أعترف أن ولعي الشديد برواية “البؤساء” هو ما دفعني لمشاهدة الفيلم
في بادئ الأمر، ولكن بمجرد وصول إيقاع أغنية البداية “انظر لأسفل”
إلى مسامعي علمت أني سأحب هذا الفيلم أكثر من أي تجسيد سينمائي آخر
للرواية.
الفيلم يعد بمثابة خطوة جريئة للغاية من المخرج “توم هوبر”، فبعد
نجاحه في اقتناص جائزة الأوسكار عن عمله السابق “خطاب الملك”، جاء
اختياره لفيلم “البؤساء” المقتبس عن الرواية العالمية للكاتب
“فيكتور هوجو” والتي تم تحويلها بالفعل لعدة أفلام ومسرحيات بلغات
مختلفة. لذا كان السؤال: ما الشيء الجديد الذي يستطيع “هوبر” أن
يقدمه لجمهوره هذه المرة؟
وجاءت الإجابة مبهرة حد قطع الأنفاس، فـ “توم هوبر” اختار أن يجعل
من الرواية الأشد “بؤسًا” عرضًا “غنائيًا” رائعًا، يُشعرك عند
مشاهدته أنك جالس أمام خشبة المسرح تشاهد أحد عروض الأوبرا.
إمعانًا في ذلك لم يتبع “هوبر” ما جرت عليه العادة في تصوير
الأفلام الغنائية من قبل، من أن يقوم الممثلون بتسجيل الأغاني قبل
التصوير بفترة، ومن ثم تركيبها على المشاهد في مرحلة الإنتاج، في
هذا الفيلم -ولأول مرة- اختار المخرج أن يكون الأداء الغنائي
للممثلين بشكل مباشر أثناء التصوير، وذلك عن طريق وضع جهاز دقيق
بآذانهم يقوم بتوصيل عزف بيانو حي ليقوم بتتبع رتم غناء الممثل
ومجاراته في اللحن؛ مما تطلب منه انتقاء ممثلين أصحاب أصوات قوية،
وحملهم على الالتزام بعدم تناول أي كحوليات طوال فترة التصوير
ليتمكنوا من الغناء بشكل يومي أثناء التصوير.
السياق الدرامي للأحداث -لا يختلف كثيرًا عن سابقيه-، يدور حول
السجين “جان فالجان”، الذي زُج به في السجن خمس سنوات من أجل رغيف
خبز، قام بسرقته لينقذ ابن أخته من الموت جوعًا، محاولته للهرب
أثناء قضاء مدة عقوبته زادت عليها 14 سنة أخرى، ليكون المجمل 19
سنة من عمره مقابل رغيف خبز. قضى “جان فالجان” فترة عقوبته ليجد
بعد خروجه بأن سراحه مشروط، وأن بطاقة هويته ما هي إلا بطاقة للحكم
عليه بالنبذ من المجتمع الذي يرفض التعامل مع سجين سابق. استقبله
على غير المعتاد قس في منزله ومنحه الطعام ومكانًا للنوم، فما كان
من “جان فالجان” -الذي ما عاد يعرف الخطأ من الصواب- إلا أن سرق
فضيات المنزل وهرب، لتقوم الشرطة بالقبض عليه وإعادته للقس الذي
يخبرهم أنه هو من أعطاه هذه المقتنيات ويأمرهم بفك وثاقه ليذهب.
كان هذا الموقف بمثابة تحول مصيري في حياة “جان فالجان” الذي قرر
أن ينسى ماضيه ويُقطع بطاقة هويته ويبدأ من الصفر مبتعدًا عن
الحرام ومتقربًا إلى الله الذي أنار بصيرته مرة أخرى بإرسال هذا
القس إلى طريقه ليعيد له إيمانه الذي ظن أنه فقده في السجن، ولكن
هل كان هذا كافيًا للتكفير عن ذنب اقترفه منذ 19 سنة؟ إذا كانت
الإجابة هي (نعم) من وجهة نظرك فبالتأكيد لم تكن كذلك من وجهة نظر
“جافير”.
