)