في عام 2003 بدأ المخرج أحمد رشوان رحلة استمرت خمسة أعوام للتحضير لمولوده
السينمائي الأول «بصرة». ومضت تلك الفترة ما بين كتابة
السيناريو واختيار الممثلين
إلى البحث عن منتج متحمس لفكرة السينما المستقلة التي يعلن رشوان انتماءه
اليها.
وفي 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2007 كان
بداية أعقبها 5 أسابيع من العمل ليسافر بعدها
الفيلم إلى تركيا لتحويله من ديجيتال إلى سينما 35 ملم. تبدأ
أحداث «بصرة» - الفائز
بجائزة أفضل تصوير في مهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط وجائزة أحسن
سيناريو في
مسابقة الأفلام العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 2008 وأخيراً
جائزتين
في المهرجان القومي للسينما المصرية الـ 15 هما الجائزة
الثالثة في الإنتاج وجائزة
الإخراج الأول في العمل الأول - تبدأ هذه الأحداث قبل الحرب الأنغلو
أميركية على
العراق بيومين، وتنتهي بعد سقوط بغداد بأيام معدودة، فيرصد الفيلم من خلال
ذلك
يوميات مصور فوتوغرافي مصري. لقد أراد رشوان من «بصرة» وكما هو
واضح إثارة أسئلة
عدة منها: كيف يستطيع مصور مصري تجاوز الثلاثين من عمره أن يتجاوز إحباطاته
ومخاوفه؟ كيف يجد الإجابة عن الأسئلة المصيرية المتعلقة بالحياة والموت
والمنطق وسط
إحساسه بعبث ما يجري حوله؟ هل يستطيع هذا الفنان الشاب أن يظل حياً (يتنفس/
يفكر/
يصور) متجاوزاً الجو العام الخانق؟ أم إنه سيسقط مع تهاوي الأقنعة وسقوط
بغداد؟
حكاية سينمائي مستقل
بعد تخرج رشوان في معهد السينما عام 1994 انخرط في مجال العمل السينمائي
بداية
بالاشتراك في تنظيم المهرجانات السينمائية وتأليف الكتب إلى
إخراج الأفلام
التسجيلية والوثائقية، لكن على رغم ذلك تأخرت تجربته الإخراجية الأولى
لفيلم روائي
طويل فترة طويلة. وهو يقول عن ذلك: «تأخر التجربة او عدمه ليس معياراً على
جودة
الفيلم. قرأت سيناريوات عدة قبل كتابة سيناريو «بصرة» لكنها
للأسف كانت كلها ساذجة
ودون المستوى، لذا رفضتها جميعاً لأنني لا أتعاطى مع الإخراج من منطق
«الغاية تبرر
الوسيلة». أنا أدعي أنني مخرج يحترم مهنته وجمهوره خصوصاً أن هذه المهنة لا
تتسم
بالروتينية أو ترمي إلى تحقيق مكاسب مادية فقط بل إن السينما
تساهم في تشكيل وعي
المتلقي واختياراته. أغلب آراء النقاد وملاحظاتهم حول الفيلم كانت ايجابية
حتى
وجهات النظر المعارضة أبدت تقديراً للمجهود المبذول في الفيلم واستفدت
كثيراً من
ملاحظاتهم».
ويعزو رشوان تغيير اسم الفيلم من «100 في المئة حي» الذي حمله طوال خمس
سنوات
حتى الانتهاء من التصوير، إلى ثقل تدوال الاسم على الألسنة،
فضلاً عن أن اسم «بصرة»
متناغم أكثر مع أحداث الفيلم واسقاطاته. ويختلف رشوان في الرأي مع بعض
النقاد الذين
يرون أن الخط السياسي في الفيلم هو الأضعف في ظل إمكان الاكتفاء بالخط
الاجتماعي
فقط ، ويقول: «لقد أتى شن الحرب على العراق عام 2003 وسقوط
مدينة البصرة العراقية،
مرآة ترى من خلالها شخصيات الفيلم نفسها ومدى تأثير الحرب على حياتها وما
صاحبها من
حال جمود وإحباط و هو أمر له بعد واقعي، لأنه في وقت الحرب على العراق كانت
حياة
المواطن المصري والعربي مرتبطة بالمتابعات الإخبارية اليومية،
حتى إن بعض الأشخاص
تغيبوا عن وظائفهم لمتابعة أحداث الحرب وتطوراتها. ولكن ربما ان هذه الرؤية
لم تصل
للبعض». وحول الاعتماد على ممثلين شباب أغلبهم بعيد عن دائرة النجومية
لتجسيد
الفيلم، يجيب رشوان: « يحسب للسينما المستقلة دورها الكبير في
اكتشاف المواهب
الجديدة فضلا عن أن أفلاماً قديمة عدة اتبعت النهج ذاته كفيلمي «سرقات
صيفية» و «المدينة» ليسرى نصرالله. واعتقد أن اختيار
ممثلي أي فيلم يعتمد على طبيعة الفيلم
إنتاجياً ودرامياً لأن هناك أفلاماً كثيرة كان أبطالها نجوماً
ومع ذلك فشلت بينما
حقق فيلم «أوقات فراغ» الذي كان كل أبطاله من الوجوه الجديدة نجاحاً كبيراً
والعكس
صحيح. إضافة إلى ذلك، هناك ظروف أخرى تتحكم في نجاح الفيلم جماهيرياً وحجم
الإيرادات كتوقيت العرض وعدد دور السينما، وطبيعة الموضوع. ففي
«بصرة»، أجريت
اختبار الأداء (الكاستنغ) للوجوه الجديدة المتقدمة وحتى لباسم سمرة وإياد
نصار على
رغم أنهما ليسا وجوهاً جديدة. لكن الاختيار كان ضرورياً حتى يتم إسناد
الدور للممثل
على أسس سينمائية صحيحة وهو أمر معترف به في كل أنحاء العالم».
