الأحداث ليست بعيدة جداً، ربما بعد مشاهدة فيلم
Terminator Salvation «خلاص المبيد»، الذي يعرض حالياً في دور العرض
المحلية، يمكن للآلات أن
تستعد لحربها المقبلة كما فعلت في الأجزاء السابقة، ونحن ننتظرها ودمارها
الذي
سيفني البشرية عن بكرة أبيها، إلى حد يدفع لتوخي الحذر من «المايكروويف»
مثلاً وقد
تصدر عنه في أية لحظة أشعة حارقة تتسرب إلى أجسادنا بدل
الوجبات الغذائية، أو حصول
عصيان لعين من قبل المكنسة الكهربائية أو المكيفات، بحيث تتوقف الأولى عن
الشفط
وتبدأ بالتحول إلى مطلق لعواصف غبارية مما ابتلعته، أو يتبدل مزاج المكيفات
فتصدر
هواء حارقاً بدل البارد.
فيلم «ترمينتر» الجديد مكرس بالمطلق للأكشن، ويمكنك
الشعور وأنت مسترخ على كرسيك الوثير في السينما بأنك في صدد المشاركة فيه
كما لو
أنك أمام لعبة فيديو رقمية، وتقسيم الفيلم إلى مراحل إن نجحت باجتيازها
فإنك ستصل
إلى «سكاي نت» وتدمرها حيث وكر الآلات اللعينة التي قررت
القضاء على الجنس البشري،
لا بل الأمر أسهل بكثير من اللعبة، فأنت كمشاهد متأكد من أن جون كونر
(كريستيان
بيل) سينجح في القضاء على الآلات الشريرة لا محالة، كونه رمز المقاومة
البشرية وآخر
أمل لها ولم يبق على سطحها إلا قلة قليلة، لا بل إن قيادات هذه المقاومة
العالمية
تعيش في غواصة سرعان ما تكتشف ويقضى عليها.
الفيلم مبني أولاً على المؤثرات
البصرية والسمعية، أما قصة الفيلم فإنها تتمثل في لا شيء حقيقة، ماركوس
(سام
وريثنغتون) يبعث من الموت ويعود إلى الحياة، ومن ثم يمضي مع كونر بعض سوء
فهم وصراع
بينهما كون ماركوس نصف انسان ونصف آلة، وليظهر علينا أيضاً
الترمنيتر المتقاعد (ارنولد
شوارزينغر) وقد منح حجماً مضاعفاً، وصولاً إلى نهاية الفيلم المضحكة حقيقة
والتي تعدنا بجزء مقبل لا محالة.
سنقول «حسناً اندهشنا، ماذا بعد» لا قصة
ولا سيناريو ولا مبررات درامية لكل ما نراه، نعود ونؤكد يا له من فيلم مدهش
بصرياً،
ويا لكوكبنا المسكين كيف سيصير عليه بعد 11 سنة فقط، وكلنا استعداد لتلقي
فيلم
يفترض ذلك، ما دامت الحياة نفسها صارت افتراضية، بمعنى أن رهان
الفيلم ليس على ما
يتخطى المشاهد العاشق للسينما، بل المشاهد الذي يمكن وصفه أيضاً بلاعب
ألعاب رقمية
محنك و«السكور» يتكلم، ولعل في هذا ما يشبه الحياة المعاصرة التي تمضي نحو
انعدام
الواقع فيها بحيث يصير فيلم كهذا واقعياً مثلاً، طبعاً مع
التأكيد على أن أغلبية
المنتجات الثقافية الحالية تأتي من الافتراضي، في تخدير لأي حس
واقعي.
«ترمينتر»
مثل أفلام كثيرة توصف بالخيال العلمي خطأ، كونها أولاً
بعيدة عن أية مشاغل مستقبلية بالمعنى العميق للكلمة، ومؤسسة
على أفكار دينية بدل
العلمية، بمعنى أن العنوان نفسه يشير بالفيلم، إلى إنه المخلص، وقد أفنيت
البشرية
على يد الآلات وبفعل القنابل النووية، وبتشبيه ذلك بالقيامة كما يرد مرات
عدة في
الفيلم، ومن ثم النهاية المتمثلة بالتضحية والفداء عبر تقديم
ماركوس قلبه لكونر،
والدموع التي علينا أن نذرفها أمام إيثار كهذا، ووعي مدهش لدى ماركوس الذي
عاش
الحياة مرتين، بينما كونر لم يعشها إلا مرة واحدة.
لن تخرج في النهاية من
الفيلم إلا بالأكشن إلى ما لا نهاية، من الدراجات التي تهبط من قدمي وحش
عملاق، إلى
المركبات الأسطورية، وعدد هائل من الطلقات والقذائف والصواريخ،
وعلى خلفية أراض
جرداء مهجورة ومحروقة، مع خرافة تحذيرية: هذا قريب جداً، فأعدوا العدة
واستعدوا..
الآلات قادمة والويل لمن ليس لديه أحد مثل
كونر.
الإمارات اليوم في
25/05/2009 |