تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

في الضفة الغربية.. دور السينما تبحث عن ذاتها مجددا

سليمان بشارات

تتداخل اللوحات في المشهد الثقافي الفلسطيني لترسم أحد متناقضات الواقع الدرامي الغزير بالأفكار.. يتسابق المخرجون والسينمائيون العظام على الاستنباط من هذا المشهد ما يحلو لهم لعرضه على خشبات المسرح العالمي وعلى شاشات السينما وأمام الجماهير الغفيرة، لكن هذا المشهد يكاد يتحول إلى طموح أو أمنية في ذهن الإنسان الفلسطيني صاحب هذا الواقع في أن يرى ذاته على خشبة المسرح الوطني الذي غاب طويلا عنه، حتى أن الجيل الجديد يكاد لا يفرق في المعنى بين ما تعنيه هذه المفردات "دار سينما، مسرح، عمل سينمائي".

الأسبوع الماضي، شكل أحد مؤشرات تغيرات الواقع، فبعد جفاء عاشته مدينة نابلس، كبرى مدن الضفة الغربية، تمكنت إحدى شركات الاستثمار من افتتاح "سينما ستي" لتكون أول دار عرض سينمائي في المدينة بعد 25 عامًا غابت فيه شاشة العرض عن آلاف المواطنين في المدينة التي عرفت بنشاطها الثقافي، وبعراقة واقعها وتاريخها.

وافتتحت "سينما ستي" أول عروضها بفيلمين عربيين هما؛ "الدادة دوي" و"رمضان مبروك أبو العلمين حمودة"، وهما من الإنتاج المصري، وحول ذلك يقول الشكعة: "في المرحلة الأولى سيكون لنا تعاقد مع شركات الإنتاج العربية لتلبية رغبات الجمهور الفلسطيني، وفي المستقبل نتطلع إلى التعاقد مع شركات الإنتاج العالمية والأجنبية".

كثرة الترحاب، وسيل برقيات التبريك والتهنئة التي انهالت على مدير المشروع، "بشير الشكعة"، جعلته لا يصدق نفسه من مدى تعطش الجمهور الفلسطيني لوجود مثل هذا المكان في الحياة اليومية الفلسطينية.

بل أكثر من ذلك، جعلته يستبشر بمستقبل هذا المشروع، برغم ما يمكن أن تصبح عليه الحال الفلسطينية في تركيبتها خلال السنوات القليلة المقبلة، كما هي السنوات الماضية التي عاشتها والتي كانت كفيلة بتغييب هذه الشاشة عن عيون مشاهديها.

ويعبر الشكعة عن ذلك في القول: "إن النمو الفكري للإنسان، يجعله يبحث عن التطور الثقافي الذي أصبح متطلبا وغذاء روحيا له، إضافة إلى توفيره نوعا من الترفيه الذي يفتقد إليه المواطن الفلسطيني في ظل الواقع السياسي الذي يعيشه".

ولا يخفي الشكعة مخاوفه، لكنه يرى في هذا المشروع، محاولة لتشجيع الحياة الثقافية الفلسطينية، وعودة رواد السينما إلى ممارسة حياتهم الثقافية وطموحهم الذي سلبته الأحداث منهم.

وبافتتاح دار عرض "سينما ستي" في نابلس، تصبح الضفة الغربية تضم داري عرض سينما فقط في مدينتي رام الله ونابلس، فيما كانت في الماضي مدينة نابلس لوحدها تضم 3 دور للعرض، إلى جانب دار عرض في مدينة جنين، ورام الله، ومدن أخرى مختلفة.

ضحية الاحتلال

وكما هي باقي مفردات التركيبة الفلسطينية، عاشت دور السينما حالة من عدم الأمان نتيجة سياط الاحتلال وممارساته حتى أصبح كالكابوس يلاحقها في كل ظهور لها.

محمود فطافطة، الباحث في الشأن الثقافي الفلسطيني، لا يتردد في توجيه الاتهام المباشر إلى الاحتلال الإسرائيلي لمحاولة "تغيير الواقع الثقافي الفلسطيني، ومحاولة إذابته في الحياة السياسية".

والهدف من ذلك يرى فطافطة أنه "يسعى إلى سلب المقوم المتوارث من الأجيال من خلال منع الوسائل التي تسهم في تفتيح عقل المواطن؛ وبالتالي الحد من نسبة إدراكه ورؤيته".

يقول فطافطة: "المجتمع الفلسطيني صاحب اهتمام كبير في السينما، بدليل وجود دور عرض السينما منذ الستينيات والسبعينيات وربما قبل ذلك، لكن الاحتلال يحاول في كل مرة أن يفرغ المجتمع من مضمونه الثقافي، بل يسعى أيضا إلى سلب الروحانية الثقافية منه، حتى يبقى كالجماد في تعامله مع الأشياء".

وبسبب الاحتلال وممارساته، عاشت دور السينما الفلسطينية انتكاستين رئيسيتين، الأولى عند انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987، والثانية بانطلاقة الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000.