جافير/الحرب
“جافير” هو الشرطي الذي كان يشرف على “جان” أثناء سجنه، يُنصب
“جافير” نفسه منفذًا للأحكام وحاميًا للقانون، وبالنسبة لـ “جافير”
فالقانون هو عقيدته التي يؤمن بها، ومقدار اتباع الأشخاص للقانون
من عدمه هو الفيصل في حكمه عليهم، فإذا كانت صحيفة الشخص بيضاء فهو
إذًا صالح، أما إذا اتسخت صحيفته -أيًا كانت أسبابه وأعذاره التي
لن تعني له شيئًا- فهو إذًا مذنب ولا يستحق سوى العقاب والنبذ
والمطاردة طوال حياته.
يختار “جافير” منذ مشهد البداية أن يشن “الحرب” على “جان فالجان”،
فبالرغم من مرور ثمانِ سنوات على آخر لقاء جمع بينهما، وبالرغم من
أن الأخير أصبح الآن رجلًا صالحًا وهو عمدة بلدة “مونتريل” ويمتلك
مصنع ملابس تعمل به سيدات البلدة الفقراء؛ إلا أنه مازال مذنبًا من
وجهة نظر “جافير” لخرقه شروط إطلاق السراح.
ربما بدا “جافير” طوال الأحداث متحجر القلب لا تأخذه رأفة بأحد
المخالفين للقانون، مما يضع حوله علامة استفهام، مالذي أوصله إلى
هذا القدر من التعنت مع المذنبين؟ أجاب على السؤال “جافير” نفسه
أثناء إحدى مطارداته مع “جان فالجان” بأنه قد سجن من قبل ومر بنفس
الظروف التي مر بها الأخير، مع الفرق أنه لم يتخذ من ذلك حجة ليعيش
مخالفًا للقانون، بل تعلم الدرس وأصبح من ممثليه.
لمحة إنسانية واحدة أبداها “جافير” قد تظهر أنه ليس عديم الرحمة
بالكامل، عند مروره بجثث شباب الثورة، التي ساعد في إجهاضها،
استوقفته جثة طفل بينهم؛ فجلس بجواره وخلع وسامه من على بدلته
ووضعه على صدر الصبي.
أثناء احتجاز شباب الثورة لـ “جافير” كان “فالجان” هو من حرره.
أخبر “جافير” حينها “فالجان” أن هذا لن يجعله يتوقف عن مطاردته،
ولكن عند لقائهما التالي طلب الأخير منه أن يمنحه فقط ساعتين حتى
يتمكن من إنقاذ “ماريوس” أحد شباب الثورة. تردد “جافير”، لأول مرة،
في اتخاذ إجراء قانوني وشعر أن إنقاذ “جان فالجان” لحياته هو ما
جعله يتراجع عن تنفيذ القانون هذه المرة. وكما أشرت من قبل
فالقانون هو عقيدة “جافير” التي يؤمن بها، وتراجعه هذا عن إلقاء
القبض على “جان فالجان” كان بمثابة زعزعة لإيمانه، هذا التشكك هو
ما جعله يلقي بنفسه في المياه فور تركه لـ “جان فالجان”.
جان فالجان/الأمل
“جان فالجان” هو أكثر شخصية ستمس المُشاهد، فتركيبته تشبهنا
جميعًا، التخبط بين الخير والشر، بين الخطأ والصواب، ارتكاب
الأخطاء، تدارك الأخطاء بأخطاء أكبر، مقاومة النفس الأمارة بالسوء،
محاولة الحصول على فرصة ثانية لإصلاح الأمور، التحجج لتبرير
الأفعال. كل هذه الصفات سنجدها في أنفسنا إذا أمعنا البحث، ولكن ما
يميز “فالجان” عنا جميعًا وعن أبطال الفيلم الآخرين هو “الأمل”؛
فالأمل في الحصول على حريته هو ما دفعه لمحاولة الهرب من السجن،
والأمل كان كل ما يملكه في مواجهة العالم الذي يرفض التعامل مع
سجين أسبق، الأمل الذي منحه له “القس” عندما أخبره أنه سيكون له
شأن عظيم هو ما جعله يستطيع أن يمتلك مصنعًا ويصبح عمدة لـ
“مونتريل”، وهو ما جعله يهرب في كل مرة حاول فيها “جافير” القبض
عليه. في الواقع لقد كاد “فالجان” أن يسلم نفسه إلى “جافير” فور
تعرف الأخير عليه في “مونتريل”، ولم يمنعه حينها سوى وعد قطعه إلى
“فانتين”.