ويوضح رشوان أن اختيار مهنة المصور الفوتوغرافي، الدارس للحقوق في فرنسا،
والتي
أسندت إلى باسم سمرة كان لأن هذه المهنة تعبر عن الشريحة
الاجتماعية المتوسطة وفوق
المتوسطة التي يغلب عليهما النزعة الفنية، «فإياد نصار أيضاً يجسد دور مخرج
إعلانات
وفيديو كليب، ونودي السباعي التي تمتهن تصميم الأزياء». ويضيف المخرج: «لا
يوجد
غموض بالمعنى الحرفي للكلمة، لكني أردت أن يشارك الجمهور في
أحداث الفيلم من خلال
توقعه للأحداث والتفكير في مدلولاتها وإثارة أسئلة عدة قي ذهنه. الأفلام
الجيدة
يمكن أن تفسر على أكثر من مستوى وتحمل العديد من الرؤى لكن الجمهور المصري
والعربي
كسول إلى حد ما، فهو يريد قصة كاملة متكاملة فضلاً عن بعض
النقاد يتمتعون برؤية
سينمائية قاصرة وأكبر دليل على ذلك وصفهم أفلام ذات مستوى عالٍ من السوء
والسطحية
بالتحفة الفنية ما يدل على أنهم لم يشاهدوا سينما في حياتهم» هذا الكلام
أجاب به
رشوان عند الاستفسار على السبب وراء ما قيل انه غموض فكرة
فيلمه.
ولا ينفي رشوان تفهمه لمنطق أن السينما فن وتجارة حتى تظل عجلة الإنتاج
مستمرة
لكنه يشدد على ضرورة احترام المخرج لعمله، موضحاً أن لديه
مسؤولية تاريخية حتى لا
توصف أفلامه بعد عشرات السنين بالسطحية والرداءة ووقتها لن يستطيع «التبرؤ
منها أو
نكرانها. ويردف قائلاً: «الفيصل ليس عدد الأفلام التي يخرجها المخرج لأن
المخرج
الكبير شادي عبد السلام أخرج فيلماً واحداً على مدار حياته
الفنية، بينما لدى آخرين
أفلام عدة ولا يتذكرهم أحد. كما يوجد شريحة أخرى لم تخض غير تجربة الأفلام
القصيرة
والتسجيلية ومنهم المخرج سمير عوف ومع ذلك هم على قدر عالٍ من الحرفية
والرقي». ولا
يخفي رشوان تفاؤله بمستقبل أفضل للسينما المستقلة في مصر
والعالم العربي، مشيراً
إلى أن «موضوع السينما المستقلة موضوع نسبي ويقبل عدة تفسيرات، لكني اعتقد
أنها
ستستمر لأسباب عدة منها: أنها قليلة الكلفة وتحترم عقلية المشاهد، ووسيلة
غير
تقليدية لحل العقبات الإنتاجية التي تقف حائلاً أمام الموهوبين
في المجال السينمائي
عبر تنازل بعض صناع العمل عن أجورهم أو التصوير في منزل احد من الأصدقاء
بدلاً من
استئجار شقة بمبلغ ما». ويستطرد رشوان قائلاً: «لقد سهلت التقنيات الحديثة
والـ
HD
الأمر إذ يوجد حالياً معامل في مصر لتحويل الـ
HD
لسينما، فضلا عن نية بعض الدول
الأجنبية عرض الأفلام الـ
HD
من دون تحويلها لسينما بعد تصحيح الألوان. كما يوجد
مخرجون ومصورون يتعاملون مع السينما المستقلة بجدية وشغف مثل المخرج
إبراهيم بطوط
والمخرج أحمد عبدالله والمصورين فيكتور كريدي ومحمود لطفي. في
المقابل لا ينفي
رشوان أن السينما المستقلة خلقت نوعاً من الفوضى إلى حد ما «لأن كل من هب
ودب أضحى
مخرجاً، لكن البقاء للأصلح إذ سيتسلل الملل والضجر بعد فيلم أو اثنين إلى
من لا
يأخذ الأمر على محمل الجد».
ويشير رشوان إلى أن الرقابة أمر خانق للغاية «لأن كل فنان يجب أن يكون لديه
رقابته ورؤيته الشخصية من وحي المجتمع الذي يعيش فيه». ويستطرد
قائلاً: « في الدول
الأوروبية يوجد ما يسمي التصنيف العمري أي أن هذا الفيلم لعمر كذا وهذا
الفيلم لعمر
كذا، لذا لا يمنع فيلم أو تحذف منه مشاهد. التكنولوجيا أضحت أقوى من أي
رقيب
والرقابة باتت موضة قديمة لا تتناسب مع عصرنا. العالم أضحى
قرية صغيرة والجمهور
يمكنه مشاهدة ما يريد على الانترنت». ويوضح رشوان أخيراً أنه حتى الآن لم
يواجه أية
مشاكل مع الرقابة لأنها لم تشاهد الشريط بعد إنما أجيز السيناريو. رشوان
مشغول الآن
بكتابة فيلم جديد اجتماعي إنساني بالاشتراك مع الكاتبة الجديدة
أماني فهمي. كما
يكتب فيلماً آخر مع احتمال إشراك أكثر من كاتب سيناريو معه ومنهم هاني فوزي
واشرف
محمد. ويتطلع رشوان إنجاز مشاريعه الجديدة في أقرب وقت ممكن بعيداً عن
التعثرات
الإنتاجية التي مازالت تواجه السينما المستقلة.
الحياة اللدنية في
05/06/2009 |