رغم ارتباط موسم الصيف بأفلام الأكشن التجارية ذات العلاقة الطردية بين
إقبال الجمهور وعدم رضا النقاد عنها، والتي تستحق بذاتها تأملاً لمعرفة سبب
تلك العلاقة بين أغلب ما هو ناجح تجارياً وفاشل نقدياً، إلا إن نماذج من
أفلام الأكشن، تبرز من وقت لآخر محققة المعادلة الصعبة: إجماع الجمهور
والنقاد عليها.
ويتوقع الكثيرون أن عام 2009 سوف يشكل سنة سينمائية متميزة، تزخر بالأعمال
الفنية ذات البصمة المختلفة، وهذا ما قد يتحقق بالفعل، في فيلم «أعداء
الشعب ـ
Public Enemies» للمخرج العبقري مايكل مان، ومقتبس عن كتاب بالاسم نفسه للكاتب بريان
باروه، وكان المشروع في البداية، عبارة عن مسلسل تلفزيوني في حلقات قليلة
يؤرخ للعامين الأولين من حياة مكتب التحقيقات الفيدرالي «أف بي آي».وهما
العامان اللذان شهدا صراع هذا المكتب الدامي والمرير مع عدد من كبار اللصوص
والمجرمين الذين عرفهم التاريخ الأميركي في القرن العشرين، لكن الذي حدث هو
أن الكاتب بريان باروه، بعدما أمضى أعواماً وهو يجمع الوثائق والحكايات
والمعلومات حول بعض أولئك المجرمين ومنهم «جون ديلينجر وبيبي فاس نلسون
وبرتي بوي فلويد».
وجد نفسه يميل أكثر ناحية جعل مشروعه مجرد كتاب تاريخي غير روائي، فتوقف
العمل على المسلسل، ثم تحول المشروع كله إلى هذا الفيلم الذي يحقق الآن
نجاحات كبيرة، ويجمع بين أسلوبي دي بالما وسكورسيزي، ليقدم موضوع مكافحة
الجريمة المنظمة في أميركا الثلاثينات، أي في الزمن الذي جعل فيه الكساد
الاقتصادي والفقر العام، من اللصوص أبطالاً شعبيين، حتى وإن كان الفيلم ـ
وهذا مأخذ بعض النقاد عليه ـ قرر ألا يظهر هذا الجانب من الرواية، جانب
افتتان العامة بكل خارج على القانون، انطلاقاً من إحساس هؤلاء العامة بظلم
اجتماعي لا أثر له في الفيلم، الذي سخر طاقات فنية هائلة لتصوير مطاردة
المجرمين والإيقاع بهم.
المخرج (مايكل مان) يعود بعد انقطاع دام ثلاثة أعوام ليقدم فيلم جريمة
وإثارة، وهو المتميز في هذا الصنف من الأفلام، وهذا الكلام ينطبق بشكل واضح
على مسيرته السينمائية الطويلة التي حقق خلالها مجموعة من العلامات في هذا
المجال، كان أبرزها فيلم «حرارة»
Heat»»، الذي جمع نجمي السينما الأميركية (روبرت دي نيرو) و(آل باتشينو)
في فيلم ظل وسيبقى عالقاً في أذهان محبيهما طويلاً.
وتدور أحداث الفيلم الجديد المبني على قصة حقيقية لمحاولة أجهزة الأمن
الأميركية الإيقاع بالمجرم الشهير (جون ديلينجر) ـ يقوم بأداء دوره جوني
ديب ـ الذي اشتهر بتصدره لموجة من الجريمة اجتاحت الولايات المتحدة أثناء
فترة الكساد الكبير ثلاثينيات القرن الماضي.
بدأ عرض الفيلم في صالات السينما المحلية مساء الأربعاء الماضي، بعد أن حقق
ما يزيد على الأربعين مليون دولار خلال عرضه الأسبوع الماضي عالميا، وقوبل
برضا نقدي جيد وخصوصاً أداء (جوني ديب) الذي وصفه النقاد بالأداء المختلف
عن كافة أداوره السابقة، وبأنه جسد شخصية المجرم الشهير (جون ديلينجر) بشكل
حقيقي للغاية، وحصل في موقع بيانات الأفلام على تقيم 9,7 من عشرة.
ويتناول الفيلم كذلك قصة الصراع بين ديلينجر والمحقق ميلفن بورفيس
(كريستيان بيل) الذي جعل هدفه الأول هو القبض عليه، وتمكن بالفعل من إسقاط
عصابات البنوك واحدة تلو الأخرى، بحيث لم يتبق أمامه سوى المواجهة الفاصلة
مع ديلينجر.
وإضافة إلى كل من ديب وبيل، شاركت في بطولة الفيلم أيضا الممثلة الفرنسية
ماريون كوتيلار الحائزة على أوسكار أفضل ممثلة عام 2008 عن فيلم (الحياة
وردية)، وتلعب دور بيلى محبوبة جون ديلينجر.
تم تصوير الفيلم في عدة مواقع بالولايات المتحدة من بينها ويسكونسن والينوى
حيث حرص طاقم العمل على تصوير المشاهد في أماكنها الحقيقية، كما جاءت (ركورات)
الفيلم من أزياء وسيارات وشوارع ومنازل وإكسسوارات البنادق والمسدسات
وطلقات الرصاص مطابقة تماما لفترة الثلاثينات التي دارت فيها الأحداث،
وكانت صورة فنية حية عن بلاد غاطسة في الكساد الاقتصادي ومليئة بالرجال
السيئين.
ويستعرض العمل من خلال سيناريو الفيلم السريع والمتلاحق.
والذي لا يشعر به المشاهد رغم طول مدته التي تزيد على الساعتين، لشخصية
ديلينجر التي تبدو محبوبة أو طيبة رغم كونه مجرما وقاتلا، ولكنه في الوقت
ذاته يظهر كرجل جذاب للغاية، يعرف تماما كيف يتلاعب بمشاعر الناس ويستغلها،
والأمر الذي يتم إبرازه أيضا هو قصر نظره ديلينجر، حيث إنه لم يخطط أبدا
لما سيفعله في المستقبل وإنما كان هو وأعضاء عصابته (يعيشون اللحظة لا
أكثر).
كان ديلينجر مجرّد شخص متمرّد على التقاليد حين حُكم عليه بالسجن مدة تسع
سنوات في الإصلاحية لمشاركته في عملية سرقة، فخرج من السجن مجرماً خشناً،
وقاد عصابة سطت على عشرات البنوك، وهرب من السجن مرات عدّة، وخاض اشتباكاً
مسلّحاً مع مكتب التحقيق الفيدرالي، وفي النهاية قُتل بالرصاص خارج إحدى
صالات السينما في شيكاغو.
البيان الإماراتية في
26/07/2009 |