فانتين/الحلم
“فانتين” هي أكثر الشخصيات بؤسًا وأقلهم حظًا، فالفتاة التي تخلى
عنها والد طفلتها لم تجد خيارًا أمامها سوى أن تترك ابنتها مع أسرة
“مستغلة” ليهتموا بها، نظير مبلغ من المال ترسله إليهم كل شهر.
عملت “فانتين” في مصنع “جان فالجان” بـ “مونتريل” وأخفت أمر ابنتها
عن الجميع، الأمر الذي انكشف فيما بعد بسبب تلقيها للعديد من
خطابات الأسرة التي ترعى ابنتها يطلبون فيها المزيد من المال، تسبب
هذا في فصلها من العمل، وبسبب انشغال “جان فالجان”،صاحب المصنع،
حينها بلقاء “جافير”، وجدت “فانتين” نفسها بلا مأوى، والأهم بلا
مال ترسله لتسد جشع عائلة “ثيناردير”.
في البداية: اضطرت “فانتين” أن تبيع شعرها مقابل عشرة فرانكات، ثم
أسنانها الخلفية مقابل 20، وفي نهاية الأمر اضطرت أن تبيع نفسها
مقابل المزيد من الفرنكات حتى تتمكن من سد دين “ثيناردير” وزوجته؛
كي لا يلقوا بطفلتها إلى الشارع.
قتلت الحياة “حلم” فانتين في أن يجتمع شملها بابنتها ثانية، وبات
أقصى أملها أن تحصل على أي أموال لتضمن لابنتها المسكن والطعام.
كاد “جافير” أن يلقي القبض عليها بسبب دعوى كاذبة من رجل كان يحاول
الحصول عليها ضد رغبتها ولم ينقذها منه سوى شهادة العمدة “جان
فالجان” الذي صادف مروره ورؤيته لما حدث. لم تشكر “فانتين” “جان
فالجان”، بل على العكس بصقت في وجهه، فالرجل بالنسبة لها هو السبب
فيما آل إليه حالها بعدما ترك أمر فصلها لمدير مصنعه ولم يتدخل
وقتها.
حاول “فالجان” إصلاح الأمور ووعدها بإحضار ابنتها إليها مهما تكلف
الأمر، ولكن مرض “فانتين” لم يمنحها الوقت كي ترى “كوزيت”.
كوزيت/الحب
“كوزيت” هي امتداد “الحب” بين شخصيات الفيلم، فالطفلة التي ماتت
أمها من أجل أن تضمن نفقات معيشتها؛ ما إن رآها “جان فالجان” حتى
وجد فيها ضالته المنشودة، وأصبح لديه شيء يعيش من أجله، وبات قرار
تسليم نفسه لـ “جافير” أمرًا من الماضي، فالأمر لم يعد يتعلق به
وحده، الآن أصبح لديه “كوزيت” ليعيش من أجلها ومن أجل ضمان
إسعادها.
ضمان إسعادها هو ما جعل “جان فالجان” يتسلل إلى صفوف الثوار
-الخاوية- معرضًا حياته للخطر، فقط كي يحمي “ماريوس” الشاب الذي
جمع الحب بين قلبه وقلب “كوزيت”، وبرغم لقائه بـ “جافير”هناك
وإنقاذه من موت محتوم؛ إلا أن الأخير حاول إلقاء القبض عليه لاحقًا
أثناء حمله لـ “ماريوس” المصاب عبر بالوعات الصرف الصحي بعدما تم
إجهاض الثورة والقضاء على كل من شارك بها.
نجح “فالجان” في إنقاذ حبيب ابنته “كوزيت”، الذي كان غائبًا عن
الوعي ولم يتعرف قط على هوية منقذه وإيصاله إلى منزل جده، وأخبره
“جان فالجان” بحقيقة أنه سجين هارب، وأنه ببقائه معهما سيعرض
سمعتهما للضرر، وهذا شيء لا يستطيع فعله أبدًا بمحبوبته “كوزيت”
لذا كان القرار بالرحيل قبل إقامة الزفاف.