واتسمت ملامح هاتين الانتكاستين في فرض الاحتلال الإغلاق الشامل والمتواصل على حركة المواطنين الفلسطينيين بين المدن الفلسطينية من جانب، وداخل المدن نفسها من جانب آخر، مما أحدث شللا كبيرا في كل مرافق الحياة.

ويعتبر فطافطة أن هذه الممارسات أوجدت "فراغًا خلال السنوات الماضية بين المواطنين والسينما، دفع الشركات القائمة عليها إلى البحث عن مشاريع أخرى قد تعوض عليهم بعض خسارتهم المادية".

بل يتعدى الأمر أكثر من ذلك؛ إذ يرى فطافطة أن "التركيبة العقلية للمواطن الفلسطيني نتيجة الأحداث السياسية، أصبح تفكيرها محصورًا في الجدل السياسي، وقد لا يسمح لها بالتلذذ بمذاق الثقافة أو مخرجاتها".

ثقافة غائبة

من جانبه يرى الدكتور فريد أبو ضهير، المحاضر في قسم الإعلام بجامعة النجاح الوطنية بنابلس، أن "ثقافة السينما غائبة عن الواقع الفلسطيني نتيجة لعوامل متعددة، ليس أقلها الاحتلال والأجواء الكئيبة التي يلقيها على الحياة الفلسطينية".

ويعبر أبو ضهير عن ذلك بالقول: "شاشة السينما دخلت في فترة معينة غرفة الإنعاش، وفي غيبوبة غطت فيها لسنوات ليست بالقليلة، وقد تحتاج إلى جهد كبير وفترة مناسبة لإعادتها إلى الحياة".

لكنه يرى أن هناك "استعدادًا لدى المواطن الفلسطيني لتقبل السينما، ولكن مرة أخرى، فإن المناخ السائد غير مناسب، والتربة غير صالحة في الوقت الراهن، والأمر بحاجة إلى جهد ووقت وعمل دءوب لإزالة الأسباب".

ويعتبر أن العلاج في ذلك هو "تشجيع الناس على التفاعل من حيث المبدأ مع العروض السينمائية، ولكن الأهم هو البدء في عمل منظم لتحليل هذه الظاهرة، ووضع الحلول المناسبة، والتنسيق بين الجهات المختلفة".

ولا يستبعد أبو ضهير "الوضع السياسي والأمني، وكذلك الاقتصادي، وانعكاساته على الأوضاع الثقافية"؛ لذلك فإنه يرى أن عودة فاعلية دور السينما بحاجة إلى أكثر من مجرد عرض أفلام في المناطق المختلفة من فلسطين، بل يحتاج إلى معالجات لثقافة المواطن وتعامله مع كل وسائل الإعلام الأخرى، ودورها في حياته اليومية.

نقطة تحدٍّ

أمجد بطة، المدير المالي والتنفيذي لـ"سينما تك القصبة" في مدينة رام الله، يرى أن أحد أسباب نجاح البقاء على ديمومة عمل دور العرض السينمائية هو "وجود إصرار لدى القائمين عليها".

ولا يتردد في وصف الجهود التي تبذل لنجاح هذا المشروع على أنه "نقطة تحدٍّ للقائمين عليه".

ويحاول البطة، تفكيك الصعوبات التي تواجه دور عرض السينما في فلسطين بالقول: "انقطاع الناس عن السينما في فلسطين بسبب الواقع المفروض عليهم يجعل إعادتهم إلى هذا الجو تحتاج إلى جهد كبير".

ويوضح أن "وجود نشاط إعلامي إلى جانب استمرارية العروض، من شأنه أن يخلق جمهورا يرتاد السينما بشكل مستمر بالمستقبل".

ولا تقتصر العقبات على ذلك، كما يقول البطة، فالمنتجون والموزعون للأعمال السينمائية، لم تكن لديهم الثقة الكاملة في نجاح التسويق داخل الأراضي الفلسطينية، وهو ما لم يكن مشجعا لهم في توفير العروض الحديثة التي كانت تعتبر نوعا من المغامرة في سوق غير مضمونة.

ويرى البطة أن نجاح مشروع دور العرض السينمائية يكون بما تقدمه هذه المشاريع من دعم إلى الإنتاج المحلي، فهناك العديد من الأعمال السينمائية الفلسطينية التي قد تكون بوابة الانطلاق للوصول إلى الجماهير.

وبرغم أن سينما "تك القصبة" انطلقت مع منتصف العام 2000 فما زالت ذات اهتمام لعرض الإنتاج العربي من الأفلام، إلى جانب الإنتاج الفلسطيني، وذلك لأن "الأفلام العالمية لا يمكن المراهنة عليها في الوقت الحالي؛ بسبب ما يحدث من عمليات سرقة لهذه المنتجات عبر شبكة الإنترنت وبيعها بمقابل أثمان ضئيلة على الأسطوانات المدمجة بالأسواق"، حسب قول البطة.

صحفي فلسطيني.

إسلام أنلاين في

29/06/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)