علم “ماريوس” لاحقًا من “ثيناردير” وزوجته، اللذان اقتصر دورهما
طوال الفيلم على محاولات الإيقاع بـ “جان فالجان” بسبب أخذه لـ
“كوزيت” منهما فيما مضى، بأن منقذه كان “فالجان”؛ جعله هذا يخبر
“كوزيت” بسبب رحيل أباها الذي أخفاه عنها من قبل، ليذهبا إليه
فيجداه بانتظار الموت. تأتي “فانتين” لاصطحابه للموت فيذهب معها
تاركًا “كوزيت” بين دموعها. يخرج “جان فالجان” ليجد جميع من سبقوه
إلى الموت القس وشباب الثورة يغنون في مشهد مسرحي أشبه بتلك
المشاهد التي يخرج فيها أبطال العمل لإلقاء التحية على الجمهور.
الفيلم يعد كقطعة فنيه تصل حد الكمال، أتخيل أن انتقاء الممثلين
كان الأصعب في العمل ولكنه بلا شك كان الأفضل، وبالفعل ترشح كل من
“هيو جاكمان” و”آن هاثواي” للأوسكار عن أدائهما لـ “فالجان” و”فانتين”
على التوالي وفازت بها الأخيرة. وبرغم عدم ترشحه؛ إلا أن النجم
“راسل كرو” نجح في رسم خطوط شخصية “جافير” الذي بدا قاسي الملامح
متجهم الوجه بصوته الرخيم وأغنياته المفعمة بالقوة والسُلطة،
وحقيقة الأمر أنه لا يوجد ممثل لم يبهرني بأدائه وصوته مهما بلغ
صغر دوره.
فاز الفيلم أيضًا بجائزة الأوسكار لأفضل مكياج وتصفيفات الشعر ومزج
الأصوات، كما ترشح لجائزة أفضل فيلم. ويعد هذا أول ترشيح لفيلم
غنائي منذ ترشح فيلم “شيكاجو” 2002، كما ترشح أيضًا لجائزة أفضل
أزياء وإنتاج وموسيقى.
الفيلم إنتاج 2012، وتقييمه على موقع
IMDb
العالمي: 7.7
للمزيد يمكن مطالعة صفحة الفيلم على موقع
IMDB
ميرال.. قصة أربع نساء
تسنيم فهيد – التقرير
“ميرال: زهرة حمراء تنبت على جانب الطريق، ربما تكون قد شاهدت
الملايين منها!”.
يبدأ المشهد الأول من فيلم “ميرال”
والمأخوذ عن السيرة الذاتية للصحفية الفلسطينية الإيطالية “رولا
جبريل”، باحتفال عيد الميلاد سنة 1947 في منزل عائلة ثريّة، حيث
شجرة الميلاد وافرة الزينة في المنتصف، وكثير من المدعويين الذين
تجمع بينهم الأرستقراطية ولا تُفرّقهم الديانات المختلفة.
في المشهد التالي، صورة أرشيفية من العام 1948، يعلن فيها مجلس
الشعب إنهاء الانتداب البريطاني وإنشاء دولة إسرائيل ورقص
الإسرائليين في الشوارع واحتفالهم بوضع أيديهم -بمباركة الحكومة
البريطانية- على أرض فلسطين.
للحزن أولادٌ سيكبرون..
للوجعِ الطويلِ أولادٌ سيكبرون
للأرض، للحارات، للأبواب، أولادٌ سيكبرون*
هند الحُسيني
تلتقي هند الحُسيني ابنة العائلة المقدسية الشهيرة، في طريق عودتها
لمنزلها بمجموعة من الأطفال الفلسطنيين الذين نجوا من مذبحة دير
ياسين دون آبائهم وأمهاتهم. تأخدهم “هند” لمنزلها وتُخبر أمها أن
هؤلاء الأطفال سيمكثون لدينا لبرهة من الوقت، لكن البرهة وبسبب
النكبة والمذابح التي جرت على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي والقرى
التي تم محوها، تستمر لسنوات. والأطفال الذين كانوا في البداية 55
طفلًا، ازداد عددهم لـ900 طفل. جاهدت “هند” بمساعدة أمها وبعض
المواطنيين لافتتاح دار الطفل العربي، مدرسة داخلية ونُزل إيواء
لهؤلاء الأطفال اليتامي، الذين تحتاجهم فلسطين.
بعد النكسة، يبدأ التضييق على “هند” في استخراج الأوراق والتصاريح
للسماح لها بإيواء الأطفال وتعليمهم، يحدث ذلك في نفس الوقت الذي
يزداد فيه عدد الأطفال في “دار الطفل العربي” إلى 2000 طفل.
“هند”
التي رفضت أية مساعدات من الحكومات العربية، واعتمدت على مالها
الخاص وإرث عائلتها وبعض التبرعات من المواطنيين الفلسطنيين
والعرب، كانت تسعى لحفظ الهوية الفلسطينية لأطفالها وأن يعرفوا من
أين جاءوا ومن هم.
كافحت “هند” خلال هذه السنوات في إبعاد أبناء الدار عن العراك
السياسي أو العمل النضالي المسلّح، مُكتفية بتربية الأطفال
الفلسطينيين اليتامى وأبناء الشهداء والحفاظ عليهم من أجل يوم
-بعيد أو قريب- تُعلن فيه الدولة الفلسطينية ليُسارعوا لبنائها
والعمل على رفع رايتها.
نادية
“كان يجب عليكِ أن تحميني“. هذا ما صرخت به نادية في وجه أمها حين
حاولت منعها من مغادرة المنزل. غادرت نادية البيت؛ لأن زوج أمها
داوم الاعتداء عليها جنسيًا. تلجأ “نادية” للرقص في ملهى ليلي،
وتبدأ في التعود على شرب الكحوليات. تُدان بلكم امرأة إسرائيلية في
وجهها فيُحكم عليها بالسجن 6 أشهر. تتعرف نادية في السجن على
“فاطمة” المقدسية المحكوم عليها بـ 3 سنوات، وتُعرّفها “فاطمة” على
أمها وأخيها “جمال” أحد حرّاس المسجد الأقصى، وتطلب منهم أن يعتنوا
بها، ليتزوجها “جمال” بعد خروجها من السجن.
لا تستطيع “نادية” التوقف عن شرب الكحول ولا التخلّص من الاكتئاب
والشعور بأنها قذرة، بالرغم من حب “جمال” اللامنتاهي لها وصبره
عليها. لتُنهي حياتها بالغرق في البحر، في تأكيد على شعورها
الداخليّ بأنها متسخة وأنها لا تصلُح لأحد.
فاطمة
والمقصود بها فاطمة البرناوي أول
أسيرة فلسطينية في
السجون الإسرائيلية.
كانت “فاطمة” تعمل كممرضة ورئيسة للممرضات في جناح في مستشفى.
وإبان حرب الستة أيام عام 1967 والمعروفة بالنكسة، مرّضت العديد من
الجنود الفلسطنيين والعرب، حتى أتى جنود من جيش الاحتلال وأخبروهم
أن هؤلاء الجنود أسرى حرب. طلب منها أحد الجنود المصابين أن
تُساعده على الهرب؛ ففكّرت للحظة، هؤلاء الجنود أتوا من الأردن
ليُحاربوا مع الشعب الفلسطيني، إذن أقل ما يُمكن تقديمه لهم هو أن
يُسمح لهم بالعودة للوطن. منحتهم تصاريح للخروج، ففُصلت من عملها.
امتهنت “فاطمة” العمل النضالي والكفاح المسلّح، “كنت أريدهم أن
يُعانوا مثلنا“.
نادية: كيف يمكنك قتل شخص أنتِ لا تعرفينه؟!
فاطمة: الاحتلال العسكريّ هو الوحش الذي يأكل روحك، أنا أراهم
كجنود!
وجدير بالذكر أن “فاطمة” واصلت النضال ضد الاحتلال حتى حُكم عليها
بالسجن المؤبد في أكتوبر عام 1967، ثم خرجت بعد 10 سنوات في نوفمبر
عام 1977 وقبل زيارة “السادات” لإسرائيل، لتُبعد خارج فلسطين
لتواصل النضال ضمن صفوف حركة فتح، لتعود عام 1994 وتؤسس الشرطة
النسائية الفلسطينية.
ميرال شاهين
بعد انتحار “نادية”، يحمل “جمال” “ميرال” لـ دار الطفل العربي،
ويُخبر “هند الحسيني” أنه لا يريد أن تشبّ ابنته كأمها “نادية” أو
عمتها “فاطمة”. تكبُر “ميرال” ما بين المدرسة الداخلية التابعة
لدار الطفل العربي وبين بيت أبيها.
تشترك “ميرال” في النضال الفلسطيني إبان انتفاضة الحجارة عام 1987،
تخرج في المظاهرات وتفقد صديقتها المقربة. تهاجِم “ماما هند” حين
تُخبرها أنها لن تسمح لها بالخروج لهذه المُظاهرات التي قد تتسبب
في إلحاق الأذى بالدار الذي كافحت طوال حياتها من أجل بقائها.
تُعتقل “ميرال” وتُعذّب، ويُفرج عنها بغرامة. ليُبعدها أبوها إلى
يافا. تبدأ أفكار “ميرال” في التغيّر وتتجه أفكارها نحو دولة
مشتركة يعيش فيها الكل بسلام وينطبق على الجميع نفس القانون ويكون
عليهم نفس الواجبات ولهم نفس الحقوق.
ينتهي الفيلم بسفر “ميرال” لمنحة دراسية إلى إيطاليا، ووفاة “ماما
هند” وقت مفاوضات أوسلو التي أقرّت قيام دولتين مستقلتين، الأمر
الذي يُنفّذ إلى اليوم.
تؤكد “رولا جبريل” والمخرج “جوليان شنابيل“ في آخر الفيلم على أنه
مُكرّس من أجل الذين يطمحون ويأملون في العيش في سلام من الجانبين.
الفيلم من إخراج المخرج الأمريكي اليهودي “جوليان شنابيل”، والذي
اعترف بأنه لم يعرف عن القضية الفلسطينية إلا من خلال “رولا
جبريل”، وتم تصويره في أماكن حدوثه الحقيقية، في حيفا ورام الله
والبلد القديمة والقدس ومدرسة دار الطفل العربي.
وبغض النظر عن الرسالة التي يطرحها الفيلم وتبنّيه لفكرة العيش في
سلام مع العدو المحتل واختلافي الشخصي معها، إلا أنه يجب الإشارة
إلى أنه اختصر حقبة مهمة وطويلة من حياة الشعب الفلسطيني، من
الأربعينيات وحتى توقيع اتفاقية أوسلو، كما أنه ضمّ صورًا أرشيفية
لحرب الـ 67 وأحداث الانتفاضة الأولى.
كما يظهر جليًّا للمشاهد حرص كل من “جوليان شنابل” و”رولا جبريل”
على تجنُب عرض عنف الدولة لكي يصنعوا فيلمًا سِلميًا ومتفائلًا من
وجهة النظر الغربية. حتى إنهما فرضا هذا المنطق ابتداءً من
المَشاهِد الأولى، فقدما للمشاهد مجتمعًا متمايزًا وحديثًا، نافيين
بذلك التصوّر الغربي عن فلسطين المتخلفة وكذلك الخـُرافة الصهيونية
عن البلد الذي كان فارغًا من السكان.
وجدير بالذكر أن الفيلم أثار غضب إسرائيل بعد عرضه الأول داخل
الولايات المتحدة الأمريكية في حرم الجمعية العامة للأمم المتحدة،
واشتكت إسرائيل بحجة أن الفيلم “لم يكن متوازنًا” في سرد الأحداث،
وأن ذلك يُعد انحيازًا من الأمم المتحدة لوجهة النظر الفلسطينية
المطروحة.
الفليم أُنتج عام 2010، من إنتاج فرنسي/إيطالي/أمريكي/هندي مشترك،
وقامت هيام عباس الفلسطينية من عرب 48 بدور هند الحسيني، وياسمين
المصري بدور نادية، ورُبى بلال بدور فاطمة، وقامت الهندية فريدا
بينتو بدور ميرال، كما قام ألكسندر سيديج بدور جمال شاهين.
*الأبيات من قصيدة “منشورات فدائية على جدران إسرائيل” لـ نزار
قباني. |